موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

مواقع النجوم
ومطالع أهلة الأسرار والعلوم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

[مرتبة الاولى في توفيق العناية]

 

 


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا:

يا بدر بادر إلى المنادي كفيت فاشكر ضد الأعادي

قد جاءك النور فاقتبسه ولا تعرج على السواد

فمن أناه القض رضاه يزهد في الخط بالمداد

فقم بوصف الإله وانظر إليه فردا على إنفراد

وحصن السمع إذ تنادى وخلص القول إذ تنادي

وألبس لمولاك ثوب فقر كي تحظ بالواهب الجواد

وقل إذا جئته فقيرا يا سيدا وده اعتمادي

أسق شراب الوصال صبا في زال يشكو صدا البعاد

تاه زمانا بغير قوت إذ لم يشاهد سوى العباد

فكن له القوت ما استمرت أيامه الغر باقتصاد

حتى يموت العذول صبرا وتنطفي جمرة المعادي

ويعجب الناس من شخيص يكون بعد الضلال هادي

من كان ميتا فصار حيا فقد تعالى عن النفاد

ما خلع النعل غير موسى بشوطها عند بطن وادي

من خلعت نعله تناهت رتبة أقواله السداد

فإن تكن هاشمي إرث فاسلك بها منهج السداد

وألبس نعاليك إن من لم يلبس نعاليه في وهاد

فهل يساوي المخيط حالا من لم ير الحق في الرماد

فميز الحال إذ تراه في مركب القدس في الفؤاد

ورتب العلم إذ تناجي سرك بالسر في الهوادي

وارقبه في وهم كل سر في شأنه أن أتى وبادي

ولا تشتت ولا تفرق عند يدا حاضر وبادي

فإن وهبت الرجوع فرق بين الحواضير والبوادي

واحذر بأن تركب المهاري إذ يقرن العير بالجواد

لا تحجبنك الشخوص واصبر على مهماته الشداد

وانظر إلى واهب المعاني وقارن العين بالفؤاد

واسند الأمر في التلقي له تكن صاحب استناد

ولا يغرنك قول غيري فالحق في الجمع لا ينادي

وإن هذا المقام أخفى من عدم المثل للجواد

فكنه علما وكنه حالا مع رائح إن أتى وغادى

فكنه وصفا ولا تكنه ذاتا فعين المحال بادي

ولا تكن ذا هوى وحب فيه فقلب المحب صادي

من بات ذا لوعة محب شكى لها حرقة الفؤاد

وانظر بعين الفراق أيضا فيه ترى حكمة العباد

وحكمة الحزم والتواني وحكمة السلم والجلاد

فحكمة الضد لا يراها سوى حكيم لها وشادي

وانظر إلى ضارب بعود صفاة لبس فالشاب وادي

و عجب له واتخذه حالا تجده في النار كالزناد

فالماء للروح قوت علم والجسم للنار كالمزاد

فإن مضى الماء لم تجده بدار دنياك للمعاد

وإن خبت ناره عشاء قسو من مات في المهاد

أوضحت سر إن كنت حرا كنت به واري الزناد

من علم الحق علم ذوق لم يقرن الغي بالرشاد

فمن أتاه الحبيب كشفا لم يدر ما لذة الرقاد

مثل رسول الإله إذ لم يكن له النوم في فؤاد

لو بلغ الزرع منتهاء لا شتغل القوم بالحصاد

أو نازل الحصن قوم حرب لبادر الناس للجهاد

ناشدتك الله يا خليلي هل فرش الخز كالقتاد

لا والذي أمرنا إليه ما عنده الخير كالفساد

قال من جل ثناؤه وتقدست أسماؤه وما تَوْفِيقِي إِلاّ بِالله فأسنده سبحانه إلى الاسم الجامع الذي هو للتعلق لا للتخلق وفي إسناده إليه سر شريف نشير إليه إن شاء الله تعالى في هلال هذا النجم السعيد. . . التوفيق أيها الابن النجيب العتيق وفقك الله مفتاح السعادة الأبدية والهادي بالعبد إلى سلوك الآثار النبوية والقائد له إلى التخلق بالأخلاق الإلهية من قام به غنم ومن فقده حرم وهو خارج من كسب العبد وإنما هو نور يضعه الله في قلب من اصطفاه لنفسه واختصه لحضرته به تحصل النجاة وبه تنال الدرجات ومع أنه سر موهوب ونور في قلب العبد موضوع فإن إرادة العبد من جهة العلم بخصائصه وحقائقه متعلقة بجود الله سبحانه وتعالى في تحصيله منه والاتصاف به فقد تحصل للعبد تلك الإرادة فيتخيل أنه كسبي وإن دعاء الله فيه وإرادته إياه سبب في حصوله وما علم أن تلك الإرادة التي حركته لطلب التوفيق إنها من آثاره ولولاه لم يكن ذلك فإن إرادة التوفيق من التوفيق لكن لا يشعر بذلك أكثر الناس فإذا تقرر هذا فيكون الإنسان إنما يطلب على الحقيقة كمال التوفيق من الموفق الواهب الحكيم ومعنى كمال التوفيق استصحابه للعبد في جميع أحواله من اعتقاداته وخواطره وأسراره ومطالع أنواره ومكاشفاته ومشاهداته ومسامراته وأفعاله كلها لا أنه يتجزى ويتبعض فإنه معنى من المعاني القائمة بالنفس فنقصه الذي يطلق عليه إنما هو أن يقوم بالعبد في فعل ما ويحرمه في فعل آخر وكذلك زيادته استصحابه لجميع أفعاله العبد وقد بان علة سؤال في التوفيق من الله تعالى وسنبين أن التوفيق لم يكن عنده معدوما عند سؤاله لله سبحانه وتعالى فيه وهو تفعيل من الموافقة وهو معنى يقوم بالنفس عند طرو فعل من أفعاله الصادرة عنه على اختلافها تمنعه من المخالفة للحد المشروع له في ذلك الفعل لا غير فكل معنى كان حكمه هذا يسمى التوفيق فلو وافق يا بني حال العاصي حقه المشروع له لم يكن عاصيا وإذا انتفت الموافقة في حال ما مشروع كانت المخالفة لأن المحل لا يعري عن الشيء أو ضده وقد يقوم بالعبد التوفيق في فعل ما والمخالفة في فعل آخر في زمن واحد كالمصلي في الدار المغصوبة أو كمن يتصدق وهو مغتاب أو يضرب أحدا في حال واحد وأشباهه فلهذا سأل العبد من مولاه إكمال التوفيق يريد استصحابه له في جميع أحواله كلها حتى لا تكون منه مخالفة أصلا فإذا كمل التوفيق للعبد على ما ذكرناه فهو المعبر عنه بالعصمة والحفظ الإلهي حفظ الله علينا الأوقات وعصمنا من نتائج الغفلات إنه جواد بالخيرات فالتوفيق يا بني هو العناية التي للعبد عند الله تعالى قبل كونه المتفضل به عليه عند إيجاده إياه وتعلق خطابه به.

