موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب سعادة الدارين في الصلاة على سيد الكونين

للشيخ يوسف النبهاني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


التبيه الأول في الكلام على الصيغ المتشابهة الموهمة ما لا يجوز اعتقاده في جناب الله عز وجل

تنبيهات:

التنبيه الأول: في الكلام على الصيغ المتشابهة الموهمة ما لا يجوز اعتقاده في جناب الله عز وجل

قال العلامة ابن عابدين في حاشيته على (الدر المختار) في كتاب الحظر والإباحة

لينظر في أنه يقال مثل ذلك أي مثل كرهة القول في الدعاء [بمعقد العز من عرشك] لكونه من المتشابه وهو ما كان ظاهره محالاً على الله تعالى في نحو ما يؤثر من الصلوات مثل [اللهم صل على محمد عدد علمك وحلمك ومنتهى رحمتك وعدد كلماتك وعدد كمال الله] ونحو ذلك فإنه يوهم تعدد الصفة الواحدة أو انتهاء متعلقات نحو العلم ولا سيما مثل [عدد ما أحاط به علمك ووسعه سمعك وعدد كلماتك] إذ لا منتهى لعلمه ولا لرحمته ولا لكلماته تعالى ولفظة عدد ونحوها توهم خلاف ذلك.

قال العلامة ابن عابدين: ورأيت في شرح العلامة الفاسي على (دلائل الخيرات) البحث في ذلك فقال:

وقد اختلف العلماء في جواز اطلاق الإستعمال في معنى صحيح وقد اختار جماعة من العلماء كيفيات في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا أنها أفضل الكيفيات منهم الشيخ عفيف الدين اليافعي والشرف البارزي والبهاء القطان ونقله عنه تلميذه المقدسي. أ. هـ

قال ابن عابدين: أقول ومقتضى كلام أئمتنا المنع من ذلك إلا فيما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم على ما اختاره الفقيه فتأمل والله أعلم. انتهت عبارته.

وقد رأيت رسالة في هذا البحث تأليف المحقق الفاضل الشيخ محمد بخيت المطيعي من علماء الجامع الأزهر الآن سماها (الدراري البهية في جواز الصلاة على خير البرية بالصيغة الكمالية) فأخذت منها ما يأتي:

قال حفظه الله بعد أن نقل عبارة ابن عابدين المذكورة: لابد أن نعلم معنى المتشابه أولاً حتى نحكم بحكمه على جزئياته فنقول معنى المتشابه لغة: هو أن يكون مشابهاً بحيث يعجز الذهن عن التمييز.

ولذلك سمي ما لا يهتدي الإنسان إليه بالمتشابه وسمي غير المعلوم بالمتشابه قال تعالى {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا}

ومعنى المتاشبه في عرف الشريعة على ما عليه أكثر المحققين كما نقله الفخر الرازي: هو القدر المشترك بين المجمل والمؤول.

قال الفخر وأما المجمل والمؤول فهما مشتركان في أن دلالة اللفظ عليه غير راجحة

فالمجمل غير راجح لكنه غير مرجوح

والمؤول غير راجح وهو مرجوح لا بحسب الدليل المنفرد

فهذا القدر المشترك هو المسمى بالمتشابه لأن عدم الفهم حاصل في القسمين جميعاً وقد بيَّنا أن ذلك يسمى متشابهاً

إما لأن الذي لا يٌعلم يكون النفي فيه مشابهاً للإثبات في الذهن

وإما لأجل أن الذي يحصل فيه التشابه غير معلوم

فأطلق لفظ المتشابه على ما لا يٌعلم إطلاقاً لإسم السبب على المسبب. أ. هـ

ثم المتشابه تارة لا يكون معلوماً للمخلوق أصلاً وهو ما استأثر الله بعلمه كفواتح السور على الراجح من أقوال فيها

وتارة لا يكون معلوماً على اليقين لكون معنى اللفظ المعلوم منه محالاً لا يصح إرادته فيتعين إرادة معنى صحيح لا قرينة على تعينه وهذا الإخير يسمى بالمشكل أيضاً وذلك كقوله تعالى {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا} إذ لا يصح إرادة معناه الحقيقي بدليل قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} رداً على قول الكفار والله أمرنا به فتعين صرف الآية الأولى عن معناها الحقيقي إلى معنى مجازي غير معين

