موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(80) المكتوب الثمانون إلى المرزا فتح الله الحكيم في بيان أن الفرقة الناجية من بين الفرق الثلاثة والسبعين فرقة أهل السنة والجماعة وفي المنع من الإلتفات إلى الفرق المبتدعة والإختلاط معهم وما يناسب ذلك

 

 


الحمد لله ذي الإنعام والمنّة قد صار حسن الإعتقاد وحسن الظّنّ بالشّريعة وصاحبها عليه الصّلاة والسّلام والتّحيّة مشهودا فيك بأحسن الوجوه، وكانت النّدامة على الأوضاع المذمومة ممدّتك ومعينتك دائما زادهما الله سبحانه وتعالى.

ثمّ إنّ حامل رقيمة الدّعاء الشّيخ ميان مصطفى من نسل القاضي شريح وقد كانت أسلافه الأكابر من كبراء هذه الدّيار وكانت لهم وظائف كثيرة وأسباب معيشة وافرة، وقد توجّه المشار إليه إلى العسكر بسبب ضيق المعيشة ومعه إسناده ومنشوره. فالمرجوّ حصول الجمعيّة له بواسطتكم. والزّيادة على ذلك موجبة للتّصديع، وينبغي تفويض المشار إليه إلى الصّدور العظام على نهج يتيسّر له الأمر فيكون سببا لجمعيّة أرباب التّفرقة والسّلام والإكرام.

(٨٠) المكتوب الثّمانون إلى المرزا فتح الله الحكيم في بيان أنّ الفرقة النّاجية من بين الفرق الثّلاثة والسّبعين فرقة أهل السّنّة والجماعة وفي المنع من الإلتفات إلى الفرق المبتدعة والإختلاط معهم وما يناسب ذلك

رزقنا الله سبحانه وإيّاكم الإستقامة على جادّة الشّريعة المصطفويّة على صاحبها الصّلاة والسّلام والتّحيّة (ع) هذا هو الأمر والباقي من العبث * وكلّ فرقة من الفرق الثّلاث والسّبعين يدّعون أنّهم متّبعون للشّريعة ويجزمون بكونهم ناجين “ كلّ حزب بما لديهم فرحون ” مصداق حالهم ونقد وقتهم،

وأمّا الدّليل الّذي بيّنه النّبيّ الصّادق عليه من الصّلوات أكملها ومن التّسليمات أفضلها على تمييز فرقة ناجية من تلك الفرق المتعدّدة فهو قوله صلّى الله عليه وسلّم “ الّذين (١) هم على ما أنا عليه وأصحابي ” وذكر الأصحاب مع وجود الكفاية بذكر صاحب الشّريعة عليه الصّلاة والسّلام والتّحيّة في ذلك المحلّ يمكن أن يكون للإيذان بأنّ طريقي هو طريق الأصحاب، وطريق النّجاة منوط باتّباع طريقهم فحسب.

كما قال الله تعالى “ ومن يطع الرّسول فقد أطاع الله ” فكان إطاعة الرّسول عين إطاعة الله تعالى وخلاف إطاعته صلّى الله عليه وسلّم عين معصيته تعالى وتقدّس. وقد أخبر الله سبحانه عن حال جماعة زعموا طاعته تعالى خلاف طاعة الرّسول وحكم بكفرهم حيث قال سبحانه “ يريدون أن يفرّقوا بين الله ورسوله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ” الآية. فدعوى اتّباع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بدون اتّباع طريق الأصحاب رضوان الله عليهم أجمعين دعوى باطل، بل ذلك الإتّباع في الحقيقة عين معصية الرّسول عليه

__________

(١) (قوله الذين هم على ما انا الحديث) رواه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنه (القزاني رحمة الله عليه)

الصّلاة والسّلام. فأين المجال لطمع النّجاة في ذلك الطّريق “ يحسبون أنّهم على شيء ألا إنّهم هم الكاذبون ” مطابقة لحالهم، ولا شكّ أنّ الفرقة الملتزمة لإتّباع أصحابه عليه وعليهم الصّلاة والسّلام أهل السّنّة والجماعة شكر الله سعيهم فهم الفرقة النّاجية، فإنّ الطّاعنين في أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كالشّيعة والخوارج محرومون من اتّباعهم. وللمعتزلة مذهب على حدة محدث ورئيسهم واصل بن عطاء كان من أصحاب حسن البصرىّ ثمّ اعتزل مجلسه وصار يقول بإثبات الواسطة بين الكفر والإيمان.

