موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

منقبة مولد النبي صلى الله عليه وسلم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

هذا المولد المنسوب للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

الحمد لله الذي افتتح عالم التدبير والإمكان بأشرف نوع الإنسان وتوجّه على إيجاده باسمه الرحمن. وجعله نسَمَةً جامعةً لكمالاته وحضرةً حاويةً لأسمائه وتجلياته. ودائرةً شاملةً لأسرار مصوناته. ومحلاًّ قابلا لظهور انفِعالاته. وجعل الإنسان الأكمل نقطة الدائرة وخليفة في الوجود يمد كلا منه بالعدل والإتقان. وسماه في عالم الجبروت بأحمد لقيامه بحمد ربه قبل تعيّن عين في الوجود من الأعيان. وفي عالم الغيب بأبي القاسم لسر حجبه بين بحري الوجوب والإمكان. وعند عالَم الشهادة بمحمد لتمام ظهور صورته الكريمة بقوله تعالى :(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، من عظيم الثنا أتاك الثناء طِبتَ حيّاً وميِّتاً يا مُفَدّى. فلذا منك طابت الأرجاء.

اللهم صل وسلم على الذات المقدّسة الهاشمية صلاة تتوالى دائما على ممرِّ الليالي والأيام وأحسن لنا بجاهه الختام يا رحمن.

وقالت عائشة رضي الله عنها :(كان خُلُقُه القرآن)، فما أعرفها بسر هذا الشأن، فكيف لا يحمد من صفته العفو والإحسان. وكيف لا يُحَبُّ من هو روح حياة أهل الإيمان. وكيف لا تَحمدُه الكائنات وهو سبب إيجادها وتعيّنها من غيب الكتمان، الذي لولاه ما خلقت الأفلاك الدائرة في الزمان. فهو الرحمة الواسعة والكلمة الجامعة التي بها كانت الأكوان. المرسل من ربّه رحمة للعالمين والفاتح أقفال حقائق التكوين في كل أوان. الجامِع لجَوامع الكَلِم، فالكلمة منه كلماتٌ لا يَحو بها التبيان، ولا يحيط بمعانيها عُلَماء الأزمان. لأن كلامُه من كلام ربّه، هكذا أخبر سيد ولد عدنان. فلو كان البحر مداد لكلماته والشجرُ أقلاما لمنظوماته وأيدي العوالم تكتب إملاآته لعجز الكلّ عن حصر معاني ما أظهره باللسان. يا مصطفى من قبل نشأة آدمٍ، والكون لم تفتح له إغلاق، أيروم مخلوق ثناءك بعدما أثنى على أخلاقك الخلاق. فسبحان من أمدّه وأعطاه من فيض قدسِه ومُطْلَقِ عنايَتِه ما لا يُعْطَه غيرَه من الأعيان. ورحم به العوالم عامّة وأمّته خاصّة وجعلهم أمّة وسطا شهداء على الأمم يومَ ظهور العدل والإحسان. أَحْمَدُهُ على ما أنعم به علينا منَ الوجودِ والإيمان والمدد المُبْقى لذواتنا وسلامة الحواسّ والجنان. الذي جعلنا من أمة خير الخلق عليه من الله الصلاة والسلام الأتمّان الأكملان، بدوام الملك الحنّان المنّان وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد الفرد الصمدُ الرحمن وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله المسمّى (يس) في نصّ القرآن. صلى الله وسلّم عليه صلاة تامة لا حدّ لها ولا أمد بكل قلب ولسان.

اللهم صل وسلم على الذات المقدّسة الهاشمية صلاة تتوالى دائما على ممرِّ الليالي والأيام وأحسن لنا بجاهه الختام يا رحمن.

وبعد : فإنه لما أراد الله سبحانه وتعالى إيجادَ الخلق بتقديره، أبرز الحقيقة المحمديّة من الأنوار الصمديّة بتدبيره، وذلك لما سبق في علمه وتعنّ في مشيئته فأطْلع شمس الكمال المحمديّ سراجا منيرا، وأوجد الروح الأحمدي من فيض كمال وجوده إنسانا كبيرا.وخلق العوالمَ منه تفضيلا وتقديرا.

