موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


266. الموقف السادس والستون بعد المائتين

قال تعالى: ﴿ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ﴾[التوبة: 9/106]

قال: ﴿ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾[البقرة2/3]

قال: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴾[المؤمنون23/4]

قال: ﴿ لَهَا مَا كَسَبَتْ﴾[البقرة2/268 . البقرة 2/285]

قال: ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾[هود: 11/123 . النمل: 27/93]

قال: ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾[النور24/41]

إلى غير هذا، ما ورد في نسبة الفعل إلى المخلوقين وحدهم، وقال: قال: ﴿ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾[الواقعة: 56/64]

قال: ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ﴾[الزمر39/42]

قال: ﴿ كُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ﴾[النساء4/78]

قال: ﴿ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى﴾[الأنفال8/17]

قال: ﴿ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ﴾[الأنفال8/17]

إلى غير هذا، ممّا ورد في نسبة الفعل الصادر من المخلوقين إلى الله وحده، وقال: ﴿ مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ﴾[النساء4/79]

قال: ﴿ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ﴾[التوبة9/14]

قال: ﴿ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ﴾[البقرة2/249]

قال: ﴿ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾[الفاتحة1/5]

قال: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾[الصافات37/96]

قال: ﴿ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾[البقرة2/21 . إبراهيم: 14/32]

قال: ﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾[الرعد69/33]

إلى غير هذا ممّا شرك الله تعالى بين الحق والخلق في الفعل.

وإنما وردت هذه الإخبارات الإلهية والآيات القرآنية، متنّوعة في نسبة الأفعال الصادرة من المخلوقين، لتنّوع المشاهدات التي تعلّق العلم الأزلي بها، على ما تكون عليه أهلها إذا وجدوا. فطائفة لم تشهد الفعل إلاَّ من الله تعالى وحده، وهذه المشاهدة وإن كانت حقاً من وجه فهي مهلكة إذا دامت على صاحبها لما يؤول إليه من إبطال الشرائع وإنكار التكاليف، فلم يكن ذا عينين ينظر بالواحدة إلى الشرعية وبالأخرى إلى الحقيقة، وإلى هذه المشاهدة استندت، وبها ارتبطت مقالة الجبرية، وقد أبطلتها التكاليف الشرعية بالأمر والنهي والشيء لا يكلف نفسه، فلابدَّ من محل يقبل التكليف ويرد عليه الخطاب. وطائفة لم تشهد الفعل إلاَّ من المخلوق، حيث برقت لها بارقة من الاسم الظاهر تعالى، إذ ليس العالم كلّه إلاَّ تجليه تعالى باسمه الظاهر. ثم انطفت عنها البارقة فلم تشهد الأمر على ما هو عليه، ففرّقت بين الحق والخلق، وفصلت وميّزت ليصحّ لها التكليف، وما رتب الشارع عليه من الثواب والعقاب، لأن التكليف لا يصحّ إلاَّ لمن له الاقتدار على ما كلّف به من الأفعال، وأمسك النفس في المنهيات عن ارتكابها، وبهذه الحقيقة ارتبطت ، ومنها انتشأت مقالة المعتزلة القائلين أن العبد يخلق أفعاله الاختيارية، وبمرتبة التنزيه المطلق فإنهم نزّهوا الحق تعالى أن ينسب إليه شيء يذم شرعاً أو عادة. وطائفة شهدت الفعل لله ـ تعالى وللعبد فيه دخل ونسبة، إما بالكسب، وهي مقالة الأشعري، وإما بالجزء الاختياري وهي مقالة أبي منصور الماتريدي، وفي هاتين المقالتين انحصرت مقالة أهل السنة من المتكلمين، وقاربت الحق، لولا ما أصابها من العمش في نظرها، لوقوفها مع العقل الصرف. والعقل قاصر من حيث هو عقل، عن إدراك التجلّيات الإلهية، في المظاهر الخلقية، الواردة كتاباً وسنّة وكشفاً ممّن يعتدُّ بكشفهن وهي مرتبة التشبيه،  التي أنكرها جميع المتكلمين إلاَّ من رحم ربّي ففاتهم نصف المعرفة بالله تعالى، إذ المعرفة بالله نصفها تنزيه، ونصفها تشبيه، قال تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾[الشورى: 42/11].

فشبه، لأن تعريف الجزئين المبتدأ والخبر مؤذن بالحصر، قال إمام العلماء بالله تعالى وقدوتهم محي الدين الحاتمي: قال: «مسألة نسبة الأفعال الصادرة من المخلوقين لا يتخلص منها توحيد أصلاً، لا من جهة الكشف ولا من جهة الخير» يعني الأخبار الإلهية، وهي الأدلّة الشرعية، وأحرى الأدلة العقليّة، فإن الأدلّة متدافعة متصادمة متناقضة، فلا يتخلّص لمنصف عن المتكلمين سنياً أو معتزلياً، نسبة الفعل إلى الله وحده، ولا إلى العبد وحده. وأمَّا غير المنصف أو القاصر من المتكلمين فقد تخلّص له في زعمه، وربط عقده على نسبة الفعل إلى الله وحده إن كان جبرياً، وعلى نسبته إلى العبد كان معتزلياً، وعلى نسبته إلى الله مع ما للعبد في ذلك من كسب إن كان أشعرياً، أو جزء اختياري إن كان ماتريدياً. وأما أهل الكشف والوجود فهم أهل الحيرة العظمى والوقفة الكبرى، من حيث تصادم التجلّيات الأسمائية واختلافها، وعدم ثبوتها على نمط واحد ونوع مخصوص، فهم يتقلّبون مع التجليات تقلب الحرباء، لإثبات لهم على نسبة بعينها، لأن تنوع نسبة الفعل تارة، وتارة إنما كان لتنوع التجلّيات. وإلاَّ فا لصحيح عندهم: أن الأمر مربوط بين حق وخلق، غير مخلص للحق وحده من جهة الوجود الذات، ولا للعبد وحده، من حيث الصورة، فإن العالم كلّه من حيث هو ليس بخلق من كلّ وجه، ولا بحق من كلّ وجه، بل هو خلق من وجه، حق من وجه، فهو كالسحر، لا ليل صرف ولا نهار صرف. قال: سيدنا محي الدين:

فلا تنظر إلى الخلق

وتعريه من الحق

ولا تنظر إلى الحق

 

وتكسوه سوى الخلق

ونزهه وشبهه

وقم في مقعد الصدق

فالعالم لو تجرد عن الحق تعالى ماكان، ولو كان عين الحق ما خلق. ولهذا قَبِلَ الحق حكم الخلق، وقَبِلَ الخلق حكم الحق، فَقَبِلَ الحق صفات الحدوث، وقَبِلَ الخلق صفات القدم، فليس الحق بمنعزل عن الخلق ولا بائن عنهم، فلا حلول ول اتحاد ولا امتزاج، فما أضاف تعالى الأفعال إلى الخلق إلاَّ لكون من أضاف الفعل إليه هوية باطنة عين الحق، وما نفى تعالى الفعل عن الخلق في قوله: ﴿وَمَ رَمَيْتَ﴾[الأنفال: 8/ 17].

وفي قوله: ﴿لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ﴾[البقرة: 2/ 264].

وفي قوله: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾[الصافات: 37/ 96].

على أن «ما» نافية في قوله: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ﴾[الأنفال: 8/ 17].ونحو هذا إلاَّ من حيث الصورة خاصّة بمعنى أن الفعل ليس للصورة فقط، كم تشهد العامة، فلما عرفت الطائفة العلية، والفرقة الناجية، أن الأمر هكذا هو غير مخلص، فهو للعبد والربّ من حيث الجمعية، فإن قلت لله، على ما يعرفه أهل الله المكاشفون بحقائق الأشياء صدقت، لا على ما يقوله الجبرية والمرجئية، والقائلون بالكسب، والجزء الاختياري. وإن قلت للعبد صدقت، على ما يعرفه أهل الله تعالى لا كما يقوله القدرية. ولا يهولك التكليف، فإنه إنما ورد من اسم إلهي على اسم إلهي، وإيضاح هذا السر هو أن حقائق الممكنات ما شمت رائحة الوجود، ولا تشمه ل دنيا ولا آخرة، والحق تعالى لا يتجلّى في غير مظهر، لا دنيا ولا آخرة، بإجماع أهل الكشف و الوجود، فأعطي الكشف عن هذه الحقائق أن المسمى عالماً وعبداً إنما هو الوجود الحق، ظاهراً بأحكام الممكنات. وهذا التركيب الإلهي أصل كل تركيب في العالم، ولا يعلم أحد كيفيته إلاَّ الله تعالى فلذا كان الإنسان لا يعلم من حيث صورته، إذ لو عرف من حيث صورته لعلم الحق تعالى من حيث الوجود الذات، والحق ـ تعالى لا يعلم أبداً. فالعلم بالإنسان من حيث صورته إجمال لا تفصيل، و مع هذ الأدب الإلهي أن تثبت العبد المخلوق حيث أثبته الله تعالى ـ، وتنسب الفعل إليه كما في قوله تعالى: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال العبد الحمد لله يقول الله كذا، وإذا قال العبد كذا يقول الله كذا)). الحديث، وكما في قوله: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ ﴿قُلْ أَعُوذُ﴾

ونحو هذا. وكذا ننسب الفعل إلى العبد حيث كان ظاهر الفعل غير محمود شرعاً أو عادة، وننسب الفعل إلى الله تعالى حيث نسبه إلى نفسه، أو كان الفعل محموداً شرعاً أو عادة، فإذا لم ينسبه الحق تعالى إلى العبد ولا إلى نفسه تعالى فنسبته إلى الحق تعالى على الأصل، فإنه لا موجود على الحقيقة إلاَّ هو تعالى، فلا فاعل سواه تعالى تحقيقاً، فافهم، فإنك إذا فهمت ما أدرجته لك في هذه الكلمات من الأسرار استرحت من التعب في تميزك بين الحق والخلق والفصل بينهما، ولن تستطيع ذلك أبداً وبقيت عليك أتعاب الحيرة اللازمة لكل عارف، لا حيرة أصحاب النظر في الأدلة.

﴿وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّ لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَ بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[الأعراف: 43].

والشكر له على أن علّمنا مالم نكن نعلم، وكان فضل الله علينا عظيماً.

وبعد كتابه هذا الموقف ورد الوارد بقوله: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾[المجادلة: 58/ 11].


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!