فقال الحسن: اعتزل عنّا وعلى هذا القياس سائر الفرق. والطّعن في الأصحاب طعن في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الحقيقة. ما آمن برسول الله صلّى الله عليه وسلّم من لم يوقّر أصحابه، فإنّ خبثهم ينجرّ إلى خبث صاحبهم نعوذ بالله من هذا الإعتقاد السّوء.

(وأيضا) إنّ أحكام الشّريعة الّتي وصلت إلينا من طريق القرآن والأحاديث إنّما وصلت بتوسّط نقلهم، فإذا كان هؤلاء مطعونا فيهم يكون نقلهم أيضا مطعونا فيه. وهذا النّقل ليس مخصوصا ببعض دون بعض، بل كلّهم في العدالة والصّدق والتّبليغ سواء. فالطّعن في واحد منهم أيّ واحد كان طعنا في الدّين والعياذ بالله سبحانه منه.

(فإن) قال الطّاعنون في الأصحاب: نحن أيضا نتابعهم ولكن لا يلزم في تحقّق المتابعة متابعة الجميع بل ذلك غير ممكن لتناقض آرائهم واختلاف مذاهبهم. (أجيب) انّ متابعة البعض إنّما تنفع إذا لم يوجد إنكار الباقين، ومتى تحقّق إنكار البعض لا يتحقّق متابعة البعض الآخر. فإنّ عليّا كرّم الله وجهه كان يوقّر الخلفاء الثّلاثة ويعظّمهم رضوان الله عليهم أجمعين وبايعهم عالما باستحقاقهم الإقتداء بهم.

فدعوى متابعته مع وجود إنكارهم افتراء محض وادّعاء صرف، بل إنكارهم إنكار في الحقيقة لسيّدنا عليّ كرّم الله وجهه وردّ صريح لأقواله وأفعاله وتجويز احتمال التّقاة في حقّ أسد الله من غاية سخافة العقل، فإنّ العقل الصّحيح لا يجوّز إضمار بغض الخلفاء الثّلاثة لأسد الله قريبا من مدّة ثلاثين سنة، وإظهار خلافه وصحبته معهم على النّفاق أصلا. فإنّ مثل هذا النّفاق لا يتصوّر من أدنى أهل الإسلام. فينبغي التّأمّل والتّفكّر في شناعة هذا الفعل فإنّه يستلزم نسبة ضعف كبير ووهن كثير وخديعة شنيعة إلى أسد الله عليّ كرّم الله وجهه فلئن جوّزنا التّقاة في حقّ أسد الله على سبيل فرض المحال فماذا يقولون في تعظيم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للخلفاء الثّلاثة، وتوقيره إيّاهم من الإبتداء إلى الإنتهاء، فإنّه لا مساغ فيه للتّقاة، لأنّ تبليغ ما هو الحقّ واجب على الرّسول وتجويز التّقاة هناك ينجرّ إلى الزّندقة. قال الله تعالى “ يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك فإن لم تفعل فما بلّغت رسالته ” قال الكفّار: إنّ محمّدا يظهر من الوحي ما يوافقه ويخفي منه ما يخالفه ومن المقرّر أن تقرير النّبيّ على الخطأ غير جائز وإلّا يتطرّق الخلل إلى شريعته، فإذا لم يصدر منه صلّى الله عليه وسلّم خلاف تعظيم الخلفاء الثّلاثة، ولم يظهر ما ينافي توقيرهم، علم أنّ تعظيمه وتوقيره صلّى الله عليه وسلّم إيّاهم مصون عن الخطأ ومحفوظ عن الزّوال.

