موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب سعادة الدارين في الصلاة على سيد الكونين

للشيخ يوسف النبهاني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


المسألة الرابعة في أنه صلى الله عليه وسلم هل له فائدة في الصلاة عليه أو لا؟

المسألة الرابعة في أنه صلى الله عليه وسلم هل له فائدة في الصلاة عليه أو لا؟

قال ابن حجر في (الدر المنضود)

قال جمع فائدتها للمصلي لدلالتها على نصوح العقيدة وخلوص النية وإظهار المحبة والمداومة على الطاعة والاحترام للواسطة الكريمة فهي محبة له صلى الله عليه وسلم وتوقيرا من أعظم شعب الإيمان لما فيها من أداء شكره الواجب علينا لعظيم منته بنجاتنا من الجحيم وفوزنا بالنعيم المقيم فالمصلي داع ومكمل لنفسه حقيقة لأنا إذا صلينا عليه صلى الله عليه وسلم صلى الله علينا ولأنا إنما نذكره بأذكار الله تعالى لنا فهو الذاكر في الحقيقة ومن أحب شيئا أكثر من ذكره

قال والحاصل أن في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فائدة له بطلب زيادة ما مر له بزيادة درجاته فيه إذ لا غاية لفضل الله تعالى وإنعامه وهو صلى الله عليه وسلم لا يزال دائم الترقي في حضرات القرب ومعارج الفضل فلا بدع أن يحصل له بصلاة أمته زيادات في ذلك لا غاية لها ولا انتهاء وفائدة للمصلي بحصول ما مر له ومن حصر الفائدة في المصلي إنما أراد بذلك تنبيهه وحثه على تحصيل الكمال المسبب له عن صلاته ولم يرد خلوها عن فائدة تحصل له صلى الله عليه وسلم منها ومن أراد ذلك كما أومأ إليه كلام بعضهم فقد شذ وأبعد وكيف وهو صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث المشهور [ثم سلوا لي الوسيلة فإنها لا تكون إلا لعبد وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له شفاعتي يوم القيامة]

ثم قال قيل ولم يتركه صلى الله عليه وسلم ربه تحت منة أمته حتى عوضهم منها بأمره بالصلاة عليهم بقوله جا وعلا

[وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم]

وفي (مسالك الحنفا) قال في كتاب الصلات والبشر

(فائدة) دعاؤنا وسؤالنا له ذلك أي ما ذكر في الأحاديث كالوسيلة والدرجة الرفيعة وغيرهما وإن كان قد أوجب له ذلك كله يحتمل أن يكون إذا صلى عليه أحد من أمته فاستجيب دعاؤه فيه أن يزاد النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الدعاء في كل شيء من تلك الدرجات والمراتب ولهذا كانت الصلاة عليه مما يقصد بها قضاء حاجته وحقه ويتقرب بإكثارها إلى الله تعالى فلا بعد ولا استحالة في أن الله يزيد في درجاته صلى الله عليه وسلم ومعاليه بصلاة الصالحين من ملائكته وعباده ويضاعف بدعائهم وسؤالهم من ثوابه وإعلاء مراتبه فإن الصلات الإلهية غير متناهية ولا قابلة للنقص والتقلل فافهم. أ. هـ

وقال العلامة أحمد بن المبارك في الباب الثالث من كتاب (الإبريز)

قلت هل ينتفع النبي صلى الله عليه وسلم بصلاتنا عليه أو لا ينتفع فإن هذه المسألة قد اختلف العلماء فيها

فقال يعني سيدي عبد العزيز الدباغ رضي الله عنه لم يشرعها الله سبحانه لنا بقصد نفع نبيه صلى الله عليه وسلم وإنما شرعها الله لنا بقصد نفعنا خاصة كمن له عبيد فنظر إلى أرض كريمة لا تبلغها أرض في الزراعة فرحم عبيده فأعطاهم تلك الأرض على أن يكون الزرع كله لهم يستبدون به ولم يعطهم ذلك على وجه الشركة فهكذا حال صلاتنا عليه صلى الله عليه وسلم فأجرها كله لنا وإذا شمل نور أجرها في بعض الأحيان واتصل بنوره صلى الله عليه وسلم تراه بمنزلة شيء راجع إلى أصله لا غير لأن الأجور الثابتة للمؤمنين قاطبة إنما هي لأجل الإيمان الذي فيهم والإيمان الذي فيهم إنما هو من نوره صلى الله عليه وسلم فصارت الأجور الثابتة لنا إنما هي منه صلى الله عليه وسلم ولا مثال له في المحسوسات إلا البحر المحيط مع الأمطار إذا جاءت السيول إلى البحر فإن ماء الأمطار من البحر فإذا رجع إلى البحر فلا يقال أنه زاد في البحر

