موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الاصطلاحات الصوفية

ملخص من المعجم الصوفي من تأليف الدكتورة سعاد الحكيم

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


258.  – دين

في اللغة:

“ الدال والياء والنون أصل واحد اليه ترجع فروعه كلها. وهو جنس من الانقياد والذل. فالدين: الطاعة. .. فاما قولهم ان العادة يقال لها دين، فإن كان صحيح فلان النفس إذا اعتادت شيئا مرت معه وانقادت له. ..

ومنه” مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ “[ 1 / 4 ] اي يوم الحكم ،

وقال قوم: الحساب والجزاء واي ذلك كان فهو أمر ينقاد له. .. “ ( معجم مقاييس اللغة. مادة “ دين “ ).

في القرآن:

ان كلمة دين مشتقة من فعل دان اي خضع، وفي ورودها القرآني حافظت على صفة الخضوع بما له من وجوه واشكال.

اما الوجوه القرآنية لها 1 فهي [ متتبعين في ذلك الترمذي ]:

 - التوحيد: وهو شهادة لا إله إلّ اللّه بما تتضمنه من خضوع للّه .” أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ “( يونس 40 ).

 - الحساب: لأنه إذا جاء الحساب دان العبد فلم يقدران يجحد” مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ “( 1 / 4 ).

 - حكم اللّه وقضاؤه

 - حكم الملك الذي حبس يوسف عليه السلام: لما للدين من صفة الخضوع عند الحكم ،” ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ “( يوسف 76 )

 - الاخلاص الاسلام والايمان 2 :” إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ “. ( آل عمران 19 ).

عند الشيخ ابن العربي:

كانت نظرة الشيخ ابن العربي إلى كلمة دين ذات وجهين: لغوي [ النقطة “ الأولى “ ] وشرعي [ النقطة “ الثانية “ 3 ]، لذلك سنبحثهما فيما يلي على أن نتبعهما بنقطة ثالثة تتضمن حقيقة موقف الشيخ ابن العربي من الأديان، وهل وحدة الأديان نظرية لها وجود حقيقي في فلسفة الشيخ الأكبر ؟

يفرّع الشيخ ابن العربي المعنى اللغوي للدين ثلاثة مفاهيم 4: الدين هو الجزاء - والانقياد - والعادة .( 1 ) الدين هو الجزاء.

يقول الشيخ ابن العربي:

“ الدين جزاء اي معاوضة 5 بما يسّر وبما لا يسرّ: فيما يسر

قال تعالى :” رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ “[ 5 / 119 ] هذا جزاء بما يسر.

قال تعالى :" وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً “[ 25 / 19 ] هذا جزاء بما لا يسرّ.

قال تعالى :” وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ “[ 46 / 16 ] هذا جزاء.

فصح ان الدين هو الجزاء “ ( فصوص الحكم ج 1 ص 96 ).

“ ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: من بدل دينه 6 وانما لم يسم الشرك دينا لان الدين الجزاء، ولا جزاء في الخير للمشرك 7 على الشرك أصلا، لا فيم سلف ولا فيما بقي. وإذا آل المشرك إلى ما يؤول اليه من النار التي هي موطنه، الذي لا يخرج منه ابدا فان ذلك ليس بجزاء، وانما ذلك اختصاص سبق الرحمة التي وسعت كل شيء، فما أراد [ محمد صلى اللّه عليه وسلم ] بالدين الا الذي له جزاء في الخير والشر “.

( ف 4 / 131 ).

يتضح من النص السابق ان امكانية الجزاء هي التي توجد الدين، والعكس الصحيح فالدين هو الذي يخلق امكانية الجزاء والسبب في ذلك يعود إلى أن الشرك ل ينفع معه عمل.

فمهما اتى المشرك من اعمال صالحة وحسنات، لا يخلق معها مفهوم الجزاء وامكانيته، لأنه لن يحاسب 8 بل يدخل جهنم وذلك ليس جزاء بل اختصاصا .( 2 ) الدين هو الانقياد:

يقول الشيخ ابن العربي:

“ وجاء الدين بالألف واللام للتعريف والعهد، فهو دين معلوم معروف وهو قوله

تعالى :” إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ “[ 3 / 19 ] وهو الانقياد.