يدل على ما ذكرنا ما استدل به الفخر الرازي على ترجيح مذهب السلف في المتشابه (أي وهو عدم التأويل الذي هو مذهب الخلف ويفوضون تعيين معناه إلى الله تعالى مع اعتقاد تنزيهه سبحانه عن المعنى الظاهر الذي لا يليق به عز وجل) حيث قال ملخصاً: إن اللفظ إذا كان له معنى راجح ثم دل دليل أقوى منه على أن ذلك الظاهر غير مراد علمنا أن مراد الله تعالى بعض مجازات تلك الحقيقة وفي المجازات كثرة وترجيح البعض على البعض لا يكون إلا بمرجحات لغوية وهي لا تفيد الظن الضعيف. أ. هـ

ويرجح مذهب السلف أيضاً أن في تعيين بعض المجازات مراد الله تعالى دون البعض مع احتمال اللفظ للجميع بعد صرفه عن معناه الحقيقي جراءة عظيمة عليه سبحانه في حمل كلامه على معنى يحتمل أن لا يكون مراده فالتأدب يقضي بصرف اللفظ عن معناه المحال وتفويض تعيين المراد منه إلى الخالق جل شأنه كما لا يخفى

ولأجل ما أوضحنا لك قالت العلماء بعدم جواز إطلاق المتشابه على الله سبحانه وتعالى إلا فيما ورد به النص القاطع مع وجوب التأويل فيما ورد

ومرادهم بالنص القاطع ما يشمل الحديث الصحيح الذي نقلته الأمة وتلقته بالقبول وجرى عملها عليه بلا نكير يدل على ذلك أنهم جوزوا إطلاق جميع أسماء الله الحسنى عليه سبحانه وتعالى وكادوا يطبقون على ذلك مع أن بعضها من قبيل المتشابه كالصبور والوارث والحديث الوارد بها وإن كان صحيحاً تلقته الأمة بالقبول وعملت به بلا نكير لكنه غير متواتر قطعاً

ولا شك أن ما يؤثر من الصلوات المذكورة كذلك

أما كونها مأثورة منقولة معمولاً بها من الأمة بلا نكير فقال سيدي مصطفى البكري في (المنهل العذب):

ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم مائة مرة ويجزيه أي صيغة كانت لكنه إذا كان بهذه الصيغة كان أولى وهي

[اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله عدد كمال الله وكما يليق بكماله] فإنه قد أجازنا بها شيخنا المرحوم لازال بالرحمة مغموراً ما تجلى الحي القيوم وكشف عن جماله ستوراً الشيخ أبو المواهب الحنبلي البعلي رحمه الله تعالى فإنها ضمن ثبت والده الشيخ عبد الباقي وقد أجازنا بمشيخته وثبت والده ونقل والده في ثبته عن بعض أشياخه أن كل مرة منها بأربعة عشر ألف مرة. أ. هـ

ولا شك أن السيد البكري رضي الله عنه من أكابر أئمة الحنفية وقد لقنها للكثير ممن تلقى عنه في عصره واستعملوها بلا نكير وقد تلقاها السيد البكري عن شيخه أبي المواهب الذي هو من أكابر أئمة الحنابلة وقد ذٌكرت في ثبت والده كما ترى ولم ينكر على ذكرها فيه أحد وقد تلقاها عن السيد البكري شيخ الإسلام الحنفي وهو من أئمة الشافعية واستعملها ولقنها للكثير في عصره بلا نكير أيضاً وقد تلقاها عن شيخ الإسلام الحنفي أبو البركات سيدي أحمد الدردير عمت بركاته وهو من أكابر أئمة المالكية ولقنها للكثير واستعملها في عصره بين أظهر العلماء ولم ينكر عليه أحد

وقال الإمام السمرقندي في كتابه (تنبيه الغافلين) حدثنا الثقة باسناده عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما فقال

{جاء إسرافيل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال قل يا محمد سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله العلي العظيم عدد ما علم الله تعالى وزنة ما علم الله تعالى}.أ. هـ

