موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(59) المكتوب التاسع والخمسون إلى السيد محمود أيضا في بيان أنه لا بد في حصول النجاة من أمور ثلاثة وأنها لا تتصور بدون اتباع أهل السنة والجماعة وأن العلم والعمل متعلقان بالشريعة والإخلاص منوط بسلوك طريق الصوفية وما يناسب ذلك

 

 


الله عليه وسلّم خير من عمر بن عبد العزيز كذا مرّة (٢)، فينبغي أن يتأمّل في أنّه إذا كان بداية جماعة بحيث اندرجت فيها نهاية غيرهم ماذا تكون نهايتهم؟! وكيف يسعها إدراك الآخرين: وما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلّا هُوَ (٣)

(شعر):

لو عابهم قاصر طعنا بهم سفها ... برأت ساحتهم من أفحش الكلم

هل يقطع الثّعلب المحتال سلسلة ... قيّدت بها اسد الدّنيا بأسرهم

رزقنا الله سبحانه وإيّاكم محبّة هؤلاء الطّائفة العزيزي الوجود. والورقة وإن كانت محقّرة ولكنّها قد اندرجت فيها معارف عالية وحقائق سامية، فينبغي إعزازها يعني من أجلها.

(٥٩) المكتوب التّاسع والخمسون إلى السّيّد محمود أيضا في بيان أنّه لا بدّ في حصول النّجاة من أمور ثلاثة وأنّها لا تتصوّر بدون اتّباع أهل السّنّة والجماعة وأنّ العلم والعمل متعلّقان بالشّريعة والإخلاص منوط بسلوك طريق الصّوفيّة وما يناسب ذلك

رزقنا الله سبحانه الإستقامة على جادّة الشّريعة المصطفويّة على صاحبها الصّلاة والسّلام والتّحيّة والإقبال على جناب قدسه بالكلّيّة. وقد وردت الصّحيفة الشّريفة المشتملة على المفاوضة المنيفة فصارت موجبة للفرح، واتّضحت المقدّمات المنبئة عن محبّة الفقراء والإخلاص لهؤلاء الطّائفة الغرباء، اللهمّ زد.

واندرج فيها أيضا طلب الفوائد فاعلم أيّها المخدوم. ولا بدّ للإنسان من ثلاثة أشياء حتّى تتيسّر النّجاة الأبديّة: العلم والعمل والإخلاص.

والعلم على قسمين: قسم المقصود منه العمل وقد تكفّل ببيانه علم الفقه.

__________

(١) عمر بن عبد العزيز بن مروان: يكنى أبا حفص، أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، قال سفيان الثوري: الخلفاء خمسة: أبو بكر، وعمر وعثمان وعلي وعمر بن العزيز رضي الله عنهم، وقال الإمام أحمد بن حنبل: يروى في الحديث: «إن الله تبارك وتعالى يبعث على رأس كل مائة عام من يصحح لهذه الأمة دينها " فنظرنل في المائة الأولى فإذا هو عمر بن عبد العزيز، ونظرنا في المائة الثانية فإذا هو الشافعي. وعن الضحاك بن عثمان قال: لما انصرف عمر بن عبد العزيز عن قبر سليمان بن عبد الملك صفت له مراكب سليمان، فقال: ولو لا التقى ثم النهى خشية الردى لعاصيت في حب الصبا كل زاجر قضى ما قضى فيما قضى ثم لا. يرى له صبوة أخرى الليالي الغوابر انظر في ترجمة عمر بن عبد العزيز: ابن الجوزي: صفة الصفوة: ٢/ ٨٠.

(٢) في الفتاوى الحديثية لا بن حجر من مائة وواحد مثل ابن عبد العزيز اهـ سند.

(٣) الآية: ٣١ من سورة المدثر.