فقلت فإن بعض العلماء استدل على أنه صلى الله عليه وسلم ينتفع بها وقاسها على النفع الحاصل له صلى الله عليه وسلم من الخدمة والولدان إذا كان في الجنة فكما أنه صلى الله عليه وسلم ينتفع بالنعم والفواكه المحمولة إليه في الظروف فكذلك ينتفع صلى الله عليه وسلم بالأنوار والأجور المحمولة إليه في هذه الحروف فالحمل هناك وقع بالأيدي الحاملة للظروف وهنا وقع بالأفواه الحاملة للحروف قال ولا تزيد حالته في دار الدنيا على حالته صلى الله عليه وسلم في الجنة حتى يمتنع القياس

فقال رضي الله عنه (عبد العزيز الدباغ) ومن أين هم أولئك الخدمة والولدان إنما هم من نوره صلى الله عليه وسلم بل الجنة وكل ما فيها من نوره صلى الله عليه وسلم وإنما يصح ما قاله هذا العالم أن لو كان أولئك الخدمة مباينين له صلى الله عليه وسلم ويكون إيماننا مباينا له صلى الله عليه وسلم وليس كذلك

قال رضي الله عنه ومن علم كيف هو النبي صلى الله عليه وسلم استراح

قال رضي الله عنه وترى الرجل يقرا دلائل الخيرات فإذا أراد أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم صوره في فكره وصور الأمور المطلوبة له كالوسيلة والدرجة الرفيعة والمقام المحمود وغير ذلك مما هو مذكور في كل صلاة وصور نفسه طالبا لها من الله تعالى وقدر في فكره أن الله يجيبه ويعطي ذلك لنبيه صلى الله عليه وسلم على يد هذا الطالب فيقع في ظن الطالب أنه حصل منه للنبي صلى الله عليه وسلم نفع عظيم فيفرح ويستبشر ويزيد في القراءة ويبالغ في الصلاة ويرفع بها صوته ويحس بها خارجة من عروق قلبه ويعتريه خشوع وتتنزل به رقة عظيمة ويظن أنه في حالة ما فوقها حالة وهو في هذا الظن على خطأ عظيم فلا يصل بصلاته هذه إلى شيء من الله تعالى لأنها متعلقة بما ظنه وصوره في فكره وظنه باطل والباطل لا يتعلق بالحق سبحانه وإنما يتصل بالحق سبحانه ما هو حق في نفس الأمر بحيث أن الشخص لو فتح بصره لرآه في نفس الأمر فكل ما كان كذلك فهو متعلق بالحق سبحانه وكل ما لو فتح الإنسان بصره لم يره فهو باطل والباطل لا يتعلق بالحق سبحانه فليحذر المصلي على النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الآفة العظيمة فإن أكثر الناس لا يتفطنون لها ويظنون أن تلك الرقة والحلاوة الحاصلة لهم من الله سبحانه وإنما هي من الشيطان ليدفعهم بها عن الحق سبحانه ويزيدهم بها بعدا على بعد

وإنما ينبغي أن يكون الحامل محبته صلى الله عليه وسلم وتعظيمه لا غير وحينئذ يشتعل نورها كما سبق وأما إن كان الحامل عليها نفع العبد فإنه يكون محجوبا وينقص أجره كما سبق وكذا إن كان الحامل عليها نفع النبي صلى الله عليه وسلم فإن صلاته حينئذ لا تتعلق بالحق سبحانه ولا تبلغ إليه كما سبق والله الموفق. أ. هـ

قال العلامة الشيخ علي حرازم ابن العربي برادة المغربي الفاسي رحمه الله في خاتمة كتابه (جواهر المعاني في فيض سيدي ابي العباس التيجاني)

سألته رضي الله عنه عن بيان اهداء الثواب له صلى الله عليه وسلم فأجاب رضي الله عنه بقوله

اعلم أنه صلى الله عليه وسلم غني عن جميع الخلق جملة وتفصيلا فردا فردا وعن صلاتهم عليه واهدائهم ثواب الأعمال له صلى الله عليه وسلم بربه أولا وبما منحه من سبوغ فضله وكمال طوله

