The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi
The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد

أبو طالب المكي (المتوفى: 386هـ)

الفصل الخامس والعشرون ذكر تعريف النفس وتصريف مواجيد العارفين

 

 


الفصل الخامس والعشرون ذكر تعريف النفس وتصريف مواجيد العارفين

اعلم أن النقصان يبدو من الغفلة والغفلة تنشأ من آفات النفس والنفس مجبولة على الحركة وقد أمرت بالسكون وهو ابتلاؤها لتفتقر إلى مولاها وتبرأ من حولها وقواها ومثل ذلك قوله تعالى: (وَلا تَمُوتُنَّ إلاَّ وَأنْتُمْ مُسْلِمُونَ) آل عمران: 102 لتفزعوا إليه فتقولوا: ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفّنا مسلمين، وكما قال: (وَكَانَ الإنْسَانُ عَجُولاً) الإسراء: 11 (خُلِقَ الإنْسَانُ عَجَلٍ) الأنبياء: 37 ثم قال: (سَأُريكُمْ آيَاتي فَلاتَسْتَعْجِلونِ) الأنبياء: 37 قال: (أتَى أمّْرُ اللَِّه فَلا تَسْتَعْجِلوهُ) النحل: 1 فأخبر عن وصفه بالعجلة ثم أمره بتركها للبلوى، فإن نزلت السكينة وهي مزيد الإيمان سكنت النفس عن الهوى بإذن منفسها وإن حجب القلب بالغفلة وهي علامة على الإفتقار والتضرع تحركت النفس بطبعها، فإن سكنت عن حركتها فبالمنة والفضل وإن تحركت بوصفها فبالابتلاء والعدل، فأوّل البلاء اختلافها وأول اختلافها خلافها ومقدمته الهمة وبابه السمع وهو طريق إلى الكلام والنظر والقول طريق إلى الشهوة والشهوة مفتاح الخطيئة والخطيئة مقام من النار حتى يزحزح عنها الجبار بالتوبة في الدنيا والعفو في العقبى، وقد تكون المخالفة على المحب العارف أشد من النار كما حدثت عن بعضهم قال: لأن أبتلي بدخول النار أحبّ إلي من أن أبتلي بمعصية، قيل: ولم؟ قال: لأن في المعصية خلاف ربي تعالى وسخطه وفي النار إظهار قدرته وانتقامه لنفسه قال: فسخطه أعز علي وأعظم من تعذيب نفسي، وكذلك حدثونا في معناه عن بعض الموقنين من العمال أنه قال: ركعتان تتقبل مني أحبّ إلي من دخول الجنة، قيل: وكيف؟ قال: لأن في الركعتين رضا ربي عزّ وجلّ ومحبته وفي الجنة رضاي وشهوتي فرضا ربي عز َّوجلّ أحبّ إليَّ من محبتي، وقد قال وهيب بن الورد المكي في لبن سئل أن يشر به فلم يفعل لأنه سأل عن أصله فلم يستطبه فقالت له أمه: اشرب فإني أرجو إن شربته أن يغفر اللَّه لك، فقال: ما أحب أني شربته وأن اللَّه غفر لي، قالت: ولم؟ قال: لا أحب أن أنال مغفرته بمعصيته، فجملة وصف النفس معنيان، الطيش والشره، فالطيش عن الجهل والشره عن الحرص، وهما فطرة النفس فمثلها في الطيش كمثل كرة أو جوزة في مكان أملس مصوّب سكونها بالمنة فإن أشرت إليها أو حركتها أدنى حركة تحركت بوصفها وهو خفتها واستدارتها وصورتها في الشره المتولدة من الحرص، إنها على صورة الفراشة إنها تقع في النار جاهلة شرهة تطلب بجهلها الضوء وفيه هلاكها فإذا وصلت إلى شيء منه لم تقتنع بيسيره لشرهها فتحرص على الغاية منه وتطلب عين الضوء وجملته وهونفس المصباح فتحرق، ولو قنعت بقليل الضوء عن بعد سلمت فكذلك النفس في طيشها الذي يتولد من العجلة وفي شرهها الذي ينتج من الحرص والطمع، والحرص والطمع هما اللذان كانا سبب إخراج آدم عليه السلام من الجنة لأنه طمع في الخلود فحرص على الأكل وكان ذلك عن الجهل، فكانت معصيته سبب عمارة الدنيا فصارت الطاعة سبب عمارة الآخرة، فلذلك قيل: حب الدنيا رأس كل خطيئة فصار الزهد أصل كل طاعة، فانظر كيف أخرج من الجنة بعد أن جعل فيها بذنب واحد وأنت تريد أن تدخلها ولم تملك النظر إليها بذنوب كثيرة، وفي الحديث الآخر: الإيمان عريان فلياسه التقوى وزينته الحياء وثمرته العلم، من ثم قيل: إن الجنة طيبة لا يسكنها إلا الطيب فمتى طابوا لها دخلوها، ألم تسمع إلى وفاته بين ذلك في قوله تعالى: (الَّذيَن تَتَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ طَيِّبينَ يَقٍولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ) ، النحل: 23، وقال تعالى: (وَقَاَلَ لَهْمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيكُمْ طِبْتُتمْ فَادْخُلُوهَ خَاِلدينَ) ، الزمر: 73 لأنه قال: (وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً في جَنِّاتِ عَدْنٍ) التوبة: 72 والذنوب خبائث كما قال: (وَيُحَرَّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَاِئث) الأعراف: 157 فلما طابوا لها طابت لهم وقد أجمل ذلك بقوله تعالى: (الخَبيثاَتُ لِلْخَبيثين) النور: 26 وبقوله: (وَالطَيِّباتُ لِلْطَيِّبينَ) النور: 26، وقد مثل بعضهم النفس في شرهها بمثل ذباب مرّ على رغيف عليه عسل فوقع فيه يطلب الكلية فعلق بجناحه فقبله وآخر مر به فدنا من بعضه فنال حاجته فرجع إلى ورائه سالماً وقد مثل بعض الحكماء ابن آدم مثل دود القز لا يزال ينسج على نفسه لجهله حتى لا يكون له مخلص فيقتل نفسه ويصير