فالدين عبارة عن انقيادك. .. فمن اتصف بالانقياد لما شرعه اللّه له فذلك الذي قام بالدين وأقامه، اي أنشأه كما يقيم الصلاة: فالعبد هو المنشىء للدين، والحق هو الواضع للاحكام 9. فالانقياد هو عين فعلك. فالدين من فعلك. .. “ ( فصوص الحكم ج 1 ص 94 - 95 ).

ان في ارجاع الدين إلى “ الانقياد “ الزاما بمضامين الشريعة كلها: لان الانقياد فعل له غاية ووجهة، بل لا تظهر قيمته الا في الغاية التي هي وجهته 10 فمن انقاد للخير ليس كمن انقاد للشر. اذن الدين الذي هو انقياد انما هو انقياد لم شرعه اللّه فالانقياد: اتباع.

وهذا ما أشار اليه القرآن الكريم بقوله تعالى :” قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ “[ 3 / 31 ]

ففي كلمة “ اتبعوني “ اثبات للاتباع وللوجهة 11 .( 3 ) الدين هو العادة.

يقول الشيخ الأكبر:

“ شرح الدين بالعادة لأنه [ الدين ] عاد اليه [ على الممكن ] ما يقتضيه ويطلبه حاله: فالدين العادة. .. ومعقول العادة ان يعود الامر بعينه إلى حاله: وهذ ليس ثمّ، فان العادة تكرار. .. فنحن نعلم أن زيدا عين عمر وفي الانسانية وما عادت الانسانية، إذ لو عادت لتكثرت، وهي حقيقة واحدة فنقول في الحس عادت لهذا الشبه، ونقول في الحكم الصحيح لم تعد. .. “ ( فصوص 1 / 96 - 97 ).

يبين الشيخ ابن العربي هنا ان العادة هي معاوضة بالمثل مشتقة من فعل عاد اي رجع وتكرر. وليست العادة سوى تكرار المثل، والدين “ العادة “ بمعنى: ان الدين يعود على الانسان بما يقتضيه حاله وهذا المعنى يقارب المعنى الأول الذي هو “ الجزاء “ ( انظر الفقرة “ 1 “ ).

قسم الشيخ الأكبر الدين - من الوجهة الشرعية - دينين: دين عند اللّه ودين عند الخلق.

الدين الذي عند اللّه: هو الشرع الإلهي الذي انزله على

أنبيائه، هذا الشرع الذي نلمس وحدته عبر تطوره في مراتب الظهور في صور الشرائع: فالشرع الإلهي واحد يظهر في كل زمن بصورة شريعة نبي ذلك الزمن. وم الشرائع كلها الا صور ذلك الشرع الإلهي الواحد [ الذي بدأ بآدم وختم بمحمد صلى اللّه عليه وسلم ] - وهو الذي تم بشريعة خاتم الأنبياء ( انظر المعنى “ الثالث “ التالي لكلمة دين ).

الدين الذي عند الخلق: هي النواميس التي لم يرسل بها اللّه رسولا، بل سنّها الخلق فلما وافقت الحكم الإلهي اعتبرها اللّه اعتبار ما شرعه 12:

كالرهبانية 13.

يقول الشيخ ابن العربي:

“ الدين دينان: دين عند اللّه وعند من عرّفه الحق تعالى ومن عرّف من عرفه الحق. ودين عند الخلق وقد اعتبره اللّه.

فالدين الذي عند اللّه هو الذي اصطفاه اللّه وأعطاه الرتبة العليا على دين الخلق. ..

وهو قوله تعالى :” إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ “وهو الانقياد. فالدين عبارة عن انقيادك، والذي من عند اللّه تعالى هو الشرع الذي شرعه اللّه تعالى. ..

وهي [ النوع الثاني للدين ] النواميس الحكمية التي لم يجيء الرسول المعلوم بها في العامة من عند اللّه، بالطريقة الخاصة المعلومة في العرف.

فلما وافقت الحكمة والمصلحة الظاهرة فيها الحكم الإلهي في المقصود بالوضع المشروع الإلهي، اعتبرها اللّه اعتبار ما شرعه من عنده تعالى. .. “ ( فصوص 1 / 94 - 95 ).

وحدة أديان “ أم “ دين واحد “ ؟

هل قال الشيخ الأكبر بوحدة الأديان 14 ؟

وما حقيقة موقفه من الأديان ؟

ان عبارة “ وحدة الأديان “ لم ترد في جملة مؤلفات الشيخ ابن العربي، بل استخلصها متأخرون من اشعار وأقوال أوحت بها.

