موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(58) المكتوب الثامن والخمسون إلى السيد محمود في بيان أن هذا الطريق كله سبع خطوات وأن مشائخ النقشبندية اختاروا ابتداء السير من عالم الأمر بخلاف مشائخ السلاسل الأخر وأن طريق هؤلاء الأكابر هو طريق الأصحاب الكرام وما يناسب ذلك

 

 


رزقكم الله سبحانه الإستقامة على جادّة آبائكم الكرام بحرمة سيّد المرسلين عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام (اعلم) أنّ السّؤدد والرّياسة والحشمة موروثة في جماعتكم، فينبغي أن تكون معيشتكم ومعاشرتكم على نهج يتيسّر لكم استحقاق هذه الوراثة، أعني تحلية الظّاهر بظاهر الشّريعة وتزيين الباطن بباطنها الّذي هو عبارة عن الحقيقة، فإنّ الطّريقة والحقيقة عبارتان عن حقيقة الشّريعة، والطّريقة هي نفس تلك الحقيقة لا انّ الشّريعة أمر والطّريقة والحقيقة أمران آخران مغايران لها، فإنّ اعتقاد ذلك إلحاد وزندقة. وظنّ الفقير بكم حسن جدّا واجعل بعض الوقائع شاهدا لهذا المعنى وقد أظهرت نبذة من ذلك لوالدكم الماجد وبقيّة المرام أنّ الشّيخ عبد الغنيّ رجل محلّى بالصّلاح وحسن الشّيمة، فإن راجع خدمتكم في أمر من الأمور فالمرجوّ منكم بذل الإلتفات إليه والسّلام والإكرام.

(٥٨) المكتوب الثّامن والخمسون إلى السّيّد محمود في بيان أنّ هذا الطّريق كلّه سبع خطوات وأنّ مشائخ النّقشبنديّة اختاروا ابتداء السّير من عالم الأمر بخلاف مشائخ السّلاسل الأخر وأنّ طريق هؤلاء الأكابر هو طريق الأصحاب الكرام وما يناسب ذلك

قد ورد مكتوبكم الشّريف ولمّا فهمت منه شوقكم إلى استماع كلمات هؤلاء الطّائفة العليّة أردت أن أحرّر بالضّرورة كلمات إجابة للمسئول وترغيبا في المأمول. أيّها المخدوم إنّ هذا الطّريق الّذي نحن في صدد قطعه كلّه سبع أقدام بعدد اللّطائف السّبع الإنسانيّة: قدمان منها في عالم الخلق يتعلّقان بالقالب أعني البدن العنصريّ والنّفس وخمسة منها في عالم الأمر مربوطة بالقلب والرّوح والسّرّ والخفىّ والأخفى، وفي كلّ قدم من هذه الأقدام السّبع ترتفع عشرة آلاف حجاب نورانيّة كانت تلك الحجب أو ظلمانيّة " إنّ لله سبعين ألف حجاب من نور وظلمة» (١) ففي القدم الأولى الّتي توضع في عالم الأمر يظهر التّجلّي الأفعاليّ، وفي الثّانية التّجلّي الصّفاتيّ، ويقع الشّروع في التّجلّيات الذّاتيّة في الثّالثة ثمّ وثمّ على تفاوت درجاتها، كما لا يخفى على أربابها، وفي كلّ خطوة من الخطوات السّبع يبعد السّالك عن نفسه ويقرب من ربّه سبحانه حتّى يتمّ القرب بتمام هذه الأقدام، فحينئذ يتشرّف بالفناء والبقاء ويبلغ درجة

__________

(١) الحديث رواه في المشكاه من قول جبريل كان بينى وبينه سبعون ألف حجاب وترك البياض ثم ألحق بعض الشراح روى ابن حبان في صحيحه عن ابن عمر وقال ابن حجرانه صحيح ثم ذكر من الصحابة جبيرا بن مطعم وأن تعقب عليه على القارى بأن ذكر العد غير صحيح ونفس الحجاب في صحيح مسلم من رواية أبي موسى مرفوعا حجاب من النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه قلت الحديث الذي في المشكاة غير الذي أخرجه مسلم والذي في المشكاة أورده السيوطي في حديث طويل جدا وعزاه إلى ابن زنجوية عن على بن يزيد الهلالى عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامه مرفوعا بلفظ يا محمد لقد دنوت من الله دنوا ما دنوت مثله قط فكان بينى وبنه سبعون ألف حجاب من نور الحديث بطولة ثم قال حم القاسم بن عبد الرحمن حدث عن على بن يزيد باعا جيب ما أراها إلا من قبل القاسم اهـ سند عفى عنه.

الولاية الخاصّة. واختار مشائخ النّقشبنديّة العليّة قدّس الله أسرارهم السّنيّة ابتداء هذا السّير من عالم الأمر وهم يقطعون مسافة عالم الخلق أيضا في ضمن هذا السّير، بخلاف مشائخ سلاسل أخر قدّس الله أسرارهم ولهذا كان طريق النّقشبنديّة أقرب الطّرق.