قال عليه الصلاة والسلام :(أنا من الله والمؤمنون مني)، أبدعه حقيقة كلية، وجعله نشأة أصلية، حيث لا أينَ ولا بين، فهو صلى الله عليه وسلم الجنس الغالي من جميع الأجناس، والأب الأكبر لجميع الموجودات والناس، وإن تأخرت طينته وظهور صورته العنصرية، فهو سر الحق، ونفوذ أمره في الخلق وهو أصل جميع الكائنات، عليه من ربه أفضل الصلاة والتحيات. كما ستسمعه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه وأرضاه، قال :(سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول شيء خلقه الله تعالى، فقال : هو نور نبيّك يا جابر) خلقه الله ثم خلق فيه كل خير، وخلق بعده كل شيء. وحين خلقه أقامَه قدّامه في مقام القرب اثنى عشر أف سنة، ثم جعله أربعة أقسام، فخلق العرش من قسم، والكرسي من قسم، وحملة العرش وخزنة الكرسي من قسم، وأقام القسم الرابع في مقام الحبّ اثنى عشر ألف سنة. ثم جعله أربعة أقسام، فخلق القلم من قسم، واللوح من قسم، والجنة من قسم، وأقام القسم الرابع في مقام الخوف اثنى عشر ألف سنة. ثم جعله أربعة أجزاء، فخلق الملائكة من جزء، وخلق الشمس من جزء، وخلق القمر من جزء والكواكب من جزء، وأقام الجزء الرابع في مقام الرجا اثنى عشر ألف سنة. ثم جعله أربعة أجزاء، فخلق القل من جزء، والحلم من جزء، والعصمة والتوفيق من جزء، وأقام الجزء الرابع في مقام الحياء اثنى عشر ألف سنة.

ثم نظر فرشح النور عرقا، فقطرت منه مائة ألف وعشرون ألف وأربعة آلاف قطرة من النور، فخلق الله من كل قطرة روح نبيّ أو رسول. ثم تنفّست أرواح الأنبياء، فخلق الله من أنفاسهم الأولياء والسعداء والشهداء، والمطيعين من المؤمنين إلى يوم القيامة. فالعرش والكرسي من نوري، وملائكة السموات السبع من نوري، والروحانيون من الملائكة من نوري، والشمس والقمر والكواكب من نوري، والعلم والتوفيق من نوري، وأرواح الرسل والأنبياء من نوري، والشهداء والصالحون من نتائج نوري، ثم خلق الله اثنى عشر حجابا فأقام من نوري وهو الجزء الرابع في كل حجاب الف سنة، وهي حجاب الكرامة والسعادة والهيبة والرأفة والرحمة والعلم والحلم والوقار والسكينة والصّبر واليقين والصدق. فعبدَ الله تعالى ذلك النور في كل حجاب ألف سنة، فلما خرج النور من الحجب زكّاه في الأرض، فكان يضيء منها بين المشرق والمغرب كالسّراج في الليل المظلم. ثم خلق الله تعالى آدم من طين الأرض، فركب فيه من النور في جبينه، ثم انتقل منه إلى شيث، وكان ينتقل من طيب إلى طاهر حتى أوصلني الله تعالى إلى صلب عبد الله بن عبد المطلب، ومنه إلى رحم أمي آمنة. ثم أخرجني الله إلى الدنيا، فجعلني سيّد المرسلين وخاتم النبيين ورحمة للعالمين. هذا كان بدء خلق نبيّك يا جابر.

اللهم صل وسلّم على الذّات المقدّسة الهاشمية، صلاة تتوالى دائما على ممرّ الليالي والأيّام، وأحسن إلينا بجاهه الختام يا رحمن.