وقسم المقصود منه مجرّد الإعتقاد واليقين القلبيّ وذكر هذا القسم في علم الكلام بالتّفصيل على مقتضى آراء أهل السّنّة والجماعة الّذين هم الفرقة النّاجية. ولا إمكان للنّجاة ولا مطمع لأحد فيها بدون اتّباع هؤلاء الأكابر فإن وقعت المخالفة لهم مقدار شعرة فالأمر في خطر أيّ خطر. وهذا الكلام قد بلغ من الصّحّة مرتبة اليقين بالكشف الصّحيح والإلهام الصّريح أيضا لا احتمال فيه للتّخلّف. فطوبى لمن وفّق لمتابعتهم وتشرّف بتقليدهم وويل لمن خالفهم واعتزلهم ورفض أصولهم وخرج من زمرتهم فضلّ وأضلّ وأنكر الرّؤية والشّفاعة وخفي عليه فضيلة الصّحبة وفضل الصّحابة وحرم محبّة أهل بيت الرّسول ومودّة أولاد البتول (١) فمنع من خير كثير نالها أهل السّنّة. واتّفقت الصّحابة على أنّ أفضلهم أبو بكر قال الإمام الشّافعيّ (٢) رضي الله عنه - وهو أعلم بأحوال الصّحابة -: اضطرّ النّاس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يجدوا تحت أديم السّماء خيرا من أبي بكر فولّوه رقابهم وهذا تصريح منه بأنّ الصّحابة متّفقون على أفضليّة الصّدّيق فيكون إجماعا على أفضليّته في الصّدر الأوّل فيكون قطعيّا لا يسوغ إنكاره. وأهل بيت الرّسول مثلهم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هلك قال بعض العارفين إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جعل أصحابه كالنّجوم (٣) وبالنّجوم هم يهتدون. وشبّه أهل بيته بسفينة نوح إشارة إلى أنّ راكب السّفينة لا بدّ له من رعاية النّجوم ليأمن من الهلاك وبدون رعاية النّجوم النّجاة ممتنعة.

وممّا ينبغي أن يعلم: أنّ الإنكار على بعض إنكار على جميعهم، فإنّهم في فضيلة صحبة خير البشر مشتركون، وفضيلة الصّحبة فوق جميع الفضائل والكمالات، ولهذا لم يبلغ أويس القرنيّ الّذي هو خير التّابعين مرتبة أدنى من صحبه عليه الصّلاة والسّلام فلا تعدل بفضيلة الصّحبة شيئا كائنا ما كان، فإنّ إيمانهم ببركة الصّحبة وشهود نزول الوحي صار شهوديّا. ولم يتّفق لأحد بعد الصّحابة هذه المرتبة من

__________

(١) يعني السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(٢) أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع الشافعي المطلبي القرشي إمام الأئمة مجدد القرن الثاني يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عبد مناف، الإمام الأعظم والحبر المكرم أحد الأئمة المجتهدين الأعلام ركن الإسلام أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة وإليه تنتسب الشافعية، ومذهبه ينحو إلى التوفيق بين مذهب أهل الحديث الذي سار عليه مالك ومذهب أهل الرأي الذي أخذ به أبو حنيفة، ولد سنة ١٥٠ هـ وتوفي بالقرافة الصغرى بمصر سنة ٢٠٤ هـ، أول من دون علم أصول الفقه، له الرسالة في أصول الفقه، الأم في الفقه، جماع العلم، أفرد العلماء ترجمته بالتصنيف منها: مناقب الشافعي لا بن أبي حاتم والبيهقي والرازي ومنها معالي التأسبس للحافظ ابن حجر، الشافعي حياته وعصره لأبي زهرة، انظر: تاريخ بغداد: ٢/ ٥٦، طبقات الفقهاء للشيرازي: ٦٠، طبقات الشافعية لا بن هداية: ١٨٥، صفة الصفوة: ١/ ٤٨٢، طبقات الحنابلة: ١/ ٢٨٠، المنهج الأحمد: ١/ ٦٣، تهذيب التهذيب: ٥/ ٢٠، شذرات الذهب: ٢/ ٩، النجوم الزاهرة: ٢/ ١٧٦، هدية العارفين: ٢/ ٩، الأعلام: ٦/ ٢٦، معجم المؤلفين: ٣/ ١١٦، برو كلمان: ٣/ ٢٩٢، تاريخ التراث العربي: ٢/ ١٦٥.