ولكن قبل ان نبحث هذه الأقوال والاشعار، نبين حقيقة موقف الشيخ ابن العربي من الأديان.

ثم على ضوء موقفه هذا نتاول أقواله واشعاره، الموحية بتلك الوحدة المشار إليها.

أولا: لم يقل الشيخ ابن العربي بوحدة الأديان رغم محاولات الباحثين استنطاقه ذلك، بل على العكس من ذلك أنه يفرّق بين الأديان، من حيث هي صور متمايزة مختلفة لذلك “ الدين الواحد “، الذي هو الشرع الإلهي المتقلب في مراتب

الظهور بصور الأديان المختلفة [ - دين عند اللّه ].

فالدين واحد من آدم إلى محمد صلى اللّه عليه وسلم، وما تلك الشرائع ال كحبات عقد، أو حلقات سلسلة، وكتاب فصوص الحكم هو خير صورة مثّل فيها الشيخ ابن العربي اختلاف الأديان: فكل نبي له شرعة ومنهاج، وهو حقيقة متميزة منفصلة عن حقيقة أخرى، هي نبي آخر وشرعة أخرى. ..

وهكذا حتى يصل إلى “ الكلمة الجامعة “ أو “ جوامع الكلم “ الذي هو النبي محمد صلى اللّه عليه وسلم وبه ينختم هذا الدين الواحد.

وإذا سأل سائل عن الفرق بين “ وحدة الأديان “ و “ الدين الواحد “ ؟

نقول:

انه يفرقهما مفهوم “ الزمن “: فالدين واحد تقلّب زمنيا في صور الأديان المختلفة من يهودية ومسيحية.

فلو قبل الشيخ الأكبر بوحدة الأديان لوجب عليه ان يقبل في هذا الزمن، الذي هو زمن الدين الاسلامي، كل الأديان الأخرى السابقة يقبلها كحقيقة راهنة حاكمة، وليس كحقيقة سابقة سالفة.

اذن.

القول “ بالدين الواحد “ يلزمه فقط بقبول شريعة واحدة في زمن واحد معين. ونعطي لذلك مثلا: انه في زمن المسيحية تقبل اليهودية كحكم سابق حيث يفترض الايمان بها كدين سالف، ولكن لا يقبل اليهود في زمن المسيحية مع المسيحين كأصحاب دين واحد.

بل تكون المسيحية هي “ الدين “، واليهودية تدخل في باب “ تاريخ الدين “. . وهكذا بالنسبة لزمن الاسلام والأديان السالفة.

فالشيخ ابن العربي لم يقل بوحدة الأديان، بل أشار إلى عقيدته في “ الدين الواحد “ الذي يقبل في الزمن الواحد شريعة واحدة هي شريعة الزمن.

وهذا الدين الواحد قد ختم بمحمد صلى اللّه عليه وسلم.

وينتج عن هذه الختمية كل ما تحمله من ابعاد تفترض الجمعية وغيرها [ انظر ختم ]. لذلك كل ما نصادفه عند الشيخ الأكبر من نصوص توحي “ بوحدة الأديان “ - التي قال بها بعض الباحثين - هي في الواقع نصوص تشير إلى: جمعية الدين المحمدي، ليس الا ( سنشير إلى هذه النصوص في الفقرة الثانية ).

يقول الشيخ ابن العربي:

“من يرتدد منكم عن دينه ويمت 15 *** فإنه كافر بالدين اجمعه

لأنه احدى العين 16 ليس له *** مخالف جاءه من غير موضعه

وان اتيانه بالكل شرعته *** بذا اتى الحكم فيه من مشرّعه

الضمير في أنه [ لأنه احدى العين ] يعود على الدين.

قال اللّه تعالى :” لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً “[ 5 / 48 ]

فالمراد هنا بضمير “ منكم “ ليس الا الأنبياء عليهم السلام، لا الأمم. ..

وقال صلى اللّه عليه وسلم: من بدل دينه فاقتلوه 17، فاختلف الناس في اليهودي إذا تنصّر والنصراني ان تهوّد: هل يقتل أم لا ؟

ولم يختلفوا فيه ان اسلم، فإنه صلى اللّه عليه وسلم ما جاء يدعو الناس الا إلى الاسلام، وجعل علماء الرسوم ان هذا التبديل مأمور به، وما هو عندنا كذلك فان النصراني وأهل الكتاب 18 كلهم إذا أسلموا ما بدلوا دينهم، فإنه من دينهم الايمان بمحمد صلى اللّه عليه وسلم والدخول في شرعه إذا ارسل وان رسالته عامة، فم بدل أحد من أهل الدين دينه إذا اسلم “ ( ف 4 / 131 ).