فهو في ذلك عند ربه صلى الله عليه في غاية لا يمكن وصول غيره إليها ولا يطلب معها من غيره زيادة أو إفادة يشهد لذلك قوله سبحانه وتعالى [ولسوف يعطيك ربك فترضى] وهذا العطاء وإن ورد من الحق بهذه الصفة السهلة المأخذ القريبة المحتد فإن لها غاية لا تدرك العقول أصغرها فضلا عن الغاية التي هي أكبرها فإن الحق سبحانه وتعالى يعطيه من فضله على قدر سعة ربوبيته ويفيض على مرتبته صلى الله عليه وسلم على قدر حظوته ومكانته عنده وما ظنك بعطاء يرد من مرتبة لا غاية لها وعظمته على قدر وسعها أيضا فكيف يقدر هذا العطاء وكيف تحمل العقول سعته ولهذا قال سبحانه وتعالى [وكان فضل الله عليك عظيما]

وأقل مراتبه في غناه صلى الله عليه وسلم أنه من لدن بعثته إلى قيام الساعة كل عامل يعمل لله ممن دخل في طوق رسالته صلى الله عليه وسلم يكون له مثل ثواب عمله بالغا ما بلغ فليس يحتاج مع هذه المرتبة إلى زيادة بهذا الثواب لما فيها من كمال الغنى الذي لا حد له وهذه أصغر مراتب غناه صلى الله عليه وسلم فكيف بما وراءه من الفيض الأكبر والفضل الأعظم الأخطر الذي لا تطيق حمله عقول الأقطاب فضلا عمن دونهم

وإذا عرفت هذا فاعلم أنه ليست له حاجة إلى صلاة المصلين عليه صلى الله عليه وسلم ولا شرعت لهم ليحصل له النفع بها صلى الله عليه وسلم وليست له حاجة إلى اهداء الثواب ممن يهدي له ثواب الأعمال وما مثل المهدي له في هذا الباب ثواب العمل متوهما أنه يريده به صلى الله عليه وسلم أو يحصل له به نفعا إلا كمن رمى نقطة قلم في بحر طوله مسيرة عشر مائة ألف عام وعرضه كذلك وعمقه كذلك متوهما أنه يمد هذا البحر بتلك النقطة ويزيده فأي حاجة لهذا البحر بهذه النقطة وما عسى أن تزيد فيه

وإذا عرفت رتبة غناه صلى الله عليه وسلم وحظوته عند ربه فاعلم أن أمر الله للعباد بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ليعرفهم علو مقداره عنده وشفوف مرتبته لديه وعلو اصطفائه على جميع خلقه ليخبرهم أنه لا يقبل العمل من عامل إلا بالتوسل إلى الله به صلى الله عليه وسلم فمن طلب القرب من الله تعالى والتوجه إليه دون التوسل به صلى الله عليه وسلم معرضا عن كريم جنابه ومدبرا عن تشريع خطابه كان مستوجبا من الله السخط والغضب وغاية اللعن والطرد والبعد وضل سعيه وخسر عمله ولا وسيلة إلى الله إلا به صلى الله عليه وسلم في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وامتثال شرعه

فإذا فالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فيها تعريف لنا بعلو مقداره عند ربه وفيها تعليم لنا بالتوسل به صلى الله عليه وسلم في جميع التوجهات والمطالب لا غير هذا ممن توهم النفع له صلى الله عليه وسلم لم ذكرناه سابقا من كمال الغنى. وأما اهداء الثواب له صلى الله عليه وسلم فتعقل ما ذكرنا من الغنى أولا ثم تعقل مثالا آخر يضرب لاهداء الثواب له صلى الله عليه وسلم بملك عظيم المملكة ضخم السلطنة قد أوتي في مملكته من كل متمول خزائن لا حد لعددها كل خزانة عرضها وطولها من السماء إلى الأرض مملوءة كل خزانة على هذا القدر ياقوتا أو ذهبا أو فضة أو زروعا أو غيرها من المتمولات ثم قدر فقيرا لا يملك مثلا غير خبزتين من دنياه فسمع بالملك واشتد حبه وتعظيمه له في قلبه فأهدى لهذا الملك إحدى الخبزتين معظما له ومحبا والملك متسع الكرم فلا شك أن الخبزة لا تقع منه ببال لما هو فيه من الغنى الذي لا حد له فوجودها عنده وعدمها على حد سواء ثم الملك لاتساع كرمه علم فقر الفقير وغاية جهده وعلم صدق حبه وتعظيمه في قلبه وأنه ما أهدى له الخبزة إلا لأجل ذلك ولو قدرعلى أكثر من ذلك لأهداه له فالملك يظهر الفرح والسرور بذلك الفقير وبهديته لأجل تعظيمه له وصدق حبه لا لأجل انتفاعه بالخبزة ويثيب على تلك الخبزة بما لا يقدر قدره من العطاء لأجل صدق المحبة والتعظيم لا لأجل النفع بالخبزة

