موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


309. الموقف التاسع بعد الثلاثمائة

قول سيدنا:

الربّ حق والعبد حق

ياليت شعري من المكلف؟!

إن قيل عبد، فذاك ميت

 

أو قيل رب، أنَّى يكلف؟!

اعلم أن الربّ حق واجب لذاته، إذ هو عين الوجود. والعبد حق واجب بغيره، إذ هو صورة الوجود. فارتبط الأمر ارتباط المادّة بالصورة. واسم العبد واقع على المجموع. وقد أخبر تعالى أن هُوِّيته سمع العبد وبصره وجميع قواه الباطنة وحواسه الظاهرة كما في الأخبار الصحيحة. والعبد ماهو عبد إلاَّ بقواه. فما هو إلاَّ بالحق. فظاهره صورة خلقية محدودة، وباطنه هويّة الحق غير محدودة. فما كان العبد عبداً إلاَّ به، كما لم يكن الحق تعالى قواه إلاَّ به. فالخلق بلا وجود الحق ماكان، والحق لو تجرّد عن الخلق ما ظهر.

فإذا عرفت هذا عرفت أن المسمّى عبداً وإنساناً مركّب تركيباً معنويّاً من وجود ربّ حق وصورة هي أحكام الأعيان الثابتة في وجود الحق، ووجوده عين ذاته، فهي أعراض مجتمعة قائمة بالوجود الحق، فهي حقٌ لهذا. فياليت فطنتي تشعر بالمكلّف المأمور المنهيمن هذه الهيئة الاجتماعية، من هو؟ فإن قلت: المكلف منها هو الشق الخلقي، وهو الأعراض المجتمعة القائمة بالوجود الذات فهو محال، إذ التكليف لا يكون إلاَّ لمن له الاقتدار على ما كلّف من الأفعال، أو مسك النفس في المنهيات. والشقّ المخلوق من المسمّى عبداً لا اقتدار له على شيء من ذلك، وإن قلت المكلّف هو الشقّ الربّي منها، فذلك أيضاً محال، فإن الشيء لا يكلّف نفسه بالأمر والنهي، والتخلّص من هذا كشفاً لا عقلاً، هو أن المجموع أعطى معنى لم يعطه كل واحد على انفراده، وقد علمت أنَّ مسمّى العبد هو المجموع من الصورة والهوية، فالحقّ هو المسمّى ربّاً وعبداً، فهو من حيث الصورة من جملة من يعبد الله، ومن حيث باطنه كما ذكرنا. فإياه عَبَدَ وَعُبِدَ. فهو سبحانه يطيع نفسه إذا شاء بخلقه، وينصف نفسه مما تعيّن عليه من واجب حقّه.

فالتكليف متوجّه من اسم إلهي على اسم إلهي. ومن أراد أن يفرق بين الربّ و العبد من حيث النشأة الإنسانية، ويجعل الربّ مبايناً للعبد، منفصلاً عنه، كما هو مذهب جميع المتكلّمين من سنّي ومعتزلي وحكيم، وينسب الفعل المكلّف به إلى الربّ أو العبد، فلا يسلم له دليل من طعن أبداً، وقد أكثر إِمَام العلماء بالله محي الدين، في الفُتُوحات المكّية وغيرها، الكلام على نسبة الفعل لمن هي؟! تارة بالأدلّة العقلية والشرعية، وتارة ب الأدلة الكشفية، فتارة يخلصه للربّ، وتارة يجعل للعبد نسبة ما ، وحاصل ما وقفنا عليه من كلامه ، وأسدّه كشفاً قوله (رضي الله عنه) في الباب السادس والتسعين ومائتين: ويتضمّن هذا الباب علم الكيفيات، وهي على ضربين: ضرب منه لا يعرف إلاَّ بالذوق، وضرب منه يدرك بالفكر، وهو من باب التوسع بالخطاب، لا من باب التحقق، فإنَّ التحقّق بعلم الكيفيات إنّما هو ذوق، ولقد نبهني الولد العزيز شمس الدين اسماعيل بن سودكين النوري على أمر كان عندي محقّقاً، من غير الوجه الذي نبّهني عليه هذا الولد، ذكرناه في باب الحروف من هذا الكتا ب، وهو التجلّي في الفعل، هل يصحّ أو لا يصح؟! فوقتاً كنت أنفيه بوجه، ووقتاً كنت أثبته بوجه يقتضيه ويطلبه التكليف،  غذ كان التكليف بالعمل ل يمكن أن يكون من حكيم عليم، يقول: اعمل وافعل... لمن لا يعمل ولا يفعل، إذ لا قدرة له عليه. وقد ثبت الأمر الإلهي بالعمل للعبد مثل: ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَجَاهَدُواْ﴾.

فلابدَّ أن يكون له في المنفعل عنه تعلّق من حيث الفعل فيه يسمَّى به فاعلاً وعاملاً، وإذا كان هذا فبهذا القدر من النسبة، يقع التجّلي فيه. فبهذ الطريق كنت أثبته، وهو طريق مرضي في غاية الوضوح، يدلّ على أنَّ القدرة الحادثة لها نسبة التعلّق بما كلفت عمله، لابدَّ من ذلك، ورأيت حجّة المخالف واهية في غاية من الضعف والاختلاف. فلما كان يوماً، فاوضني في هذه المسألة هذا الولد اسماعيل بن سودكين المذكور فقال لي: وأيّ دليل أقوى على نسبة الفعل إلى العبد، وإضافته إليه، والتجلّي فيه، إذ كان من صفته كون الحق خلق الإنسان على صورته، فلو جرد الفعل عنه لما صحّ أن يكون على صورته، ولما قبل التخلق بالأسماء، وقد صحّ التخلّق بالأسماء، فلا يقدر أحد أن يعرف ما دخل من السرور عليَّ ب هذا التنبيه فقد يستفيد الأستاذ من التلميذ أشياء من مواهب الحق تعالى لم يقض الله للأستاذ أن ينالها إلاَّ من هذ التلميذ. كما نعلم قطعاً، أنه قد يفتح للإنسان الكبير في أمر يسأله عنه بعض العامّة، ممّا لا قدر له في العلم ولا قدم. ويكون صا دق التوجّه في هذا المسؤول عنه العالم. فيرزق العالم في ذلك الوقت لصدق السائل، علم تلك المسألة. ولم تكن عنده قبل ذلك، عناية من الله بالسائل، وتضمنّت عناية الله بالسائل أن حصل للمسؤول علم لم يكن عنده. ومن راقب قلبه يجد ما ذكرناه. والحمد لله الذي استفدنا من أولادنا، مثل ما استفاد شيوخنا منّا.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!