قال الله تعالى: وبَشِّرِ اَلَّذِينَ آمَنُو أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ فصحت لهم هذه القدم قبل كونه حيث لا قبل في علم الله تعالى خصوصية منه جل علاه لهم وهي الرحمة التي كتبها على نفسه فلما أوجدهم في أعيانهم بصفة الجود وأبرزهم في الوجود تولاهم بلطفه فحققهم بحقائق التوفيق وبين لهم الطريق الموصلة إليه كما بينه للأنبياء بواسطة ملائكته ولأوليائه بواسطة أنبيائه والملائكة بالجبلة التي أوجدهم عليها فاهتدوا على أوضح منهاج وعرجوا على أنجح معراج فما زال التوفيق يصحبهم في كل حال ويقودهم إلى كل عمل مقرب إلى الله عزّ وجلّ من أعمال القلوب والنفوس والمعاملات المتوجهة على الحواس حتى انتهى بهم فوق الهمم وأنزلهم في حضرة الجود والكرم فغرقوا في بحار المنن والآلاء من نعيم جنان ومضاهاة استواء على قدر ما أراده تعالى أن يمنحهم من نعمائه جنان يهبهم من رحمائه فعاينوا عند ذلك تولي الحق لهم في ذلك ولم يكونوا شيئا مذكورا ثم استصحاب التولي لهم في محل الدعاوي بتقديسهم عنها فأرادوا الشكر فمنعتهم الحقيقة وكان الشاكر هو المشكور والذاكر هو المذكور فعجز العبد عن الثناء والحمد مع غاية الجد في ذلك والجهد ووقفوا في موقف الحيرة لما رأوا الحال فوق الثناء ثم رأوا أن الذي حصل لهم من الثناء عليه سبحانه وتعالى إنما هو من عنده أثنى على نفسه بفعله قال تعالى:

وما أُوتِيتُمْ مِنَ اَلْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً فالقليل معار عندنا وهبناه عناية منه والكثير لم نصل إليه فليس لنا شيء ندعيه فالمحقق شيخ منحوت إلاّ أنه مبخوت وصاحب الدعاوي كذلك إلاّ أنه ممقوت قال الصادق في هذا المقام (ص) لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك وقال الصديق (رضي الله عنه) العجز عن درك كما الإدراك ولنا في هذا أبيات:

قل لأمرئ رام إدراكا لخالقه العجز عن درك الإدراك إدراك
من دان بالحيرة للغراء فهو فتى لغاية العلم بالرحمن دراك وأي شخص أبى إلاّ تحققه فإن غايته جحد وإشراك

فالعجز عن درك التحقيق شمس ضحى جرت به فوق جو النسك أفلاك

مبادئ التوفيق ومواسطة وغاياته: اعلم يا بني أن التوفيق قائد إلى كل فضيلة وهاد إلى كل صفة منجية وجالب كل خلق رضي يجلو البصائر ويصلح السرائر ويخالص الضمائر ويفتح أقفال القلوب ويزيل ربونه ويخرجها من أكنتها ويهبه أسرار وجودها ويعرفها بما تجهله من جلال معبودها هو الباعث المحرك لطلب الاستقامة والهادي إلى طريق السلامة ما اتّصف به عبد إلاّ اهتدى وهدى ولا فقده شخص إلاّ تردى وأردى فنعوذ بالله من الخلاف وله مبدأ ومتوسط وغاية فمبدأه يعطيك الإسلام ومتوسطه يعطيك الإيمان وغايته تعطيك الإحسان فالإسلام يحفظ الدماء والأموال والإيمان يحفظ النفوس من ظلم الضلال والإضلال والإحسان يحفظ الأرواح من رؤية الأغيار ويهبها المراقبة والحياء على الكمال فالنفس تتنعم بشهواتها في الجنان والعين تتنعم بلذة مشاهدة الرحمن والروح تتنعم بحقائق الامتنان فانظر ي بني ما أوصلك إليه التوفيق فمن دعا لك بالتوفيق في جميع الأحوال فما ترك لك شيء من الخير إلاّ أعطاك إياه فلا ترده فمبدؤه يعطيك العلم والعمل ووسطه يطهر ذاتك من دنس الأغراض والعلل وغايته تمنحك أسرار الوجود والأزل وليس وراء الله مؤمل يؤمل مبدؤه يفنيك عن حسك ووسطه يفنيك عن نفسك وغايته تجود عليك بشمسك مبدؤه يعطيك الكرامات ووسطه يفنيك عن الصفات وغايته تنعمك بالذات مبدؤه يشهد لك بالجنان ووسطه يشهد لك بالعيان وغايته تشهد لك بفناء الأعيان فسبحان المتفضل المنان إنه بعباده رؤوف رحيم.