وقال صلى الله عليه وسلم: (كنت نبياً وآدم بين الماء والطين) وفي رواية: (بين الروح والجسد) فنبه صلى الله عليه وسلم على أنه أصل الوجود كله آدم فمن دونه، لأنه قال: (وآدم بين الروح والجسد) فكان آدم حينئذ شيئاً معلوماً، لا تعيين لروحه ولا لجسده صلى الله عليه وسلم، فلما أراد الله سبحانه وتعالى ظهور جسد آدم سواه شبحاً لا روح فيه، وذلك أنه تعالى وجه إلى الأرض ملكاً بعد ملك ليأتوا إليه بقبضة منها، لينفخ فيها صورة جسد آدم فما من ملك إلا وتقسم عليه الأرض بالذي أرسله أن لا يأخذ منها شيئاً يكون غداً من أهل النار، فيرجع، إلى أن توجه إليها عزرائيل عليه السلام فأقسمت عليه كما أقسمت على غيره، فقال لها: إن الذي وجهني وأمرني أولى بالطاعة منك، فقبض منها قبضة من سهلها وحَزْنِها من أبيضها وأحمرها وأسودها فظهر ما في تلك القبضة من الألوان في أخلاق الناس وألوانهم، فلما حضر بين يدي الحق سبحانه وتعالى شرفه بأن ولاه قبض من يقبضه من تلك القبضة، وخمر الله طينة آدم بين يديه حتى قبلت النفخ الإلهي، وسرى الروح الحيواني في أجزاء تلك الصورة، فلما سرت النفخة فيه عطس، فقال له الملك: احمد الله تعالى، فحمد الله، فقال له ربه: يرحمك الله يا آدم لهذا خلقتك أي لتحمدني فأرحمك، فذاك سنةٌ في تشميت العاطس إذا حمد الله تعالى وناجاه.

اللهم صل وسلّم على الذّات المقدّسة الهاشمية، صلاة تتوالى دائما على ممرّ الليالي والأيّام، وأحسن إلينا بجاهه الختام يا رحمن.

فركب الله تعالى جسد آدم من طبائع مختلفة متضادة، فلما أراد الله تعالى تأليفها واجتماعها نفخ فيه من روحه الإلهي المفيض عليه بالإمداد، وظهر فيه سر الكلمات، ومعاني الحروف والأعداد، وهو السر الأحمدي القائم بربه في أزل الآزال وأبد الآباد، الممد للآباء والبنين والأجداد، الشافع لسائر الخلق في يوم المحشر والمعاد، والمنفس عنهم كربة المحشر، وزحمة العرق يوم تذهل الأمهات عن الأولاد، وذلك بعد إحالة الأنبياء عليهم السلام للأمم جميعها عليه في فصل القضاء ودفع الأهوال الشداد، فقبل الإحالة والإقالة ، لما أيده الله به من الكرامة والشفاعة، فيشفع فيُشَفَّع إلى أن تستمر شفاعته فيمن في قلبه أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان فيخرجه من النار، فهو الرحمة العامة التي رحم الله بها الخاص والعامة، فله الفضل والشرف الأكمل، وله الجاه الأعز الأجمل، الجامع بين الأولية والآخرية والفاتح باب الجنة، والفاتح باب أعيان الأكوان من البطون المستجنة، فسبحان من أمده وأعطاه هذه المواهب الجسام، وخصه من بين سائر الأنام، بما لا تقدر على تعيينه حركات الأقلام، وذلك من فيض عنايته، ومطلق مشيئته وإرادته، وسبق قلم قدرته، فله الفضل أن مَنَّ علينا به، وله الحمد أن خصنا به، وله المنة أن جعلنا من أمته، وله الشكر دائماً بدوام تخصيص إرادته.

أبو الأرواح محيي كل مَيْتٍ .... بنفحته المباركة الشَّمُول

حبيب الله كرسي المعالي .... وعرش كمال ذي العز الجليل

دواء الله مرهم كل جرح ... شفاء للمريض وللعليل

هدية ربنا وسناه فينا .... وكعبته المعظمة الدخول

يد الرحمن سر الشان عالٍ ... على الأعيان من عرض وطول

تجاوز أنبياء الله طراًً ... ومر بجبريل وميكائيل

وأملاك الإله وكل فرد .... وإسرافيل ذي القدر الجليل

وغاب عن العيون إلى مقام ... من الجبروت باهوت جليل

قال جبريل: قلبت مشارق الأرض ومغاربها، فلم أر رجلاً أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: (إني عبد الله وخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل على طينته، ودعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى) صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.

