The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi
The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد

أبو طالب المكي (المتوفى: 386هـ)

الفصل السابع في ذكر أوراد النهار

 

 


الفصل السابع في ذكر أوراد النهار

وهي سبعة أوراد، وهذا هو الورد الأول من النهار، وفي النهار سبعة أوراد أولها من طلوع الفجر، الثاني إلى طلوع الشمس وهو كما ذكرناه من الأذكار وهو الذي أقسم الله عزّ وجلّ به فقال: (وَالصُّبْحِ إذَا تَنَفَّس) التكوير: 18، فتنفسه من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وهو الظل الذي أمده الله تعالى لعباده ثم قبضه إليه ببسطه الشمس عليه وأظهر من آياته وجعل الشمس كشفاً له ودليلاً عليه فقال سبحانه: (أَلَمْ تَرَ إلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ) الفرقان: 45، يعني بسطه ولو شاء لجعله ساكناً يعني مقيماً على حاله لا يتجوّل، (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَليلاً) الفرقان: 45 يقول كشفناه بها ففيه أن الدليل هو الذي يكشف المشكل ويرفع المشتبه (ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إلَيْنَا قَبْضاً يَسيراً) الفرقان: 46 يعني أن الظل من تحت الشمس قبض قبضاً يسيراً أي خفيفاً لا يفطن له ولا يرى فاندرج الظل في الشمس بقدرته اندراج الظلمة في النور إذا دخل عليها بحكمته وهو الإصباح والفلق الذي يُمدح الله عزّ وجلّ بخلقه وأمرنا بالتنزيه له عنده والاستعاذة من شرّ ما خلق فيه فقال عزّ وجلّ: (فَالِقُ الإِصْبَاحِ) الأنعام: 96 وقال: (فَسُبْحَانَ اللهِ حينَ تُمْسُونَ وَحينَ تُصْبِحُونَ) الروم: 17، أي فسبحوه بالصلاة عندهما وقال: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ) الفلق: 1 - 2 يعني فلق الصبح فإذا أمن العبد الفتنة والكلام فيما لا يعنيه والاستماع إلى شبهة من القول وأمن النظر إلى ما يكره أو يشغله عن الذكر أو يذكره الدنيا أمن من دخول الآفة عليه من التزين والتصنع للناس ورُزق الشغل بمولاه والإخلاص له بالإعراض عمّن سواه فقال ما ذكرناه من الذكر في مصلاه في مسجد الجماعة فهو أفضل، فلذلك أمر الله برفع المساجد في قوله عزّ وجلّ: (في بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فيهَا اسْمُهُ) النور: 36، وإن لم يأمن الفتنة وخشي دخول الآفة عليه من لقاء من يكره، ومن يلجئه إلى تقية ومداراة أو خاف الكلام فيما لا يعنيه أو الاستماع إلى ما لا يندب إليه انصرف إذا صلّى الغداة إلى منزله أو إلى موضع خلوة بعد أن يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، عشر مرات في مصلاه، وهو ثانٍ رجله قبل أن يقوم، ويقرأ بعدها (قُلْ هُوَ اللهُ أحَدٌ) الإخلاص: 1 عشراً قبل أن يتكلم، فقد اشترط ترك الكلام في هذين الحديثين اللذين وردا فيهما، ثم أتى ببقية ورده في بيته أو في خلوته، وهو في ذلك مستقبل القبلة وهذا حينئذ أفضل له وأجمع لقلبه، ولا يقدم على التسبيح لله عزّ وجلّ والذكر له بعد صلاة الغداة، وقبل طلوع الشمس إلا أحد معنيين معاونة على برّ وتقوى فرض عليه أو ندب إليه ما يختص به لنفسه أو يعود نفعه على غيره، ويكون ذلك أيضاً ممّا يخاف فوته بفوت وقته، والمعنى الآخر يكون إلى تعلم علم أو استماعه ممّا يقرّبه إلى الله تعالى في دينه وآخرته ويزهده في الدنيا، والهويّ من العلماء بالله عزّ وجلّ الموثوق بعلمهم وهم علماء الآخرة أولو اليقين والهدى، الزاهدون في فضول الدنيا، ويكون في طريقه ذاكراً لله عزّ وجلّ أو متفكراً في أفكار العقلاء عن الله عزّ وجلّ فإن اتفق له هذان فالغدوّ إليهما أفضل من جلوسه في مصلاه لأنهما ذكر الله عزّ وجلّ وعمل له، وطريق إليه على وصف مخصوص مندوب إليه، قال الله عزّ وجلّ: (وَلاَ تَطْرُدِ الَّذينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَداةَ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) الأنعام: 52، وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من غدا من بيته في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع.

