The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi
The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد

أبو طالب المكي (المتوفى: 386هـ)

الفصل الحادي والعشرون كتاب الجمعة وذكر هيئاتها وآدابها وذكر مايستحب للمريد في يوم الجمعة وليلتها

 

 


الفصل الحادي والعشرون كتاب الجمعة وذكر هيئاتها وآدابها وذكر مايستحب للمريد في يوم الجمعة وليلتها

صلاة الجمعة واجبة بأوصاف وساقطة بأوصاف فوجوبها يكون بالإقامة والاستطاعة وحضور وقت الظهر وتكملة عدة أربعين رجلاً أحراراً وسقوطها بالسفر ودخول وقت العصر ونقصان العدد ووقوع العذر وهي من أعمال الأمراء تصلي خلف كل من أقام بها منهم إلا اني أحب إعادتها ظهراً إذا صلّيت خلف مبتدع فإن اجتمع في بلد كبير جامعان صليت خلف الأفضل من إماميهما، فإن استويا في الفضل صلّيت في القديم من الجامعين، فإن تساويا صلّيت في الأقرب منهما إلا أن تكون له نيّة في الأبعد لاستماع علم أو نشره أو تعلّمه، فصلاتها في الجامع الأعظم وحيث يكون المسلمون أكثر وأفضل، ومن صلّى في أيهما أحب حسبت صلاته، قال ابن جريج: قلت لعطاء إذا كان في المصر جامعان أو ثلاثة في أيها أصلّي؟، قال: صلِّ حيث جمع المسلمون فإنها جمعة وهو يوم عظم الله تعالى به الإسلام وزينه وشرف به المسلمين وفضلهم قال عزّ وجلّ: (يَاأَيُّهَا الَّذين آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلى ذِكْرِ الله وَذَرُوا الْبَيْع) الجمعة: 9 الآية، فالبيع والشراء محرم بعد الأذان للجمعة عند طائفة من العلماء لعموم النهي عنه، ومنهم من قال: يرد البيع لأنه فاسد إلا أني أحسب أن ذلك يحرم عند الأذان الثاني وهو مع خروج الإمام إذا قعد على المنبر لأن هذا كان هو الأذان على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، والأذان الأوّل أحدثه عثمان رضي الله عنه لما كثر الناس، وقال الله عزّ وجلّ: (فَإذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا في الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ الله) الجمعة: 01 الآية، فأمر عباده المؤمنين في يوم الجمعة بالذكر له ونهاهم عن البيع وأمرهم فيه بطلب الفضل منه ووعدهم الخير والفلاح وهما اسمان جامعان لغنيمة الدنيا والآخرة.

وروي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن الله عزّ وجلّ فرض عليكم الجمعة في يومي هذا في مقامي هذا وروي عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ترك الجمعة ثلاثاً من غير عذر طبع الله على قلبه، وفي لفظ حديث آخر فقد نبذ الإسلام وراء ظهره واختلف رجل إلى ابن عباس فسأله عن رجل مات لم يكن يشهد جمعة ولا جماعة فقال: في النار، فلم يزل يتردّد إليه شهراً يسأل عنه، كل ذلك يقول في النار، وتقصد الجمعة من فرسخين أو ثلاثة، واستحب لمن بكر إليها من أهل القرى فأدركها وأدركه الليل فأواه إلى أهله إذا رجع أن يشهدها إلا أنها ساقطة عن خمسة: الصبي، والمملوك، والمرأة، والمسافر، والمريض، فمن شهدها من هؤلاء فصلاها أجزأت عنه وكان مؤدياً لفرضه، وفي الخبر أن أهل الكتابين أعطوا يوم الجمعة فقد اختلفوا فيه فصرفوا عنه وهدانا الله عزّ وجلّ برحمته له ادخره لهذه الأمة جعله عيداً لهم فهم أول الناس به سبقاً وأهل الكتابين لهم تبع، وفي حديث أنس بن مالك عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال: أتاني جبريل عليه السلام وفي كفه مرآة بيضاء فقال: هذه الجمعة يفرضها عليك ربك لتكون لك عيداً ولأمتك من بعدك، قلت: فما لنا فيها؟ قال: لكم فيها خير ساعة، من دعا فيها بخير هو له قسم أعطاه الله عزّ وجلّ أو ليس من قسم أدخره ماهو أعظم أو يتعوّذ من شرّ هو عليه مكتوب إلا أعاده الله تعالى من أعظم منه وهو سيد الأيام عندنا ونحن ندعوه في الآخرة يوم المزيد، قلت: ولم قال إن ربك عزّ وجلّ اتخذ في الجنة وادياً أفيح من مسك أبيض فإذا كان يوم الجمعة نزل من عليين على كرسيه وذكر الحديث قال فيه: ويتجلّى لهم حتى ينظروا إلى وجهه ذكرناه بتمّامه في مسند الألف.

وروي عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أهبط إلى الأرض وفيه تقوم الساعة وهو عند الله يوم المزيد كذلك تسمية الملائكة في السماء وهو يوم النظر إلى الله عزّ وجلّ في الجنة في أخبار يطول ذكرها، وفي الحديث: ما من دابة إلا وهي قائمة على ساق يوم الجمعة مصيخة أي مصغية تتوقع مشفقة من قيام الساعة إلا الشياطين شقي بني آدم ويقال: إن الطير والهوام يلقى بعضها بعضاً في يوم الجمعة فتقول سلام سلام يوم صالح، وفي الخبر أن الله عزّ وجلّ في كل يوم جمعة يعتق ستمائة ألف عتيق من النار، وفي حديث أنس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا سلم يوم الجمعة سلم الأيام، وقال كعب في الخبر: إنّ الله عزّ وجلّ فضل من كل شيء من خلقه شيئاً ففضل من البلدان مكة ومن الشهور رمضان ومن الأيام الجمعة، وفي الخبر أنّ جهنم تسعر في كل يوم قبل الزوال عند استواء الشمس في كبد السماء فلا تصلوا في هذه الساعة إلا يوم الجمعة فإنه صلاة كله وإن جهنم لا تسعر فيه فأفضل مايعمله العبد في يوم الجمعة البكور إلى الجامع في الساعة الأولى فإن لم يفعل ففي الساعة الثانية فإن لم يفعل ففي الساعة الثالثة لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من راح إلى الجمعة في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنه ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راج في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما أهدى دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما أهدى بيضة، فإذا خرج الإمام طويت الصحف ورفعت الأقلام واجتمعت الملائكة عند المنبر يسمعون الذكر، فمن جاء بعد ذلك فكأنما جاء لحق الصلاة وليس من الفضل في شيء فالساعة الأولى تكون بعد صلاة الصبح والساعة الثانية تكون عند ارتفاع الشمس والثالثة تكون عند انبساطها وهي الضحى الأعلى إذا رمضت الأقدام بحر الشمس والساعة الرابعة تكون قبل الزوال والساعة الخامسة إذا زالت الشمس أو مع استوائها وليس الساعة الرابعة والخامسة مستحبتين للبكور ولا فضل لمصلي الجمعة بعد الساعة الخامسة لأن الإمام يخرج في آخرها فلا يبقى إلا فريضة الجمعة، ويقال: إن الناس يكونون في قربهم من الله عزّ وجلّ عند الزيارة للنظر إليه تعالى على قدر بكورهم إلى الجمعة، ودخل ابن مسعود يوم الجمعة بكرة فرأى ثلاثة نفر وقد سبقوه بالبكور فوجم لذلك وجعل يقول: رابع أربعة يعني نفسه وما رابع أربعة من الله ببعيد وهذا من اليقين في هذه المشاهدة للخبر، وقد جاء في الأثران: الملائكة يفتقدون العبد إذا تأخر عن وقته يوم الجمعة فيسأل بعضهم بعضاً عنه مافعل فلان وما الذي أخره عن وقته فيقولون: اللهم إن كان أخره فقره فاغنه وإن كان أخره مرض فاشفه وإن كان أخره شغل عنه ففرغه لعبادتك وإن كان أخره لهو فأقبل بقلبه على طاعتك ولا تقعد إلى القصاص يوم الجمعة فقد كره ذلك ولا في حلقة قبل الصلاة.

