موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب سعادة الدارين في الصلاة على سيد الكونين

للشيخ يوسف النبهاني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


المسألة الثالثة في حكم جمع الروايات الصحيحة في صلاة واحدة

المسألة الثالثة في حكم جمع الروايات الصحيحة في صلاة واحدة

قال ابن حجر في (الدر المنضود)

قال الإمام النووي ينبغي أن يجمع ما في الأحاديث الصحيحة فيقول [اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد]

وزاد في الأذكار بعد محمد في صل فقط [عبدك ورسولك] وأسقط في الفتاوى [النبي الأمي] في وبارك

واعترض بأنه فاته أشياء مثل ما زاده أو تزيد عليه كـ[أمهات المؤمنين] بعد أزواجه ونحو [وأهل بيته] بعد وذريته وكـ[عبدك ورسولك] في وبارك ونحو [في العالمين] في الأولى ونحو [إنك حميد مجيد] قبل وبارك ونحو [وترحم على محمد إلى آخره] [وصل علينا معهم] آخر التشهد لورودها عن الترمذي وغيره

واعترض الأذرعي ما مر عن النووي رحمه الله تعالى أيضا بالتلفيق يستلزم إحداث صفة في التشهد لم ترد مجموعة في حديث واحد فالأولى أن يأتي بأكمل الروايات ويقول كل ما ثبت مرة

وسبقه لذلك بعض الحنابلة

وللعز بن جماعة اعتراض عليه في قوله (يقصد النووي) ينبغي أن يقول [إني ظلمت نفسي ظلما كبيرا كثيرا] ليجمع بين الروايتين

رددته (ابن حجر يرد على النووي) عليه في حاشية الإيضاح في مبحث الوقوف فاستحضرنظيره هنا ليظهر لك صحة اتجاه ما ذكره النووي رحمه الله تعالى

واعتراض الإسنوي بأنه يلزمه أن يجمع الأحاديث الواردة في التشهد

رددته (ابن حجر يرد على الإسنوي) عليه في شرح العباب ويفرق ما بين ما هنا والقرآن حيث لم يقل أحد من الأئمة باستحباب التلاوة بجميع الألفاظ المختلفة في الحرف الواحد وإن أجازه بعضهم عند التعلم للتمرن بأنا متعبدون بالاتيان بألفاظ القرآءات على الكيفية الواردة فلم يشرع لنا تغييرها بخلاف نحو ألفاظ الصلاة فان القصد بالذات معاني ألفاظها دون نفس ألفاظها فلم يتعين ذلك وشرع لنا الاتيان بكل ما فيه زيادة في المعنى المطلوب من ذلك وهو زيادة تعظيمه صلى الله عليه وسلم وتوقيره إذا تقرر ذلك فالذي يظهر أنه متى كان بين لفظين واردين ترادف تخير بين أن يأتي بهذا وهذا وإلا فإن كل ما لا يفيده الآخر أتى بكل منهما وإن أفاد أحدهما معنى آخر وزيادة أتى بما يفيد الزيادة هذا كله إن استويا صحة وإلا أوثر الصحيح

واعلم أن مذهبنا (الكلام لابن حجر)

أنه لا يتعين اللفظ الوارد في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في الصلاة وقيل يتعين

فعلى الأول يكفي [اللهم صل على محمد وكذا صلى الله عليه وسلم] لأن الدعاء بلفظ الخبر آكد بخلاف الصلاة إلى الله سبحانه وتعالى فليس في معنى الوارد

ومن ثم قال النيسابوري لا يكفي [صليت على محمد] لأن مرتبة العبد تقصر عن ذلك بل يسأل الله أن يصلي عليه وحينئذ فالمصلي حقيقة هو الله تعالى وتسمية العبد مصليا عليه صلى الله عليه وسلم مجاز عن سؤالة الصلاة من الله عليه. أنتهت عبارة (الدر المنضود)

(الكلام للمؤلف) والعبارة التي أشار إليها في حاشيته على إيضاح النووي في المناسك هي قوله عن قول النووي

ومن الأدعية المختارة [اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مفغرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم]

قوله ظلما كثيرا روي بالمثلثة وبالموحدة (أي كثيرا وكبيرا)

قال المصنف (النووي) فينبغي أن يجمع في دعاءه بينهما (يقصد كثيرا وكبيرا) أي لأنه حينئذ يتيقن النطق بما نطق به صلى الله عليه وسلم وزيادة لفظة على الوارد للاحتياط لا تخرجه عن كونه نطق بالوارد

وبذلك يندفع قول ابن جماعة ليس فيما ذكره اتيان بالسنة لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينطق بهما وإنما الذي ينبغي أن يدعو مرة بالمثلثة (كثيرا) ومرة بالموحدة (كبيرا) لنطقه حينئذ بالوارد يقينا انتهى