وقال ابن مسعود: اغدُ عالماً أو متعلماً أو مستمعاً ولا تكن الرابع فتهلك والغدوّ والغداة تكون قبل طلوع الشمس، وفي الخبر من خرج من بيته في طلب العلم فهو في سبيل الله عزّ وجلّ حتى يرجع، ومن خرج من منزله يلتمس علماً وضعت له الملائكة أجنحتها رضا بما صنع، واستغفر له دواب الأرض وملائكة السماء وطير الهواء وحيتان الماء، وفي حديث أبي ذر الغفاري رحمه الله حضور مجلس علم أفضل من صلاة ألف ركعة وأفضل من شهود ألف جنازة ومن عيادة ألف مريض، قيل: ومن قراءة القرآن؟ فقال: وهل تنفع قراءة القرآن إلا بعلم، فإن لم يتفق له أحد هذه المعنيين فقعوده في مصلاه أو في مسجد جماعته أو في بيته أو في خلوته ذاكراً الله عزّ وجلّ بأنواع الأذكار أو متفكراً فيما فتح له بمشاهدة هذه الأفكار في مثل هذه الساعة أفضل له ممّا سواها، روينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لأن أقعد في مسجد أذكر الله عزّ وجلّ فيه من صلاة الغداة إلى طلوع الشمس أحب إليّ من أن أعتق أربع رقاب، وروينا أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا صلّى الغداة قعد في مصلاه حتى تطلع الشمس، وفي بعضها، ويصلي ركعتين، وقد ندب إلى ذلك في غير حديث، وجاء من فضل الجلوس بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس وفي صلاة ركعتين بعد ذلك ما يجل وصفه، اختصرناه.

روينا عن الحسن أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يذكر من رحمة ربه أنه قال يا ابن آدم اذكرني من بعد صلاة الفجر ساعة وبعد صلاة العصر ساعة أكفك ما بينهما، فإذا ارتفعت الشمس وابيضت صلّى الضحى ثماني ركعات وهذا الوقت هو الذي ذكره الله عزّ وجلّ في قوله (يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِّي وَالإِشْرَاقِ) ص: 18 ثم ينظر، فإن علم مريضاً عاده، وإن حضرت جنازة شيعها، وإن كانت معونة على برّ وتقوى سعى فيها، وإن كانت حاجة لأخ من إخوانه قضاها، وإن كانت فرضاً يلزمه القيام به سارع إليه، وإن لاح له فضل ندب إليه انتهزه قبل فوته، فهذا أفضل شيء يعمله بعد الأذكار والأفكار من بعد طلوع الشمس.