وما اشتملت عليه دلائل الخيرات من صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم المشتملة تلك الصيغ على كثير مما ذكر مع إقبال الناس عليه ولا سيما العلماء العاملون أكثر من أن يحصى ولا شك أن إقبال هؤلاء الأئمة على ما ذكر من صيغ الصلوات والأذكار واستعمالهم إياها عصراً بعد عصر وجيلاً بعد جيل من السلف والخلف من سائر الأقطار مع وجود العلماء وشدة حرصهم على منع البدع ولم ينقل عن أحد إنكار ذلك دليل واضح على ورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وتلقي الأمة له بالقبول فعلى فرض كونه من المتشابه يجوز استعماله مع تأويله وصرف اللفظ عن معناه المحال وحمله على معنى صحيح.

فلذلك قال سيدي على وفا رضي الله عنه ((لم أسمع بعلي وفا هذا ولا شك أنه غير علي وفا بن محمد وفا الشاذلي الشهير فإن ذلك قبل السيد البكري بمئات من السنين رضي الله عن الجميع)) في شرح (المنح الإلهية) عند قول السيد البكري

[ثم يقول اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله عدد كمال الله وكما يليق بكماله]

أي اجعل صلاتك وما معها على من تقدم لا نهاية لها كما أن كمالك لا نهاية له. أ. هـ

وقال السجاعي في شرحه لوظيفة سيدي أحمد زروق عند قوله [اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً عدد ما أحاط به علمك]

أي من جميع المخلوقات أو ما هو في اللوح المحفوظ

وذهب ابن التلمساني إلى أن من قال [اللهم صل وسلم على سيدنا محمد عدد خلق الله] يحصى له من الأجر بعدد ذلك. أ. هـ

وحاصل ذلك أن يحمل مثل قوله عدد كمال الله على معنى مجازي يصح إرادته لوروده وتلقي الأمة له بالقبول واستحالة المعنى الحقيقي ولا كراهة في استعماله لا تحريمية ولا تنزيهية بل في ذلك مزيد الأجر والثواب

على أنك قد علمت مما قدمنا لك أن المتشبه

إما أن يكون غير معلوم المعنى بالكلية وهو ما إستأثر الله بعلمه والصيغ المذكورة ليست من هذا القبيل قطعاً كما هو ظاهر

وإما أن يكون معناه الحقيقي معلوماً لكن يستحيل إرادته من اللفظ فيحمل على معنى مجازي تصح إرادته وغاية ما يتوهم أن تكون الصيغ المذكورة من هذا القبيل ولا يٌسلَّم حينئذ أن مثل عدد كمال الله من قبيل المتشابه أصلاً فإن المعنى الحقيقي على فرض كونه محالاً لكن وجدت قرينة تدل على إرادة المعنى المجازي وتلك القرينة ملفوظة في ذات التركيب وليست دليلاً منفصلاً ومع وجود تلك القرينة يكون المعنى المجازي هو المتبادر الراجح من اللفظ

وقد علمت أن المتشابه لا يكون راجحاً بل دائماً يكون غير راجح كما مر نقله فيكون ما نحن فيه من قبيل المحكم واللفظ مستعمل في مجازه المدلول عليه بالقرينة ولا حجر في المجاز أصلاً

فإن قلت أين القرينة في مثل عدد كماله وعدد ما أحاط به علمك

قلت دلت إضافة الكمال والعلم إليه سبحانه على أن المراد بالعدد الكثرة التي لا تتناهى لعدم تناهي متعلق العلم وتناهي الكمال فكانت تلك الإضافة قرينة لفظية تدل دلالة ظاهرة على أن المراد المبالغة في الكثرة

ثم قال على أننا لنا أن نقول أن لفظ عدد له مفهوم باعتبار لفظه وبحسب ذلك المفهوم يطلق على جميع مراتب الأعداد التي لا نهاية لها فلا يقتضي النهاية ولا الإحصاء أصلاً ولكن له مراتب تندرج تحت هذا المفهوم كعشرة وعشرين وكل مرتبة منها تسمى عدداً أيضاً باعتبار اندراجها تحت مفهوم العدد الكلي وباعتبار أنها فرد من أفراده وهذه المراتب كل واحدة منها تقتضي الإحاطة والإحصاء والنهاية ويعبر عنها بلفظ مخصوص كلفظ عشرة ومن هنا حصل الإشتباه في أن العدد يقتضي النهاية والإحصاء وليس كذلك عند التعقل