تقسيم: التوفيق وفقك الله تعالى على قسمين في أصله عام وخاص فالعام هو الذي يشترك فيه جميع الناس كافة من المسلمين وغيرهم وهو على ضربين منه ما يوافق الحكمة بما هي حكمة ومنه ما يوافق الأغراض فالتوفيق الذي يوافق الأغراض كرجل أي رجل كان على أي دين كان حفر بئرا على قارعة الطريق بأرض لا ماء فيها فهذ وافق غرض كل ما بذلك الموضع والتوفيق الذي يوافق الحكمة كمن يفرق بين الأشياء لم يرى بينها من المسافة وأصلها إعطاء كل ذي حق حقه كرجل مثلا رأى شخصا يتناول شرب الماء بالمنخل ويحاول تصفية الدقيق بالقدح فيأخذ الدقيق فليقيه في المنخل ويأخذ الماء ويجعله في القدح ويقول إنما جعل هذا لهذا وهذا لهذا هكذا في جميع الأشياء العلمية والعملية فهذه موافقة الحكمة. والخاص هو الذي يخرجك من الظلمات إلى النور وينتهي بك إلى السعادة الأبدية على مراتبها وإن دخل النار وهذا أيضا عام وخاص فالعام كالإيمان بالله وبرسوله وما جاء به والخاص كالعمل بالعلم المشروع وهو أيضا عام وخاص فالعام كأداء الفرائض كما قال ضمام بن ثعلبة السعدي لرسول الله (ص) حين سأله عن الواجبات فأجابه رسول الله (ص) فقال هل على غيرها قال لا إلاّ أن تطوع فقال والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه ولم تكن غير الفرائض الخمس فقال رسول الله (ص) أفلح إن صدق والخاص هو الذي يؤديك إلى تصفية القلب وتعريفه وتفريغه والرياضات والمجاهدات وهذا الضرب أيضا من التوفيق فيه عام وخاص فالعام هو الذي يثمر لك جميع الأخلاق العلوية والأوصاف الربانية القدسية والخاص هو الذي يثمر لك أسرار الخلق ومعنى التحقيق وكلاهما على ضربين عام وخاص فالعام ما أعطاك جميع ما تتخلق به وأسراره والخاص ما أعطاك الغنا عن ملاحظة الغنا فكل توفيق يستصحب العبد في حركاته وسكناته الظاهرة والباطنة فهو توفيق العارفين الوارثين العاملين وكل توفيق يصحب العبد في بعضها فهو منسوب لذلك البعض ومضاف لما يعطيه في مراتب الوجود الصوفي خاصة فيقال هذا توفيق العارفين والزاهدين والعابدين وغيرهم من أصحاب المقامات وأرباب السلوك.

تقسيم: حصول التوفيق عند المحققين على نوعين توفيق أوجده الحق سبحانه وتعالى فيك منك وتوفيق أوجده فيك على يد غيرك فالتوفيق الذي فيك من غيرك كالإسلام الذي ألقاه عليك أبواك وربياك عليه «فكل مولود يولد على الفطرة وأبواه هما اللذان يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» كما جاء في الحديث أو كشخص قيضه الله لك على مدرجتك من غير قصد منك إليه فوعظك بموعظة زجرك بها فانتبهت من سنة الفغلة فقذف الله سبحانه وتعالى لك عند انتباهك نور التوفيق فقبلتها ونظرت في تخليص نفسك فقادك إلى الانتظام في شمل السعداء وإنما التوفيق الذي فيك منك هو أن ترزق النظر ابتداء في عيوبك وذم ما أنت عليه من الأفعال القبيحة تمقتك نفسك وتبغضك حالك فإذا تقوى عليك هذا الخاطر وتأيد نهي بك في طريق النجاة وسارع بك إلى الخيرات على قدر ما قدر لك أزلا وقسم لك في شربك وأول مقامات التوفيق الاختصاصي اشتغالك بالعلم المشروع الذي ندبك الشارع إلى الاشتغال بتحصيله وآخرها حيث يقف بك فإن تممت لك المقامات حصلت في التوحيد الموحد نفسه بنفسه الذي لا يصح معه معقول وإن نقصت لك بعض الحضرات الوجودية واللطائف الجودية فلا حياة مع الجهل ولا مقام.

باب: نتائج التوفيق في المعاملات الموقوفة على الظواهر: والناس فيه على قسمين منهم من تحصل له على الكمال وهو القطب المشار إليه صاحب الوقت ومنهم من تنتهي به إلى حيث قدر العليم الحكيم فالتوفيق يا بني إذا صح وتصحيحه بتحصيل للعلم فإذا حصل له وصح توفيقه أنتج الإنابة الإنابة منتجة للتوبة والتوبة تنتج الحزن والحزن ينتج الخوف والخوف ينتج الاستيحاش من الخلق والاستيحاش من الخلق ينتج الخلوة والخلوة تنتج الفكرة والفكرة تنتج الحضور والحضور ينتج المراقبة والمراقبة تنتج الحياء والحياء ينتج الأدب والأدب ينتج مراعاة الحدود ومراعاة الحدود تنتج القرب والقرب ينتج الوصال والوصال ينتج الأنس والأنس ينتج الادلال والإدلال ينتج السؤال والسؤال ينتج الإجابة وتسمى جميع هذه المقامات المعرفة في إصطلاح بعض أصحابنا والعلم في إصطلاح بعضهم والسؤال على تفرق أنواعه وتشتتها راجع إلى المقام الذي أنت به متحقق في الحال فتنال على حسب ما يلقي الله في نفسك وهذا هو مقام المشاهدة فمن شاهد رسما ومن شاهد وسما ومن شاهد حيرة وعجزا قد علم كل أناس مشربهم ولا يصح شيء من هذه المقامات إلاّ بعد تحصيل العلم الرسمي والذوقي . . . فالرسمي كعلوم النظر وهو ما يتعلق بإصطلاح العقائد وكعلوم الخبر وهو ما يتعلق بك من الأحكام الشرعية ولا يؤخذ منها إلاّ قدر الحاجة على قدر ما نذكره في مرتبة العلم إن شاء الله تعالى. والذوقي علم نتائج المعاملات والأسرار وهو نور يقذفه الله تعالى في قلبك تقف به على حقائق المعاني الوجودية وأسرار الحق في عباده والحكم المودعة في الأشياء وهذا هو علم الحال فإنه منهما تخلق العبد باسم ما من الأسماء فشاهد حاله يشهد بتصحيح أو بفساد شواهد الأحوال.