القز لغيره وربما قتلوه إذا فرغ من نسيجه لأن القز يلتف عليه فيروم الخروج منه فيشمس وربما غمزوه بالأيدي حتى يموت لئلا يقطع القز وليخرج القز صحيحاً، فهذه صورة المكتسب الجاهل الذي أهلكه أهله وماله فتنعم ورثته بما شقي به فإن أطاعوا به كان أجره لهم وحسابه عليه وإن عصوا به كان شريكهم في المعصية لأنه أكسبهم إياها به فلا يدري أي الحسرتين عليه أعظم أذهابه عمره لغيره أو نظره إلى ماله في ميزان غيره، ومما سمعت في علم شره النفس ما حدثني بعض إخواني عن بعض هذه الطائفة قال: قدم علينا بعض الفقراء فاشترينا من جار لنا جملاً مشوياً ودعوناه عليه في جماعة من أصحابنا فلما مد يده ليأكل وأخذ لقمة وجعلها في فيه لفظها ثم اعتزل وقال: كلوا أنتم فإنه قد عرض لي عارض منعني من الأكل، فقلنا: لا نأكل إن لم تأكل معنا، فقال: أنتم أعلم أما أنا فغير آكل ثم انصرف، قال: فكرهنا أن نأكل دونه، فقلنا: لو دعونا الشوّاء فسألناه عن أصل هذا الجمل فلعل له سبباً مكروهاً فدعوناه فلم نزل به نسأل عنه حتى أقر أنه كان ميتة وأن نفسه شرهت إلى بيعه حرصاً على ثمنه فشواه فوافق اأنكم اشتريتموه، قال: فمزقناه للكلاب، قال: ثم إني لقيت الرجل بعد وقت فسألته لأي معنى تركت أكله وبأي عارض؟ فقال: أخبرك ما شرهت نفسي إلى طعام منذ عشرين سنة بالرياضة التي رضتها به فلما قدمتم إلي هذا شرهت نفسي إليه شرهاً ماعهدته قبل ذلك فعلمت أن في ذلك الطعام علة فتركت أكله لأجل شره النفس إليه فانظر رحمك اللَّه كيف اتفقا في شره النفس عن قصد واحد ثم اختلفا في التوفيق والخذلان فعصم العالم بالورع والمحاسبة وترك الجاهل مع شره النفس بالحرص وتركه المراقبة أعني البائع للجمل ثم عصم الآخرون للتوفيق بحسن الأدب وهو قمع شره النفس عن الأكل بعد صاحبهم ثم تدارك البائع بعد وقوعه لصدق المشتري وحسن نيته. قز لغيره وربما قتلوه إذا فرغ من نسيجه لأن القز يلتف عليه فيروم الخروج منه فيشمس وربما غمزوه بالأيدي حتى يموت لئلا يقطع القز وليخرج القز صحيحاً، فهذه صورة المكتسب الجاهل الذي أهلكه أهله وماله فتنعم ورثته بما شقي به فإن أطاعوا به كان أجره لهم وحسابه عليه وإن عصوا به كان شريكهم في المعصية لأنه أكسبهم إياها به فلا يدري أي الحسرتين عليه أعظم أذهابه عمره لغيره أو نظره إلى ماله في ميزان غيره، ومما سمعت في علم شره النفس ما حدثني بعض إخواني عن بعض هذه الطائفة قال: قدم علينا بعض الفقراء فاشترينا من جار لنا جملاً مشوياً ودعوناه عليه في جماعة من أصحابنا فلما مد يده ليأكل وأخذ لقمة وجعلها في فيه لفظها ثم اعتزل وقال: كلوا أنتم فإنه قد عرض لي عارض منعني من الأكل، فقلنا: لا نأكل إن لم تأكل معنا، فقال: أنتم أعلم أما أنا فغير آكل ثم انصرف، قال: فكرهنا أن نأكل دونه، فقلنا: لو دعونا الشوّاء فسألناه عن أصل هذا الجمل فلعل له سبباً مكروهاً فدعوناه فلم نزل به نسأل عنه حتى أقر أنه كان ميتة وأن نفسه شرهت إلى بيعه حرصاً على ثمنه فشواه فوافق اأنكم اشتريتموه، قال: فمزقناه للكلاب، قال: ثم إني لقيت الرجل بعد وقت فسألته لأي معنى تركت أكله وبأي عارض؟ فقال: أخبرك ما شرهت نفسي إلى طعام منذ عشرين سنة بالرياضة التي رضتها به فلما قدمتم إلي هذا شرهت نفسي إليه شرهاً ماعهدته قبل ذلك فعلمت أن في ذلك الطعام علة فتركت أكله لأجل شره النفس إليه فانظر رحمك اللَّه كيف اتفقا في شره النفس عن قصد واحد ثم اختلفا في التوفيق والخذلان فعصم العالم بالورع والمحاسبة وترك الجاهل مع شره النفس بالحرص وتركه المراقبة أعني البائع للجمل ثم عصم الآخرون للتوفيق بحسن الأدب وهو قمع شره النفس عن الأكل بعد صاحبهم ثم تدارك البائع بعد وقوعه لصدق المشتري وحسن نيته.