(ولنرجع) إلى أصل الكلام ونبيّن جواب اعتراضهم يعني شبهتهم أوضح ممّا سبق وأنقح فنقول: إنّ متابعة جميع الأصحاب واجبة في أصول الدّين فإنّه لا اختلاف بينهم في الأصول وإنّما اختلافهم في الفروع فقط، فالّذي يطعن في بعضهم فهو محروم من متابعة جميعهم وكلمة الأصحاب وإن كانت في نفسها متّفقة ولكنّ شؤم الإنكار لأكابر الّذين يخرجها من الإتّفاق إلى الإختلاف، بل يجرّ إنكار القائل إلى إنكار المقول، وأيضا إنّ مبلّغي الشّريعة جميع الأصحاب كما مرّ، لأنّ الأصحاب كلّهم عدول وبلغ من كلّ واحد شيء من الشّريعة إلينا، وكذلك جمعوا القرآن أخذا من كلّ واحد منهم آية فما فوقها. فإنكار البعض إنكار لمبلّغي القرآن، فلا يتحقّق الإتيان بجميع الشّريعة في حقّ المنكر، فكيف النّجاة والفلاح.

قال الله تعالى “ أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ” الآية. مع أنّا نقول: إنّ جامع القرآن عثمان بل أبو بكر الصّدّيق وعمر الفاروق رضي الله عنهم وما جمعه عليّ كرّم الله وجهه وما حواه فهو سوى هذا القرآن. فينبغي التّأمّل والتّفكّر، فإنّ إنكار هؤلاء الأكابر ينجرّ إلى إنكار القرآن في الحقيقة عياذا بالله سبحانه منه.

(سأل) شخص مجتهد أهل التّشيّع يعني في زعمهم أنّ القرآن جمعه عثمان. فما اعتقادك في حقّ هذا القرآن؟ فقال: لا أرى المصلحة في إنكاره فإنّ بإنكاره ينهدم الدّين بالتّمام وأيضا إنّ العاقل (١) لا يجوز اجتماع أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أمر باطل قبل مرور يوم من رحلته صلّى الله عليه وسلّم ومن المقرّر أنّ أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كانوا يوم رحلته مقدار ثلاث وثلاثين ألفا، وبايع كلّهم الصّدّيق الأكبر بالطّوع والإختيار، واجتماع جميع أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في تلك الحالة على الضّلالة من جملة المحالات. وقد قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يجتمع (٢) أمّتي على الضّلالة "

وتأخّر عليّ كرّم الله وجهه يعني: من البيعة في الإبتداء ليس إلّا لعدم دعوتهم إيّاه إلى المشورة كما قال بنفسه: ما غضبنا إلّا لتأخّرنا عن المشورة وإلّا لنعلم أنّ أبا بكر خير منّا إلخ وعدم دعوتهم ايّاه يمكن أن يكون مبنيّا على مصلحة كتسلية أهل البيت بقعوده عندهنّ في الصّدمة الأولى من المصيبة أو نحو ذلك. والإختلاف الواقع بين الأصحاب ليس منشأه الهوى النّفسانيّ، فإنّ نفوسهم قد تزكّت وتخلّصت من أن تكون أمّارة بالسّوء وصارت مطمئنّة وكانت أهواؤهم تابعة للشّريعة، بل كان مبناه على الإجتهاد

__________

(١) اشار به إلى ان مجرد العقل كاف في ذلك فكيف اذا انضم اليه الديانة وحسن الظن باصحاب النبى صلى الله عليه وسلم لمحرره. (القزاني رحمة الله عليه)

(٢) رواه الترمذي عن ابن عمر رضى الله عنهما بلفظ ان الله لا يجمع امتى الخ. قال السخاوى. وبالجملة فهو حديث مشهور المتن ذو اسانيد كثيرة وشواهد متعددة في المرفوع وغيره اهـ. وقال السيوطي لا يجتمع امتى على ضلالة رواه ابن ابى عاصم في السنة من حديث انس بهذا اللفظ اهـ. (القزاني رحمة الله عليه)



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!