وعلى هذا التقدير وضرب المثل قدر اهداء الثواب له صلى الله عليه وسلم وأما غناه عنه صلى الله عليه وسلم فقد تقدم ذكره في ضرب المثل بعظمة البحر المذكور أولا وامداده بنقطة القلم وأما اثابته صلى الله عليه وسلم فقد ذكر المثل له باهداء الخبزة للملك المذكور والسلام. انتهى من إملائه رضي الله عنه

انتهت عبارة (جواهر المعاني من كلام سيدي ابي العباس التيجاني) رضي الله عنه ونفعنا ببركته

وفي فتاوى خاتمة المحققين العلامة الشيخ محمد بن سليمان الكردي الشافعي

سئل رحمه الله تعالى بما نصه وجدت في رسالة للجيلي ذكر فيها أخلاق السالكين ومنها شدة محبتهم له صلى الله عليه وسلم حتى أن بعضهم يفتتح أعماله كلها بنية جعل ثوابها له عليه أفضل الصلاة وأذكى السلام بالأصالة ولا يخطر بباله ثوابها لنفسه إلا بعد جعلها له صلى الله عليه وسلم ثم إن تصدق عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبله منه على وجه الصدقة وإن لم يعطه شيئا فرح بذلك أشد الفرح ولهذا الخلق حلاوة يجدها العبد في نفسه لا يقدر قدرها وهذا وإن كان صلى الله عليه وسلم غنيا عن مثله فهو أدب لا تأباه الشريعة. أ. هـ

فهل يجوز لأمثالنا الاقتداء بهؤلاء السادات في هذا الأمر مع ما نحن فيه من رديء الأخلاق المتنوعة وقد قرروا أن الأعمال البدنية لا تقبل نيابة إلا النسك (الحج) وذكروا أن القاريء له أن يهدي مثل ثواب قراءته لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو في صحائفه ولا يهدي ثواب نفس القراءة وإذا أراد الزيادة لآصحابه وأهل بيته هل يجوز التعميم تبعا أو له أن أن يفوز غير النبي صلى الله عليه وسلم بمثل الثواب أفيدوا؟

(الجواب) اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم له أجر كل من عمل خيرا من أمته من غير أن ينقص من أجرهم شيء ومن غير احتياج إلى افتتاح الأعمال بنية جعل ثوابها له عليه الصلاة والسلام.

قال في (المواهب اللدنية) قال الشافعي ما من عمل يعمله أحد من أمة النبي صلى الله عليه وسلم إلا والنبي أصل فيه

وقال في (تحقيق النصرة) فجميع حسنات المؤمنين وأعمالهم الصالحة في صحائف نبينا صلى الله عليه وسلم زيادة على ما له من الأجر مع مضاعفة لا يحصرها إلا الله تعالى لأن كل عامل مهتد إلى يوم القيامة يحصل له أجره ويتجدد لشيخه مثل ذلك الأجر ولشيخ شيخه مثلاه وللشيخ الثالث أربعة وللرابع ثمانية وهكذا تضاعف المرتبة بعدد الأجور الحاصلة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وبهذا يعلم تفضيل السلف على الخلف فإذا فرضت المراتب عشرة بعد النبي صلى الله عليه وسلم كان له عليه الصلاة والسلام من الأجر ألف وأربعة وعشرون فإذا اهتدى بالعاشر حادي عشر صار أجر النبي صلى الله عليه وسلم ألفين وثمانية وأربعين وهكذا كلما زاد واحد يتضاعف ما كان قبله أبدا كما قاله بعض المحققين. أ. هـ

ولله در القائل وهو سيدي علي الوفا

فلا حسن إلا من محاسن حسنه **** ولا محسن إلا له حسناته

وبهذا يجاب عن استشكال دعاء القاريء له صلى الله عليه وسلم بزيادة الشرف مع العلم بكماله عليه الصلاة والسلام في سائر أنواع الشرف فكأن الداعي لحظ أن قبول قراءته يتضمن لمعلمه نظير أجره وهكذا حتى يكون للمعلم الأول وهو الشارع عليه الصلاة والسلام نظير جميع ذلك كما قررته إلى آخر ما أطال به في (المواهب).