ثانيا: اعتمد القائلون بوحدة الأديان عند الشيخ ابن العربي غالبا على نصين اشتهرا في هذا الموضوع.

وهما: النص الأول:

” عقد الخلائق في الاله عقائدا *** وانا شهدت [ في نسخة: عقدت ] جميع ما عقدوه 19 “( ف 3 / 132 ).

النص الثاني:

” لقد صار قلبي قابلا كل صورة *** فمرعى لغزلان ودير لرهبان

وبيت لاوثان وكعبة طائف *** وألواح توراة ومصحف قرآن

أدين بدين الحب أنّي توجهت *** ركائبه فالحب ديني وايماني “

( ترجمان الأشواق ص ص 43 - 44 ).

والآن لنرى هل يشير هذان النصان إلى وحدة الأديان ؟

وما مراد الشيخ ابن العربي فيهما - طبعا من خلال معرفتنا لمجمل تفكيره - ؟

النص الأول:

يشير الشيخ ابن العربي إلى أن هذا النص هو من المقام الذي عمّ المعتقدات، اي المقام المحمدي ( الفتوحات 3 / 132 ).

وفي تلك الإشارة ينبهنا إلى أن المقصود من النص، ليس وحدة الأديان بل ايماء إلى: ان من يدين بالشرع المحمدي، لابد له من أن يعتقد بكل الشرائع التي سبقته: من حيث إنه لا يلغي ما قبله بل العكس جاء متمما ومكملا وخاتما لها.

ومقامه يعمّ جميع المعتقدات لان الختم صفته:

الجمعية. والشرع المحمدي خاتم الشرائع فله جمعيتها:

فالايمان بمحمد صلّى اللّه عليه وسلم يفترض من ناحية الايمان “ بعيسى “ و “ موسى “ و “ داود “ عليهم السلام أجمعين، كما أنه من ناحية ثانية إيمان بهم حق كجزء من هذا الشرع الإلهي الواحد ( - الشرع عند اللّه )، وهو الذي اكتمل في صورة الشريعة الاسلامية.

ففي الشطر الأول من النص يثبت الحاتمي: اله المعتقدات ( راجع “ اله المعتقدات “ ) ويؤكد في الشطر الثاني على أنه: عقدها جميعا. اي يشير إلى كونه “ محمدي “ المقام، له جمعية الشرع المحمدي الذي عم المعتقدات واستوعبها جميعا.

النص الثاني:

لفهم هذا النص تجب الإشارة إلى نقطتين:

 - ان الجدل الصوفي في نظرية المعرفة يتلخص في: ان الصوفي بقدر ما يفرّغ قلبه من العلوم يحصل عليها 20. بل الاستعداد للعلم الإلهي [ على عكس العلوم الأخرى ] يقتضي نقاوة القلب وفراغه. على حين ان العلوم الكسبية كلها ترتفع بتوافق انسجامي مع ارتفاع درجة الثقافة والتحصيل.

 - ان كمال كل عضو من الأعضاء عند الشيخ ابن العربي، ليس بتنمية مواهبه واكتساب قدرات جديدة بل العكس رجوع به إلى حالة القبول المحض والقابلية التامة.

اذن، في الشطر الأول يشير الحاتمي إلى: بلوغ قلبه مرتبة الكمال، من حيث إنه صار قابلا كل صورة. فهذه القابلية التامة هي: كمال القلب.

والنص صريح لم يقل “ قبل “ كل صورة، بل “ قابلا “.

فهو هنا يشرح حاله، ولا يفيدنا النص في وحدة الأديان، بل نستفيد منه إشارة الشيخ ابن العربي إلى المقام الذي وصله ،

مقام: كمال القلب بقابليته التامة ليس أكثر.

ولكن ما الذي دفعه إلى الإشارة إلى مرتبة قلبه من القابلية المحضة لكل

صورة ؟ نجد الجواب في البيت الأخير من النص. الذي نعتقد ان جذوره ترجع إلى الآية الكريمة

قال تعالى :” قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ “. [ 3 / 31 ]

“ دين الحب قال تعالى: “هو هذا الحب المشار اليه في هذه الآية [ تحبون اللّه ].