إعلم يا بني أن من قام به توفيق في أمر من الأمور المطلوبة للسعادة وغيرها فشاهده يصدق دعواه ويكذبها وشواهد الحال على ضربين. . . ضرب يقوم بذات صاحب الدعوى وضرب يقوم بذات غيره مقارنا لدعواه وليس ثم قسم ثالث فالمنوط بذاته كصفرة الوجل وحمرة الخجل وترك الاعتراض على الله تعالى في أحكامه والصبر إذ نالته المصائب في حكم من ادعى أنه في مقام الرض بالقض والتسليم لمجاري القدرة على الإطلاق. . . والضرب الثاني ينبئ عن ذاته القائم بذات غيره كتحدثه بانفصال كون ما معين عنه بهيئته وهو ساكت ويكون ذلك على نوعين إما بأن يجوز أن يوصل إليه بحيلة ما حتى يقع ذلك ولم تعلم هذه الحيلة من هذا المدعي لقرينه حال صحت عنه المشاهدة له المتقدمة به وإما أن يكون خارجا عن مقدور البشر فهذه شواهد الأحوال محصورة وغرضنا في هذا الكتاب تبليغ الرسالة لا الإشهار والتطويل وباليسير للكمل الجهات يحصل الغرض إن شاء الله تعالى إذ الكثير يؤدّي إلى الملل والسآمة والله المرشد لا رب غيره.

(الفلك الثاني الإيماني) المطلع الأول الوفاقي مطلع هلال وفاق طلع بنفس المدبر في عالم الجبروت والملكوت فغطي ألم يعلم الإمام العالم. وأولوا الألباب والأفهام نور صباح الموافقة تنفس فأظهر ما كمن فيها وعسعس فبموافقة مضاهاة الذاتين على التكميل في عالم المثال الوجودي ظهر التوفيق في عالم المثال الجودي والحضرات حضرتان لهما علامتان جمع وفرق وحقيقة وحق بوجود خالق وخلق فإن تعلق وجود تجلى المثل ببعض التضاهي كانت الموافقة في حضرة الفرق خفية وكان التوفيق في العالم الأسفل خلقيا وإن تعلق التجلي بالكلية كانت الموافقة في حضرة الجمع حقيقة وكان التوفيق في العالم الأسفل خلقيا فتوفيق الكون فرغ من موافقة العين وتوفيق الأشباح نتيجة عن موافقة الأرواح قال (ص) الأرواح جنود مجندة والأجسام خشب مسندة فما تعارف منها هناك إئتلف هنا فتهنا وما تناكر منها هناك اختلف هنا فتعني هنا فالتوفيق للأبرار والموفقين لا من باب الأسرار التوفيق في المعاملات والموافقة في المناجاة وبين التوفيق والموافقة انتساب فإذا اجتمع كان الأمر العجاب وإذا افترقا وقع الحجاب اجتماعهما على الإنصاف موقوف وافتراقهما بحب الرئاسة معروف التوفيق مع المكاسب والموافقة مع المواهب.

إن وافق النجم السعيد هلاله كان الوجود على مساق واحد

فإن انتقى عين التواصل منهما نقص الوجود عن الوجود الزائد

فانظر بقلبك أين حظك منهما في الجمع أو في العالم المتباعد

الفلك الثالث الإحساني: المطلع الإلهي مطلع هلال ارتقاب طلع بالروح القطبي في برزخ الرحموت والرهبوت فمنع وأعطى ألم يعلم الحكيم أن الوجود قبس صباح تنفس وليل عسعس عقل وإحساس مشكاة ونبراس القنديل أسرج بألطف كأس في مجلس ديماس أشرقت الحلواس برزت جآزر الكناس في حدائق الأنفاس بإيمانهم أكواب إيناس بشمائلهم أقباس إبلاس لكل مارد خناس وطلع حساس شرب الخضر والياس والندامى الأكياس بادر منهم يغفور كالغصن المياس بيده قضيب آس ضرب منه على الرأس هل من آس ومشفق مواس أجليت الأكياس أفرغ عليه أحسن لباس افتن الناس غار الحراس أنف الجلاس ما عليكم من باس فما أن بالمغفل من الناس يا ضارب الأسداس في الأخماس خف الخناس فالهامه وسواس ثم أخذ يقر القرطاس ليقيم القسطاس فقال انظروا إلى عرش ربكم فلك مشحونا بناسه محفوظا بحراسه قرن ملكة بخناسه وإلهامه بوسواسه وجحيمه بحضرة قدسه وعذاب وحشته بنعيم أنسه تنفس العارف فاجراه في بحر الإرادة همئا ولطمته أمواج أحوال عشاقه فكادت تبثه بثا سطت كتائب ثناياه الخرس على العرب الفصحاء والفرس فاقسم بالخنس والجوار الكنس أنه لمعقل آهل دارس وظاهر طامس مهدته أرباب النواميس ونشرت فيه أذناب الطواويس وحدثت به العيس وواثقه الرحمن بالجوهر النفيس من كل صبغة تعتريه أو صنعة لبوس فمؤخره معقول ومقدمه محسوس فهو يسبح في بحر القدس إلى إنقضاء السبعة والسدس وهنا تبعث النفوس ويأتي بالمعقول والمحسوس وتبقى الحالة على أولها بين رهين جليس وأمين عريس فسبحان من طور خلقه بين أخرق عابس ومدبر سائس:

أنظر إلى العرش على مائه سفينة تجري بأسمائه

وأعجب له مني مركب دائر قد أودع الحق بأحشائه

يسبح في بحر بلا ساحل في حندس الليل وظلمائه

وموجه أحوال عشاقه وريحه أنفاس أبنائه

فلو تراه بالورى سائرا من ألف الخط إلى يائه

ويرجع العود إلى بدئه ولا نهايات لابدائه

يكور الصبح على ليله وصبحه يغني بإمسائه

فانظر إلى الحكمة سيارة في وسط الفلك وأرجائه

ومن أتى يرغب في شأنه يقعد في الدنيا بسيسائه

حتى يرى في نفسه فلكه وصنعه الله بإنشائه

معقل إنسه: ألم يعلم الحليم أن حقيقة هذا المعقل الكريم بأن الصدق دمع جار ولهيب أرار من عاشق ذي أعذار كذوب غدار يشكر انزاح الدار وبعد المزار والحب إذا ما اشتقاق أزدار متى اقتفى الآثار متى طلع العشار متى أمتطت القطار وسبح البحار متى جرت الأمصار متى آلى أن لا يقر له قرار حتى يصل الدار بالديار هيهات لعبت به الأعصار فاشتغل بملاعبة الأبكار واستنشاق نفحات الأزهار ولذة الاستثمار وتغاريد الأطيار وترجيع القيان بالأوتار عن مراعاة كواكب الأسحار عميت الأبصار كل ضل وحار شكي الفرار أهل هلال الإفطار كأنه شطر سوار مشرق استنار صنعة حكيم وصيغة جبار فلك دوار هلال وإبدار وسر وسرار التقيا بمعاقد الآزار ماء ونار ما التقيا إلاّ لأمر كبار فتأخرت الأغيار وأضرمت للحرب نار بدار لطلب الآثار استنزعت شغار غوار من كل ما مضى الفرار الحد طورا باليمين وطورا باليسار شد الآسار حل البوار بساحة الكفار بئس عقب الدار وقع الصلح على الدينار عن ذلة وصغار أشرق الإيمان وأنار انحلت عقدة الإصرار واصطحب الأسد والخوار وصار الذئب لا يستوحش منه الحوار حفظ حق الجواب تخلق المحسن بالإيثار صارت سيئات المقربين حسنات الأبرار نعم القرار خير دار في ارتقاء أخيار قعد في نادي التذكار سردت نوادر وأخبار خطيب من السيار لا يشق له غبار دعان بأسرار إماء وأحرار أين الناظور وأهل الاعتبار متى كان الأبكار لاحت الأنوار ذهبت ظلم الأعيان والأغيار فحل العثار ومتى كان السوار بدت الأسرار تمحو الآثار والآناء محك ومعيار على النفوس والابشار فهي رفعية المنار مشرقة بالعشي والإبكار عبد مختار استعمال الإنكار فاقت الأفكار بين مقيم وسيار فأطال الانتظار فوهبت الأخبار فنزل يسيرا حين ضحوة النهار فوقع الإنكار رفعت الأستار طلع بدر التسليم فأنار وأذعن الكل لهلالي الاستبشار ورسولي الملك القهار:

يا هلال الدياجي لح بالنهار فلقد كنت نزهة الأبصار

أنت محو وأنت للعين بدر بتجليك في الضي المعمار

فإذا ما بدا هلال المعاني طالعا من حديقة الأسرار

قل له بالتواضع المتعالي لا بنفس الدعاوي والإنكار

يا هلالا بين الجوانح سار لا تفارق حنادس الأغيار

كن عبيدا لقصرها ومليكا بعد محو ينالكم في السرار

حكما قد تحير العقل فيها وسراجان أسرحا بالنهار

عجبا في سناهما كيف لاحا وسني الشمس مذهب الأنوار

كل نور في كل قلب معار ما عدى قلب وارث المختار

فاشكر الله يا أخي على ما وهبته نتائج الأذكار

المرتبة الثانية في علم الهداية: الفلك الرابع الإسلامي الموقع الثاني العلمي نجم هداية وقع بقلب الإمام المدبر في عالم الشهادة فابتدى فاهتدى قال من غمرنا بنعماه وحبان برحماه شَهِدَ الله أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ واَلْمَلائِكَةُ وأُولُوا اَلْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ أخبر سبحانه وتعالى عباده بشرف العلم حيث وصف به نفسه فينبغي لك أيه الابن الموفق السعيد أن تعتقد فيه الشرف التام وليس في الصفات أعم منه تعلق لتعلقه بالواجبات والجائزات المستحيلات وغيره من الصفات ليس كذلك. . . واعلم أن الشرف الذي للعلم شرفان شرف من حيث ذاته وشرف من حيث معلومه فالشرف الذي له من حيث ذاته كونه يوصلك إلى حقيقة الشيء على ما هو عليه ويزيل عنك أضداده إذا قام بك الجهل بذلك المعلوم والظن والشك والغفلة وم ضاده والذي له من حيث معلومه يكسبه ذلك الشرف فكما أن بعض المعلومات أشرف من بعض كذلك بعض العلوم أشرف من بعض فكثير بين من قام به العلم بأوصاف الحق وأفعاله وبين من قام به العلم بأن زيدا في الدار وخالدا في السوق فكما أنه ليس بين المعلومين مناسبة في الشرف كذلك العلمان فهذا هو الشرف الطاريء على العلم من المعلوم ثم إن الله تبارك وتعالى مدح من قامت به صفة العلم واثنى عليه ووصف بها عباده كما وصف نفسه في غير ما موضع من الكتاب العزيز كقوله تعالى: شَهِدَ الله أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ واَلْمَلائِكَةُ وأُولُوا اَلْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ فأخبر تعالى أن العلماء هم الموجدون على الحقيقة والتوحيد أشرف مقام ينتهي إليه وليس وراءه مقام إلاّ التثنية فمن زلت قدمه عن صراط التوحيد رسما أو حالا وقع في الشرك فمن زلت قدمه في الرسمي فهو مؤبد الشقاء لا يخرج من النار أبد لا بشفاعة ولا بغيرها ومن زلت قدمه في الحال فهو صاحب غفلة يمحوها الذكر وما شاكله فإن الأصل باق يرجى أن يجبر فرعه بمن الله تعالى وعنايته وليس الفرع كذلك وكقوله جل ثناؤه في صاحب موسى (ع) وعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنّا عِلْماً وهو علم الإلهام فالعالم أيضا صاحب إلهام وأسرار وكقوله تعالى إِنَّم يَخْشَى الله مِنْ عِبادِهِ اَلْعُلَماءُ فالعالم أيض صاحب خشية.

