موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(60) المكتوب الستون إلى السيد محمود أيضا في بيان نفي الخواطر ودفع الوساوس الكلية وما يناسب ذلك ** | ** (61) المكتوب الحادي والستون إلى السيد محمود أيضا في التحريض على صحبة الشيخ الكامل المكمل والإجتناب عن صحبة الناقص وما يناسب ذلك

 

 


(٦٠) المكتوب السّتّون إلى السّيّد محمود أيضا في بيان نفي الخواطر ودفع الوساوس الكلّيّة وما يناسب ذلك

شرّف الله سبحانه وتعالى بدوام التّعلّق بجناب قدسه، فإنّ حقيقة الحرّيّة إنّما هي في ذلك التّحقّق، ومنع الخواطر، ودفع الوساويس حاصل في طريقة خواجكان قدّس الله أسرارهم على الوجه الاتمّ، حتّى جلس بعض مشائخ هذه الطّائفة الأربعين لملاحظة خطور الخواطر ومنعها عن ساحة صدره في هذه المدّة كلّها، قال حضرة الخواجه عبيد الله أحرار قدّس الله سرّه في هذا المقام: إنّ المراد بعدم خطور الخواطر ودفعها هي الخواطر الّتي تكون مانعة من دوام التّوجّه إلى المطلوب لا دفع الخواطر مطلقا يقول واحد من مخلصي هذه السّلسلة العليّة مخبرا عن حاله بحكم وأَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١): إنّ نفي الخواطر عن القلب يبلغ حدّا لو أعطيت عمر نوح على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام فرضا لا يخطر على قلبي شيء من الخواطر، لا أنّه متكلّف في هذا الدّفع فإنّ كلّ شيء كان حصوله بالتّكلّف فهو مؤقّت لا يقبل الدّوام بل لو تكلّف في إتيان الخواطر وإيقاعها سنين لا يتيسّر أصلا، وتعيين الأربعين ينبئ عن التّكلّف. والتّكلّف إنّما هو في مرتبة الطّريقة، وأمّا الحقيقة فهي التّخلّص من التّعمّل والتّكلّف يادكرد في الطّريقة ويادداشت في الحقيقة، فتحقّق أنّ دوام التّوجّه إلى المطلوب على تقدير تحقّق منع الخواطر المؤقّت بوقت من العشر والأربعين محال لما مرّ من أنّ التّكلّف في مرتبة الطّريقة والدّوام غير متصوّر في الطّريقة وإنّما هو في الحقيقة، وذلك لعدم مجال للتّكلّف في ذلك الموطن، فورود الخاطر وخطوره في مرتبة التّكلّف يكون مانعا من دوام التّوجّه. والّذي يحصل لقلوب مبتدئى هذه السّلسلة العليّة من دوام التّوجّه فهو أمر آخر. وما نحن بصدد بيانه فعبارة عن يادداشت الّذي هو نهاية مرتبة الكمال. قال حضرة الخواجه عبد الخالق قدّس سرّه ليس وراء يادداشت غير الأوهام والظّنون يعني ليس وراءه مرتبة أخرى والمقصود من إظهار أمثال هذه الأحوال هو ترغيب طالبي هذه الطّريقة العليّة وإن لم يزد للمنكرين غير الإنكار شيئا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا ويَهْدِي بِهِ كَثِيرًا (٢). قال في المثنوىّ، (شعر):

خاب الّذي قد يرى ذا القبح كالحسن ... وفاز من كان فيه حدّة البصر

النّيل كان دما للقبط ولبني ... يعقوب ماء وذا من أعظم العبر *

والسّلام والإكرام.

(٦١) المكتوب الحادي والسّتّون إلى السّيّد محمود أيضا في التّحريض على صحبة الشّيخ الكامل المكمّل والإجتناب عن صحبة النّاقص وما يناسب ذلك

__________

(١) الآية: ١١ من سورة الضحى.

(٢) الآية: ٢٦ من سورة البقرة.