ثم قال على أن العلامة ابن عابدين لم يجزم بالمنع في الصيغ التي علم ورودها عن النبي صلى الله عليه وسلم كالصيغة الكمالية ومما ورد في دلائل الخيرات وكتب الأذكار المأثورة المعمول بها في سائر الأقطار بين أظهر العلماء بلا نكير لأن العلامة المذكور استثنى رحمه الله تعالى في كلامه ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم والصيغة الكمالية قد وردت كما تقدم نقله

كما أنه قد ورد إطلاق العلم على المعلوم في القرآن الكريم قال تعالى {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} أي من معلومه كما في التفسير الكبير للرازي فلا كراهة أصلاً في مثل [اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله عدد علمه]

أيضاً لورود النص بإطلاق العلم على المعلوم ولا يشترط في الجواز ورود شخص العبارة بعينها بل يكفي ورود النوع

ولو توقف جواز إطلاق كل لفظ ولو بطريق المجاز المقرون بالقرينة الدالة على المراد على نص يرد بذلك اللفظ المعين للزم الحرج في الدين وضاق الأمر والحرج مرفوع عنا بالنص القاطع قال تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} وقد ورد في الحديث [الدين يسر لا عسر فيه ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه]

وحاصل الكلام في ذلك أنه لا شبهة في جواز حقيقة الصلاة الكمالية ونحوها مما ورد استعماله ونٌقِل متواتراً في أوراد القوم التي رواها الثقات عنهم وجرى عليها عمل الصالحين من العلماء سلفاً وخلفاً على فرض تسليم أنها من قبيل المتاشبه الذي يتوقف استعماله على الورود للقطع بورودها حينئذ

والشك في ذلك يؤدي إلى عدم الثقة بنقل الأئمة في الأحكام الفقهية التي لا نقف على النصوص الواردة بها على أننا لا نسلم أن لفظ عدد كماله مثلاً من قبيل المتشابه الذي يتوقف جواز إطلاقه على الورود

إما لأن مفهوم لفظ عدد شامل لجميع المراتب التي لا نهاية لها ولا إحصاء

وإما لحمله على الكثرة التي لا تتناهى مجازاً راجحاً بالقرينة اللفظية لا مرجوحاً

فخذ ما أتيتك واعتمد على الله واستفت قلبك وإن افتاك المفتون فإن الحلال بيِّن والحرام بيِّن وأكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بالصيغة الكمالية عسى أن تدرك كمال الوصول والدخول إلى حضرة الرب سبحانه وتعالى من باب الرسول صلى الله عليه وسلم. انتهى ما اخترت نقله من الرسالة المذكورة.

ولمَّا كان ابن عابدين لم ينقل عبارة شرح الدلائل للفاسي بتمامها أردت هنا أن أنقلها وغيرها من عباراته المتعلقة في هذا الشأن

قال رحمه الله تعالى عند قول الدلائل [وصل على محمد عدد ما خلقت وما تخلق وعدد ما أحاط به علمك وأضعاف ذلك] قال أحاط به علمك مما خلقته وأبرزته للوجود أو من المخلوقات المذكورة أو المراد ما في اللوح المحفوظ من علمه تعالى ويحتمل أن يكون على طريق المبالغة في الطلب وإنما أحتيج إلى تخصيصه ولم يبق على عمومه لكونه متعذراً لأن ما أحاط به العلم لا يمكن فيه العدد فلابد فيه من التخصيص ليجري على قاعدة الإمكان العقلي والمٌخصِص في هذا هو العقل كما في قوله تعالى {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} فإن العقل يخصصه لأنا ندرك به ضرورة أنه تعالى ليس خالقاً لذاته ولا لصفاته فالمراد ما عداهما

وقد اختلف العلماء في جواز اطلاق الموهم عند من لا يتوهم به أو كان سهل التأويل واضح المحمل أو تخصص بصرف الإستعمال في معنى صحيح

