---

163.  – الحقّ

في اللغة:

“ الحاء والقاف أصل واحد، وهو يدل على احكام الشيء وصحته.

فالحق نقيض الباطل، ثم يرجع كل فرع اليه بجودة الاستخراج وحسن التلفيق.

ويقال حقّ الشيء وجب. .. واحتقّ الناس في الدّين، إذا ادعّى كل واحد الحقّ. ..

المحتق: الذي يقتل مكانه. .. والحاقة: القيامة، لأنها تحقّ بكل شيء. ..

وتقول: حقا لا افعل ذلك. في اليمين. .. ويقال: حققت الامر واحققته، اي كنت على يقين منه. .. “ ( معجم مقاييس اللغة. مادة “ حق “ ).

في القرآن 1:

( ) الحق هو اللّه.

قال تعالى: ” ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ [ 22 / 62 ]

( ب ) الحق - الشرع أو الشريعة التي ارسل اللّه بها المرسلين.

مختطا بذلك للبشر منهجا حيويا في علاقتهم به، وعلاقة بعضهم ببعض ( في مقابل الباطل ).

قال تعالى: ” إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً “[ 2 119 /]”

قال تعالى: " لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ “2 [ 2 / 42 ]

( ج ) الحق - الصدق والوجوب.

قال تعالى :” فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ، وَل يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ “[ 30 / 60 ]

( د ) الحق - العدل.

قال تعالى: ” يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ “[ 38 / 26 ]

( هـ ) الحق - النصيب، الحظ.

قال تعالى: ” وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ “[ 70 / 24 ]

( و ) الحق بمعنى ما وجب للشيء بعين الاستحقاق.

قال تعالى: ” وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ [ 78 / 22 ] “

( ز ) الحاقة - القيامة. انظر في “ اللغة “

“ الْحَاقَّةُ. مَا الْحَاقَّةُ. وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ “[ 69 / 1 - 2 - 3 ]

عند الشيخ ابن العربي 3:

* ان الحق في كلام الشيخ ابن العربي هو اللّه لا من حيث ذاته المجردة عن كل وصف ونسبة، بل من حيث ألوهيته للخلق 4.

يقول الشيخ ابن العربي:

“. .. فان الحق له التجلي في صور الأشياء كلها. فان الأشياء ما ظهرت الا به سبحانه وتعالى فالعارف يعلم أن كل شيء يراه ليس الا الحق. .. “ ( ف 4 / 184 ).

فالحق هو اللّه متجليا في صور الأشياء، مشهودا في أعين الخلق 5.

ان الحق هو الوجود والخير في مقابل الباطل ( - العدم - الشر ).

يقول الشيخ ابن العربي:

“ فما اخرج اللّه العالم من العدم الذي هو: الشر 6 الا للخير الذي اراده به ليس الا: الوجود. .. فان الدار. .. الدنيا فلها وجه إلى الحق بما هي موجودة، ولها وجه لغير الحق بما ينعدم ما فيها وينتقل عنها. .. “ ( ف 3 / 377 ).

“. .. ليس في الوجود باطل أصلا وانما الوجود حق كله، والباطل إشارة إلى العدم “ ( مواقع النجوم. ص 79 ).

“ والباطل عدم. .. ولا عين له في الوجود ولو كان له وجود لكان حقا. “ ( ف 4 / 402 ).

ان الحقيقة الوجودية واحدة بذاتها ثنوية بوجهيها: حق خلق - رب عبد - واحد كثير - قديم حادث،. .. إلى غير ذلك من الثنائيات التي برع الشيخ الأكبر في تعدادها. “ فالحق “ هنا أحد وجهي الحقيقة الجامع لكل صفات القدم، في مقابل “ الخلق “ الوجه الآخر الجامع لكل صفات الحدوث.

ولكن الشيخ ابن العربي لا يتوقف عند هذه الازدواجية بل ينقلب إلى الوحدة، ويغلّب وجه الحق على الخلق.

فالخلق في الواقع ليس الا مظهرا مجلى وتعينا 7 للحق –

فالحق أصل الوجود وعينه 8.

يقول:

“ ( 1 ) فالحق مصرف العالم والعالم مصرف الحق الا تراه يقول :” أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ “[ 2 / 186 ] أليست الإجابة تصريفا. .. “ ( ف 3 / 545 ).