  وكقوله تعالى: وما يَعْقِلُها إِلاَّ اَلْعالِمُونَ فالعالم أيضا صاحب الفهم عن الله بحكم آيات الله وتفاصيلها وكقوله تعالى: واَلرّاسِخُونَ فِي اَلْعِلْمِ فالعالم هو الراسخ الثابت الذي لا تزيله الشبه ولا تزلزله الشكوك لتحققه بما شاهد من الحقائق بالعلم وكقوله تعالى: ولَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ فالعلماء هم الذين علموا الكائنات قبل وجودها واخبروا بها قبل حصول إتيانها وهي الصفة الشريفة التي أخبر الله تعالى نبيه محمدا (ص) بالزيادة منها فقال تعالى وقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ولم يقل له ذلك في غيره من الصفات وإنما أكثرنا بهذا في العلم لأن في زماننا قوما لا يحصي عددهم غلب عليهم الجهل بمقام العلم ولعبت بهم الأهواء حتى قالوا أن العلم حجاب ولقد صدقوا في ذلك لو اعتقدوا أي والله حجاب عظيم يحجب القلب عن الغفلة والجهل وأضداده فما أشرفها من صفة حبانا الله الحظ الوافر منها وكيف لا يفرح بهذه الصفة ويهجر من أجلها الكونان ولها شرفان كبيران عظيمان الشرف الواحد أن الله تعالى وصف بها نفسه والشرف الثاني أنه مدح بها أهل خاصته من أنبيائه وملائكته ثم من علينا سبحانه ولم يزل مانا بأن جعلنا ورثة أنبيائه فيها فقال (عليه الصلاة والسلام) العلماء ورثة الأنبياء فلأي شيء يا قوم ننتقل من اسم سمانا الله تعالى به ونبيه إلى غيره ونرجحه عليه ونقول فيه عارف وغير ذلك والله ما ذاك إلاّ من المخالفة التي في طبع النفس حتى لا توافق الله تعالى فيما سماها به ورضيت أن تقول فيه عارف ولا تقول عالم نعوذ بالله من حرمان المخالفة ولو لم يكن في المعرفة من النفس عن درجة العلم في اللسان العربي إلاّ أنها تعطيك العلم بشيء واحد فلا يحصل لك سوى فائدة واحدة لأنه تتعدى إلى مفعول واحد والعلم يعطيك فائدتين لتعديه إلى مفعولين. ثم انظره في قوله تعالى: لا تَعْلَمُونَهُمُ الله يَعْلَمُهُمْ لما ناب هنا العلم مناب المعرفة وجعل بدلا منها تعدى إلى مفعول واحد فلحقه الحرمان بالنيابة وإن كان العلم والمعرفة في الحد والحقيقة والمعرفة على السواء من كشف الشيء على ما هو عليه فما لنا لا نبقى على ما سمانا به الحق سبحانه ونخالف بل والله أقول أن القائل بإطلاق المعرفة في الموضع الذي يجب فيه إطلاق العلم بلزوم الأدب الإلهي أنه لو تحقق في الورث النبوي ما سمي ذلك المقام إلاّ علما ولا سمي صاحبه إلاّ عالم كما فعل سهل بن عبد الله حين قال لا يكون العبد بالله عارفا إلاّ أن كان به عالما ولا يكون به عالما إلاّ أن كان رحمة للخلق ثم قال بعد هذا والسماء رحمة للأرض للجهال والكبار رحمة لظهرها والآخرة رحمة للدنيا والعلماء رحمة للجهال والكبار ورحمة للصغار والنبي (عليه الصلاة والسلام) رحمة للخلق والله عزّ وجلّ رحيم بخلقه فتأمل وفقك الله أين جعل سهل العالم وفي أي مقام أنزله وبمن شبهه والحمد لله الذي وفقن للإطلاع على ما طالعه هذا الإمام وهو حجة الله على الصوفية المحققين كذا ذكر أبو القاسم الجنيد في كلام له يقول فيه:

  إن سليمان (ع) حجة الله على الملوك وأيوب حجة الله على أهل البلاء وذكر الأنبياء وجعلهم حجة على أصناف من المدعين كما تقدم ثم قال بعد ذلك ومحمد (ص) حجة على الفقراء قال وسهل بن عبد الله حجة على المحققين فهذه شهادة الجنيد الذي قال فيه الإمام أبو القاسم القشيري في رسالته في ذكر الشيوخ حين ذكره فقال الجنيد هو سيد الطائفة أبو القاسم القشيري من أئمة القوم أيضا فالحمد لله على الموافقة وإنما قال سهل في كلامه الذي ذكرنا لا يكون العبد بالله عارفا حتى يكون الجاري على السنة القوم فأعطاه ما تواطؤا عليه أن يذكر ما ذكروه حتى يفهم عنه وأعطاه الأدب الإلهي والمقام أن لا يسميه إلاّ عالما وأخرج أبو طالب في القوت عن سهل (رضي الله عنهما) قال أبو طالب قال عالمنا للعالم ثلاثة علوم يريد سهل (رحمه الله) علم ظاهر يبذله لأهل الظاهر وعلم باطن يمنع إظهاره إلاّ لأهله وعلم هو سر بين العالم وبين الله هو حقيقة إيمانه لا يظهره لأهل الظاهر ولا لأهل الباطن فانظر كيف أطلق سهل عليه اسم العالم وعلى ذلك العلم ولم يقل العارف ولا المعرفة للأدب الذي ذكرنا آنف فلما نقص غيره عن ذلك المقام الشريف ولم تتعلق همته إلاّ بشيء واحد إما بربه وإما بنفسه أعطاه المقام بذاته أن سمي نفسه عارفا فإن الكمال على الحقيقة إنما هو فيمن شاهد ربه ونفسه وهو المعبر عنه ببقاء الرسم عند القوم وبه يقول السهروردي وغيره فيمن شاهد ربه عريا عن مشاهدة نفسه حالا كما قال بعضهم فهو عار عن الفائدة صاحب نقص فإن الحق إذ ذاك يكون هو الذي يشاهد نفسه بنفسه وكذلك كان فأية فائدة أتى بها هذا الفاني عن نفسه على زعمه المشاهد لربه حالا المدعي في مشاهدة لا يصح وجودها إصلاحا لا كما يقول بعضهم للمحال الذي يدخله فيها وإنما هو تلبيس في المقام والتبس عليه في مشاهدته ربه لبقاء الرسم حال فنائه عن رسمه علما بتولي الحق له في تلك المشاهدة فيتخيل الفناء حالا في الرسم بل تلك الحالة إن إدّعاه حالة النائم الذي قد استغرق اليوم حسه ونفسه فلا هو مع الحس ولا مع الخيال كذلك مدعي هذا المقام لا هو مع نفسه ولا هو مع ربه وإنما هو هذا النائم الذي نصبنا له مثالا للتقريب عليك فإذا استيقظ هذا النائم قيل له لقد فاتك علم كثير طرأ بعدك في عالم الحس فما حصل لك في عالم الخيال فيقول ما رأيت شيئا.