وروينا في خبر مقطوع عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث لو يعلم الناس ما فيهن لركضوا الإبل في طلبهن: الأذان، والصف الأوّل، والغدّو إلى الجمعة، قال أحمد بن حنبل وقد ذكر هذا الحديث أفضلهن الغدّو إلى الجمعة، وقد يروى في خبر آخر إذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على أبواب المسجد بأيديهم صحف من فضة وأقلام من ذهب يكتبون الأول فالأول على مراتبهم.

وروينا في خبر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه نهى عن التحلّق يوم الجمعة قبل الصلاة الا أن يكون عالماً بالله تعالى، يذكر بأيام الله عزّ وجلّ ويفقه في دين الله عزّ وجلّ، يتكلم في الجامع بالغداة فيجلس إليه فيكون جامعاً بين البكور إلى الجمعة والإستماع إلى العلم ولا يدع الغسل لها يوم الجمعة إلاّ من ضرورة فإنه عند بعض العلماء فرض والاغتسال في البيت أفضل.

وروينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غسل الجمعة واجب على كل محتلم، والمشهور من حديث نافع عن ابن عمر: من أتى الجمعة فليغتسل وكان أهل المدينة يتسابون بينهم فيقولون لأنت شر ممن لا يغتسل يوم الجمعة، وقد قال عمر لعثمان رضي الله عنهما لما دخل وهو يخطب: أهذه الساعة فقال: مازدت بعد أن سمعت الأذان أن توضأت وخرجت، فقال عمر: والوضوء أيضاً، وقد علمت أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأمر الغسل ولكن في ترك بالغسل رخصة لوضوء عثمان مع علمه ويسند ذلك إلى الخبر المسند من توضأ يوم الجمعة فيها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل.

وروينا عن الصحابة: أمرنا بالغسل يوم الجمعة فلما جاء الشتاء كان من شاء اغتسل ومن لم يشأ ترك الغسل، وقد روينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من شهد الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل فلذلك قال مالك بن أنس إن النساء إذا حضرن الجمعة اغتسلن له ومن اغتسل من جنابة أجزأه لغسل الجمعة إذا نوى ولا بدّ من النية لغسل الجنابة لأجل الجمعة فهو أفضل، ويكون الغسل للجمعة داخلاً فيه، فإذا أفاض عليه الماء ثانية بعد غسله للجنابة لأجل الجمعة فهو أفضل دخل بعض الصحابة على ابنه يوم الجمعة وهو يغتسل فقال: للجمعة غسلك هذا؟ قال: لا بل من الجنابة، قال: فأعد غسلاً ثانياً فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: واجب على كل مسلم أن يغتسل يوم الجمعة، ومن اغتسل بعد طلوع الفجر أجزأه ولكن أفضل الغسل لها عند الرواح إلى الجامع وأحب أن لايحدث وضوءاً بعد الغسل حتى يفرغ من صلاة الجمعة فمن العلماء من كره ذلك ولكن إن بكر إلى الجامع فتوضأ هناك من حدث لحقه لامتداد الوقت فإنه على غسل الجمعة ويستحب أن يستاك وأن يلبس من صالح ثيابه ويجتنب الشهرة من الثياب ومن أفضل ما لبس البياض أو بردين يمانيين ولبس السواد يوم الجمعة ليس من السنة ولا من الفضل أن ينظر إلى لابسه وليقلّم أظفاره ويأخذ من شاربه فقد روي فضل ذلك من فعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن أمره.

وقد روينا عن ابن مسعود وغيره من قلّم أظفاره يوم الجمعة أخرج الله عزّ وجلّ منها داء وأدخل شفاء وليتطيب بالطيب طيبه مما ظهر ريحه وخفي لونه فذلك طيب الرجال وطيب النساء مما ظهر لونه وخفي ريحه، روينا ذلك في الأثر وتستحب العمامة يوم الجمعة، وقد روينا فيها حديثاً شاذاً عن واثلة بن الأسقع عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله عزّ وجلّ وملائكته يصلّون على أصحاب العمائم يوم الجمعة فإن أكربه الحر فلا بأس أن ينزعها قبل الصلاة وبعدها ولكن يخرج من منزله إلى الجامع وهو لابسها ولا يصلّي إلا معتّماً بها لتحصل له فضيلة العمة، فإن نزعها فليلبسها حينئذ عند صعود الإمام المنبر ثم ليصلِّ وهي عليه فإن شاء نزعها بعد ذلك وليخرج إلى الله عزّ وجلّ خاشعاً متواضعاً ذا سكينة ووقار وإخبات وافتقار وليكثر من الدعاء والاستغفار وينوي في خروجه زيارة مولاه في بيته والتقرّب إليه بأداء فريضته والعكوف في المسجد إلى حيث انقلابه ثم لينوِ كف جوارحه عن اللهو واللغو ويتقِ الشغل حين يخدم مولاه وليترك راحته في ذلك اليوم في مهناه من عاجل حظ دنياه وليواصل الأوراد فيه فيجعل أوله إلى انقضاء صلاة الجمعة للخدمة بالصلاة وأوسطه إلى صلاة العصر لاستماع العلم ومجالس الذكر وآخره إلى غروب الشمس للتسبيح والاستغفار، فكذلك كان المتقدمون يقسمون يوم الجمعة هذه الأقسام الثلاثة وإن صامه فحسن يضم إليه يوم الخميس أو يضيف إليه يوم السبت وقد كره إفراده بصوم ومن لم يصمه وكان أهل فالمستحب أن يجامع فيه فقد روي فضل ذلك وكان بعض السلف يفعله.

