موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


229. الموقف التاسع والعشرون بعد المائتين

قال تعالى : حكاية عن العبد الصالح الخضر (عليه السلام) : ﴿وَمَ فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ﴾[الكهف: 18/ 82].

اعلم: أن المخلوقات منقسمة إلى عالم أمر وعالم خلق، فلكل فرد من أفراد عالم الخلق، حتى الذرة، أمر يخصّه من عالم الأمر يدبّره، وعالم الخلق هو السبب في إيجاد عالم الأمر، من الأمر الكلّ، قال إمام العارفين محيي الدين (رضي الله عنه):

وما الفخر إلاَّ للجسوم وكونه

مولدة الأرواح ناهيك من فخر

ألا أن طيب الفرع من طيب أصله

 

وكيف يطيب الفرع من مخبث النجر؟!

هكذا قال: وقال أيضاً: هل الصورة سبب في وجود الروح الأمري، أو الروح الأمري سبب في وجود الصورة؟ فإنه قال تعالى: في خلق عيسى (عليه السلام): ﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا ﴾[الأنبياء: 21/ 91]. يعني فكانت صورة عيسى (عليه السلام).

وقال في خلق آدم (عليه السلام): ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ﴾[الحجر: 15/ 29]، و[ص: 38/ 72].

يعني، وإن كانت «الواو» لا تقتضي الترتيب، لكنه يحتمل أن تسوية الصورة مقدمة على نفخ الروح، والذي عندي أنهما متلازمان، بحيث لا ينفك أحدهما عن الآخر، وإن ورد في الصحيح، في ذكر أطوار الخلقة الإنسانية: نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم ينفخ فيه الروح. فيحتمل أن يكون المراد بنفخ الروح هنا ظهور آثار الروح، وهو الحسّ والحركة والتغذّي، فعند ابتداء صورة الإنسان تكون روحها روحاً جمادية، بمعنى أنه لا تفعل إلاَّ فعل روح الجماد. وهو إمساك أجزاء الصورة وجواهرها بعضها على بعض، ول يظهر عنها فعل غير هذا. وعندما تصير الصورة تنمو وتتغذى تكون روحها روحاً نباتيّة، بمعنى أنها تفعل ما تفعل روح النبات، وهو النمو والتغذي لا غير. وعندما يظهر في الصورة الإحساس والحركة تكون روحها روحاً حيوانية، بمعنى أنها تفعل فعل روح الحيوان وهو الحس والحركة و التخيّل. وعندما تظهر منها الآثار التي لا تظهر إلاَّ من الإنسان، وهي الفكر والتدبير ونحوهما، فهي إنسانة اختلفت أسماؤها باختلاف م يظهر عنها من الآثار، زيادة ونقصاناً، وهي واحدة لا تتعدد في ذاتها، ولكن في صفاتها، ولا تتجزأ ولكن تكون آثارها وتظهر بحسب استعداد الصورة لظهور آثار الروح عنها، فصورة بغير روح لا تكون، وروح بغير صورة لا تكون، أما عنصرية أو طبيعية أو خيالية أو روحانية، كما يقول الحكيم في الصور الجسمانية: إنها مركّبة من جوهر الهيولي وجوهر الصورة، وكلاهما لا يوجد بدون الآخر. فا لصورة الجسمية مركّبة منها. والروح لا تدرك نفسها في غير صورة أبداً، لا دنيا ولا برزخاً ولا أخرى، ولو لم يكن لها مركب تدبّره لالتحقت بالعدم. فنفس إرادة الحق تعالى ، من الطبيعة التي هي ظاهر الأمر الرباني، ونفس إرادته تعالى من الأمر الكلّ روحاً يختص تدبيره بتلك الصورة، في عالم الأجسام. ولعالم الأمر أمر واحد يجمعه قال: ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ ﴾[هود: 11/ 123].

وقال: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ ﴾[القمر: 54/ 50].

كما أن لعالم الأجسام جسماً واحداً يجمعه، هو الجسم الكلّ. وعالم الأمر حاكم على عالم الجسم ومسلّط عليه، والكل تحت تدبير الحق وتسخيره قال تعالى: ﴿ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ ﴾[الأعراف: 7/ 54].

وقال: ﴿يُدَبِّرُ الأَمْرَ﴾[يونس: 10/ 3 و31]، [السجدة: 32/5].

وكل فاعل في عالم الخلق إنما يفعل ما ينسب إليه من الأفعال، بأمر عالم الأمر. أعني أمره الخاص به. فإذا فعل الفاعل، أيّ فاعل كان، من عالم الخلق، فعلاً ما، بأمر أمره الخاص به، المضاف إليه، فقد يكون ذلك الفعل صواباً وقد يكون خطأ، وقد يكون طاعة، وقد يكون معصية، فإن الأمر الخاص بالمخلوق الخاص هو منفّذ لأمر الحق تعالى في ذلك شراً كان أو خيراً، نفعاً كان أو ضرّاً. وأمّا إذا فعل الفاعل فعلاً ما، بأمر الأمر الكل، الجامع للأمور كلّها، فلا يكون إلاَّ صواباً وطاعة، وهذ لا يكون إلاَّ لنبيّ أو وارث. فلهذا قال العبد الصالح الخضر قاطعاً لاعتراض الكليم (عليه السلام):﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ﴾[الكهف: 18/ 82].

بمعنى ما فعلته فعلاً ناشئاً عن أمري الخاص بي، المضاف إليَّ، بل م فعلته فعلٌ ناشئ عن الأمر الكلّ، الذي لا يأمر بالفحشاء، ومراده بقوله: ﴿وَمَ فَعَلْتُهُ﴾ الأفعال الثلاثة: خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار، لا الفعل الأخير فقط. ولما كان الكليم (عليه السلام) على علم، هو أنَّ من كان فعله بأمر الأمر الكلّ، لا يكون إلاّ صواباً وطاعة، وسلّم واستسلم.

ولما كتبت هذا الموقف رأيت أني أوتيت بكتاب، وقيل لي: هذا كتاب الشيخ محيي الدين بن العربي (رضي الله عنه) الذي ألّفه في الروح، فتصفحته، والحمد لله ربّ العالمين.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!