فيقال لهذا الشخص لقد خسرت الوقت فلا معنا ولا مع نفسك وهذه حالة مدعي هذه المشاهدة التي لا تصح وم تطق بها والله أعلم إلاّ صاحب قياس فاسد على طريق القوم (رضي الله عنهم) أو من التبس عليه العلم بالحال فإن أتى بفائدة في مشاهدته لم تكن عنده وأنكر بقاء الرسم بالحال فهذا غير عارف بفناء الرسم عارف بفناء الوقت صحيح المشاهدة التبس عليه العلم بالحال فهو صاحب نقص كما تبيّن وكذلك الثاني أيضا من شاهد نفسه ولم يشاهد ربه فهو مشرك صاحب دعوى وغفلة نعوذ بالله من هذين المعلمين والكامل على التحقيق الذي هو كامل لا يوجد في غيره إلاّ مجازا ومن شاهد ربه علما وحالا وشاهد نفسه علما لا حالا فإن المعلوم المشار إليه هنا معدوم أصلا وإلى هذا المقام أشار أبو العباس القاسم بن القاسم السياري بقوله ما التذ عاقل بمشاهدة قط لأن مشاهدة الحق فناء ليس فيها لذة إلاّ أنه قوي على صاحب هذه المشاهدة مشاهدة العلم على مشاهدة الحال وإن حصلا من مقام واحد وهذا الشيخ يقول ببقاء الرسم بدليل قوله ما التذ عاقل وهذا هو بقاء الرسم فإن قلنا فيه وشاهد نفسه حالا وعلما كما قلنا في مشاهدته ربه فإنما يتعلق هنا بمعلوم معدوم غير موجود رأس فإذا تقرر هذا وقد تبيّن أنه الحق فهو صاحب فائدتين فائدة المعاينة وفائدة اللذة والمعرفة التي تصل له عند المعاينة ببقاء الرسم في المشاهدة وصاحب فائدتين هو العالم لتعلق العلم كما قلنا بالمفعولين ومن لم يتحقق بهذا المقام فهو العارف ذو الفائدة الواحدة من هاتين الفائدتين التي للعالم كما تقدم فلو صحت الموافقة مع الحق كما ذكرناه في نجم العناية المتقدم لتصح التوفيق في عالم الشهادة وكنا نقول بفضل العلم على المعرفة والعالم على العارف.

تنبيه: الكلام الذي ذكرناه على سهل (رضي الله عنه) حكاه القاضي الزاهد أبو عبد الله الحسين بن موسى السلمي النيسابوري في إيضاح الطريق في أصول أهل التحقيق المسلمين بالملامية له والكلام الذي ذكرناه عن الجنيد في سهل مذكور في كتاب منتخب الأسرار في صفة الصديقين والأبرار والكلام الذي ذكرناه عن أبي العباس السياري مذكور في رسالة أبي القاسم للقشيري (تأييد وسلطان ) .

ومما يؤيد ما ذكرناه في حق للعارف أنه دون العالم للصديق لو شرح الله صدر من فضله على العالم وتأدب مع الحق تعالى إذ هم أهل الأدب معه بشرط الحضور أن الله تعالى ما سمي عارفا إلاّ من كان حظه من الأحوال البكاء ومن المقامات الإيمان بالسماع لا بالأعيان ومن الأعمال الرغبة إليه سبحانه والطمع في اللحوق بالصالحين وأن يكتب مع الشاهدين فقال تعالى: وإِذ سَمِعُو ما أُنْزِلَ إِلَى اَلرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ اَلدَّمْعِ مِمّا عَرَفُوا مِنَ اَلْحَقِّ ولم يقم علموا فوصفهم بالمعرفة يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنّا فَاكْتُبْنا مَعَ اَلشّاهِدِينَ* وما لَنا لا نُؤْمِنُ بِالله وما جاءَنا مِنَ اَلْحَقِّ ونَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ اَلْقَوْمِ اَلصّالِحِينَ* فَأَثابَهُمُ الله بِما قالُوا جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اَلْأَنْهارُ فأخبر تعالى أن سماعهم من الكتاب الكبير لا من أنفسهم ومعنا إشارة يفهمها أصحابنا ثم قال فأثابهم ولم نشك أن الصديقية درجة فوق هاتين الصفتين اللتين طلب العارف أن يلحق بهما فهو دونهما وقد سمي عارفا وقال تعالى: فَأُولئِكَ مَعَ اَلَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ مِنَ اَلنَّبِيِّينَ واَلصِّدِّيقِينَ واَلشُّهَداءِ واَلصّالِحِينَ فانظر إلى هذه الدرجات ثم لتعلم أن الشهداء الذين رغب العارف أن يلحق بهم هم العاملون على الأجرة وتحصيل الثواب وأن الله عز وجل قد بر الصديقين من الأعواض وطلب الثواب إذ لم يقم بنفوسهم ذلك لعلمهم أن أفعالهم ليست لهم أن يطلبوا عوضا بل هم العبيد على الحقيقة والأجراء مجازا قال عزّ وجلّ: واَلَّذِينَ آمَنُوا بِالله ورُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ اَلصِّدِّيقُونَ ولم يذكر لهم عوضا على عملهم إذ لم يقم لهم به خاطر أصلا لتبرئهم من الدعوى ثم قال واَلشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ ونُورُهُمْ وهم الرجال الذين رغب العارف أن يلحق بهم ويرسم في ديوانهم.