وقد روينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من غسل واغتسل وغدا وبكر ودنا من الإمام ولم يلغ كان له بكل خطوة صيام سنة وقيامها، وفي خبر آخر: ودنا من الإمام واستمع كان له ذلك كفارة لما بين الجمعتين وزيادة ثلاثة أيام، وفي لفظ آخر: غفر له إلى الجمعة الأخرى وقد اشترط في بعضها ولم يتخطّ رقاب الناس، فمعنى قوله: من غسل بالتشديد أي غسل أهله كناية عن الجماع، وبعض الرواة يخففه فيقول: غسل واغتسل فيكون معناه غسل رأسه واغتسل لجسده وليتق أن يتخطّى رقاب الناس فإن ذلك مكروه جداً وقد جاء فيه وعيد شديد إن من فعل ذلك جعل جسراً يوم القيامة على جهنّم تتخطاه الناس وقال ابن جريج حديثاً مرسلاً أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينما هو يخطب يوم الجمعة إذ رأى رجلاً يتخطّى رقاب الناس حتى تقدم وجلس فلما قضى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاته عارض الرجل حتى لقيه فقال يافلان مامنعك أن تجمع اليوم معنا؟ فقال: يانبي الله قد جمعت فقال: أو لم أرك تتخطّى رقاب الناس؟ وفي حديث مسند أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: مامنعك أن تصلّي معنا الجمعة؟ فقال: أو لم ترني؟ قال: قد رأيتك تأنيت وآذيت، أي تأخرت عن البكور وآذيت بالحضور، ولا يقعد إلى القصاص في يوم الجمعة فقد كره ذلك ولا في حلقة قبل الصلاة.

فقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عمران أنَّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن التحلّق يوم الجمعة قبل الصلاة إلاّ أن يكون عالماً بالله عزّ وجلّ يذكر بأيام الله ويفقه في الدين يتكلم في الجامع بالغداة فيجلس إليه فيكون جامعاً بين البكور إلى الجمعة وبين الاستماع إلى العلم، وقد روينا عن بعض علماء السلف قال: إن الله تعالى فضلاً من الرزق سوى أرزاق العباد لا يعطي من ذلك الفضل إلا من سأله عشية الخميس ويوم الجمعة، وفي الخبر المشهور: أن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله عزّ وجلّ فيها شيئاً إلا أعطاه، وفي لفظ آخر لا يصادفها عبد يصلّي، واختلف في وقت هذه الساعة فقيل: إنها عند طلوع الشمس، وقيل: إذا قام الناس إلى الصلاة، وقيل عند الزوال، ويقال: مع الأذان، وقيل: هي إذا صعد الإمام المنبر وأخذ في الذكر، وقيل: بعد العصر من آخر أوقاتها، وقيل: عند غروب الشمس إذا تدلّى حاجبها الأسفل، كانت فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تراعي ذلك الوقت وتأمر خادمها أن ينظر إلى الشمس فيؤذنها بسقوطها فتأخذ في الدعاء والاستغفار في ذلك الوقت إلى أن تغرب الشمس وتخبر أن تلك الساعة هي المنتظرة وتؤثره عن أبيها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهذا جمل ماقيل في هذه الساعة بروايات جاءت في ذلك متفرقة حذفنا ذكرها للاختصار فليتوخ هذه الأوقات وليتعهد الدعاء فيها والصلاة فيما صلح منها.

وقد قال بعض العلماء إن هذه الساعة مبهمة في جميع اليوم لا يعلمها إلاّ الله عزّ وجلّ كأنها بمنزلة ليلة القدر مبهمة في جميع شهر رمضان وكأنها مثل الصلاة الوسطى في جملة الصلوات الخمس، وقد قيل: إنها تنتقل في ساعات يوم الجمعة كتنقل ليلة القدر عند بعضهم في ليالي الشهر، ذلك ليكون العبد طالباً إلى الله عز وجلّ وراغباً متضرعاً مفتقراً في جميع ذلك اليوم، فمن واصل الأوراد فيه وعمر بالذكر كل ساعة صادفها بإذن الله عزّ وجلّ فإن لم يواصل الساعة في يوم واحد فليواصلها في جمع شتى وقتاً على وقت على ترتيب أوقات يوم فإنها تقع في جميع الأوقات لا محالة وليكثر الدعاء والتضرّع وفي وقتين خاصة عند صعود الإمام المنبر إلى أن تقام الصلاة ويدخل فيها وعند آخر ساعة وقت تدلّي الشمس للغروب، فهذان الوقتان من أفضل أوقات الجمعة ويقوي في نفسي أن في أحدهما الساعة المرجوّة، وقد اجتمع كعب الأحبار مع أبي هريرة واجتمع رأي كعب أنها في آخر ساعة من يوم الجمعة، فقال أبو هريرة: كيف تكون آخر ساعة وقد سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لايوافقها عبد يصلي ولات حين صلاة، فقال كعب: ألم يقل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من قعد ينتظر الصلاة فهو في صلاة، قال: بلى، قال: فذاك صلاة، فسكت أبو هريرة فكأنه وافقه وليكثر من الصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يوم الجمعة وليلتها وأقل ذلك أن يصلّي عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثمائة مرة.

وقد جاء في الخبر من صلّى عليّ في يوم الجمعة ثمانين مرة غفر الله له ذنوب ثمانين سنة، قيل: يارسول الله كيف الصلاة عليك؟ قال: تقول اللهم صلِّ على محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وتعقدها واحدة فكيف ما صلّى عليه بعد أن يأتي بلفظ ذكر الصلاة عليه فهي صلاة، والصلاة المشهورة هي التي رويت في التشهد وإن جعل من صلاته عليه أن يقول: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد صلاة تكون لك رضاء ولحقه أداء وأعطه الوسيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته وأجزه عنا ماهو أهله وأجزه أفضل ماجزيت نبياً عن أمته وصلِّ على جميع إخوانه من النبيّين والصالحين ياأرحم الراحمين.