رزقكم الله سبحانه الزّيادة في طلبه والإجتناب عن كلّ ما ينافي الوصول إلى المطلب بحرمة سيّد البشر المحرّر عن زيغ البصر عليه وعلى آله الصّلوات والتّسليمات. قد شرّف مكتوبكم الشّريف بوصوله، ولمّا كان منبئا عن الطّلب والشّوق ومشعرا بوجود الهيام والظّمأ والذّوق، كان لدى النّظر مستحسنا جدّا فإنّ وجود الطّلب مبشّر بحصول المطلوب، وحصول الهيام مقدّمة الوصول إلى المقصود. وقال أحد من الأعزّة: إن طلبت تعطى وإن لم تعط تزاد فينبغي أن يعدّ حصول دولة الطّلب نعمة عظمى، وأن يحترز من كلّ ما ينافيها لئلّا يتطرّق الفتور إليها من غير شعور وكيلا تؤثّر البرودة في تلك الحرارة. ومعظم أسباب المحافظة عليها هو القيام بشكر حصول تلك الدّولة لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (١) ودوام الإلتجاء والتّضرّع إلى جناب قدس الحقّ جلّ سلطانه حتّى لا يصرف وجه طلبه عن كعبة جماله اليزاليّ، فإن لم تتيسّر حقيقة الإلتجاء والتّضرّع ينبغي أن لا يقصر في صورة الإلتجاء والتّضرّع “ فإن لم تبكوا فتباكوا ” بيان لهذا المعنى، وهذه المحافظة إنّما هي إلى زمان الوصول إلى الشّيخ الكامل المكمّل ثمّ بعد الوصول إليه لا شيء عليه سوى تفويض جميع مراداته إليه وكونه كالميّت بين يدي الغسّال لديه.

والفناء الأوّل هو الفناء في الشّيخ، ويكون هذا الفناء وسيلة الفناء في الله، (شعر):

من أجل كونك في البداية أحولا ... لا بدّ من شيخ يقودك أوّلا

فإنّ طريق الإفادة والإستفادة مبنيّ على وجود المناسبة بين الطّرفين.

والطّالب لا بدّ له أوّلا من برزخ ذي جهتين لكونه في الإبتداء في غاية الدّناءة ونهاية الخساسة وعدم مناسبته أصلا لجناب قدسه جلّ سلطانه من هذه الحيثيّة، وذلك البرزخ هو الشّيخ الكامل المكمّل.

وأقوى أسباب وقوع الفتور على طلب الطّالب هو الإنابة إلى الشّيخ النّاقص، وهو الّذي جلس على مسند المشيخة بدون إتمام أمره بالسّلوك والجذبة، فصحبته سمّ قاتل للطّالب والإنابة إليه مرض مهلك. ومثل هذه الصّحبة تورث الإنحطاط والتّنزّل للاستعداد العالي، بل ترميه من الذّروة إلى الحضيض؛ ألا ترى أنّ المريض إذا أكل مثلا دواء من طبيب ناقص في الطّبّ فلا جرم يكون ذلك سعيا واجتهادا منه في زيادة مرضه وتضييع قابليّة إزالة مرضه، وهذا الدّواء وإن أورث تسكين الوجع وتخفيف ما في أوّل وهلة ولكن في الحقيقة هو عين المضرّة، فإن وصل هذا المريض فرضا إلى طبيب حاذق يجتهد هذا الطّبيب أوّلا في إزالة تأثير ذلك الدّواء ويعالجه بالمسهّلات يعني لإخراجه ثمّ يشرع في معالجة إزالة المرض بعد زوال ذلك التّأثير.

ومدار طريق هؤلاء الأكابر على الصّحبة لا يحصل فيه شيء من القيل والقال والسّماع العاري عن الأحوال بل يورث ذلك فتورا في طلب التّرقّي إلى مدارج القرب والكمال، ويحتمل أن يقع السّير إلى

__________

(١) الآية: ٧ من سورة إبراهيم.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!