وقال عليه الصلاة والسلام: (كنا أظلة حول العرش فسبحنا فسبح الملائكة لتسبيحنا) وقال صلى الله عليه وسلم: (ما افترق الناس فرقتين إلا وجعلني الله عز وجل في خيرهما، وأخرجت من بين أبوي ولم يصبني شيء من عهر الجاهلية، حتى أخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم حتى انتهيت إلى أبي وأمي، فأنا خيركم نفساً، وخيركم أباً) صلى الله عليه وسلم وزاده شرفاً، فهو الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه وهدى، وهو السر الذي حمله نوح في السفينة التي قال الله تعالى فيها: ( تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا ) وهي أربعة أعين من أعين الصحابة: عين عتيق، وعين عمر، وعين عثمان، وعين علي، وعين سائر الصحابة أجمعين.

وهو المقدم طه صلى الله عليه وسلم، والكامل المكمل، وهو النور الذي أطفأ الله تعالى به نار إبراهيم، وهو السر الذي فدى الله به إسماعيل.

فهو صلى الله عليه وسلم معلوم عند الأنبياء، وأنه ظاهر في وقت مخصوص، إذ قد أخذ الله عليهم العهود ليؤمنن به ولينصرنه، وما منهم نبي إلا وقد عهد إلى قومه بما عهد الله إليه بقوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ۚقَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِيقَالُوا أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ) وقال صلى الله عليه وسلم: (لو كان موسى حياً لما وسعه إلا اتباعي) ولما توجه أصحاب الفيل إلى مكة لهدم الكعبة منعهم الله تعالى ببركة ظهوره تلك السنة، وفدي أبوه بمائة من الإبل للسر الحامل له، وولد صلى الله عليه وسلم بمكة لأنها وسط الأرض ونقطتها، وقيل: إن الله تعالى دحا الأرض من موضع الكعبة، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم نقطة دائرة الوجود، وسره الظاهر الموجود، الذي عرف به الإله المعبود، المخصوص بكمال الشهود، القائم في مقام لا يقوم فيه غيره يوم عرض الجنود، المسمى بمحمد المحمود، الذي سماه الله قبل ظهوره في القرآن المجيد على لسان نبيه عيسى عليه السلام: (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) فلم يزل محموداً مشهوداً قبل ظهوره بالوجود، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه بدوام الله الملك المعبود.

اللهم صل وسلّم على الذّات المقدّسة الهاشمية، صلاة تتوالى دائما على ممرّ الليالي والأيّام، وأحسن إلينا بجاهه الختام يا رحمن.

تخيرك الله من آدم             فما زلت منحدراً ترتقي

وأظهرك الله من طيب        إلى صلب كل أب متقي

وأمُّه صلى الله عليه وسلم آمنةُ بنتُ وهب بن عبد مناف بن زهرة رضي الله عنها. وقال صلى الله عليه وسلم : (إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من ولد إسماعيل كنانة واصطفى من كنانة قريشاً واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم) وحملت به أمُّه صلى الله عليه وسلم في شهر رجب يوم الإثنين وكانت تقول: (ما شعرتُ أنِّي حملت به ولا وجدت له ثقَلاً كما تجد النساء إلا أني أنكرت رفع حيضتي) وقيل إنه صلى الله عليه وسلم لم يتغذ من دم الحيض كما يتغذى الأولاد، بل كان غذاؤه لطائف الأمداد، ولهذا ولد صلى الله عليه وسلم مقطوع السُّرة، وذلك محل نفوذ الغذاء إلى الجنين، إذ هو صلى الله عليه وسلم روحٌ شريف، وجسم لطيف، ألطف أرواح المؤمنين، فلهذا أُسريَ بجَسدِه الشريف، حيث لا حيث ولا أين، واختصَّ بشهود العين، ولما أراد الله ظهور نوره نودي في السموات والأرض، نودي بأن النور المكنون الذي يكون منه النبي الهادي، في هذه الليلة يستقرُّ في بطن أمه الذي يخرج إلى الناس بشيراً ونذيراً، وحين أراد الله سبحانه، إبراز الجوهرة المكنونة، من صدفة آمنة المصونة، حضرها في تلك الليلة الراجحة على جميع الأزمان، آسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران، وبعض من حور تلك الجنان، لظهور عالي القدر والشان، وأخذها المخاض فولدت سيد الإنس والجان.