قال العلامة الشبراملسي في حاشيته قوله كان للنبي صلى الله عليه وسلم ألف وأربعة وعشرون لعل ذلك بواسطة ما يحصل لكل عامل من المضاعفة مضموما إلى بقية أعمال من دونه مثلا ما يكتب للرابع من الثمانية يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم مثله مع عمل من دونها من الأول والثاني والثالث. انتهى كلام الشبراملسي.

ومثله عبارة (شرح المواهب) للزرقاني بالحرف.

وفي (شرح الأربعين النووية) لابن حجر في شرح الحديث السابع والثلاثين في شرح قوله إلى أضعاف كثيرة كلام طويل تتعين مراجعته لمناسبته لما هنا فراجعه إن أردته.

وفي (حاشية الإيضاح) لابن حجر أثناء كلام ما نصه

استبط بعض المتأخرين من حديث أن الدعاء عقب القراءة يجعل ثواب ذلك لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو زيادة في شرفه

معناه الدعاء بتقبل ذلك فيثاب عليه وإذا أثيب أحد من الأمة على طاعة كان لمعلمه نظير ثوابه وكذا معلم معلمه وهكذا وله صلى الله عليه وسلم مثل ثواب الجميع وهذا معنى الزيادة في شرفه وإن كان شرفه صلى الله عليه وسلم مستقرا كاملا فعلم أن من طلب الزيادة طلب نحو تكثير أتباعه سيما العلماء ورفع درجاتهم ومراتبهم العلية

وبه يٌرد ما وقع في فتاوى البلقيني وإن تبعه ولده علم الدين فقال أخذا من كلام والده لا ينبغي أن يقال إجعل ثواب ما قرأناه زيادة في شرفه صلى الله عليه وسلم إلا بدليل فقد خالفهما شيخ الإسلام المناوي والشمس القاياني فقالا باستحسان ذلك ووافقهما صاحباهما المحققان الكمال بن همام وشيخ الإسلام زكريا وقد ذكرت عبارة أولئك في الفتاوى فانظر ذلك فإنه مهم وقد وقع فيه خبط وخلط فاحش فاحذره. انتهى كلام حاشية الإيضاح بحروفه.

وفي (الوصية من التحفة والنهاية) أثناء كلام لهما ما نصه

ومنع التاج الفزاري من اهداء ثواب القرب لنبينا صلى الله عليه وسلم معللا له بأنه لا يتجرأ على جنابه الرفيع بما لم يؤذن فيه شيء انفرد به ومن ثمت خالفه غيره

واختاره السبكي قال في (النهاية) وقد اوضحت ذلك أتم إيضاح في الفتاوى. أ. هـ

وفي (التحفة) ما نصه ومر في الإجارة ما له تعلق بذلك انتهى.

وفي متن (المنهاج) وينفع الميت صدقة ودعاء من وارث أو أجنبي. قال في التحفة إجماعا قال ومعنى نفعه بالصدقة أنه ليصير كأنه تصدق

واستبعاد الإمام له بأنه لم يؤمر به ثم تأوله بأنه يقع من المتصدق وينال الميت بركته رده ابن عبد السلام بأن ما ذكروه من وقوع الصدقة نفسها عن الميت حتى يكتب له ثوابها هو ظاهر السنة إلى آخر عبارتها

ومنه يعلم أن من عمل شيئا من العبادات ثم قال [اللهم أوصل ثواب هذه العبادة للنبي صلى الله عليه وسلم] صح ذلك

وأما نية جعل ثوابها له صلى الله عليه وسلم من غير دعاء فإن كان صدقة أو دعاء صح وإلا فلا على الراجح في مذهبنا وإلا فثم خلاف في صحة ذلك أيضا

ولعل الجيلي كان يرى خلاف الراجح في مذهبنا في ذلك أو ذلك البعض من السالكين الفاعل ما ذكر كان يرى خلاف مذهبنا.