تقول هذا سبع مرات، ففي هذا فضل عظيم ويقال: من قاله سبع جمع في كل جمعة سبعة مرات وجبت له شفاعة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإن زاد هذه الصلاة فهي مأثورة: اللهّم اجعل فضائل صلواتك وشرائف زكواتك ونوامي بركاتك ورأفتك ورحمتك وتحيتك على محمد سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين ورسول رب العالمين قائد الخير وفاتح البر ونبي الرحمة وسيد الأمة، اللهم ابعثه مقاماً محموداً تزلف به قربه وتقربه عينه يغبطه به الأولون والآخرون، الّلهم أعطه الفضل والفضيلة والشرف والوسيلة والدرجة الرفيعة والمنزلة الشامخة المنيفة، اللهم أعط محمداً سؤله وبلغه مأموله واجعله أول شافع وأول مشفع، الّلهم عظم برهانه وثقل ميزانه وأبلج حجته وارفع في أعلى المقربين درجته، اللهم احشرنا في زمرته واجعلنا من أهل شفاعته وأحينا على سنته وتوفّنا على ملته وأوردنا حوضه واسقنا بكأسه غير خزايا ولانادمين ولاشاكين ولا مبدلين ولافتانين ولا مفتونين آمين، رب العالمين، وليكثر من الاستغفار يوم الجمعة وليلتها وأي لفظ ذكر فيه سؤال المغفرة فهو مستغفر، وإن قال: اللهم اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم فهو أفضل، وإن قال: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم وأنت خير الراحمين فحسن، واستحب له أن يقرأ ختمة يوم الجمعة، فإن ضاق عليه ذلك فليشفع إليه ليلتها ليكون ابتداؤه من ليلة الجمعة، وإن جعل ختمه للقرآن في ركعتي الفجر من يوم الجمعة أو في ركعتي المغرب ليلة الجمعة فحسن، ليستوعب بذلك كله اليوم والليلة، وإن جعل ختمه بين الأذان للجمعة والإقامة للصلاة ففيه عظيم، ويستحب أن يصلّي قبل الجمعة اثنتي عشْرة ركعة وبعدها ست ركعات، وإذا دخل الجامع فليصلِّ أربع ركعات يقرأ فيهن: قل هو الله أحد مائتي مرة في كل ركعة خمسين مرة ففيه أثر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فعله لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة أو يرى له، وإذا دخل الجامع فلا يقعدن حتى يصلّي ركعتين قبل أن يجلس وكذلك إن دخل والإمام يخطب صلاّهما خفيفتين وإن سمعه لأمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك لأنه قد جاء في حديث غريب أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سكت له حتى صلاّهما فقال الكوفيون إن سكت له الإمام صلاّهما، ولعل سكوت رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مخصوص له لوجوب قوله، وروى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وأبي هريرة قالا: قال رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أو يوم الجمعة أعطي نوراً من حيث يقرأها إلى مكة وغفر له إلى الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام وصلَّى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح وعوفي من الداء والدبيلة وذات الجنب والبرص والجذام وفتنة الدجال، واستحب أن يصلّي يوم الجمعة أربع ركعات بأربع سور سورة الأنعام، وسورة الكهف، وسورة طه، وسورة يس، فإن لم يحسن ذلك قرأ سورة يس وسجدة لقمان وسورة الدخان وسورة الملك ولا يدع قراءة الأربع سور في كل ليلة جمعة ففي ذلك أثر وفضل كبير فإن لم يحسن جميع القرآن قرأ ما يحسن منه فذلك له ختمة فقيل ختمة من حيث علمه، وقد كان العابدون يستحبون أن يقرؤوا يوم الجمعة ألف مرة: قل هو الله أحد، فإن قرأها في عشر ركعات أو عشرين فهو أفضل من ختمة، وقد كانوا يصلون على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألف مرة، ومن التسبيح والتهليل بالكلمات الأربع ألف مرة وهذه ثلاثة أوراد حسنة في يوم الجمعة أعني قراءة: قل هو اللَّه أحد والصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتسبيح والتهليل ألفاً ألفاً فلا يدعن ذلك من رزقها أو أحدها فإنه من أفضل الأعمال في هذا اليوم وإن صلّى يوم الجمعة قبل الزوال صلاة التسبيح وهي ثلاثمائة تسبيحة في أربع ركعات فقد أكثر وأطاب.

وقد روي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنهُ قال: صلّها في كل جمعة مرة، وذكر أبو الجوزاء عن ابن عباس أنه لم يكن يدع هذه الصلاة كل يوم بعد الزوال وأخبر عن فضلها ما يجلُّ وصفه، وإن قرأ المسبحات الست في يوم الجمعة أو ليلتها، فحسن، وليس يروى أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ السور بأعيانها إلا يوم الجمعة وليلتها، فإنا روينا أنه كان يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة: قل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد وكان يقرأ في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة وسورة المنافقين، وقد روي أنه كان يقرأ بهاتين السورتين في صلاة الجمعة وكان يقرأ في صلاة الغداة يوم الجمعة بسورة سجدة لقمان وسورة هل أتى على الإنسان واستماعه إلى علم اليقين والمعرفة وحضور مجالس الذكر أفضل من صلاته وصلاته أفضل من حضوره مجالس القصاص وروينا في حديث أبي ذر حضور مجلس علم أفضل من صلاة ألف ركعة وفي خبر آخر لأن يتعلم أحدكم باباً من العلم أو يعلمه خير له من صلاة ألف ركعة وفي خبر قيل: يا رسول الله ومن قراءة القرآن فقال: وهل ينفع القرآن إلا بعلم والصلاة إذا عدم مجلس العلم بالله والتفقه في دين اللهه عزّ وجلّ أزكى من حضور مجلس القصص ومن الاستماع إلى القصاص فإن القصص كان عندهم بدعة وكانوا يخرجون القصاص من الجامع، روي أن ابن عمر جاء ذات يوم إلى مجلسه في المسجد فإذا قصاص يقص فقال له: قم من مجلسي فقال لاأقوم وقد جلست فيه أو قال: قد سبقتك إليه قال: فأرسل ابن عمر إلى صاحب الشرطة فأقامه فلو كان ذلك من السنة لما حل لابن عمر أن يقيمه من مجلسه سيما وقد سبقه إلى الموضع كيف وهو الذي روى عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يقيم أحدكم أخاه من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن تفسحوا وتوسّعوا قال: فكان ابن عمر إذا قام له الرجل من مجلسه لم يجلس فيه حتى يعود إليه.