محل القيام

وولد صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين في شهر ربيع الأول ليلة الثاني عشر منه، ووقع حين ولدته أمه معتمداً على يديه رافعاً رأسه إلى السماء، نظيفاً طيباً ما به من دم ولا أذى كما يولد الأولاد، ودنت نجوم السماء حتى كادت تقع على الأرض، مستمدة من نوره الوضاح طه، الذي ملأ البطاح، وولد صلى الله عليه وسلم مختوناً مقطوع السّرة مدهوناً، فعزّت العرب بظهوره وكانت قبل ذلك تحت حكم العجم، ونُكِّست الأصنام في سائر الأرض، ومُنعت الشياطين من استراق السمع، لأنه صلى الله عليه وسلم نور الهدى، ومصباح الدجى، والمسموك لأجله الأرض والسماء.

ظهر الحبيب فكان أول من ظهر         وبدا على الأكوان نوراً وانتشر

وعليه من سرّ الجلال مهابة              وجمال إبداع بصورته ظهر

ظهر الوجودُ به على إطلاقه             فهو الضياء لكل شخص في البصر

أعني بذلك حضرة القدس الذي          سماه رب العرش أحمد في السور

وجلا به عنا ظلام بطوننا               وبه ظهرنا بالمعاني والصور

حمداً لولانا الكريم إلهنا                  بوجوده أعني بذاك أبا البشر

محمود حمد محمد في مدحه            يفنى الزمان وفيه ما لا يُدَّكر

صلى عليه الله والصحب الذي          أعناقهم مثل اللآلي والدرر

اللهم صل وسلّم على الذّات المقدّسة الهاشمية، صلاة تتوالى دائما على ممرّ الليالي والأيّام، وأحسن إلينا بجاهه الختام يا رحمن.

ولما ولد صلى الله عليه وسلم أرضعته أمه سبعة أيام، فأكملت له دائرة التمام، ثم أرضعته مولاةٌ لعمه أبي لهبٍ اسمُها ثُوَيْبة، لتحققها بالمثوبة، ثم استرضعت له حليمة بنت أبي ذُؤَيْبٍ وكانت من كرام قومها، وخيارهم، وذاك لتحققها بالحلم والكرم، فمنع الله جميع من وصل معها للرضاعة، وخصّها له للمناسبة والنفاعة، فأخذته وما في ثديها شيء من اللبن، فأوجد الله فيه من الخير والبركة ما لم تكن تعهده قبل ذلك الزمن، فرضع ورضع أخوه معه، وبارك الله في أرضها وغنمها، حتى غَبَطها سائر قومَها، وعلمت فضلَه عليها، وكان أعزّ عندها من ولدها وأبويها، فبلغ عندها سنتين حتى صار غلاماً مباركاً إلّا أن نشأته كليّة، وغذاؤه بالمواهب الإلهية، وجمع الله فيه قوّى العالَم كله بالكلية، روي أنه صلى الله عليه وسلم قال له رجل: كيف كانت أول نشأتك يا رسول الله؟ قال كانت حاضنتي من بني سعد بن بكر، فانطلقتُ أنا وابن لها في بَهْمٍ لنا، ولم نأخذ معنا زاداً، فقلت: يا أخي، اذهب ائتنا بزاد من عند أمّنا، فانطلق أخي ومكثت عند البَهْم، فأقبل طائران أبيضان، كأنهما نَسْران، فقال أحدهما لصاحبه: هو هو، قال: نعم، فأقبلا يبتدران إلي، فأخذاني وبطحاني، أي: أضجعاني للقفا، فشقا بطني، ثم استخرجا قلبي، وأخرجا منه علقتين سَوْدَاوَين، فقال أحدهما للآخر: ائتني بماء الثلج، فغسل به جَوفي، وقال: ائتني بماء البرَد، فغسل به قلبي، ثم قال: ائتني بالسكينة، فجعلها في قلبي، ثم ختم عليه بخاتم النبوة، ثم قال لصاحبه: اجعله في كفّة، ثم اجعل ألفاً من أمّته في كفّة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإذا أنا أنظر إلى الألف أشفق أن يخرّ عليّ بعضهم، فقال: لو أن أمّته وُزنت به لمالَ بهم، فَفَرَقْتُ فَرَقًاً شديداً، ثم انطلقت إلى أمي فأخبرتُها بالذي لقيت، فأشفَقت أن يكون بي بأسٌ، فقالت: أعيذك بالله، فرحلت بعيراً لها، فجعلتني على الرحل وركِبَتْ خلفي، حتى بلغنا إلى أمّي فأخبرتها بالذي لقيتُ، فلم يَرعها ذاك، وقالت إني رأيت حين خرج مني نوراً أضاءت له قصورُ بُصْرى والشام، وكان يُرَى أثر المخيط في صدره عليه الصلاة والسلام.