وجبلات النفس الأربعة هي أصول ماتفرّع من هواها وهي مقتضى ما فطرها عليه مولاها: أولها الضعف وهو مقتضى فطرة التراب، ثم البخل وهو مقتضي جبلة الطين، ثم الشهوة وموجبها الحمائم، الجهل وهو ما اقتضاه موجب الصلصال وهذه الصفات على معاني تلك الجبلات للابتلاء بالأمشاج ففيه بدء الأمت والإعوجاج، ذلك تقدير العزيز العليم، ثم إن النفس مبتلاة بأوصاف أربعة متفاوتة: أولها معاني صفات الربوبية نحو الكبر والجبرية وحب المدح والعز والغنى ومبتلاة بأخلاق الشياطين مثل الخداع والحيلة والحسد والظنة ومبتلاة بطبائع إليها ثم وهو حب الأكل والشرب والنكاح وهي مع ذلك كله مطالبة بأوصاف العبودية مثل الخوف والتواضع والذل بمعنى ما قلناه، قيل: إنها خلقت متحركة وأمرت بالسكوت وإني لها بذلك إن لم يتداركها المالك وكيف تسكن بالأمر إن لم يسكنها محركها بالخير فلا يكون العبد عبداً مخلصاً حتى يكون للمعاني الثلاث مخلصاً فإذا تحقق بأوصاف العبودية كان خالصاً من المعاني التي هي بلاؤه من صفات الربوبية، فإخلاص العبودية للوحدانية عند العلماء الموحدين أشد من الإخلاص في المعاملة عند العاملين، وبذلك رفعوا إلى مقامات القرب وذلك أنه لا يكون عندهم عبداً حتى يكون مما سوى اللَّه عزّ وجلّ حراً فيكف يكون عبد رب وهو عبد عبد لأن ما قاده إليه فهو إلهه وماترتب عليه فهو ربه وهذا شرك في الإلهية عند المتألهين ومرج بالربوبية عند الربانيين فهو متعوس منكوس بدعاء الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ يقول: تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الزوجة، تعس عبد الحلة، فهؤلاء عبيد العدد الذين قال مولاهم: إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً لقد أحصاهم وعدّهم عداً أصحاب النفوس الأمّارة بالسوء المسوَّلة الموافقة للهوى المخالفة للمولى وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً إلى آخر وصفهم أولو النفس المرحومة المطمئنة المرضية هم عباد الرحمن أهل العلم والحكمة علمهم من لدنه واختارهم لنفسه ولا يكون المريد بدلاً حتى يبدل بمعاني صفات الربوبية صفات العبودية وبأخلاق الشياطين أوصاف المؤمنين وبطبائع البهائم أوصاف الروحانيين من الأذكار والعلوم، فعندهاكان بدلاً مقرباً والطريق إلى هذا بأن يملك نفسه فيملكها وتسخر له فيسلط عليها فإن أردت أن تملك نفسك فلا تملكها وضيّق عليها ولا توسع لها فإن ملكتها ملكتك وإن لم تضيّق عليها اتسعت عليك فإن أردت الظفر بها فلا تعرضها لهواها واحتبسها عن معتاد بلاها فإن لم تمسكها انطلقت بك وإن أردت أن تقوى عليها فأضعفها بقطع أسباب هواها وحبس مواد شهواتها وإلا قويت عليك فصرعتك فأول الملكة لها أن تحاسبها في كل ساعة وتراقب حسبتها في كل وقت وتقف عند كل همة من خواطرها فإن كانت الهمة للَّه عزّ وجلّ سابقت الموت وبادرت الفوت في إمضائها وإن كانت الهمة لغير اللَّه تعالى سابقت وبادرت في محوها لئلا تثبت وعملت في الإستبدال بها كيلا تستبدل بك، وفي تأويل الخبر المروي البر يزيد في العمر وهو معنى الدعاء المشهور من قول الناس: جعل اللَّه في عمرك البركة، وقد بورك له في عمره، فإن البركة في العمر أن تدرك في عمرك القصير بيقظتك ما فات غيرك من عمره الطويل بغفلته فيرتفع لك في سنة ما لا يرتفع له في عشرين سنة وللخصوص من المقربين في مقامات القرب عند التجلي بصفات الرب الحاق برفيع الدرجات وتدارك ما فات عند أذكارهم وأعمال قلوبهم اليسيرة في هذه الأوقات، فكل ذرة من ذكر بتسبيح أو تهليل أو حمد أو تدبر وتبصرة وتفكر وتذكرة بمشاهدة قرب ووجد برب ونظرة إلى حبيب ودنو إلي قريب أفضل من أمثال الجبال من أعمال الغافلين الذين هم بنفوسهم واجدون وللخلق مشاهدون مثل العارفين فيما ذكرته من قيامهم بمشاهدتهم ورعايتهم لأمانتهم وعهدهم في وقت قربهم وحضورهم مثل العامل في ليلة القدر العمل فيها لمن وافقها خير من ألف شهر، وقد قال بعض العلماء كل ليلة للعارف بمنزلة ليلة القدر.