وروينا ثم يجلس فيه وقد روينا أن قاصاً كان يجلس بفناء حجرة عائشة يقص فأرسلت إلى ابن عمر أن هذا قد آذاني بقصصه وشغلني عن سبحتي قال: فضربه ابن عمر حتى كسر عصا على ظهره ثم طرده وليحذر أن يمر بين يدي المصلي وإن كان مروره لا يقطع الصلاة ففي الخبر لأن يقف أربعين سنة خير له من أن يمر بين يدي المصلي وقد جاء فيه وعيد شديد لأن يكون الرجل رماداً تذروه الرياح خير له من أن يمر بين يدي المصلي وقد سوّى في ذلك بين المار والمصلي في الوعيد ففي حديث زيد بن خالد الجهني قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو يعلم المار بين يدي المصلي والمصلي ما عليهما في ذلك لكان أن يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه وليدن المصلي من اسطوانة أو جدار فإذا فعل ذلك فلا يدعن أحداً أن يمرّ بين يديه وليدفعه ما استطاع، وفي حديث عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان، وكان أبو سعيد يدفع من يمر بين يديه حتى يصرعه فربما تعلق به الرجل فاستعدى عليه مروان فيخبره أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره بذلك فإن لم يتفق له اسطوانة فليجعل شيئاً بين يديه يكون طوله عظم الذراع، وقد قيل: إن كان حبلاً ممدوداً فحاجز بينه وبين المارة، وقد قيل أربع من الجفاء: أن يبول الرجل قائماً، أو يصلي في الصف الثاني ويترك الأول فارغاً، أو يمسح جبهته في صلاته، أو يصلي بسبيل من يمر بين يديه، وقد كان الحسن يقول: تخطوا رقاب الذين يقعدون على أبواب الجامع يوم الجمعة فإنه لا حرمة لهم وليقرب من الإمام وينصت ويسمع ويستقبله بوجهه كذلك السنة إلا أن يخاف أن يسمع أو يرى منكراً من لبس نقش سواد أو حرير أوديباج أو جميل سلاح ثقيل ولا يستطيع تغييره ليبعد حينئذ فهو أسلم ولا يلغو ولا يتكم في خطبة الإمام وإن بعد ولايجلس في حلقة من يتكلم والإمام يخطب ولا يقول لآخر اسكت ولكن يومئ إليه إيماء أو يحصبه بحصاة فإن لغا والإمام يخطب بطلت جمعته ولا يتكلم في العلم في خطبة الإمام ومن لم يقرب من الإمام ولم يستمع فلينصت وإن بعد كذلك المستحب.

وقد روينا عن عثمان وعلي رضوان اللَّه عليهما: من استمع وأنصت فله أجران ومن لم يستمع وأنصت فله أجر ومن سمع ولغا فعليه وزران ومن لم يستمع ولغا فعليه وزر واحد، وفي حديث أبي ذر لما سأل أُبياً والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب فقال: متى أنزلت هذه السورة فأومَأ إليه أن اسكت، فلما نزل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له أُبي: اذهب فلا جمعة لك، فشكاه أبو ذر إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: صدق أبي، وكذلك جاء في الخبر: من قال لصاحبه والإمام يخطب أنصت أومه فقد لغا ومن لغا والإمام يخطب فلا جمعة له وليقطع الصلاة إذا قام المؤذنون للأذان بين يدي الإمام.

فقد روى أبو إسحاق عن الحارث عن علي رضوان الله عليهم: تكره الصلاة في أربع ساعات، بعد الفجر، وبعد العصر، ونصف النهار، والصلاة والإمام يخطب، وقد جاء في الأثر خروج الإمام يقطع الصلاة وكلامه يقطع الكلام وسجود العامة عند قيام المؤذنين للأذان قبل الخطبة ليس بسنة فإن وافق ذلك سجوده في صلاته أو سجود قرآن فلا بأس أن يمتد في الدعاء إلى فراغهم لأنه وقت مفضل ولا أعرف في ذلك أثراً غير أنه مباح، ومن العلماء من كره الصلاة في المقصورة لأجل أنها قصرت على السلطان وأوليائه وذلك بدعة عند أهل الورع ابتدعت في المساجد لأنها غير مطلقة لجملة الناس، فلذلك نقل في الخبر: كان الحسن وبكر المزني لا يصليان في المقصورة.

وروي: رأيت أنس بن مالك يصلي في المقصورة وعمران بن حصين أيضاً ومنهم من لم يكره ذلك ورأيت فيه فضلاً لأجل السنة في الدنو من الإمام واستماع الذكر فإن أطلقت للعامة زالت الكراهة عنها وإن خصّ بها أولياء السلطان تركت عليهم فإن صلّى سبعاً يصلّي فيها فإن بعض العلماء كره الصلاة في فناء المنبر من قبل أن المنبر يقطع الصفوف وكان عندهم أن تقدمة الصفوف إلى فناء المنبر بدعة وكان الثوري يقول: الصف الأول: هو الخارج من بين يدي المنبر ومن خشي الفتنة والآفة في قربه من الإمام بأن يسمع ما يجب عليه إنكاره أو يرى ما يلزم الأمر فيه أو النهي عنه من لبس حرير أو لبس ديباج أو الصلاة في السلاح الثقيل للشغل كان بعده من الصفوف المقدمة أصلح لقلبه وأجمع لهمه لقلة ملاقاة الناس ولترك النظر إليهم، فالأصلح للقلب والأجمع للهم هو الأفضل حينئذ وقد كان جماعة من العلماء والعباد يصلون في أواخر الصفوف إيثاراً للسلامة وقيل لبشر بن الحرث: نراك تبكر يوم الجمعة وتصلي في أواخر الصفوف فقال: يا هذا إنما نريد قرب القلوب لا قرب الأجساد، ونظر سفيان الثوري إلى شعيب بن حرب عند المنبر يستمع إلى خطبة أبي جعفر فلما جاءه بعد الصلاة قال: شغل قلبي قربك من هذا هل أمنت أن تسمع كلاماً يجب عليك إنكاره فلا تقوم به ثم ذكر ما أحدثوا من لبس السواد قلت: يا أبا عبد الله أليس في الخبر إذن واستمع فقال ويحك ذاك للخلفاء الراشدين المهديين فأما هؤلاء فكلما بعدت عنهم ولم تنظر إليهم كان أقرب لك إلى اللَّّْه عزّ وجلّ.

وقد روينا عن أبي الدرداء فضيلة في الصف المؤخر قال سعيد بن عامر صليت إلى جنبه فجعل يتأخر في الصفوف حتى كنا في آخر صف فلما صلْينا قلت له أليس يقال خيراً الصفوف أوّلها قال: نعم إلا أن هذه أمة مرحومة منظور إليها من بين الأمم وإن اللَّه عزْ وجلْ إذا نظر إلى عبد منهم في الصلاة غفر لمن وراءه من الناس فإنما تأخرت رجاء أن تغفر لي بواحد منهم ينظر اللَّه إليه وقد رفعه بعض الرواة أن أبا الدرداء سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يقول ذلك: والصدقة مستحبة مفضلة يوم الجمعة خاصة فإنها تضاعف إلا على من سأل والإمام يخطب وكان يتكلم في كلام الإمام فهذا مكروه قال صالح بن أحمد: سأل مسكين يوم الجمعة والإمام يخطب وكان بجنب أبي فأعطاه رجل قطعة ولم يعرفه ليناوله إياها فلم يأخذها منه أبي وقال ابن مسعود: إذا سأل الرجل في المسجد فقد استحق أن لا يعطى وإذا سأل على القرآن فلا تعطوه، ومن العلماء من كره الصدقة على سؤال الجامع الذين يتخطون رقاب الناس إلا أن يسأل قائماً من غير أن يتخطّى المسلمين أو قاعداً في مكان.