“ فالكون كله جسم وروح بهما قامت نشأة الوجود، فالعالم للحق:

كالجسم للروح. .. “ ( ف 3 / 315 ).

“ ( 2 ) ان هوية الحق: سمع العبد وبصره وجميع قواه 9، والعبد ما هو ال بقواه فما هو الا بالحق، فظاهره صورة خلقية وباطنه هوية الحق. .. “ ( ف 4 / 140 ).

“ والعالم وان تكثّر فهو راجع إلى عين واحدة .فكل من في الوجود حق * وكل من في الشهود خلق” ( ف 3 / 306 )

“ فان للحق في كل خلق ظهورا 10: فهو الظاهر في كل مفهوم، وهو الباطن عن كل فهم، الا عن فهم من قال إن العالم صورته وهويته: وهو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنى روح كل ما ظهر، فهو الباطن “ ( فصوص 1 / 68 ).

الحق بمعنى العدل، الانصاف، وهو صفة الانسان الكامل.

يقول الشيخ ابن العربي:

“ فاعطى [ الانسان الكامل ] كل ذي حق حقه 11، كما أن اللّه” أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ “[ 20 / 50 ] فالذي انفرد به الحق انما هو الخلق 12، والذي انفرد به من العالم الكامل انما هو الحق، فيعلم ما يستحقه كل موجود فيعطيه حقه وهو المسمى:

بالانصاف. .. “ ( ف 3 / 398 ).

الحق بمعنى الشريعة 13 ( امر - نهي ) المفروضة من خارج على الانسان منهجا سلوكيا في مقابل طبعه.

يقول الشيخ ابن العربي:

“ فالحق للدنيا والطبع للآخرة، والطبع له الإباحة والحق له التحجير “ ( ف 4 / 124 )

الحق هو ما وجب من الصدق.

يقول الشيخ ابن العربي:

“ ان الغيبة ليست بحق وانها صدق. .. فالغيبة والنميمة واشباههما صدق ل حق.

إذ الحق ما وجب، والصدق: ما اخبر به على الوجه الذي هو عليه، وقد يجب فيكون حقا وقد لا يجب ويكون صدقا لاحقا 14. .. “ ( ف 3 / 468 ).

الحق هو الوجود الظاهر في الحس 15.

يقول الشيخ ابن العربي:

“ ثم قال يوسف. . .” هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَه رَبِّي حَقًّا “[ 12 / 100 ] اي أظهرها في الحس بعد ما كانت في صورة الخيال. .. معناه [ معنى حقا ] حسا اي محسوسا. .. “ ( فصوص 1101 / ).

كما استعمل الشيخ ابن العربي لفظة “ حق “ وهو يريد بها عبارة “ الحق المخلوق به.

يقول:

“ وسماه الحق [ للعقل الأول ]

في القرآن: حقا وقلما وروحا ،

وفي السنة: عقلا. .. “ ( الانسان الكلي. ورقة 4 ب ).

انظر “ الحق المخلوق به “.

..........................................................................................

( 1 ) نورد بعض أوجه استعمال لفظة “ حق “ في القرآن. لان الإحاطة بمجمل وجوهها يتخطى نطاق معجمنا. راجع “ المعجم المفهرس لألفاظ القرآن “ مادة “ حق “. كما يراجع كتاب الترمذي: “ تحصيل نظائر القرآن “. ص 153 - 154. ( الحق - اللّه - القرآن - الاسلام - الرسالة - محمد صلّى اللّه عليه وسلم ).

( 2 ) انظر تفسير الآية. أنوار التنزيل. البيضاوي. ج 1 ص 24.

( 3 ) بخصوص معنى “ حق “ عند الصوفية. فليراجع:

- شفاء السائل ص 39 - 43 - 62.

- طبقات الصوفية السلمي. ص 106 - 167، 177.

- فواتح الجمال. ص 10، 11، 86.

- سلمي، جوامع، ص 36، 61. ( ماسينيون. .L. Tص 33 ).

- روايات الحلاج. ص 5.

- طواسينIV 5 a 9( طاسين الدائرة ).

