موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


59. الموقف التاسع والخمسون

قال تعالى: ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ{1} الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{2} الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ{3} مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ{4} ﴾[الفاتحة: 1/ 1 4].

من أراد أن ينظر إلى تبشير الحق تعالى عباده بسعة رحمته، وإخبارهم تلويحاً بل تصريحاً لمن عقل بعموم عفوه، وشمول معرفته، فلينظر فيما جعله الله فاتحة لكلامه تعالى المنزلة على رسوله (صلى الله عليه وسلم) وخاطب به كلّ من بلغه. فإنه أخبر تعالى أنه الملك يوم الدين، أي ملك الجزاء، بعد أن أخبر تعالى أنَّ الحمد لله، على الحصر والاختصاص، أو الاستحقاق. وهو بمعنى جنس الحمد إن كانت اللام لاستغراق أفراد الجنس؛ أو حقيقة الحمد إن كانت اللام للحقيقة والماهيّة. والحمد هو الثناء على المحمود بصفاته الجميلة، وليس إلا صفات الجمال: كالحلم والعفو الستر والرحمة والكرم والإحسان، لا صفات الجلال كالانتقام وشدة البطش والغضب، فإن الحمد عليها من كونها صفات كمال، فالحمد عليه نسبي. ثم أخبر تعالى أنه رب العالمين، والرب هو المصلح لكل ما أضيفت إليه تربية. فيربيه إلى أوان حصول ثمرته المقصودة منه، وبلوغ نتيجته. والقصد الأول من خلق المخلوقات معرفة الحق تعالى : قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّ لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات: 51/ 56]أي يعرفون لأن العبادة فرع المعرفة وثمرتها.

وقال تعالى: في الخبر المتداول بين القوم: «كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت خلقاً وتعرفت إليهم فعرفوني بي».

فمعرفته تعالى حاصلة لكل مخلوق من وجه، وهي معرفة الفطرة، وغير حاصلة لمخلوق أي مخلوق كان، من وجه، وهي معرفة الكُنْه. وحاصلة لبعض دون بعض من وجه، وهذا الوجه الحاصل لبعض دون بعض، من لم يحصل له في الدنيا حصل له في الآخرة، ولو كان على الكمال. فمن حصلت له المعرفة في الدنيا فهو سعيد في الدنيا والآخرة. ومن لم تحصل له المعرفة إلاَّ في الآخرة فهو سعيد في الآخرة. والكلّ تحصل له في الآخرة. فالكلّ حاصل على الثمرة المقصودة من إيجاده، فهو سعيد في الآخرة، والشقاء الحاصل للبعض في الآخرة إنما هو مثل الشقاء الحاصل للبعض في الدنيا، بالأمراض والفقر، وسائر الآلام الزايلة بضدّها، أو بالموت.

ثم أخبر تعالى: أنه الرحمن الرحيم، بصيغة المبالغة، إفادة للتكثير، بمعنى أنه تعالى كامل الرحمة، بحيث لا يشوبها نقص، يرحم عباده بسبب وبغير سبب، كم أوجدهم بلا سبب غير رحمته، فلا سبب لرحمته عباده إلاَّ رحمته، فمن رحمته إيجادهم. ومن رحمته إسعادهم.

ثم أخبر تعالى: أنه مالك يوم الدين، بمعنى مالك الجزاء، فيجازى كل أحد بما يريد مجازاته به، ومن المعلوم ضرورة أن الحق تعالى أرشدنا وندبنا في كتبه وعلى ألسنة رسله (عليهم الصلاة والسلام) إلى العفو والصفح والستر فيما بيننا، ومدح فاعل ذلك، ووعده بجزيل الأجر، بل جعله تعالى واجباً عليه، فقال:

﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾[الشورى: 42/ 40].

وعلى من صيغ الوجوب. ومحال أن يأمر تعالى باستعمال مكارم الأخلاق، ويندب على الإحسان، ثم لا يفعل ذلك هو مع عباده ولا يعاملهم به، تعالى عن ذلك. إذ لا أحد أحب إليه المدح من الله تعالى كما في الصحيح، ولاسيّما والحكمة التي وضع لأجلها تعالى العقوبات والحدود التي شرعها لنا في الدنيا لإصلاح دينن ودنيانا، وإبقاء لعمارة الدار الدنيا إلى أجلها الموعود، زالت في الآخرة، وما بقيت لها فائدة يرجع منها نفع للمخلوقين بعد حصول القصاص فيما بينهم، واستيفاء كلّ ذي حق حقه. وقد أخبر الحق تعالى أنه يوقف عباده يوم القيامة ويحاسبهم ويأخذ للمظلوم من الظالم، ولا يضيع حق أحد، وهو الصادق فيما أخبر، وكل هذا، الرحمة فيه أغلب من الغضب، والحلم أكثر من العقوبة. وفي الخبر الصحيح: أنَّ الله تعالى يصلح بين عباده يوم القيامة. فلا تزال الرحمة في حال الحكم وبعد الحكم بين الخلائق تغالب الغضب وتسابقه، حتى تمحو أثره وتنسي خبره فتشمل السعادة وتعم الرفادة، ولاشك أن الحق تعالى مالك يوم الدين، سواء كان المراد بيوم الدين يوم الجزاء في الدنيا والآخرة، أو الآخرة فقط، فهو في الدنيا يملكه بوسائط وأساليب وحجج، وهو الفاعل المالك من ورائها، لأنَّ الدنيا مبنية على الحكمة، وفي الآخرة ترفع تلك الحجب، وتهتك تلك الأستار، لأن الآخرة مبنيّة على إظهار القدرة، فيشهد كلّ فعل للواحد القهار.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!