فإذا فرغ من ذلك ولم يتفق له ما ذكرناه من القربات أخذ في الصلاة أو تلاوة القرآن أو صنوف الأذكار ممّا أمر به أو ندب إليه أو المحاسبة لنفسه فيما سلف أو المطالبة لها والاستخراج منها فيما يأتنف أو المراقبة لربه في كل حال إلى أن تنبسط الشمس وترمض الفصال ويرتفع النهار، هذا هو الورد الثاني من النهار وهو الضحى الأعلى الذي أقسم الله تعالى به فقال: (وَالضُّحَى) الضحى: 1، أي إذا أضحت الأقدام بحرّ الشمس، وإذا كان العبد على ذلك فقد اتبع ما أنزل إليه ربّه عزّ وجلّ، وقد سمع قوله عزّ وجلّ: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) الأعراف: 3، لأنه قال: (إنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الّذي حَرَّمَها) النمل: 91، ثم قال: (وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ) النمل: 92، كما قال تعالى: (أُتْلُ مَا أوْحِيَ إلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إن الصّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ) العنكبوت: 45 وصلاة الضحى في هذا الوقت أفضل وهو حقيقة وقتها وجود اسمها، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الضحى إذا رمضت الفصال، وخرج على أصحابه عليه الصلاة والسلام يوماً وهم يصلون عند الإشراق فنادى بأعلى صوته ألا إنَّ صلاة الأوّابين إذا رمضت الفصال، وقوله الأوّابين يعني التوابين إلى الله عزّ وجلّ في كل وقت، ثم ليأخذ العبد بعد ذلك فيما ندب إليه وأبيح له من التصرف في معاش إن كان من تجارة بصدق أو صناعة بنصح إن أحوج إلى ذلك وليكتف إن كفى، وأدنى أحواله الصمت والنوم ففيهما سلامة من الآثام ومخالطة الأنام فقد جاء في العلم يأتي على الناس زمان يكون أفضل علمهم الصمت وأفضل أعمالهم النوم، ومن الناس من يكون أحسن أحواله النوم وليت العبد يكون في اليقظة كالنوم إذ في نومه سلامة والسلامة متعذرة في يقظته وإنما الفضائل للأفاضل الذين زادوا على السلامة والعدل بالإحسان والفضل، هذا لدخول المشكلات في الكلام ووجود الآفات في الأحوال وخروج الإخلاص من الأعمال.

وكان سفيان الثوري يقول: كان يعجبهم إذا تفرغوا أن يناموا طلباً للسلامة، فمن الناس من يكون أحسن أحواله النوم وليت العبد يكون يقظته كالنوم إذ في نومه السلامة وأفضل أعماله في هذا الوقت السلامة، وإنما الفضائل لأهل الأفضال الذين زادوا على السلامة والعدل بالإحسان، والفضل، فإن نام في هذا الوقت فهو حينئذ نوم القائلة وما تسبب فيه من المعايش يصنعه في هذا الوقت من الضحى الأعلى إلى زوال الشمس، وهذا هو الورد الثالث من النهار، ثم يتوضأ للصلاة قبل دخول وقتها وكذلك ويستحب وهو من المحافظة عليها والإقامة لها فإن حصلت كفايته في يومه وقوته في وقت من النهار ترك السوق ودخل بيته أو قعد في بيت مولاه تعالى واشتغل بخدمته متزوداً لعاقبته، وقد كان الصالحون كذلك