-Exegese Coraniqueالأب نويا: ص ص 41 - 42 ( الحق - اسلام، دين، هدى، قرآن، توحيد - مقاتل )، ص 146 ( “ الحق “ - اللّه )، ص 169، 179، 181

( الحلاج: انا الحق )، 242 ( اللّه - المعروف - الحق - الخراز )، 245، 249 ( علاقة الانا بالحق. الحلاج والخراز ) 276 ( حقيقة - حق ).

- اما الترمذي فقد استعمل كلمة “ حق “ بمعنى غريب غير مألوف، الحق هو وسيط بين اللّه والانسان ليراقب هذا الأخير.

أو بتعبير أدق ليقتضيه بقيام التوحيد، وهو بهذا المعنى يقابل الرحمة التي تدافع عن الانسان امام اللّه تعالى. ( ختم الأولياء. ص 117 هامش 13 )

- المعرفة عند الحكيم “ الترمذي “ تأليف عبد المحسن الحسيني. دار الكاتب العربي. القاهرة ص ص 127 - 134. ( المعرفة تبنى على ثلاثة أركان: الحق والعدل والصدق ).

( 4 ) يرادف الواحد في فلسفة افلوطين. انظر فصوص ج 2 ص 18، كما يراجع “ اسم الهي “ في هذا الكتاب.

( 5 ) لن نكثر من ايراد النصوص لاثبات ان الحق هو اللّه عند الشيخ ابن العربي، لان في كل صفحة من صفحات كتبه إشارة إلى ذلك. راجع “ وحدة وجود “.

( 6 ) لقد بينا موقف الشيخ ابن العربي من الخير والشر والوجود والعدم. عند بحثنا كلمة “ عدم “ فلتراجع.

( 7 ) راجع “ مجلى “ تعين “ مظهر “

( 8 ) انظر مقارنة الحق عند الشيخ ابن العربي وافلوطين. مقال عفيفي: من اين استقى الشيخ ابن العربي فلسفته الصوفية - ص 23. .( 9 ) انظر “ قرب النوافل “

( 10 ) لذلك يجد الشيخ ابن العربي ان حد الحق محال، لان حده هو مجموع حدود كل صور العالم ( انظر فصوص 1 / 68 ).

( 11 ) فسرها عفيفي في الفصوص ج 2 ص 334. انظر تفسير عفيفي وقارنه بشرح الشيخ ابن العربي للحق في هذا النص: بالانصاف.

( 12 ) راجع “ خلق “. ( 13 ) استعمل الترمذي عبارة “ حق اللّه “ بمعنى شرعه. انظم ختم الأولياء ص 117 هامش 13.

( 14 ) لا يتابع الشيخ ابن العربي ذات النفس التمييزي بين الحق والصدق فنراه يقول في الفتوحات ج 2 ص 562: “ كما يعاقب على الغيبة والنميمة مع كونهما حق “.

( 15 ) ان الحق هو الوجود والخير عند الشيخ ابن العربي في مقابل العدم أو الشر. وقد رأينا ذلك في المعنى “ الثالث “ السابق ولكن الشيخ الأكبر هنا يخصص من الوجود الحسي لتسميته بالحق. لا الوجود في مستويات العوالم المختلفة عنده. راجع “ ثبوت “ “ خيال “.

اما بخصوص كلمة “ حق “ عند الشيخ ابن العربي بمعانيها كافة، فليراجع:

- الفتوحات. ج 1 ص 4

- الفتوحات ج 4 ص 63، 150 ( الحق - الوجود )، ص 190 ( الحق - عين وجود الكون ). ص 247، ص 443 ( الحق - نور ).

- فصوص الحكم ( المقدمة ) ص 24، 28، 30، 33، 34، 43 ( الجزء الأول ) ص

،  ( الحق في مقابل العالم )، ( الجزء الثاني ) ص ، ، ، ،  ( الحق والخلق- مرتبة الجمع ومرتبة الفرق )، ، ، ، .

- كتاب الشاهد ص 2 ( الحق والحقيقة )

- مواقع النجوم ص 20

- كتاب الكتب ص 24 ،

- روح القدس ص 33 ( الحق انفرد بالخلق ).

- كتاب التراجم ص 31، 32 ( بحر الحق، وبحر الكون )، 37.

- بلغة الغواص ورقة 103، 104.

كما يراجع:

- التوجه الأول. القونوي. ورقة 10.

- لطائف الاعلام. ما يتفرع من مادة “ حق “ ق ق 81 ب - 84 أ.