موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


19. الموقف التاسع عشر

قال تعالى: ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾[فاطر: 35/ 2].

من الحكايات المتواترة عند القوم أنَّ عارفاً رأى مريداً حزيناً، فسأله عن سبب حزنه، فقال له المريد: مات أستاذي، فقال له العارف: ولم جعلت أستاذك من يموت؟! ففي هذه الحكاية أدب عظيم، وإرشاد جسيم إلى طريق مستقيم. وأكثر المريدين عن هذا في غفلة. يأتي المريد الشّيخ وقد تقرر في أذنه أنه يجب على المريد أن يعتقد في شيخه الكمال، وأنه أكمل أهل عصره، وأنه صاحب الهمّة الفعالة والبصيرة، وأنه كذ وأنه كذا. فإذا حضر عند الشيخ وقال له: جئت أطلب الطريق إلى الله تعالى ـ، فالشيخ لا يردّ من كان هذا قوله، كائناً من كان، ولو أطلعه الله تعالى على باطن المريد، بالكشف أو الفراسة. وقد كان (صلى الله عليه وسلم) يقبل أقوال المنافقين، مع اطلاعه على بواطنهم. وقد يكون المريد كاذباً في دعواه الطريق إلى الله، أو تكون همّته باردة، أو يكون الحق تعالى لم يقسم له شيئاً في طريق المعرفة، أو تكون له قسمة زمانها بعيد، أو تكون له قسمة لكن على يد شيخ آخر؛ فيخرج هذا المريد من طريق الشيخ الذي كان دخل تحت عهده، ويصير يتكلّم في الشيخ ويقول: ما هو إلاَّ كذاب، ما هو إلاَّ نصّاب، يأكل أموال الناس بالباطل، ولو كان شيخاً صادقاً لحصل لي منه ما قصدته.... ونحو هذا، فيهلك هلاكاً أبدياً إن لم يتداركه الله تعالى بالتوبة، فلو حضر المريد عند الشيخ، وقد عرف واعتقد أنَّ الشيخ إنما هو داعٍ إلى معرفة الله تعالى وأنَّ الحق تعالى قد قسم الحظوظ والأرزاق المعنوية والحسّية في الأزل، وقال ﴿مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ﴾[ق: 50/ 29]. فلا يزاد لأحد في قسمته ولا ينقص له منها. وأنه لا مانع لما أعطى الله، ولا معطي لما منع، وأنَّ الشيخ باب الله تعالى فما تفضل به الله تعالى على المريد وصله على يد الشيخ وخرج له على الباب. ومالم يتفضّل به الله تعالى لا يقدر الشيخ على إعطائه، وأنَّ الشيخ طبيب يعرف الخلط الفاسد، والركن الغالب، فيأمر المريد بما يصلح الفاسد، ويعدل الغالب، ويقول له: استعمل الدواء الفلاني، واترك الغداء الفلاني، وهذه أسباب إن سبق القدر بنجاحها ونفعها نفعت وإلاَّ فلا، كسائر الأسباب، لا أن الشيخ يعطي من لم تسبق له قسمة في الأزل، أو يقدم ما تأخّر، أو يؤخر ما تقدّم. فإن هذا شيء لم يجعله الله تعالى لأحب خلقه، وأفضل رسله، وأكرمهم لديه، فقال له: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾[القصص: 28/ 56]﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ﴾[آل عمران: 3/ 128]، ﴿أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ﴾[الزمر: 39/ 19].﴿وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ﴾[النمل: 27/ 81].

إلى أمثال هذا، وإنما الواجب على المريد الكامل، أن يكون مع الشيخ الكامل، كما كان الصديق (رضي الله عنه) مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فإنه كان يراه باب الله الأعظم، والداعي إلى الطريق الأقوم، وأنه أفضل العالمين، وسيّد المرسلين، وما كان يعتقد بيده ضراً ولا نفعاً، ولا عطاء ولا منعاً، ولا هداية ول ضلالة، ولهذا ثبت يوم موته (صلى الله عليه وسلم) وخطب خطبته المشهورة فقال: من كان يعبد محمداً فإنَّ محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وتلا:

﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ﴾[آل عمران: 3/ 144].

فكلّ رسول ووارث داع إنما دعواه إلى الله. والله لا يزول ولا يحول. بل كان الدعاة إنما هم ظهورات الحق تعالى وصوره وهو الداعي نفسه لنفسه بنفسه، فهو الداعي من حيث ظهوره وتعيّنه بصور الرسل والمشايخ، والمدعو من حيث ظهوره وتعينه بصور المريدين، ودعوته لنفسه من حيث رتبة الألوهية لا رتبة الإطلاق.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!