اما قوله “ اني توجهت ركائبه “: فذلك لان الآية لم تحدد بوضوح وجهة الاتباع ومضمون شرعته بل ألصقته بمحمد صلّى اللّه عليه وسلم: فاتسعت من ناحية الرقعة اي رقعة موضوع الاتباع أيما اتساع [ قرآن - سنة - كل ما نعرفه عن شريعته صلّى اللّه عليه وسلم ]، وضاقت من ناحية ثانية ابعد ضيق [ لا سبيل لحب اللّه ال اتباع محمد صلّى اللّه عليه وسلم: باب واحد فقط ].

اذن، الشيخ ابن العربي يقرر ان قلبه أصبح قابلا كل صورة، فهو يدين بدين الحب فليتجل له بما يريد، ولا يتجلى الا في جمعية الاتباع المحمدي.

..........................................................................................

( 1 ) يورد مقاتل 3 نظائر للدين في القرآن: التوحيد، الحساب، الحكم والقضاء.

انظر-Exegese coranique p 148- اما الترمذي فيورد نظائر للدين وهي ما اتبعناه في متن المعجم.

انظر-Exegese coranique pp 147 - 149تحصيل نظائر القرآن ص ص 119 - 121.

( 2 ) انظر-Exegese coranique p p 148 - 149( 3 ) يقول جامي في شرحه للفص الثامن: “ اعلم أن الدين في اللغة يطلق على ثلاثة معان:

الانقياد والجزاء والعادة، وفي الشرع: على ما شرعه اللّه سبحانه وتعالى لعباده من الاحكام أو شرعه بعض عباده فاعتبره اللّه سبحانه. فالشيخ رضي اللّه عنه قسمه بالمعنى الشرعي إلى قسمين ونبّه على اعتبار المعاني الثلاثة اللغوية فيه. .. “ ( شرح الفصوص. جامي ج 2 ص 22 ).

( 4 ) كثيرا ما نغفل بحث الكلمات التي لا تأخذ معنى جديدا عند شيخن الأكبر، ولكن كلمة “ دين “ رغم انه لم يضف إليها جديدا الا انها حظيت باهتمامه فافرد لها فصا كاملا ( الفص الثامن: فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية )، أضف إلى ذلك براعته في ربطها بمعانيها الثلاثة وهذا ما سنسلمه من خلال النصوص.

( 5 ) انظر معنى الجزاء بين العود والعوض. الفصوص ج 2 ص 102.

( 6 ) انظر فهرس الأحاديث حديث رقم ( 22 ).

( 7 ) المشرك هو الذي ليس له “ كتاب “. اذن “ المشركون “ مقابل “ أهل الكتاب “ راجع الفتوحات ج 4 ص 131.

( 8 ) ان “ الحساب “ في الآخرة غايته التمهيد لدخول الجنة، فعند استحالة دخول الجنة تبطل

الغاية من الحساب، ونظرا لان اللّه لن يغفر الشرك [ الآية 4 / 8 - 4 / 116 ]. فلن يدخل المشرك الجنة فلا مبرر اذن لمحاسبته.

( 9 ) يظهر “ الدين “ هنا حقيقة واحدة لها وجهان: حق وخلق ( الانقياد - خلق، لما شرعه اللّه - حق ) ولكن دور الخلق رغم جمل الشيخ ابن العربي الموحية بايجابية قصوى ( فالدين من فعلك ) يظل في مضمونه سلبيا: وذلك لان الانقياد الذي هو عين فعل “ الخلق “ قهر وعبودية وسلبية، إذ يتحول “ الخلق “ هنا إلى محل تتغير عليه الاحكام بتغير الاسم الإلهي الحاكم راجع “ اسم الهي “ ( المعنى الرابع ) وينقاد هو لهذا التغير.

ولكن هذه السلبية هي نظرية فكرية فقط ( العبد لا يسهم فكريا في الدين. الاحكام يضعها الحق ). لأنها تتحول عمليا إلى ايجابية ملموسة من خلال فعل الانقياد الذي يتطلب حضورا معينا وسلوكا خاصا.