وروينا عن كعب الأحبار: من شهد الجمعة ثم انصرف يتصدق بشيئين مختلفين من الصدقة ثم رجع فركع ركعتين يتم ركوعهما وخشوعهما وسجودهما ثم يقول: اللهم إني أسألك باسمك بسم اللَّه الرحمن الرحيم وباسمك الذي لا إله إلاّ هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولانوم لم يسأل اللَّه عزّ وجلّ شيئاً إلا أعطاه، وقد روينا عن بعض السلف على غير هذا الوصف قال: من أطعم مسكيناً في يوم الجمعة ثم غدا وابتكر ولم يؤذ أحداً ثم قال حين يسلم الإمام اللَّهم إني أسألك ببسم اللَّه الرحمن الرحيم الحي القيوم أن تغفر لي وترحمني وأن تعافيني من النار ثم دعا بما بدا له استجيب له وإن سمع قراءة الإمام لم يقرأ في صلاته إلا سورة الحمد لا غير وإن لم يسمع قراءته قرأ سورة مع الحمد إن أحب فأما من سمع قراءة الإمام وقرأ معه سورة الجمعة أو غيرها من السور فقد خالف الأمة وعصى رسولا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أعلمه مذهب أحد من المسلمين فإذا سلم من صلاة الجمعة قرأ وهو ثان رجله قبل أن يتكلم الحمد سبع مرات وقل هو اللَّه أحد سبعاً والمعوذتين سبعاً سبعاً، ففي ذلك أثر عن بعض السلف أن من فعله عصم من الجمعة إلى الجمعة وكان ذلك حرزاً له من الشيطان واستحب له أن يقول بعد صلاة الجمعة: اللَّهم يا غني، ياحميد، يا مبدئ، يا معيد، يا رحيم، ياودود، أغنني بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، يقال: من داوم علي هذا الدعاء أغناه اللَّه عزّ وجلّ عن خلقه ورزقه من حيث لا يحتسب، وقد روي ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلّي بعد الجمعة ركعتين، وروى أبو هريرة أنه كان يصلّي بعدها أربعاً، وروى علي وعبد اللَّه رضي اللَّه عنهما أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلَّي بعدها ستاً فإذا صلّى العبد ست ركعات فقد استوعب جميع الروايات وأكره شراء الماء في المسجد للشرب أو لتسبيله لئلا يكون مبتاعاً في المسجد فقد كره الشراء والبيع في المسجد فإن بايعه أو دفع إليه القطعة خارجاً من المسجد وشرب أو سبل في المسجد فلا بأس وقد جاء عن بعض السلف أنه كره الصلاة في رحاب الجامع عن بعض الصحابة أنه كان يضرب الناس ويقيمهم من الرحاب ويقول: لا تجوز الصلاة في الرحاب فهذا عندي على ضربين وهو أن الصلاة في رحاب الجامع الزوائد فيه المتصلة بالصفوف المحيط بها حائط الجامع الأعظم كالصلاة في وسطه غير مكروهة، والصلاة في رحابه المتفرقة في أفنيته التي هي من وراء جدر الجامع كله مكروهة، وكذلك الصلاة في الطرقات المنفردة عن الجامع غير المتصلة بالصفوف لحجز طريق أو بعد مكان فلا يجوز، وهذا الذي كرهه من كان ينهي عن الصلاة فيه، فإذا صلّى الجمعة انتشر في أرض اللَّه عزّ وجلّ يطلب من فضل اللَّه عزّ وجلْ ومن الفضل طلب العلم واستماعه، ويقال: هو مزيد يوم الجمعة للعالم والمتعلم، قال اللَّه عزّ َوجلّ: (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَاَنَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظيماً) النساء: 311 قال الله تعالى (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاَ) سبأ: 01، يعني بدليل نظيرها من الآية الأخرى في قوله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقَالاَ الْجَمْدُ لله الَّذي فَضَّلَنَا) النمل: 15.

وروينا عن أنس بن مالك في قوله عزّ وجلْ: (فَإذَا قُضِيَتِ الصَّلوةُ فَاْنتشَِرُوا في الأَرضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّه) الجمعة: 01، قال أما أنه ليس بطلب دنيا ولكنه عيادة مريض وشهود جنازة وتعلّم علم وزيارة أخ في الله عزّ وجلّ فإن الذكر بالعلم وتعليم الناس إياه والتذكير باللَّه عزّ وجلّ والدعوة إليه في يوم الجمعة له فضل على سائر الأيام لأنه يوم المزيد، فللقلوب فيه إقبال وتحديد، وكذلك السعي إليه والاستماع له وحضور مجالس الذكر يوم الجمعة لا مجالس القصاص أفضل من سائر الأيام، والمستمع شريك القائل في الأجر وقد قيل إنه أقرب للرحمة وقد كره العلماء الجلوس إلى القصاص سيمايوم الجمعة خاصة لأنهم يثبطون عن الغدوّ إلى الجامع في الساعة الأولى والثانية لأن الكتاب ورد بالفضل فيهما، فمن اتفق له عالم باللَّه عزّ وجلّ يذكره به ويدله عليه من علماء الآخرة الزاهدين في الدنيا يوم الجمعة غدوة في الجامع أو بعد صلاة الجمعة جلس إليه واستمع منه وإن حضر مفتِ يتكلّم بعلم الدين وكان العبد محتاجاً إلى ذلك وجالسه فهو الأفضل فإن مجالس العلماء في الجامع من زين يوم الجمعة ومن تمام فضله.

قال الحسن: الدنيا ظلمة إلا مجالس العماء، فإن لم يتفق له ذلك أحيا ما بين الصلاتين وهو الورد الخامس من النهار، ويستحب صلاة العصر في الجامع إلاّ لسبب لا بدّ منه مانع، وإن قعد إلى غروب الشمس فهو أثوب للساعة المنتظرة من آخر النهار إذا أمن الفتنة والتصنع والكلام فيما لا يعنيه، ويقال: من صلّى العصر في الجامع كان له ثواب حجة ومن صلّى المغرب كان له ثواب عمرة فإن خشي دخول الآفة عليه أو لم يأمن التصنّع والخوض فيما لا يعنيه انصرف إلى منزله ذاكراً للَّه عزّ وجلّ مفكراً في آلائه وحسن نعمائه فراعى غروب الشمس بالأذكار والتسبيح والاستغفار في منزله أو مسجد حيه فذلك حينئذ أفضل له، وقال بعض السلف: أوفر الناس نصيباً يوم الجمعة من راعاها وانتظرها من الأمس وأخس الناس منها نصيباً من يصبح يوم الجمعة فيقول: أيش اليوم وقد كان بعضهم يبيت ليلة الجمعة في الجامع لأجل صلاة الجمعة ومنهم من كان يبيت ليلة السبت في الجامع لمزيد الجمعة وكثير من السلف من كان يصلِّي الغداة يوم الجمعة في الجامع ويقعد ينتظر صلاة الجمعة لأجل البكور ليستوعب فضل الساعة الأولى ولأجل ختم القرآن وعامة المؤمنين كانوا ينحرفون من صلاة الغداة في مساجدهم فيتوجهون إلى جوامعهم ويقال: أوّل بدعة حدثت في الإسلام ترك البكور إلى الجوامع.

