موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب سعادة الدارين في الصلاة على سيد الكونين

للشيخ يوسف النبهاني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


المبحث الثاني في معنى الصلاة:

المبحث الثاني في معنى الصلاة:

قال الراغب: الصلاة في اللغة الدعاء والتبرك والتمجيد ومن الله التزكية ومن الملائكة الاستغفار ومن الناس الدعاء

وقال الماوردي: هي اسم مشترك لمعان فمن الله في أظهر الوجوه الرحمة ومن الملائكة الاستغفار ومن المؤمنين الدعاء

وقال الزمخشري: هي الرحمة والترأف ومنه قولهم [صلى الله عليك] ترحم وترأف

قال الحافظ السخاوي وأولى الأقوال ما تقدم عن أبي العالية: أن معنى صلاة الله تعالى على نبيه ثناؤه وتعظيمه وصلاة الملائكة وغيرهم طلب ذلك من الله تعالى والمراد طلب الزيادة لا طلب أصل الصلاة

ونقل القاضي عياض عن بكر القشيري قال: الصلاة على النبي من الله تشريف وزيادة تكرٌمة وعلى من دون النبي رحمة وبهذا التقرير يظهر الفرق بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين سائر المؤمنين حيث قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} وقال قبل ذلك في نفس السورة {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ} ومن المعلوم أن القدر الذي يليق بالنبي صلى الله عليه وسلم من ذلك أرفع مما يليق بغيره

وقال الحليمي في شعب الإيمان: أما الصلاة في اللسان (لسان العرب) فهي التعظيم وسميت الصلاة المعهودة صلاة لما فيها من حني الصلى وهو وسط الظهر لأن إنحناء الصغير للكبير إذا رآه تعظيم منه له في العادات

ثم سموا قراءتها أيضاً صلاة إذ كان المراد من عامة ما في الصلاة من قيام وقعود وغيرهما تعظيم الرب

ثم توسعوا فسموا الدعاء صلاة إذ كان الدعاء تعظيماً للمدعو بالرغبة إليه والتباؤس له وتعظيماً للمدعو له بإبتغاء ما ينبغي له من فضل الله تعالى وجميل نظره فمعنى الصلوات لله أي الأذكار التي يراد بها تعظيم المذكور والاعتراف له بجلالة القدر وعلو الرتبة كلها لله تعالى أي هو مستحقها لا تليق بأحد سواه

فإذا قلنا [اللهم صل على محمد] فإنما نريد اللهم عظم محمداً في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه وإبقاء شريعته وفي الآخرة بتشفيعه في أمته وإجزال أجره ومثوبته وإبداء فضله للأولين والآخرين بالمقام المحمود وتقديمه على كافة المقربين الشهود

قال: وهذه الأمور وإن كان الله تعالى قد أوجبها للنبي صلى الله عليه وسلم فإنَّ كل شيء منها ذو درجات ومراتب فقد يجوز إذا صلى عليه واحد من أمته فاستجيب دعاؤه فيه أن يزاد النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الدعاء في كل شيء مما سميناه رتبة ودرجة ولهذا كانت الصلاة مما يقصد بها قضاء حقه ويتقرب بآدائها إلى الله عز وجل

ويدل أن معنى قولنا [اللهم صل على محمد صلاة منك عليه] أنَّا لا نملك إيصال ما يعظَّم به أمره ويعلو به قدره إنما ذلك بيد الله تعالى فصح أن صلاتنا عليه الدعاء له بذلك وابتغاؤه من الله عز وجل ثناؤه

قال: وقد يكون للصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه آخر وهو أن يقال الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يقال السلام على رسول الله والسلام على فلان وقد قال الله عز وجل {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} ومعناه لتكن أو كانت الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يقال صلى الله عليه أي كانت من الله عليه الصلاة أو لتكن من الله الصلاة عليه

ووجه هذا أن التمني على الله سؤال ألا ترى أنه يقال [غفر الله لك ورحمك] فيقوم ذلك مقام [اللهم ارحمه] والله أعلم. انتهى كلام الحليمي

قال الحافظ السخاوي بعد نقله وقوله أن معنى الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم التعظيم قال شيخنا يعني الحافظ ابن حجر لا يعكر عليه عطف آله وأزواجه وذريته عليه فإنه لا يمتنع أن يٌدعى لهم بالتعظيم إذ تعظيم كل أحد بحسب ما يليق به وما تقدم عن أبي العالية أظهر فإنه يحصل به استعمال لفظ بالنسبة إلى الله تعالى وإلى ملائكته وإلى المؤمنين المأمورين بذلك بمعنى واحد. أ. هـ

((تنبيه))

الصلاة وإن كانت بمعنى الرحمة فقد اختلفوا بجواز الدعاء له صلى الله عليه وسلم بلفظ الرحمة

قال الإمام النووي في (شرح مسلم) قال القاضي عياض: ولم يجيء في هذه الأحاديث ذكر الرحمة على النبي صلى الله عليه وسلم وقد وقع في بعض الأحاديث الغريبة