يفعلون، كان يقال لا يوجد المؤمن إلا في ثلاث مواطن: مسجد يعمره، أو بيت يستره، أو حاجة لا بدّ له منها، فإذا زالت الشمس فإن أبواب السماء تفتح للمصلين والذاكرين ويستجاب الدعاء للمؤمنين، فهذا هو الورد الرابع من النهار، فليصل بعد الزوال أربع ركعات يقرأ فيهن بمقدار سورة البقرة أو سورتين من المائتين أو أربع من المثاني يطيلهنّ ويحسنهن ولا يفصل بينهن بتسليم هذه الصلاة وحدها من بين صلاة النهار أربع ركعات بتسليمة واحدة، وهذا الورد هو الإظهار الذي ذكر الله عزّ وجلّ الحمد فيه فقال: (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَواتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحينَ تُظْهِرُونَ) الروم: 18، وليتق العبد الصلاة عند استواء الشمس في كبد السماء وهو قبل زوالها عند تقلص الظل وقيام ظل كل شيء تحته، فإذا زال الظل فقد زالت وقد خفي استواؤها في الشتاء لقصر النهار ولعدول الشمس في سيرها عن وسط الفلك فتقطع عرضاً فيكون أقرب لغروبها فليقدر ذلك تقريباً ومقدار استوائها قبل الزوال نحو أربع ركعات بجزء من القرآن أو قدر جزء وهو آخر الورد الثالث، وإنما فيه ورد القراءة والتسبيح والتفكر وهو أحد الأوقات الخمسة التي نهى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصلاة فيهن والأربعة الأخر عند طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمحين في عين الناظر وعند تدليها للغروب حتى تحتجب وبعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر وأحب له الإحياء ما بين الأذان والإقامة بالركوع، لأنها ساعة مستجاب فيها الدعاء وتفتح فيها أبواب السماء وتزكو فيها الأعمال، وأفضل أوقات النهار أوقات الفرائض فإن لم يقرأ بين الأذانين من درسه فاستحب له أن يقرأ في تنفله الآي التي فيها الدعاء مثل آخر سورة آل عمران ومن تضاعيف السور الاثنين والثلاث مثل قوله تعالى: (أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْلَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الغَافِرينَ) الأعراف: 155، ومثل قوله: (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا) آل عمران: 8، وقوله: (رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإلَيْكَ أَنَبْنَا وَإلَيْكَ المَصِيرُ) الممتحنة: 4، وإن قرأ الآي التي فيها التعظيم والتسبيح والأسماء الحسنى فحسن، مثل أول سورة الحديد وآخر سورة الحشر ومثل آية الكرسي وقل هو الله أحد ليكون بذلك جامعاً بين التلاوة والدعاء وبين الصلاة والتعظيم والمدح بالأسماء، ثم ليصل الظهر في جماعة ولا يدع أن يصلِي قبلها أربعاً وبعدها أربعاً بعد ركعتين، وهذا آخر الورد الرابع من النهار وهو أقصر الأوراد وأفضلها، فإن كان قد رقد قبل الزوال فلا يرقد في هذا الورد فإنه يكره له نومتان في يوم كما يكره له نوم النهار من غير سهر بالليل.

