موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


22. الموقف الثاني والعشرون

ورد في الصحيح عنه تعالى، قال: «أنا جليس من ذكرني». الحديث بكماله. فلفظة أنا وني، يقتضيان أن المراد المجالسة بالذات، ومجالسة الحق تعالى الذاتية إنما هي إذا ذكره بأسماء الذات، كـ(الله والهو والحق والأحد).. وأسماء الضمائر. وأما إذا ذكره الذاكر بأسماء الصفات، أو أسماء الأفعال، وكان قصد الذاكر المعنى الذي دلت عليه لفظة الاسم، فلا يكون الحق جليسه إلاَّ من حيث ذلك المعنى خاصة، لا بالذات. وكذلك إذا ذكره بالاسم: الله، وكان قصد الذاكر معنى من المعاني التي دلَّ عليها الاسم (الله)، من حيث أنه جامع لجميع معاني الأسماء، كما إذا قال: يا الله ارزقني، أو يا الله عافني، مثلاً، فإن مقصوده من لفظة الله: ما دلَّ عليه من معنى الرازق والمعافي. وكل اسم من أسماء الصفات والأفعال له اعتباران: اعتبار من حيث دلالته على الذات، واعتبار من حيث المعنى الذي دلَّت عليه لفظة الاسم. فأمَّا من حيث الاعتبار الأول، فهو عين الذات وعين جميع الأسماء، فيصح نعته بجميع الأسماء، وأمَّا من حيث الاعتبار الثاني، فهو غير الذات وغير جميع الأسماء. ومن هذا المعنى الذي أسلفناه قوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً﴾[مريم: 19/ 85].

فحيث لم يكن المتقي جليساً للرحمن في الدنيا، وإنما كان جليساً لاسم من أسماء الجلال، كالمنتقم والجبار وشديد العقاب ونحوها، ومجالسة أسماء الجلال تمنع من مجالسة أسماء الجمال كالرحمن ونحوه، وهي التي حملته على التقوى، جزاه الله تعالى بحشره إلى الرحمن وفداً، حتى يرحمه الرحمن ويكرمه وينعمه. وقد غفل عن هذ المعنى العارف الكبير أبو يزيد البسطامي (رضي الله عنه) فإنه سمع قارئاً يقرأ: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً﴾[مريم: 19/ 85].

فقال: يا عجباً كيف يحشر إليه جليسه؟! ولذا قال إمام العارفين محي الدين: ليس العجب من قول الله هذا، وإنما العجب من قول أبي يزيد. والكمال لله، فلهذ نقول: الذي يحشر إلى الرحمن مقطوع بنجاته، بخلاف الذي يحشر إلى الله كما في قوله: ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾[المائدة: 5/96 المجادلة : 58/ 9].

فإنه بين خوف ورجاء من حيث أن الاسم الله، جامع لمعاني أسماء الجلال والجمال، فيمكن أن يقابل المحشور إليه بأسماء الجمال ويمكن أن يقابله بأسماء الانتقام. لا يقال إن الاسم، الرحمن، كذلك له الأسماء كلها قال تعالى :

﴿قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيّاً مَّ تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى﴾[الإسراء: 17 /110].

لأنّا نقول الاسم الرحمن، ولو كانت له الأسماء كلّها، كما هي منه، فإنه حين تكون تحت حيطته وفي قبضته لا تخرج إلاَّ بِنَفَسِه، وهو الرحمة لأن الدولة والحكم له، وأما قوله تعالى: ﴿وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ﴾[الأنعام: 6/ 51].

فكذلك خافوا من الحشر إلى الحضرة الجامعة لأسماء الربوبيّة كلها، ول يعرفون ما يتلقّاهم منها من الأسماء. ولو عرف كل واحد أنه يحشر إلى ربه الخاص، ماخاف لأنَّه كان معه في الدنيا. وكل واحد من المربوبين مرضي عند ربه، لأنَّ المربوب شأنه طاعة ربه الخاص، فلذلك هو ربه، راض عنه، كيفما كان ربّه مضلاً أو هادياً أو جبَّاراً أو عفوّاً، أو غير ذلك. وهذا الخبر الرباني، ماجاء على مقتضى خطاب العموم حتى تقبله العقول المحجوبة من غير تأويل، وما قبلته إلاَّ بضرب من التأويل، ول جاء على ماهو الأمر عليه في نفسه وحقيقته. فإنه لو جاء على هذا لقال: لا يظن ذاكري أنه غيري، فأنا الذاكر والذكر والمذكور. والحكمة في وروده باللفظ الذي ورد به هو قبوله لتأويل المتأولين، بخلاف ما لو صدعهم بصريح الحق ونفس الأمر فإنهم يعجزون عن تأويله، فلا يقبلونه. وكم من حديث ردّه علماء الرسوم لعجزهم عن تأويله. وعندهم من علامة وضع الحديث وروده بصفة تخالف العقل ولا يقبل التأويل حتى يجمع بين مقتضى العقل ومقتضى الحديث. وهؤلاء جعلوا عقولهم أصلاً يرجع إليه الكتاب والسنة، وهذ أضرّ شيء على المتكلمين في المتشابهات من الآيات وأحاديث الصفات، نعوذ بالله من الجهل الذي صورته صورة علم. ولو كان من هذه سبيله عامِّياً يؤمن بالمتشابهات على مراد الله تعالى ومراد رسوله (صلى الله عليه وسلم) كالسلف لكان خيراً له، وأول من وسّع باب التأويل أبو الحسن الأشعري (رضي الله عنه) ولكنه ما اتخذه ديناً ول عقيدة، وإنّما ألجأه إلى ذلك أهل الأهواء والبدع فإنهم يستدلون لبدعتهم من الكتاب والسنة، فكلّمهم بلسانهم وردَّ عليهم بسهامهم. ولذا قال في كتابه الإبانة، وهو آخر مؤلفاته: أن مذهبه في المتشابهات هو مذهب إمام السنة أحمد بن حنبل(رضي الله عنه).


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!