وقد ذكرت آخر كتابي (فتح الفتاح بالخير) عبارة (البحر الرائق شرح كنز الدقائق) للعلامة ابن نجيم الحنفي

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم [لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلي أحد عن أحد] فهو في حق الخروج عن العهدة (أي أداء الفرض المعهود والمفروض عليه في حياته) لا في حق الثواب قال صلى أو صام أو تصدق وجعل ثوابه لغيره من الأحياء والأموات جاز ويصل ثوابها إليهم عند أهل السنةوالجماعة كذا في (البدائع)

وبهذا علم أنه لا فرق بين أن ينوي به عند الفعل الغير أو يفعله لنفسه ثم يجعل بعد ذلك ثوابه للغير لإطلاق كلامهم.

ثم قال ابن نجيم وظاهر كلامهم لا فرق بين الفرض والنفل فإذا صلى فريضة وجعل ثوابها لغيره فإنه يصح لكن لا يعود الفرض في ذمته لأن عدم الثواب لا يستلزم عدم السقوط عن ذمته ولم أره منقولا. انتهى كلام ابن نجيم.

ومما نقلته في خاتمة كتابي المذكور قول الشيخ ابن حجر في (حاشية الإيضاح) الحج عنه صلى الله عليه وسلم كما يقع لبعضهم ممنوع عندنا وعند أكثر العلماء قيل جعل ثوابه له صلى الله عليه وسلم بعده حسن انتهى

ويرده حيث لم يكن ذلك على جهة الدعاء تصريحهم بأن له صلى الله عليه وسلم مثل ثواب كل فاعل مضاعفا تضعيفا تستحيل الإحاطة به لأنه صلى الله عليه وسلم يثاب على أعمال أصحابه الضعف ومن تلقى عنهم الضعفين وهكذا فإذا كان الثواب حاصلا بتلك الزيادة فلا يحتاج إلى جعله له ولا ينافي ما تقرر من جواز التضحية عن الغير في بعض الصور الآتية لأنها عبادة مالية تدخلها النيابة بخلاف الحج فإنه عبادة بدنية أصالة والمال لمن تصور الإحتياج إليه تابع انتهى كلام حاشية الإيضاح.

وأراد بقوله قيل إلى آخر شيخه (أبا الحسن البكري فقد صرح به في شرحه على مختصره لإيضاح النووي

وفي بعض فتاوى شيخنا محمد سعيد سنبل أن من عمل عملا لنفسه وقال [اللهم اجعل ثوابه لفلان وصل غليه الثواب سواء كان حيا أو ميتا. انتهى.

وقد أطلت الكلام على ذلك في [فتح الفتاح بالخير] فراجعه ولا فرق في هذا الحكم بين كون المدعوا له بحصول ثواب ما ذكر من الأعمال هو للنبي صلى الله عليه وسلم أو غيره كما علم مما تقرر ولا بين كون غيره صلى الله عليه وسلم مدعوا له بطريق الاستقلال أو بطريق التبع له صلى الله عليه وسلم وقول السائل هل يجوز لأمثالنا الاقتداء بهؤلاء إلخ جوابه نعم يجوز ذلك والممنوع منه أن يفعل تلك العبادة البدنية بدلا عن فلان وأما دعاؤه بعدها ببلوغ ثوابها إياه فلا مانع منه كما تقرر وإن كان في بعض أفراده خلاف فهو من باب عمل الشخص لنفسه فيجوز تقليد القائل به وقد سلف عن ابن نجيم نقل ذلك عن أهل السنة والجماعة.

وفي (شرح المنهج عن شرح مسلم) ذهب جماعات من العلماء إلى أنه يصل إليه أي الميت ثواب جميع العبادات من صوم وقراءة وغيرها إلى آخره والله أعلم. انتهت عبارة فتاوى العلامة الكردي

وقوله في شرح الأربعين النووية لابن حجر [كلام طويل تتعين مراجعته] قد راجعته وهذه عبارته عند قوله صلى الله عليه وسلم [من هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله تعالى عنده حسنة كاملة وإن هم بها فعملها كتبها الله تعالى عنده عشر حسنات إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة] التضعيف بسبعمائة فأكثر إنما يحصل لبعض الناس على حسب مشيئة الله تعالى