إنّما جُعل راعياً للأغنام، قبل درك الأحلام، تنبيهاً على أنه الرّاعي الأعظم، المتصرِّف والمُسْتَخلَف على تدبير العالَم، أما ترى أنه قد شُفِّعَ في الأزل، حتى عُفِيَ عن آدم، وسيشفع في الآخرة لأولاده بالخلاص من جهنم. كُلٌّ يقول نفسي نفسي خوفاً عليها من الأمر المُبْرَم، لكنّما الراعي الأعظم يقول: أمتي أمتي، لأنه راعيهم، وكل راع مسؤول عن رعيته، فإن رعاها حق الرعاية، وأمدها بالكفاية، فله مثل أجورهم وزيادة، إلى ما لا نهاية.

اللهم صل وسلّم على الذّات المقدّسة الهاشمية، صلاة تتوالى دائما على ممرّ الليالي والأيّام، وأحسن إلينا بجاهه الختام يا رحمن.

ولما بلغ صلى الله عليه وسلم سبع سنين ماتت أمُّه ومات أبوه، وهو حمل كل ذلك لتحقق الكفالة الإلهية له، وتجرده عن الوسائط الكونية، فأخذه جدّه عبد المطلب إليه وأكرمه وأعزّه على جميع أولاده، لسر قد بشَرَه به علماء زمانه. ولما قارب البلوغ، خرج مع عمّه أبو طالب إلى الشام، فرأته رهبانُ النصارى فأقرّوا له بالنبوة، واعترفوا بفضله، وقالوا هذا سيد المرسلين، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين. افتتح سفره إلى الشام لسرّ الفتح الكامل التام، وتشرفت تلك البقاع الإنسية، بمروره عليها بالصورة القدسية، سافر من الحضرة الجَمعية المكية، إلى أرض شام النفوس الطاهرة الزكية، فأُمدّها بأنواع المعارف الإلهية، لأنه سافر بتجارة الكمال الإلهي، فأثره بشهود نفود حقائق الجمال الرباني، وتحقق بمعاني تجليات جلاله الوحداني.

أهدت إليك جمالها الحسناء         ليزين ذاك الحسن منك جلاء

فاستجلِ حسناً فائقاً ما فوقه         للناظرين محاسن وبهاء

ثم تزوج صلى الله عليه وسلم خديجة بعد رجوع من الشام وعمره يومئذ خمسة وعشرون سنة ، ولما بلغ أربعين سنة جاءه جبريل عليه السلام بغار حِرَاء، أياماً متوالية، حتى قالت قريش إن محمداً يعشق ربه. ما تخلى صلى الله عليه وسلم في غار حراء عن سائر الورى إلا لعلمه بأن الحبيب غيور، لا يسكن قلباً فيه للغير عبور، الوحشة من الخلق دأب المستأنسين بالحق، والانفراد في البراري والكهوف والقفار، علامة كل واله بالحبيب مشغوف لا يقر له قرار.