وروينا عن بعض العلماء، ثلاث يمقت الله عليها: الضحك من غير عجب، والأكل من غير جوع، ونوم النهار من غير سهر بالليل، وإن لم يكن قد رقد فأحب أن ينام بين الظهر والعصر ليتقوى بذلك على قيام الليل فلينم، فإن نومه بعد الظهر لليلة المستقبلة ونومه قبل الظهر لليلة الماضية، فإن دام سهره بالليل واتصلت أوراده بالنهار حسن أن ينام قبل الظهر لما سلف من ليله، وينام بعد الظهر لما غبر من الأخرى، إلا أنه لا يستحب له أن يزيد في اليوم والليلة أكثر من نوم ثمان ساعات، ومن الناس من يقول إنه إن نقص من نوم هذا المقدار في اليوم والليلة اضطرب بدنه لأن النوم قوت الجسم وراحته، قال الله تعالى: (وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً) النبأ: 9، أي راحة كما قال: (وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً) النبأ: 11، إلا أن يكون السهر عادة فإن العادة قد تعمل عمل الطبع وتنقل عن العرف فلا يقال عليها، وإحياء ما بين الظهر والعصر وهو صلاة الغفلة وهو يشبَّه بقيام الليل، ويستحب العكوف في المسجد بين الأولى والعصر للصلاة والذكر ليجمع بين الاعتكاف والانتظار للصلاة فقد كان ذلك من سنة السلف، قال: كان الداخل يدخل المسجد بين الظهر والعصر فيسمع للمصلين دوياً كدويّ النحل من التلاوة إلا أن يكون بيته أسلم لدينه وأجمع لقلبه فالأسلم هو الأفضل،، كذلك إحياء الورد الثالث الذي هو بين الضحى الأعلى إلى زوال الشمس فوق هذا الفضل يدرك به العبد فوت قيام الليل لأن الناس في هذين الوقتين مشغولون بطلب الدنيا وخدمة الهوى والقلب المتيقظ لربه عزّ وجلّ يفرغ في هذين الوقتين ويسكن، ويجد العامل للعمل حلاوة وللإقبال والتفرغ لذة ويكون لفراغه من الخلق وشغله بالخالق تعالى مزيد وبركة، وهذا أحد الوجهين في قوله تعالى: (وَهُوَ الذي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أوْ أرَادَ شُكُوراً) الفرقان: 62 أي جعلهما خلفتين يتعاقبان في الفضل فيخلف أحدهما الآخر، فمن فاته شيء من الليل قضاه في هذين الوردين من النهار، أحدهما من الضحى الأعلى إلى الزوال، والثاني ما بين الأولى والعصر، والوجه الثاني أن النهار كله خلفة من الليل فمن فاته شيء من عمل الليل قضاه بالنهار فكان منه بدَلاً، ومن فاته شيء من أوراد النهار كان الليل خلفاً إذ لكل واحد منهما خلف من صاحبه، ففيه درك ما فات، وخلف ما سلف من الذكر والشكر، والذكر اسم جامع لأعمال القلوب كلها من مقامات اليقين، ومشاهدة العلوم من الغيب، والشكر أيضاً يستعمل على جمل أعمال الجوارح من شرائع الإسلام، وهذان جملة عمل العبد وكنه خدمته، وهذان المعنيان اللذان هما ذكرهما الكليم للجليل في قوله تعالى: (كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثيراً) (وَنَذْكُرَكَ كَثيراً) طه: 33 - 34، انتظم التسبيح والذكر في جمل تصرف الجسم وتصرف القلب، وهذا الورد الخامس الذي هو ما بين العصرين من أطول الأوراد وأمتعها للعبادة وهو يضاهي الورد الثالث في الطول وهو أصيل النهار وأحد الآصال التي ذكر الله عزّ وجلّ فيه سجود كلّ شيء، وقرنه بالغدوّ فقال: (وَللهِ يَسْجُدُ مَنْ في السَّمَواتِ وَالأرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالغُدُوِّ والأَصَالِ) الرعد: 15، فما أقبح أن تكون الأشياء الموات لربها ساجدات ذاكرات والمؤمن الحي عن ربه معرض ذو غفلات، ثم ليصلّ قبل صلاة العصر أربعاً ويغتنم الصلاة بين الأذان والإقامة كما ذكرنا آنفاً فإنها ساعة مرجوة فيها الإجابة فإذا دخل وقت العصر دخل العبد في الورد السادس من النهار وقد أقسم الله عزّ وجلّ به في قوله: (وَالْعَصْرِ) العصر: 1، وهذا أحد المعنيين في الآية وهو أحد الوجهين من الوقت في الآصال الذي ذكره الله عزّ وجلّ، وهو العشي الذي ذكر الله عزّ وجلّ التسبيح فيه والتنزيه والحمد له فقال: (وَعَشِيّّاً وَحينَ تُظْهِرُونَ) الروم: 18، وقال بالعشي والإشراق وليس في هذا الورد صلاة إلا ما كان بين الأذانين ثم ينتقل بعد العصر فيما شاء من ذكر أو فكر من أعمال القلوب والجوارح فيما فرض عليه أو ندب إليه، وأفضل ذلك تلاوة القرآن بتدبر وترتيل وتفهّم وحسن تأويل، فإذا اصفرّت الشمس ومات حرها وارتفعت إلى أطراف الجدر ورؤوس الشجر فكانت مثلها حين تطلع دخل في الورد السابع من النهار، فهذا للتسبيح والذكر والتلاوة والاستغفار إلى