فلا جرم صارت نهاية غيرهم مندرجة في بدايتهم (ع) يدلّ على حسن الزّمان ربيعه * وطريق هؤلاء الأكابر هو بعينه طريق الصّحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، فإنّ ما حصل للأصحاب في أوّل صحبة خير البشر عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام بطريق اندراج النّهاية في البداية قلّما يحصل لكمّل الأولياء في النّهاية، ولهذا كان الوحشيّ قاتل حمزة (١) رضي الله عنه أفضل من أويس القرنيّ (٢) الّذي هو خير التّابعين لنيله صحبة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مرّة واحدة. سئل عبد الله بن المبارك (٣): أيّهما أفضل معاوية (٤) أو عمر بن عبد العزيز (١)؟ فقال: والله للغبار الّذي دخل أنف فرس معاوية مع رسول الله صلّى

__________

(١) حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه: عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمه هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن عبد كلاب بن مرة، يكنى أبا عمارة، وكان له من الولد: يعلى وعامر وبنت وهي التي اختصم بها زيد وجعفر وعلي واسمها أمامة، كان إسلام حمزة عزة للإسلام والمسلمين؛ قال محمد بن كعب القرظي: قال أبو جهل في رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك حمزة، فدخل المسجد مغضبا فضرب رأس أبي جهل بالقوس ضربة أوضحته، وأسلم حمزة فعزّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، وذلك في السنة السادسة من النبوة بعد دخول لرسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم (أخرجه الطبراني مرسلا عن محمد بن كعب القرظي). وقال يزيد بن رومان المدني: وأول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة لحمزة. انظر: ابن الجوزي: صفة الصفوة: ١/ ١٩٥.

(٢) أويس القرني: أويس بن عامر القرني المرادي، والقرني بفتح القاف والراء نسبة إلى قرن بن رومان، سيد التابعين، ذكر الصريفيني أن مسلما أخرج حديث أويس، والذي في مسلم ذكر أويس وحكاية كلامه، لا ذكر روايته؛ قلاال ابن عدي: ليس لأويس من الرواية شيء، إنما له حكايات ونتف في زهده، وقد شك قوم فيه، ولا يجوز أن يشكّ فيه لشهرته، ولا يتهيأ أن يحكم عليه بالضعف، بل هو ثقة صدوق، قال: ومالك ينكر أويسا ويقول: لم يكن. انظر: الحافظ ابن حجر: تهذيب التهذيب: ١/ ٢٤٤.

(٣) أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك بن واضح من أهل مرو: ولد سنة ثمان عشرة ومائة، عالم فقيه مفسر محدث مؤرخ نحوي لغوي، قال عبد الرحمن بن مهدي: ما رأت عيناي أنصح لهذه الأمة من عبد الله بن المبارك، له رحلات عديدة ومن تصانيفه الكثيرة: كتاب الزهد، السنن في الفقه، كتاب التفسير، البر والصلة، كتاب الجهاد، مات ب “ هيت ” منصرفا من الغزو في رمضان سنة إحدى وثمانين ومائة. انظر: المعارف: ٥١١، طبقات الفقهاء للشيرازي: ١٠٧، صفة الصفوة: ٢/ ٣٣٠، تهذيب التهذيب: ٣/ ٢٤٧، شذرات الذهب: ١/ ٢٩٥، النجوم الزاهرة: ٢/ ١٠٣، هدية العارفين: ١/ ٤٣٨، الأعلام: ٤/ ١١٥، معجم المؤلفين: ٢/ ٢٧١، برو كلمان: ٣/ ١٥٣، تاريخ التراث العربي: ١/ ١٣٧.

(٤) معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس أبو عبد الرحمن الأموي، أسلم يوم الفتح وقيل: قبل ذلك، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر وأخته أم حبيبة أم المؤمنين، وروى عنه: جرير بن عبد الله البجلي والسائب بن يزيد الكندي وابن عباس ومعاوية بن خديج وغيرهم، له في صحيح البخاري ثمانية أحاديث، ولاه عمر على الشام بعد أخيه يزيد، وأقره عثمان عليها مدة خلافته، ثم ولي الخلافة، قال ابن إسحاق: «كان معاوية أميرا عشرين سنة وخليفة عشرين سنة»، توفي معاوية رضي الله عنه في رجب لأربع بقين من سنة ٦٠ هـ. انظر: تهذيب التهذيب: ٥/ ٤٧٨، هدي الساري لا بن حجر: ٥٠٠، رجال صحيح البخاري للكلاباذي: ٢/ ٧٠٣، رجال صحيح مسلم لا بن منجويه: ٢/ ٢٢٨.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!