( 10 ) مثلا جامي في تعليقه على معنى “ الانقياد “ لكلمة دين يقول: “ وانما وصاهم [ يعقوب لبنيه ] بالانقياد اليه [ إلى الدين ] لان الدين الذي هو الأحكام الشرعية الوضعية لا يثمر سعادة ما لم ينقد اليه. فهذه الوصية تدل على اعتبار الانقياد إلى الدين [ الذي ] ينبغي ان يراد به الاحكام الموضوعة لا الانقياد. فإنه لا معنى للانقياد إلى الانقياد. .. فالدين عند اللّه الانقياد وهذا الحكم قبيل قوله عليه السلام: الحج عرفة. مبالغة في اعتبار الانقياد في الدين لا انه عين الدين. .. “ ( شرح الفصوص ج 2 ص 23 ).

( 11 ) وإلى هذا الحب أشار الشيخ ابن العربي بقوله :” أدين بدين الحب انّى توجهت * ركائبه فالحب ديني وايماني “( ترجمان الأشواق ص 44 ).

( 12 ) ومن هذا القبيل جزاء اللّه لمن سن سنة. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: “ من سنّ سنة حسنة فعمل بها كان له أجرها ومثل أجر من عمل بها ل ينقص من أجورهم شيئا. ومن سن سنة سيئة فعمل بها كان عليه وزرها ووزر من عمل بها ل ينقص من أوزارهم شيئا “ ( سنن ابن ماجة المقدمة الباب رقم 14 الحديث رقم 203 ).

( 13 ) وقد ذهب المحاسبي هذا المذهب في اعتبار الحق لما شرعه الخلق، إذ انه في الآية الكريمة” وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها “[ 57 / 27 ] يرى أن اللّه عز وجل عابهم بترك رعاية ما لم يفترض.

( انظر: الرعاية لحقوق اللّه. المحاسبي. تحقيق عبد القادر عطا ص ص 38 - 39 ).

( 14 ) انظر ما كتبه الدكتور محمد مصطفى حلمي عن وحدة الأديان عند الحلاج: كتاب الحياة الروحية في الاسلام ص ص 121 - 122.

( 15 ) في الأصل “ يموت “ وهو خطأ من الناسخ وينكسر به الوزن.

( 16 ) انظر “ أحدية “.

( 17 ) انظر فهرس الأحاديث حديث رقم ( 22 ).

( 18 ) يرى الشيخ ابن العربي ان الدين هو فقط لأهل الكتاب، لان الشرك ليس دينا.

( 19 ) يقول عفيفي ناسبا وحدة الأديان إلى الشيخ ابن العربي مستشهد بهذا النص:

“ وتستولي فكرة الوحدة على قلب الشيخ ابن العربي فيفسر بها كل شيء في عالم الوجود والاعتقاد. .. اما في عالم الاعتقاد - وهو الأديان – فيرى

[الشيخ ابن العربي ] ان المعبود واحد مطلق في جميع الأديان مهما تعددت صوره واشكاله لأنه هو المتجلي في هذه الصور والاشكال.

وان العارف الكامل هو الذي يعرف المعبود في كل صورة يتجلى فيها. ..

ولهذا دعا الشيخ ابن العربي إلى القول بوحدة الأديان واعتبارها كله طرقا موصلة إلى معبود واحد لا يعبد غيره على الحقيقة.

وفي ذلك يقول:

عقد الخلائق في الاله عقائدا *** وانا عقدت جميع ما عقدوه

لما بدا صورا لهم متحولا *** قالوا بما شهدوا وما جحدوه

قد اعذر الشرع الموحد وحده *** والمشركون شقوا وان عبدوه”

[ أبو العلا عفيفي. مقال بعنوان “ الفتوحات المكية لمحي الدين بن العربي، سلسلة تراث الانسانية نشر المؤسسة المصرية. . المجلد الأول ص 167 ].

نلاحظ ان الدكتور عفيفي انتقل من جملة الشيخ ابن العربي “ المعبود واحد في جميع الأديان “ إلى القول بوحدة الأديان. غافلا عن الاختلاف في المستوى الوجودي بين القولين.

فالأول يظهر: وحده المعبود والثاني يقول: بوحدة الشرائع والعقائد ام وحدة المعبود فكثيرا ما يؤكدها الشيخ الأكبر بل يذهب إلى أكثر من ذلك: إلى أن اللّه هو المعبود في كل معبود ( انظر “ اللّه “ “ معبود “ ).

( 20 ) راجع “ أمية “.

حرف الذال

ذ

.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!