فعلى ما قاله المصنف فيه اتيان بالوارد يقينا في كل مرة بخلاف ما ذكره ابن جماعة فانه ليس فيه اتيان به إلا مرة من كل مرتين

فإن قلت لا يحتاج إلى ذلك ويحمل اختلاف الروايتين على أنه صلى الله عليه وسلم نطق بكل منهما فالنطق بكل سنة وإن كان لم ينطق بالأخرى فلا يحتاج للجمع ولا أن يقول هذا مرة وهذا مرة

قلت هو محتمل لكن ما ذكراه أحوط فقط لاحتمال أن أحد الروايتين بالمعنى وإن كان بعيدا انتهى

وبعض الحنابلة الذي أشار إليه في عبارة (الدر المنضود) هو العلامة ابن القيم

فقد قال في كتابه (جلاء الافهام) الفصل العاشر في ذكره قاعدة في هذه الدعوات والأذكار التي رويت بأنواع مختلفة كأنواع الاستفتاحات وأنواع التشهدات في الصلاة وأنواع الأدعية التي اختلفت ألفاظها وأنواع الأذكار بعد الإعتدالين من الركوع والسجود ومنه هذه الألفاظ التي رويت في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

قد سلك بعض المتأخرين في ذلك طريقة في بعضها وهو أن الداعي يستحب له أن يجمع بين تلك الألفاظ المختلفة ورأى ذلك أفضل ما يقال فيها فرأى أنه يستحب للداعي بدعاء الصديق رضي الله عنه [اللهم ظلمت نفسي ظلما كثيرا] أن يقول [اللهم ظلمت نفسي ظلما كثيرا كبيرا] ويقول المصلي على النبي صلى الله عليه وسلم [اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وعلى أزواجه وذريته وارحم محمدا وآل محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم] وكذلك في البركة والرحمة ويقول في دعاء الاستخارة [اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة امري وعاجل أمري وآجله] ونحو ذلك قال ليصيب ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم يقينا فيما شك فيه الرواي ولتجتمع له الأدعية الأخر فيما اختلفت ألفاظها ونازعه في ذلك آخرون وقالوا هذا ضعيف من وجوه

أحدها: أن هذه طريقة محدثة لم يسبق إليها أحد من الأئمة المعروفين

الثاني: أن صاحبها إن طردها (اتبعها) لزمه أن يستحب للمصلى أن يستفتح بجميع أنواع الاستفتاحات وأن يتشهد بجميع أنواع التشهدات وأن يقول في ركوعه وسجوده جميع الأذكار الواردة فيه وهذا باطل قطعا فإنه خلاف عمل الناس ولم يستحسنه أحد من أهل العلم وهو بدعة وإن لم يطردها (يتبعها) تناقض وفرق بين متماثلين

الثالث: أن صاحبها ينبغي له أن يستحب للمصلي والتالي أن يجمع بين القرآءات المتنوعة في التلاوة في الصلاة وخارجها قالوا ومعلوم أن المسلمين متفقون على أنه لا يستحب ذلك للقاريء في الصلاة ولا خارجها إذا قرأ قراءة عبادة وتدبر وإنما يفعل القراء أحيانا لقصدهم بذلك حفظ أنواع القراءات واحاطتهم بها واستحضارهم إياها والتمكن من استحضارها عند طلبها فذلك تمرين وتدريب لا تعبد يستحب لكل تال وقاريء ومع هذا ففي ذلك للناس كلام ليس هذا موضعه بل المشروع في حق التالي أن يقرأ بأي حرف شاء وإن شاء أن يقرأ بهذا مرة وبهذا مرة جاز ذلك وكذا الداعي إذا قال ظلمت نفسي ظلما كثيرا ومرة كبيرا جاز ذلك وكذلك المصلي على النبي صلى الله عليه وسلم مرة بلفظ هذا الحديث ومرة باللفظ الآخر وكذلك إذا تشهد فإن شاء تشهد بتشهد ابن مسعود وإن شاء تشهد بتشهد ابن عباس وإن شاء تشهد بتشهد عمر وإن شاء تشهد بتشهد عائشة وكذلك في الاستفتاح إن شاء استفتح بحديث علي وإن شاء بحديث ابي هريرة وإن شاء باستفتاح عمر رضي الله عنهم أجمعين وإن شاء فعل هذا مرة وهذا مرة وهذا مرة وكذلك إذا رفع رأسه من الركوع إن شاء قال [اللهم ربنا لك الحمد] وإن شاء قال [ربنا ولك الحمد] ولا يستحب له أحد أن يجمع بين ذلك كله