وروينا عن علي رضي اللَّه عنه: أنه قال كل يوم لا يُعصى اللَّه عزّ وجلّ فيه فهو لنا عيد وكان الحسن إذا تلا قوله تعالى: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنيئاً بِمَا أسْلَفْتُمْ في الأيَّامِ الخَاِليَةِ) ، الحاقة: 24 قال: يا إخواني هي واللَّه أيامكم هذه فاقطعوها بالجد والاجتهاد ولا تضيعوها فخلوها فراغاً من حسن المعاملة وبطالتك فيها عن الشغل بمعادك المحصول عليك منها، كما قال المبطلون: يا حسرتنا على ما فرطنا فيها يعني في الأيام الخالية التي هي محصولهم ومرجعهم ومثواهم، وكما قالت النفس الأمارة بالسوء: يا حسرتا على ما فرطت في جنب اللَّه يعني أيام الدنيا التي ضيعت العمر فيها فخلت من الثواب والجزاء غداً، وهذا أحد الوجهين في قوله الأيام الخالية، والوجه الآخر الخالية أي الماضية خلت أوقاتها وخلدت أحكامها وذهبت شهواتها وبقيت عقوباتها فإن قصرت عن هذه المحاسبة للحسيب ولم يكن لك مقام المراقبة للرقيب ولا مكان المحاسبة للحبيب فلا يفوتنّك مقام الورعين ولا تبن عن حال التائبين وهو أن تجعل لك وردين في اليوم والليلة لمحاسبة النفس وموافقتها مرة بعد صلاة الضحى لما مضى من ليلتك وماسلف من غفلتك، فإن رأيت نعمة شكرت الله وإن رأيت بلية استعفرت فإن وجدت في حالك أوصاف المومنين التي وصفهم اللَّه عزّوجلّ ومدحهم عليها رجوت وطمعت واستبشرت، وإن وجدت من قلبك وحالك وصفاً من أوصافِ المنافقين أو خلقاً من أخلاق الجاهلين التي ذمهم اللَّه عزّ وجلّ بها ومقتهم عليها حزنت وأشفقت وتبت من ذلك واستغفرت، والمرة الثانية أن تحاسب نفسك بعد الوتر وقبل النوم لمامضى من يومك من طول غفلتك وسوء معاملتك ومافعلته من أعمالك كيف فعلتها وماتركته من سكوتك وصمتك لم تركته ولمن تركته فتنعقد الزيادة والنقصان وتعرف بذلك التكلف والإخلاص من حركتك وسكونك فما تحركت فيه وسكنت لأجل اللَّه عزّ وجلّ به فهو الإخلاص ثوابك فيه على الله عزّ وجلّ عند مرجعك إليه فأعمل في الشكر على نعمة التوفيق وحسن العصمة من التهلكة وما سكنت فيه أو تحركت لهواك وعاجل دنياك فهو التكلف، الذي أخبر رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه هو والأتقياء من أمته برآء من التكلف وقد استوجبت فيه العقاب عند نشر الحساب إلا أن يغفر المولى الكريم الوهاب فاعمل حينئذ في الاستغفار بعد حسن التوبة وجميل الاعتذار وخف أن يكون قد وكلك إلى نفسك فتهلك، فلعل مشاهدة هذين المعنيين من خوف ما سلف منك والطمع في قبول ما أسلفت يمنعك من المنام ويطرد عنك الغفلة فتحيي ليلتك بالقيام فتكون ممن وصف اللَّه عزّ وجلّ في قوله: (تَتَجَافي جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) السجدة: 16قد قال بعض السلف: كان أحدهم يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك لشريكه، وقد قال بعض العلماء: من علامة المقت أن يكون العبد ذاكراً لعيوب غيره ناسياً لعيوب نفسه ماقتاً للناس على الظن محباً لنفسه على اليقين وترك محاسبة النفس ومراقبة الرقيب من طول الغفلة عن اللَّه عزّ وجلّ والغافلون في الدنيا هم الخاسرون في العقبي لأن العاقبة للمتقين قال اللَّه عزّ وجلّ: (وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُون) النحل: 108لاجرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون وطول الغفلة من العبد عن طبائع االقلب من المعبود والغفلة في الظاهر غلاف القلب في الباطن، تقول العرب غفله وغلفه بمعنى كماتقول جذب وجبذ وخشاف وخفاش وطبائع القلب عن ترادف الذنب بعضه فوق بعض وهوالران الذي يتعقب الكسب فيكون عقوبة له.