قال: واختلف شيوخنا في جواز الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة

فذهب بعضهم وهو اختيار أبي عمر بن عبد البر إلى أنه لا يقال

وأجازه غيره وهو مذهب أبي محمد بن أبي زيد

وحجة الأكثرين تعليم النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عليه وليس فيها ذكر الرحمة

والمختار أنه لا يذكر الرحمة. أ. هـ

وقال ابن حجر في (الدر المنضود): اعلم أن ابن عبد البر ذهب إلى منع الدعاء له صلى الله عليه وسلم بالرحمة

وردوه: بوروده في الأحاديث الصحيحة أصحها

١ - حديث التشهد [السلام عليك أيها النبي ورحمة الله]

٢ - ومنها قول الأعرابي [اللهم ارحمني وارحم محمداً]

٣ - وتقريره صلى الله عليه وسلم لذلك وقوله صلى الله عليه وسلم [اللهم إني أسألك رحمة من عندك اللهم أرجو رحمتك يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث]

٤ - وفي خطبة رسالة الشافعي رضي الله تعالى عنه [صلى الله عليه وسلم ورحم وكرم]

نعم قضية كلامه كحديث التشهد أن محل الجواز أن ضم إليها لفظ الصلاة والسلام وإلا لم تجز

وقد أخذ به جمع بل نقله القاضي عياض في (الإكمال) عن الجمهور

قال القرطبي: وهو الصحيح

وجزم بعدم جوازه يعني منفرداً الغزالي فقال: لا يجوز ترحم أي استقلالاً ويدل له قوله تعالى {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} والصلاة وإن كانت بمعنى الرحمة إلا أنه صلى الله عليه وسلم كالأنبياء خٌصٌّوا بها تعظيماً لهم وتمييزاً لمرتبتهم الرفيعة على غيرهم صلى الله عليهم وسلم على أنها في حقهم ليست بمعنى مطلق الرحمة بل المراد بها ما هو أخص من ذلك

نعم ظاهر قول الأعرابي السابق [اللهم ارحمني وارحم محمداً] وتقريره صلى الله عليه وسلم له الجواز ولو بدون انضمام صلاة أو سلام إليها وهو الذي يتجه وتقريره المذكور خاص فيقدم على العموم الذي اقتضته الآية

وينبغي حمل قول من قال لا يجوز ذلك أن مرادهم نفي الجواز المستوي الطرفين فيصدق بأن ذلك مكروه أو خلاف الأولى وإنما دٌعىَ له صلى الله عليه وسلم بالرحمة مع أنه عينها {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} لأن كونه رحمة لهم من جملة رحمة الله له ولله عليه رحمات أٌخَرْ فطلب له بالدعاء بالرحمة حصول نظائر تلك. انتهى كلام (الدر المنضود)

ورأيت في هامشه ما نصه: قال شيخنا المؤلف رحمه الله في شرح (العباب) قال الزركشي في (الخادم):

أن ابن عبد البر وأبا القاسم الأنصاري شارح (الإرشاد) والقاضي عياض نقلوا عن الجمهور منع إطلاق الرحمة في حقه صلى الله عليه وسلم على سبيل الإنفراد

ويرد عليهم ما رواه البخاري في صحيحه من قول الأعرابي [اللهم ارحمني وارحم محمداً ولا ترحم معنا أحداً] فقال له صلى الله عليه وسلم [لقد حجرت واسعاً] ولم ينكر إطلاق الرحمة

ثم رد ما مر من أنه لا يقال رحمت عليه بأن الرحمة ضمنت معنى الصلاة فعٌديِّت بما تعدى به

ورد ما مر من أن في ترحمت معنى التكلف بأن التاء في هذا ونحوه كالتكبر للتفرد والتخصيص لا للتعاطي والتكلف أو هي زائدة محضة كما في [قر واستقر بالمكان] انتهى قول الزركشي.

وقال العزيزي في شرح (الجامع الصغير) قال العلقمي قال شيخنا قال ابن عبد البر:

لا يجوز لأحد إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول رحمه الله لأنه قال [من صلى عليَّ] ولم يقل من ترحم عليَّ ولا من دعا لي وإن كان معنى الصلاة الرحمة ولكنه صلى الله عليه وسلم خٌصَّ بهذا اللفظ تعظيماً له فلا يٌعدل عنه إلى غيره ويؤيده قوله تعالى {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً}

وقال أبو القاسم الأنصاري شارح (الإرشاد): يجوز ذلك مضافاً للصلاة ولا يجوز مفرداً

وفي (الذخيرة) من كتب الحنفية عن محمد: يكره ذلك لإيهامه النقص لأن الرحمة غالباً إنما تكون لفاعل ما يلام عليه وقول الأعرابي وحديثه في الصحيحين [اللهم ارحمني وارحم محمداً] فقد يجاب عنه بأن الدعاء فيه على سبيل التبعية لما قبله



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!