غروب الشمس، ومن أفضل ما قيل في هذا الوقت وفي مثله من أول النهار أن يقال: أستغفر الله لذنبي وسبحان الله بحمد ربي، لجمعه بين الاستغفار والتسبيح في الكلام بلفظ الأمر بهما في القرآن لقوله تعالى: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بالْعَشِيِّ وَالإبْكَارِ) غافر: 55، وإن قال أستغفر الله الحي القيوم وأسأله التوبة سبحان الله العظيم وبحمده، فقد جاء فضل ذلك في الأثر والأفضل الاستغفار على الأسماء كما في القرآن مثل أن يقول أستغفر الله إنّه كان غفّاراً أستغفر الله إنّه كان تواباً أستغفر الله إنّ الله غفور، أستغفر اللّّه التّواب الرحيم رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين، فاغفر لنا وارحمنا، وأنت خير الغافرين، وهذا الورد في الفضل مثل الورد الأول من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وهو المساء الذي ذكر الله تعالى التنزيه فيه فقال: (فَسُبْحَانَ الله حينَ تُمْسُونَ وَحينَ تُصْبِحُونَ) الروم: 71، أي سبحوا الله عزّ وجلّ، فأقام الاسم مقام الفعل وهو الطرف الثاني من النهار الذي أمر الله عزّ وجلّ فيه بالتسبيح بقوله عزّ وجلّ: (فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضى) طه: 130، ويستحب أن يقرأ قبل غروب الشمس (وَالشمْسِ وَضُحَاهَا) الشمس: 1 (وَالليلِ إذَا يَغْشَى) الليل: 1 والمعوّذتين وأن تغرب الشمس عليه وهو في الاستغفار فذلك مما أمر به في هذا الوقت من الأذكار، وكل ما يستحب من التسبيح والحمد والدعاء والذكر في أوّل النهار قبل طلوع الشمس فإنه يستحب في هذا الورد قبل غروب الشمس لأن الله تعالى قرنهما في الذكر فقال تعالى: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الّشمْسِ وَقَبْلَ غُرُوِبهَا) طه: 031، وقال تعالى: (وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضى) طه: 031، وقال تعالى: (بالْعشِيِّ وَالإبْكَارِ) غافر: 55، وقال تعالى: (قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) ، (مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ) (وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إذَا وَقَبَ) الفلق: 1 - 2 - 3، أي من شر الليل إذا دخل، فليعد العبد ما ذكرناه في الورد الأول من الأدعية والتسبيح وليقل عند أذان المغرب: اللْهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك وحضور صلاتك وشهود ملائكتك، صلّ على محمد وعلى آله وأعطه الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته، ثم ليقل: رضيت بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبياً؛ ثلاثاً، ففي هذا أثر وفضل، وكذلك فليقل مثله إذا سمع أذان الفجر إلا أنه يقول: عند إدبار ليلك وإقبال نهارك والنص بهذا في صلاة المغرب، وكان الحسن البصري يقول: كانوا أشد تعظيماً للعشي منهم لأول النهار، وقال بعض السلف: كانوا يجعلون أول النهار للدنيا وآخره للآخرة، فإذا توارت بالحجاب انقضت أوراد النهار السبعة، فانظر أيها المسكين ماذا انقضى لك معها وماذا انقضى منك عندها وماذا قضى عليك فيها، فقد قطعت من عمرك مرحلة ونقصت من أيامك يوماً، فماذا قطعت في سفرك بقطع مرحلتك وماذا ازددت في غدك بما نقصت من يومك، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الناس غاديان: فغاد لنفسه فمعتقها أو راهن نفسه فموبقها، وقد قال الله عزّ وجلّ في تصديق قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتّى) الليل: 4، وقال في معناه: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَاكَسَبَتْ رَهينَةٌ) (إلاّ أصْحَابَ اليَمين) المدثر: 83 - 93، وجاء في الخبر: لا بورك لي في يوم لا أزداد فيه خيراً، وجاء في الأثر: من استوى يوماه فهو مغبون ومن كان يومه شراً من أمسه فهو محروم، ثم دخلت أوراد الليل الخمس فتدارك الآن رحمك الله تعالى فيما يستقبل من الليل ما فات فيما مضى من النهار، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن الله عزّ وجلّ يبغض كل جعظريّ جوّاظ أي سمين كثير الأكل سخاب بالأسواق جيفة بالليل حمار بالنهار عالم بأمر الدنيا جاهل بأمر الآخرة.


4hFnTkfUWdo

 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



Veuillez noter que certains contenus sont traduits de manière semi-automatique !