قال: وكنت ترى يوم الجمعة سحراً وبعد صلاة الفجر الطرقات مملوءَة من الناس يمشون في السرج يزدحمون فيها إلى الجامع كما ترون اليوم في الأعياد حتى درس ذلك وقل وجهل وترك أولا يستحي المؤمن أن أهل الذمة يبكرون إلى كنائسهم وبيعهم قبل خروجه إلى جامعه أولا يعتبر بأهل الأطعمة المباعة في رحاب الجامع أنهم يغدون إلى الدنيا والناس قبل غدوّه هو إلى اللَّه تعالى وإلى الآخرة فينبغي أن يسابقهم إلى مولاه ويسارعهم إلى ماعنده من زلفاه، ويجب أن يكون للمؤمن يوم الجمعة مزيد في الأوراد والأعمال وليتفرغ فيه لربه عزّ وجلّ ويجعله يوم آخر إن لم يكن له يوم السبت فيوم الجمعة في الأوراد المتصلة والمزيد من الأذكار على المعلوم منها فلا يكون الجمعة كالسبت في تجارة الدنيا والشغل بأسبابها وأكره له التأهب ليوم الجمعة في باب الدنيا من يوم الخميس من إعداد المأكول والترفّه من النعمة والأكل والشرب، فقد روينا حديثاً من طريق أهل البيت فيه نظر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يأتي على أمتي زمان يتأهبون لجمعتهم في أمر دنياهم عشية الخميس كما يتأهب اليهود لسبتها عشية الجمعة وإنما كان المؤمنون يتأهبون فيه للآخرة بالأوراد الحسنة يزدادون من الأوراد المتصلة، وقد كان أبو محمد سهل رحمه اللَّه يقول: من أخذ مهنأه من الدنيا في هذه الأيام لم ينل مهنأه في الآخرة منها يوم الجمعة وقال أيضاً: يوم الجمعة من الآخرة ليس هو من الدنيا، وقال بعضهم: لولا يوم الجمعة ما أحببت البقاء في الدنيا فهو عند الخصوص يوم العلوم والأنوار ويوم الخدمة والأذكار لأنه عند اللَّه عزّ وجلّ يوم المزيد بالنظر إليه في المزار.

وروينا حديثاً غريباً عن ابن عباس قال: قال رسول الله

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دعوا أشغالكم يوم الجمعة فإنه يوم صلاة وتهجّد.

وروينا عن جعفر الصادق قال: يوم الجمعة للَّه عزّ وجلّ ليس فيه سفر، قال اللَّه تعالى: (وَابتَْغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّه) الجمعة: 10 وما ذكرناه من الصلاة والسور المقروءَة والصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجميع الذكر في يوم الجمعة فإنه يستحب في ليلتها وهي من أفضل الليالي فلا يدعن ذلك من وجد إليه سبيلاً، فإن للصادق المريد في كل وقت مفضل من اللَّه عزّ وجلّ مزيداً فإذا أحب اللَّه تعالى عبداً استعمله في الأوقات الفاضلة بفواضل الأعمال وإذا مقت عبداً استعمله في الأوقات المفضلة بسئ الأعمال ليكون أوجع في عقابه وأشد لمقته لحرمانه بركة الوقت وانتهاكه حرمة الوقت ومما يختص به يوم الجمعة من الذكر والتمجيد بالأسماء فصول أربعة: أولها: الأربعون اسماً التي دعا بها إدريس صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خصه الله تعالى بها وذكر الحسن البصري أن موسى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد كان دعا بهن وأنها كانت من دعاء محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

والفصل الثاني: كان إبراهيم بن أدهم الزاهد يدعو بها كل يوم جمعة عشر مرات إذا أصبح وإذا أمسى فكان ذلك من عمله في يومه.

والفصل الثالث: روينا عن علي رضي اللَّه عنه رواه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن اللَّه عزَّ وجلّ يمجد نفسه في كل يوم وليلة.

والفصل الرابع: تسبيحات أبي المعمر وهو سليمان التيمي الذي كان رأى الشهيد بعد قتله في المنام فقيل له: ما أفضل ما رأيت هناك من الأعمال؟ فقال: رأيت تسبيحات أبي المعتمر من اللَّه عزّ وجلّ بمكان، فأما هذان الفصلان من تمجيد الرب سبحانه وتعالى نفسه، وتسبيحات أبي المعتمر فقد ذكرناهما في أوّل الكتاب فيما اخترنا من الأدعية المختارة بعد صلاة الغداة وقبل غروب الشمس في كل يوم فاستثقلنا إعادتها ههنا، وأما الفصلان الآخران فنحن ذاكروهما.