وقد احتج غير واحد من الأئمة منهم الشافعي على جواز الأنواع المأثورة في التشهدات ونحوها بالحديث الذي رواه أصحاب الصحيح والسنن وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال [أنزل القرآن على تسعة أحرف] فجوز النبي صلى الله عليه وسلم القراءة بكل حرف من تلك الأحرف وأخبر أنه شاف كاف ومعلوم أن المشروع في ذلك أن يقرأ بتلك الأحرف على سبيل البدل لا على سبيل الجمع كما كان الصحابة يفعلون

الرابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع بين تلك الألفاظ المختلفة في آن واحد بل

إما أن يكون قال هذا مرة وهذا مرة كألفاظ الاستفتاح والتشهد وأذكار الركوع والسجود وغيرها فاتبعاه صلى الله عليه وسلم يقتضي أن لايجمع بينهما بل يقال هذا مرة وهذا مرة

وإما أن يكون الراوي قد شك في أي الألفاظ قال

فان ترجح عند الداعي بعضها صار إليه

وإن لم يترجح عنده بعضها كان مخيرا بينها ولم يشرع له الجمع فان هذا نوع ثالث لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم فيعود الجمع بين تلك الألفاظ في آن واحد على مقصود الداعي بالإبطال لأنه قصد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ففعل ما لم يفعله قطعا

ومثال ما يترجح فيه أحد الألفاظ حديث الاستخارة فان الراوي شك هل قال النبي صلى الله عليه وسلم [اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال وعاجل أمري وآجله بدل وعاقبة أمري

والصحيح اللفظ الأول وهو عاقبة أمري لأن عاجل الأمر وآجله تكرار بخلاف ذكر المعاش والعاقبة فإنه لا تكرار فيه فإن المعاش هو عاجل الأمر والعاقبة آجله

ومن ذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال [من قرأ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال] رواه مسلم

واختلف فيه فقال بعضهم من أول سورة الكهف وقال بعضهم من آخرها وبكلاهما في الصحيح

ولكن الترجيح لمن قال من أول سورة الكهف لأن في صحيح مسلم من حديث النواس بن سمعان في قصة الدجال [فإذا رأيتموه فاقرؤا عليه فواتح سورة الكهف] ولم يختلف في ذلك وهذا يدل على أن من روى العشر من أول السورة حفظ الحديث ومن روى من آخرها لم يحفظه

الخامس: أن المقصود إنما هو المعنى والتعبير عنه بعبارة مؤدية له فإذا عبر عنه باحدى العبارتين حصل المقصود فلا يجمع بين العبارات المتعددة

السادس: أن أحد اللفظين يدل على الآخر فلا يستحب الجمع بين البدل والمبدل معا كما لا يستحب ذلك في المبدلات التي لها أبدال والله تعالى أعلم انتهى كلام ابن القيم

ورأيت (الكلام للمؤلف) ما يؤيده في كتاب الرياض الأنيقة في أسماء خير الخليقة للحافظ السيوطي في شرح لفظ النبي

قال رحمه الله (مسألة) قال الإسنوي في التمهيد لو عبر المصلي عن النبي في قوله في التشهد السلام عليك أيها النبي وعن الرسول في قوله وأشهد أن محمد رسول الله أو أحمد فلا شك أنه لا يكفي لفوات الإقرار بالنبوة أو الرسالة

وأما إذا عبر عن النبي بالرسول أو عكسه فمقتضى كلامهم أنه لا يكفي أيضا لأن ألفاظ الأذكار توقيفية بدليل حديث البراء في دعاء النوم في الصحيح انتهى كلام السيوطي

وحديث البراء هو ما أخرجه البخاري في كتاب الدعوات وغيره عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضجع على شقك الأيمن وقل اللهم أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك والجأت ظهري إليك رهبة ورغبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت فإن مت مت على الفطرة واجعلهن آخر ما تقول فقلت استذكرهن وبرسولك الذي أرسلك قال لا وبنبيك الذي أرسلت]

قال شيخ الاسلام الحافظ بان حجر في فتح الباري وأولى ما قيل في الحكمة في رده صلى الله عليه وسلم على من قال الرسول بدل النبي أن ألفاظ الأذكار توقيفية ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس فتجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به

وهذا اختيار المازني قال فيقتصر فيه على اللفظ الوارد بحروفه وقد يتعلق الجزاء بتلك الحروف ولعله أوحى إليه بهذه الكلمات فيتعين اداؤها بحروفها. أ. هـ

وهو أيضا يؤيد كلام ابن القيم الموافق لكلام العز بن جماعة.



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!