وقد اختار جماعة من العلماء كيفيات في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقد احتوت على مثل ما للمصنف من قوله عدد علمك وعدد ما أحاط به علمك وقالوا أنها أفضل الكيفيات منهم الشيخ عفيف الدين اليافعي والشرف البارزي والبهاء ابن العطار ونقله عنه تلميذه المقدسي رحمهم الله ورضي عنهم.أ. هـ

ثم قال بعد صفحة عند قول الدلائل [اللهم صل عليهم صلاة تفوق صلاة المصلين عليهم من الخلق أجمعين كفضلك على جميع خلقك] قال فيكون فضل صلاته تعالى على صلاتهم طبق فضله عليهم لأن نسبة الفضل بين الفعلين بقدر نسبة الفضل بين الفاعلين وفي الحقيقة لا نسبة بينهما ألبتة ثم صلاتهم إنما هي فعله وخلقه سبحانه وليس المراد هنا حقيقة التشبيه فإنه يستحيل أن يكون فضل حادث على حادث كفضل القديم على الحادث وإنما المراد المبالغة في التفضيل وتصوير ما بين المنزلتين من التفاوت التام البالغ حد الغاية.أ. هـ

وقال قبل ذلك بنحو ورقة عند قوله [وصلى الله على سيدنا محمد عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته]

قال السيوطي في (الدر النثير في تلخيص نهاية ابن الأثير) أي مثل عددها وقيل قدر ما يوازيها في الكثرة بمعيار كيل أو وزن أو عدد أو ما أشبهه من وجوه الحصر والتقدير وهذا تمثيل يراد به التقريب لأن الكلام لا يدخل في الكيل والوزن بل في العدد والمداد مصدر كالمدد وهو ما يكثر به ويزاد

وقال الخطابي هو مصدر كالمدد يقال مددت الشيء أمده مدداً ومداداً

وروى سلمة عن الفراء قال قال الحارثي يجمعون المد مداداً

فعلى هذا يكون معناه المكيال والمعيار

قال وكلمات الله تعالى لا تنتهي إلى أمد ولا تحد ولا تحصر بعدد ولكنه ضرب بها المثل ليدل على الكثرة والوفور

وقيل يحتمل أن المراد به الأجر على ذلك

وكلمات الله تعالى قال الإمام الفخر المراد بها عند أصحابنا الألفاظ الدالة على متعلقات علم الله تعالى

وقيل هي الدالة على حكمه وعجائبه. انتهى كلام الفاسي رحمه الله.

يقول جامعه الفقير يوسف النبهاني عفا الله عنه قد يجمع بين ما قاله العلامة ابن عابدين من أن مقتضى كلام أئمة مذهبه المنع من ذلك إلا فيما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم على ما اختاره الفقيه وبين ما قاله من جواز ذلك

أن المنع فيما كان إيهامه شديداً من الصيغ نحو قول المصلي [بقدر عظمة ذات الله العظيم] وقوله [عدد كمال الله] وقوله [صلاة تزيد وتفوق وتفضل صلاة المصلين عليه من الخلق أجمعين كفضلك على جميع خلقك] وما أشبه ذلك مما اشتمل على الإيهام الشديد

والجواز فيما عدا ذلك من نحو قول المصلي [اللهم صل على سيدنا محمد عدد ما في علم الله وعدد معلومات الله ومداد كلماته] فإن ذلك لا شك يحمل على مخلوقاته تعالى فإنها لها نهاية مهما كثرت على أن المقصود إنما هو الكثرة لا العدد الحقيقي الذي يتناهى حتى يقال أن معلومات الله لا تتناهى لأن علمه تعالى يتعلق بالقديم والحادث مع أن لفظ مداد كلماته وارد في الحديث عن الني صلى الله عليه وسلم في صيغة التسبيح التي علَّمها للسيدة جويرية أم المؤمنين رضي الله عنها وهي [سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته] فاستعمال مثل هذه من الألفاظ الواردة عنه صلى الله عليه وسلم جائز بالإتفاق

