[مبشرة أخرى في معناهـا]

رأيت مالك بن أنس الأصبحي إمام دار الهجرة في المنام، وعليه ثوب أبيض يجر منه في الأرض اثنى عشر ذراعا، وهو على باب يقال له باب الفتح، فقلت له: يا مالك، ما أقرأ؟ فقال: تحب أن تقرأ كتب الرأي، فكنت شخصا يشتغل بكتب الرأي، وهو ينظر في مزبلة معرضا عن مالك، مقبلا على المزبلة، فقلت: يا مالك أخاف أن تقودني كتب الرأي إلى ما قادت هذا الشخص، فتبسم مالك رضي الله عنه، وقال: صدقت، عليك يا بني بتقييد الحديث، والعمل به.

ومن شرف علم الحديث ما حدثنا به العالم أبو العباس أحمد بن داوود بن علي ابن ثابت بن منصور الحريري الحلفاوي رحمه الله بمدينة تونس، بدار الشيخ الصالح عبد العزيز بن أبي بكر القرشي المهدوي، قال أبو العباس: كان لي اعتقاد كبير في الإمام أبي حنيفة لحسن رأيه، وجودة ذهنه، وكنت أميل إليه من دون الأئمة، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم، فلم يكلمني، وهبت أن أسأله، وكان أبو بكر خلفه، فقلت: يا أبا بكر، كيف مراتب الأئمة عندكم؟ فقال: اللاحق بنا أحمد بن حنبل، ثم الشافعي، ثم مالك، ثم أبو حنيفة. قال أبو العباس: فتعجبت، وعلمت أن النجاة في متابعة الحديث.

ولقد أخبرت هذه الحكاية القاضي عبد الوهاب الأزدي الإسكندراني بمكة سنة 599 هـ تسع وتسعين وخمسمئة، فقال: هو الصحيح، وأنا أخبرك بما يقول، ما رآه أبو العباس، فقلت له: أخبرني، ونحن تجاه الركن اليماني عند باب الحزورة، فقال: كان عندنا رجل صالح، فيه خير، وله سمت حسن، فمات، فرآه بعض الصالحين من أصحابنا في المنام، فقال له الرائي: يا فلان، كيف تكون الأرض إذا جاء الملكان؟ فقال: إنّها تسير كالماء، كلما اخترقت فيها لم تمتنع عليك، كما تخترق الماء. قال الرائي: فقلت له: ما رأيت؟ قال: رأيت كتبا مرفوعة، وكتبا في الأرض موضوعة، فسألت عنها، فقيل لي: أما المرفوعةُ فكتب الحديث، وأما الموضوعةُ، فكتب الرأي حتى يسأل عنها أصحابها.