الشغل بالمحبوب شغلٌ شاغل         لم يتسع قلب المحب لغيره

والحِبُّ يحفظ قلب من يختاره        ويكون ساكنه ومالك أمره

وما ارتاض سيد الأنام في غار حراء من البلد الحرام بترك الطعام إلا لأنه سيد الأنام، وأنه سلك النظام، والنسخة الكاملة على التمام، والمتلقي أسرار الكرام، ولو كانت الممالك لا تنال بدون المهالك، لما شج سيد المرسلين وكسرت رباعيته، هذا وهو نبي وآدم بين الماء والطين، ولما كانت المعارف لا تنال إلا بالجد والاجتهاد في حصول المراد، وإلا لما شد لشدة الجوع بطنه سيد العباد صلى الله عليه وسلم

دعني أسير على الجفون مهرولا          نحو الحبيب ولو على الأرماح

لا خير فيمن ينتهي عن حبه               خوف الملام وخشية الإفصاح

لو كان بيني والحبيب جهنم                لولجتها بالروح والأشباح

أو كان من أهواه في أفق السما            لأطير لو قص الغرام جناحي

لا صبر لي عمن هويت ولم أزل         أدنو إليه عشيتي وصباحي

اللهم صل وسلّم على الذّات المقدّسة الهاشمية، صلاة تتوالى دائما على ممرّ الليالي والأيّام، وأحسن إلينا بجاهه الختام يا رحمن.

ولم يزل صلى الله عليه وسلم تُلقى إليه الكلمات الإلهية بواسطة الأمين، وهو يدعو الناس إلى الدين القويم، ومعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، الذي أثنى عليه تعالى بقوله: (ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) وقال صلى الله عليه وسلم: (ما فَضَلكم أبو بكر بكثرة صيام ولا سهر ولكن بشيء وقَرَ في صدره) ولم يزل الإيمان ينبسط ويظهر، إلى أن آن أوانُ الهجرة، وتحققُ ظهور النصرة، فأذن صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة إلى المدينة، فهاجروا ولم يبق معه إلا أبو بكر الصديق وعليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما.

سافر فقد ملك الوجود مسافر         نحو الأحبة فالوجود مسافر

ما في الأحبة واقف في منزل        كل على نهج الترقي سائر

 يجري على حسب الإرادة أمره     وفقاً لأمر يقتضيه الآمر

هذا يسير إلى الجمال منعماً          في سيره وله ترق ظاهر

ويسير آخر للجلال متعباً            يخفى ترقيه لمن هو ماهر

كل يسير إلى العلا مترقياً           في منهج أجراه فيه القادر

اللهم صل وسلّم على الذّات المقدّسة الهاشمية، صلاة تتوالى دائما على ممرّ الليالي والأيّام، وأحسن إلينا بجاهه الختام يا رحمن.

فلنرفع أكف الافتقار إلى الملك العزيز الغفار فنقول اللهم إنا نسألك ونتوسل إليك بحضرة كمال وجودك وحقيقة جمال شهودك، وبجمعيّتك أسماء تجلّيات صفات أفعال فعلك الظّاهر بِحُبُوَّتِكَ بالسرّ القائمُ بحقيقة العبودية، المخصوص بإطلاق الحريّة الذي أطلَقتَ فيه أنوار شهودك، والذي أظهَرْتَه بحقيقة التوحيد لسعادة العبيد فظهر بلا إله إلّا الله أعْلا وجودك أن تصلي على سيدنا محمد كامل الأخلاق والمتحقّق بحقيقة التوحيد على الإطلاق، وأن تجعلنا ممن فاز بقربه، في حضرة قدس ربّه، والتفّت ساقه بالسّاق، وأن تحفظنا من الميل إلى غيرك يا واحد يا خلّاق، وأن لا تجعل الدنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا، وأن تحفظنا من بين أيدينا ومِن خلفنان وعن أيماننا وعن شمائلنا ولا تسلّط علينا مَن لا يرحمنا، ممن ليس له خَلاق، وأن تمتعنا بأسماعنا وأبصارنا وعقولنا ما دامت المهلَةُ في دار الانطلاق. فسبحان من هو قريب مجيب، يجيب دعوة الداع إذا دعاه. وحسبنا الله ونعم الوكيل. ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم بدوام الله الملك الكريم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين غفر الله لكتابها وقاريها وسامعها والمسلمين أجمعين.


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!