(٣) (أشارة إلى ما هو المشهور على الألسنة من قول أصحابي كالنجوم الخ) والحديث متكلم فيه وقد أخرج المسلم عن أبي موسى الأشعرى بلفظ النجوم أمنة أهل السماء فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يوعدون وأصحابى أمنة لأمتى فإذا ذهب أصحابى أتى أمتى بما يوعدون اهـ سند عفى عنه.

الإيمان، والأعمال متفرّعة على الإيمان كمالها بحسب كمال الإيمان، وما جرى بينهم من المشاجرات والمنازعات فمحمول على محامل صالحة وحكم بالغة ما كانت عن هوى وجهل ولكن عن اجتهاد وعلم، فإن أخطأ بعضهم في الإجتهاد فللمخطئ أيضا درجة عند الله سبحانه. هذا هو الطّريق الوسط بين الإفراط والتّفريط الّذي اختاره أهل السّنّة والجماعة وهو الطّريق الأسلم والسّبيل الأحكم. وبالجملة انّ العلم والعمل مستفادان من الشّريعة، وتحصيل الإخلاص الّذي هو بمنزلة الرّوح للعلم والعمل مربوط بسلوك طريقة الصّوفيّة.

وما لم يقطع السّالك مسافة السّير إلى الله ولم يتحقّق له السّير في الله فهو بعيد من حقيقة الإخلاص ومحروم من كمالات المخلصين أهل الإختصاص. نعم قد يتحقّق الإخلاص في بعض الأعمال لعامّة المؤمنين بالتّعمّل والتّكلّف ولو في الجملة ولكنّ الإخلاص الّذي نحن في صدد بيانه هو الإخلاص في جميع الأفعال والأقوال والحركات والسّكنات من غير تعمّل وتكلّف فيه. وحصول هذا الإخلاص منوط بانتفاء الآلهة الآفاقيّة والأنفسيّة الّذي هو مربوط بالفناء والبقاء.

والوصول بالولاية الخاصّة والإخلاص الّذي يحتاج فيه إلى التّعمّل والتّكلّف لا يكون له دوام، ولا بدّ من سقوط التّكلّف في حصول الدّوام الّذي هو مرتبة حقّ اليقين. وأولياء الله تعالى كلّما يفعلونه يفعلونه لله جلّ وعلا لا لحظوظ نفوسهم فإنّ نفوسهم كانت فداء الحقّ سبحانه ولا حاجة لهم إلى تصحيح النّيّة في حصول الإخلاص فإنّ نيّتهم قد صحّت بالفناء في الله والبقاء بالله، فإنّ شخصا مثلا إذا كان أسيرا في يد نفسه فكلّما يفعله، يفعله لحظّ نفسه نوى أو لم ينو، ومتى زال تعلّقه بنفسه وتخلّص من ربقة رقّيّتها وحصل بدله التّعلّق بالحقّ جلّ وعلا فلا جرم يفعل كلّما يفعله لله نوى أو لم ينو فإنّ النّيّة إنّما يحتاج إليها في المحتمل، وأمّا المتعيّن فلا حاجة فيه إلى التّعيين ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم (١).

وصاحب الإخلاص الدّائم هو من المخلصين بفتح اللّام ومن لا دوام في إخلاصه بل هو في كسب الإخلاص دائما فهو من المخلصين بكسر اللّام وشتّان ما بينهما. والنّفع الّذي يحصل في العلم والعمل من طريق الصّوفيّة هو أن تكون العلوم الكلاميّة الإستدلاليّة كشفيّة، وأن يحصل اليسر التّامّ في أداء الأعمال وأن يزول الكسل النّاشئ من جانب النّفس والشّيطان. (ع) وهذي سعادات تكون نصيب من * والسّلام أوّلا وآخرا.

__________

(١) الآية: ٢١ من سورة الحديد، والآية: ٤ من سورة الجمعة.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!