قال اللَّه تعالى: (كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوايَكْسِبُونَ) المطففين: 14، قيل: الكاسب الخبيثة وأكل الحرام، وفي التفسير: هو الذنب على الذنب حتى يسود القلب، وأصل الرين الميل والغلبة وهو التغطية أيضاً، يقال: ران عليه النعاس إذا غلبه ورانت الخمر على عقله أي غطته، ومن هذا قول عمر رضي اللَّه عنه في سابق الحاج فادّان معرضاً فأصبح وقد رين به أي مال به الدين فغلبه، وأصل ترادف الذنوب من إغفال المراقبة وإهمال المحاسبة وتأخير التوبة والتسويف بالاستقامة وترك الاستغفار والندم، وأصل ذلك كله هوحب الدنيا وإيثارها على أمر اللَّه عزّ وجلّ وغلبة الهوى على القلب، ألم نسمع إلى قوله عزّ وجلّ: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الحيَاةَ الدٌّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ) النحل: 107 إلى قوله عزْ وجلْ: (أُولِئكَ الَّذينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) النحل: 108 وقال في دليل الخطاب: (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى) النازعات: 40 يعني عن إيثار الدنيا لأن صريح الكلام وقع في وصفهم بالطغيان وإيثار الحياة الدنيا، ثم قال: (طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أهْوَاءَهُمْ) محمد: 16، فاتباع الهوى عن طبائع القلب وطبائع القلب عن عقوبة الذنب وميراث العقاب الصمم عن فهم الخطاب، أما سمعته يقول: لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون وقد جعل علي رضي اللَّه عنه الغفلة مقاماً من مقامات الكفر فقال في حديثه الطويل: فقام إليه سلمان فقال: أخبرنا عن الكفر على ما بني فقال: على أربع مقامات: على الشك، والجفاء، والغفلة، والعمى، فإذا كثرت غفلة القلب قل إلهام الملك للعبد وهو سمع القلب لأن طول الغفلة يصمه عن السمع وعدم سمع الكلام من الملك عقوبة الخطايا وتثبيت الملك للعبد على الخير والطاعة وحي من اللَّه عزّ وجلَّ إليهم وتفضيل للعبد، أما سمعت قول اللَّه عزّ وجلّ: (إذْ يُوحي رَبُّكَ إلى المَلائِكَةِ أَنّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذينَ آمَنُوا) الأنفال: 12، وفي الخبر: إن آدم عليه السلام حجب عن سمع كلام الملائكة فاستوحش بذلك فقال: يا رب مالي لا أسمع كلام الملائكة؟ فقال: خطيئتك يا آدم، فإذا لم يسمع العبد كلام الملائكة لم يفهم كلام الملك، وإذا لم يسمع الكلام لم يستجب للمتكلم إنما يستجيب الذين يسمعون، وقال الحسن: إن بين العبد وبين اللَّه عزّوجلّ حداً محدوداً من الذنوب فإذا بلغه العبد طبع على قلبه فلم يوفقه للخير أبداً فبادر أيها المجاوز للحدود بالتوبة والرجوع قبل أن تبلغ الحد فتلقى عياً وجهداً، وفي حديث ابن عمر الطابع معلّق بقائم عرش الرحمن فإذا انتهكت المحارم بعث اللَّه عزّوجلّ بالطابع على القلوب فأعماها وهذا هوالقفل الذي قال اللَّه عزّ وجلّ: (أَفَلا يَتَدبَّرُونَ الْقُرْآنَ) النساء: 82 أم على قلوب أقفالها واعلم أن القسوة التي يهدد اللَّه عزّ وجلّ عليها بالويل المتولدة من طول الغفلة في قوله عزّوجلّ (فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ) الزمر: 22 وقد قرنها اللَّه عزّ وجلْ بالنفاق وأخبر أنه يجعل إلقاء الشيطان فتنة لأهل النفاق والقسوة، فإلقاءالشيطان يكثر عند قلة إلهام الملك كماذكرنا آنفاً ينتظم ذلك قوله عزّ وجلّ: (لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَة للَّذينَ في قُلُوبِهِم) الحج: 53 أي وللقاسية قلوبهم أيضاً، والقسوة ثمرة البعد والبعد عقوبة الخيانة واللَّه لا يحب الخائنين، فذلك من تدبر الخطاب من قوله: (فَبِمَا نَقْضهِمْ ميثَاقَهُمْ) المائدة: 13 أي فبنقضهم الميثاق وماصلة في الكلام فهذا هوالخيانة، لعناهم أي أبعدناهم وجعلنا قلوبهم قاسية بترادف الذنوب بعد القسوة من الكذب والنسيان وكثرة الإطلاع على الخيانة منهم والبهتان فأصيبوا بالذنوب فوقع الطابع على القلوب فصمت عن سمع كلام المحبوب، كما قال: (أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوِبِهِمْ) الأعراف: 100، فجلاء هذا الطابع التقوى فهو مفتاح السمع كما قال: اتقوا اللَّه واسمعوا واللَّه تعالى الموفق.


4hFnTkfUWdo

 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



Veuillez noter que certains contenus sont traduits de manière semi-automatique !