والظاهر والله أعلم أن الألفاظ الأولى الشديدة الإيهام إنما صدرت عن مؤلفيها وقت غلبة الحال عليهم حتى لم يحصل منهم ملاحظة ما اشتملت عليه من الإيهام الشديد في جانب الحق تعالى وتقدس وإلا فهم رضي الله عنهم أعظم الناس أدباً مع الله تعالى وأكثرهم معرفة فيما يجوز ويمتنع استعماله من الألفاظ والمعاني في جانبه عز وجل وأشدهم تنزيهاً له عن كل ما لا ينبغي من ذلك في حقه سبحانه وتعالى ومع ذلك فالعبرة بمقاصدهم الصحيحة لا بظواهر العبارات فإنهم قصدوا من تلك الصلوات أن تكون في أقصى درجات الكمال بحيث لا تقدر لها مقادير ولا تنتهي لها نهايات وقد نظروا فلم يجدوا شيئاً يشبِّهون ذلك به من جميع الأوصاف والذوات لا تتناهي عظمته وكماله سوى ذات الله تعالى المتصفة بجميع الكمالات

فعلى هذا تكون صلواتهم على النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكيفيات متضمنة تعظيم الحق سبحانه وتعالى بهذه الصيغ البليغات

فمن شاء أن يتبعهم ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بتلك الصيغ الواردة عنهم بهذا المعنى وعلى هذه النية فهو حسن ومن كان في نفسه شيء منها لتوهمه إخلالها بما يجب لجانب الحق تعالى من كمال التنزيه وأنها توهم خلافه فليجتنبها ويصل على النبي صلى الله عليه وسلم بالكيفيات العارية عن ذلك والله يقول الحق وهو يهدي السبيل هذا ما فتح الله به على ذهني القاصر وأرجو أن يكون صواباً والحمد لله رب العالمين.

تعليق الناقل

عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم:" أن عبداً من عباد الله قال: يا ربي لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك , فعضٌلت بالملكين - أعيتهما-, فلم يدريا كيف يكتبانها , فصعدا الى السماء , فقالا: يا ربنا إن عبدك قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها , فقال الله عز وجل - وهو أعلم بما قال عبده -: ماذا قال عبدي؟ قالا: يا ربي إنه قال:

يا ربي لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك“, فقال الله عز وجل لهما (أي للملائكة) اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها”. رواه احمد وابن ماجه ورجاله ثقات.

وفي الزوائد: في إسناده قدامة بن إبراهيم، ذكره ابن حبان في الثقات، وصدقه بن بشير، لم أر من جرَّحه ولا من وثَّقه، وباقي رجال الإسناد ثقات.

وقال المنذري: إسناده متصل ورواته ثقات إلا انه لا يحضرني الآن في صدقة بن بشير مولى العمربين جرح ولا عدالة.

أقول والله أعلم ورسوله أن المنع الذي قال به ابن عابدين لا محل له بناء على هذا الحديث لأن ما ينبغي لجلال وجهه لا يعلمه غيره ولا يعرف قدره إلا الله وكذلك ما ينبغي لعظيم سلطانه وبناء عليه فإن بالقياس على هذه الحديث يكون لا منع في ذلك من ورود صيغ فيها كمال الله وعدد كماله وما أحاط به علمه وغيرها من الصيغ لأنه الله تعالى خاطب ملائكته في الحديث بأن يكتبوها كما هي وهو يٌجيزه عليها بالأجر فهذه كلمات أتعبت الملائكة في كتابة الأجر فشكوا إلي ربهم ماذا يفعلون؟ فقال سبحانه: تحت عرشي اطووها بصحائفها وضعوها تحت عرشي فتبقى حسناتها إلي يوم القيامة

والسؤال المنطقي لماذا أعيت هذه الكلمات الملائكة

والجواب المنطقي لأنها تتعلق بجلال وجه الله وعظمة سلطانه وهم لا يعرفون شيئاً عن ذلك فاحتارت الملائكة وكان زوال الحيرة من قبله سبحانه وتعالى بمخاطبتهم بأن يكتبوها كما هي وهو سبحانه يتكفل بإعطاء الأجر على ذلك في الأخرة

هذا والله أعلى وأعلم بمراده.



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!