ذكر دعاء إدريس النبي

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

حدثنا الحسن بن يحيى الشاهد: حدثنا القاسم بن داود القراطيسي حدثنا عبد اللَّه بن محمد القرشي حدثنا محمد بن سعيد المؤذن حدثنا سلام الطويل عن الحسن البصري قال: لما بعث الله عزّ وجلّ إدريس إلى قومه علّمه هذه الأسماء فأوحى اللَّه إليه: قلهنّ سراً في نفسك ولا تبدهنّ للقوم فيدعوني بهنّ، قال: وبهن دعا، فرفعه اللَّه عزّ وجلّ مكاناً علياً ثم علّمهن اللَّه عزّ وجلّ موسى عليه السلام ثم علّمهن اللَّه عزّ وجلّ محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبهن دعا في غزوة الأحزاب قال الحسن: وكنت مستخفياً من الحجاج فدعوت اللَّه بهنّ فحبسه عني ولقد دخل عليَّ ست مرات فأدعو اللَّه بهن فأخذ اللَّه عزّ وجلّ بأبصارهم عني فادع اللَّه عزّ وجلّ بهنّ لالتماس المغفرة لجميع الذنوب ثم سل حاجتك من أمر آخرتك ودنياك فإنك تعطاه إن شاء اللَّه تعالى فإنهن أربعون اسماً عدد أيام التوبة سبحانك لا إله إلاأنت، يا رب كل شيء، ووارثه، ورازقه، وراحمه، يا إله الآلهة، الرفيع جلاله، يا اللَّه المحمود في كل فعاله، يا رحمن كل شيء وراحمه، ياحي حين لا حيّ في ديمومة ملكه وبقائه، يا قيوم فلا يفوت شيء من علمه ولايؤده، ياواحد، الباقي في أول كل شيء وآخره، يا دائم فلا فناء ولا زوال لملكه، ياصمد من غير شبيه ولا شيء كمثله، يا بارىء فلا شئ كفؤه ولا مكان لوصفه، يا كبير أنت الذي لا تهتدي القلوب لوصف عظمته، يابارئ النفوس بلامثال خلا من غيره، يا زاكي الطاهر من كل آفة تقدسه، يا كافي الموسع لما خلق من عطايا فضله، يانقياً من كل جور لم يرضه ولم يخالطه فعاله، ياحنان أنت الذي وسعت كل شيء رحمة وعلماً، يا ذا الإحسان قد عمّ كل الخلائق منه، يا ديان العباد كل يقوم خاضعاً لرهبته، يا خالق من في السموات والأرض وكل إليه معاده، يا رحيم كل صريخ ومكروب وغياثه ومعاده، يا تام فلاتصف الألسن كل جلال ملكه وعزه، يا مبدع البدائع لم يبلغ في إنشائها عوناً من خلقه، يا علاّم الغيوب فلا يفوته شيء من خلقه ولا يؤده، يا حليم ذا الأناة فلا يعادله شيء من خلقه، يا معيد ما أفناه إذا برز الخلائق لدعوته من مخافته، ياحميد الفعال ذا المنّ على جميع خلقه بلطفه، يا عزيز المنيع الغالب على أمره فلا شيء يعادله، يا قاهر ذا البطش الشديد أنت الذي لا يطاق انتقامه، يا قريب المتعالي فوق كل شيء علو ارتفاعه، يا مذلّ كل جبار عنيد بقهر عزيز سلطانه، يانور كل شيء وهداه، أنت الذي فلق الظلمات بنوره، يا عالي الشامخ فوق كل شيء علو ارتفاعه، يا قدّوس الطاهر من كل سوء فلا شيء يعادله من خلقه، يا مبدئ البرايا ومعيدها بعد فنائها بقدرته، يا جليل المتكبر عن كل شيء فالعدل أمره والصدق وعده، يا محمود فلا تبلغ الأوهام كنه ثنائه ومجده، ياكريم العفو ذا العدل أنت الذي ملأ كل شيء عدله، يا عظيم ذا الثناء الفاخر وذا العزّ والمجد والكبرياء فلا يذل عزه، يا عجيب فلا تنطق الألسن بكنه آلائه وثنائه، يا غياثي عند كل كربة ويا مجيبي عند كل دعوة، أسألك اللَّهم يا رب الصلاة على نبيك محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأماناً من عقوبات الدنيا والآخرة وأن تحبس عني أبصار الظالمين المريدين بي السوء وأن تصرف قلوبهم عن شرّ ما يضمرون بي إلى خير ما لا يملكه غيرك، اللَّهم هذا الدعاء ومنك الإجابة وهذا الجهد وعليك التكلان ولاحول ولا قوّة إلا باللَّه وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.

ذكر دعاء إبراهيم بن أدهم

حدثنا أحمد بن الموصلي الوكيل بن الموكل حدثنا: جعفر بن نصير الخواص الخراساني حدثني إبراهيم بن بشار خادم إبراهيم بن أدهم قال: كان إبراهيم بن أدهم يقول هذا الدعاء في يوم الجمعة إذا أصبح ويقوله إذا أمسى مثل ذلك مرحباً بيوم المزيد والصبح الجديد والكاتب الشهيد يومنا هذا يوم عيد اكتب لنا ما نقول بسم اللَّه الحميد المجيد الرفيع الودود الفعّال في خلقه ما يريد أصبحت باللَّه مؤمناً وبلقائه مصدقاً وبحجته معترفاً ومن ذنبي مستغفراً ولربوبية اللَّه خاضعاً ولسوى اللَّه عزّ وجلّ في الإلهية جاحداً وإلى اللَّه فقيراً وعلى اللَّه متوكلاً وإلى اللَّه منيباً، أشهد اللَّه وأشهد ملائكته وأنبياءه ورسله وحملة عرشه ومن خلق ومن هو خالقه بأنه هو اللَّه لا إله إلا هو وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأن الجنة حق والنار حق والحوض حق والشفاعة حق ومنكراً ونكيراً حق ولقاءك حق ووعدك حق والساعة آتية لا ريب فيها وأن اللَّه يبعث من في القبور على ذلك أحيا وعليه أموت وعليه أبعث إن شاء الله، اللَّهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك اللَّهم من شرّ كل ذي شرّ، اللَّهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدني لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف اللَّهم يا رب عني سيئها فإنه لا يصرف سيئها إلا أنت لبيك وسعديك والخير كله بيديك أنا لك وإليك أستغفرك وأتوب اليك، آمنت اللَّهم بما أرسلت من رسول، وآمنت اللَّهم بما أنزلت من كتاب وصلّى الله على سيدنا محمد النبي وعلى آله وسلم كثيراً خاتم كلامي ومفتاحه وعلى أنبيائه ورسله أجمعين آمين يا رب العالمين، اللَّهم أوردنا حوضه واسقنا بكأسه مشروباً روياً سائغاً هنيئاً، لا نظمأ بعده أبداً واحشرنا في زمرته غير خزايا ولا نادمين ولاناكثين ولا مرتابين ولامفتونين ولا مغضوباً علينا ولا ضالين، اللَّهم اعصمني من فتن الدنيا ووفقني لماتحب وترضى من العمل وأصلح لي شأني كله وثبتني بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولا تضلني وإن كنت ظالماً سبحانك سبحانك يا علي، ياعظيم، يا بار، يا رحيم، ياعزيز، يا جبار، سبحان من سبحت له السموات بأكنافها، وسبحان من سبحت له الجبال بأصواتها، وسبحان من سبحت له البحار بأمواجها، وسبحان من سبحت له الحيتان بلغاتها، وسبحان من سبحت له النجوم في السماء بأبراقها، وسبحان من سبحت له الشجر بأصولها ونضارتها، وسبحان من سبحت له السموات السبع والأرضون السبع ومن فيهن ومن عليهن، سبحانك سبحانك يا حي، يا حليم، سبحانك لا إله إلا أنت وحدك، لا شريك لك تحيي وتميت وأنت حي لا تموت، بيدك الخير وأنت على كل شيء قدير، فإذا دعا بهده الأدعية الأربع يوم الجمعة فقد كمل اللَّه عزّ وجلّ عمله وتمّ عليه فضله فإذا عمل بخير ما ذكرناه من الأعمال والأذكار واجتنب سيّء ما ذكرناه من الأقوال والأفعال فهو من أهل الجمعة وممن له المزيد بها نصيباً موفوراً وكان عمله الخالص وذكره الصادق عند اللَّه عزّ وجلّ مشكوراً، وهذا آخر كتاب الجمعة وهيْئاتها وآدابها.


4hFnTkfUWdo

 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



Veuillez noter que certains contenus sont traduits de manière semi-automatique !