وقد جعلهم تعالى في حضرة الربوبية ولم يشترط في إيمان الصديقين السماع كما فعل بالعارفين حكمة منه سبحانه أن نتعلم الأدب وكيف ترتب الوجود حتى تنزل كل موجود منزلته وأين تقتضيه مرتبته ونقتصر على الاسم الذي سماه به الحق وعرفناه فعلم الأسماء عظيم وفيه يظهر أدب أهل طريق الله مع الله وبه صح الشرف لأبينا نبي الله آدم (ع) فلو قال آدم (ع) يسمى البغل حمارا مثلا اصطلاحا مني لأن أباه الحمار لم يكن يقف عندما علمه الله فصاحب الأدب المراعي حرمة الحضرة الإلهية عندها ويمشي معا فإذا زمزت له شيئا لم تعرفه باسمه حينئذ له أن يصطلح مع نفسه بم يقارب معناه إن كان حكيما ثم انظر بعين البصيرة أدب رسول الله (ص) أين جعل العارف حيث جعله الحق فقال من عرف نفسه عرف ربه ولم يقل علم فلم ينزله عن حضرة الربوبية ولا عن حضرة نفسه التي هي صاحبة الجنة كما قال وفيها ما تشتهي الأنفس فالعارف صاحب الشهوة المحمودة تربية بين يدي العالم الصديق فتأدب يا غافل عن ملاحظة الحقائق (معذرة) اعتذر بها عن أصحابنا في تسميتهم صاحب المقام الذي ذكرناه آنفا عارفا ولم يسموه عالما كما قررنا وهو كان الأولى والأسد من كل وجه.

ولا عذر لمن تحقق بالمقام المذكور في حيدته عن اسم العالم إلى العارف فإن الحكم يتوجه عليه في دعواه بلسان قل الله ثم ذرهم ويمشي حاله على الأدب الإلهي كما يعطيه المقام ولكن غلبت عليهم (رضي الله عنهم) الغيرة على طريق الله لما رأوا أنه قد شاع في العالم أن يسمى عالما من كان عنده علم ما من العلوم وإن كان قد أكب على الشهوات وتورط بالشبهات بل في المحرمات وآثر القليل على الكثير قل متاع الدنيا قليل وهو عالم بهذا فعمر دنياه وخرب آخرته فهذا شخص تناقض أفعاله أقواله وهو من الثلاثة الذين تسر بهم النار قبل كل كما صح في الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة ثم أنه إن تاب ورجع فإن النفس مالكة له وحاكمة عليه فغاية مجاهدته وغايته أن يقنع بحظ ما دنى من الجنة على أنه ليس ثمة من دنى ومع هذا كله يطلق عليه اسم العالم فرأوا (رضي الله عنهم) أن المقام العالي الذي حصل لهم ولساداتهم كان أولى باسم العلم وصاحبه بالعلم كما سماه الحق فأدركتهم الغيرة أن يشاركهم البطال في اسم واحد فلا يتميز المقام ولا يقدرون على إزالته من البطال لإشاعته في الناس فلا يتمكن لهم ذلك فأداهم الأمر إلى تسمية المقام معرفة وصاحبه وعارفا إذ العلم والمعرفة في الحد والحقيقة على السواء ففرقوا بين المقامين بهذا القدر فاجتمعا والحمد لله في المعنى واختلفا في اللفظ إذ هذا الطريق لا يتصور فيه خلاف في المعنى أصلا فإذ وجد فإنما هو راجع إلى الألفاظ خاصة ولكنه في حقهم بالإضافة لمن آثر تسمية الله على اصطلاحهم وقت غفلة مر عليهم لغلبة الغيرة عليهم فيرجا لهم بقصدهم تنزيه المقام وغيرتهم أن يحصل لهم ما حصل لأهل الحضور منا والحمد لله المنعم المتفضل (هداية) حد العلم وحقيقته المطلقة معرفة الشيء على ما هو عليه والمفيدة العمل به وهو الذي يعطيك السعادة الأبدية ولا تخالف فيه وكل من أدعي علما من غير عمل به فدعواه كاذبة أن تعلق به خطاب العمل وإذا تحقق ما أردنا وأشرنا إليه فليقل من شاء ما شاء وكل حجة تناقض ما أشرنا إليه فداحضة وعلى قائلها توبة من الله ومغفرة والله غفور رحيم.

وأعلم أن العلم نور من أنوار الله تعالى يقذفه في قلب من أراد من عباده قال الله تعالى: ومَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي اَلنّاسِ وهو العلم وهو معنى قائم بنفس العبد يطلعه على حقائق الأشياء وهو البصيرة كنور الشمس للبصر مثل بل أتم وأشرف والعلماء فيه على ثلاثة أضرب منهم من قال بإتحاده بتعداده ومنهم من قال بتوحيده ومنهم من قال بتعديده وأن لكل معلوم علم وأنه لا يتعلق أصل إلاّ بمعلوم واحد يعنون العلم الحادث ومنهم من قال على الإطلاق ومنهم من قال يتعلق بمعلومين وثلاثة وتعداده على نوعين يتعدد بتعدد المعلومات وبتعدد بالزمان وهذا لا يحتاج إليه في هذا الكتاب فلنقبض العنان وننظر في العلوم التي تقودن إلى السعادة الأبدية.


uvxYRtKsjkc

 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!