قال بعضهم وكثيرة هذه وإن كانت نكرة إلا أنها أشمل من المعرفة فيقتضي هذا أن يحسب توجيه الكثرة على أكثر ما يمكن وبيانه أن من تصدق بحبه بر مثلا فحسب له في فضل الله تعالى أنه لو بذرها في أزكى أرض مع غاية الري والتعهد ثم حصدت وبذر حاصلها في أزكى أرض كذلك وهكذا إلى يوم القيامة جاءت تلك الحبة كأمثال الجبال الرواسي وكذا يقال في مثقال حبة من نقد فيقدر أنه اشترى بها أربح شيء وبيع في أنفق سوق وهكذا إلى يوم القيامة جاءت تلك الذرة بقدر الدنيا وهكذا جميع أنواع البر ومن الفضل المضاعفة بالتحويل كمن تصدق على فقير بدرهم فتصدق به الفقير على ثان وهو على ثالث وهو على رابع وهكذا فيحسب للأول عن درهمه عشرة وله مثل أجر الثاني لأن من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من يعمل بها وأجر الثاني عشرة فكان للأول مثلها وهي عشرة دراهم وكل درهم بعشرة فيكون له مائة فإذا تصدق به الثاني صار له مائة وللثاني ألف وللأول عشرة آلاف فإذا تصدق به الرابع صار له مائة وللثالث ألف وللثاني عشرة آلاف وللأول مائة ألف وهكذا إلى ما لايعلم قدره إلا الله تعالى ومن الفضل أيضا أنه تعالى إذا حاسب من له حسنات متفاوته المقادير جازاه بسعر أرفعها كـ[لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير] إذا قيلت في سوق مع رفع الصوت فإن فيها ألف ألف حسنة ومحو ألف الف سيئة مع بناء بيت في الجنة لقائلها كما ورد فإذا كانت في حسنات عبد جوزي على سائر حسناته بسعرها كما قال تعالى [ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون] وهذا بحسب مقدار معرفتنا وإلا ففضل الله تعالى لا يمكن أحدا أن يحصره. أ. هـ

وأخرج ابن حبان في صحيحه لما نزل قوله تعالى [مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل ... ] الآية قال صلى الله عليه وسلم رب زد أمتي فنزل [من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة] فقال رب زد أمتي فنزل [إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب] وأحمد أن الله تعالى ليضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة ثم تلا أبو هريرة رواية [وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما] وقال إذا قال الله تعالى [أجرا عظيما] فمن يقدر قدره

ولابن أبي حاتم [من أرسل نفقة في سبيل الله تعالى وأقام في بيته فله بكل درهم سبعمائة درهم ومن غزا بنفسه في سبيل الله تعالى فله بكل درهم سبعة آلاف درهم.

وأبو داود [أن الصلاة والصيام والذكر يضاعف على النفقة في سبيل الله سبعمائة ضعف]

والترمذي [من دخل السوق فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله تعالى له الف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة] وفي سنده ضعف

وفي حديث ضعيف أيضا [من قال سبحان الله وبحمده كتب الله له مائة ألف حسنة وأربعة وعشرين ألف حسنة] انتهت عبارة شرح الأربعين لابن حجر.

قلت وحديث الترمذي المذكور يرويه عن ابن عمر ولفظه [من دخل السوق فقال بصوت مرتفع لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله تعالى له الف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة] فلعل لفظ ب (صوت مرتفع) سقط من الناسخ أو أنه رواية أخرى ولا يخفى أن مضاعفة الحسنات على الوجه السابق فلا تصل إليه صلى الله عليه وسلم إلا وقد بلغ ثوابها عددا لا يحصره العقل وهذا في حسنة واحدة من حسنات أحد أفراد أمته الذين لا خصوصية لهم عند الله تعالى زيادة عن الإيمان تقتضي زيادة التضعيف إلى ما فوق تلك الدرجات فما بالك بحسنات الخصوصيات عند الله تعالى من أكابر أمته وخواص ملته صلى الله عليه وسلم وما بالك بحسناته هو صلى الله عليه وسلم لا شك أن العقل مهما تصور درجة عالية في ذلك لن يبلغ جزءا من ألوف ألوف مكررة إلى ما شاء الله مما أعد الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم من الأجر والثواب.

ونضيف هنا دليلا آخر من كتاب الله تعالى (الكلام للشيخ مصباح) قوله تعالى (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ* رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ* وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (سورة غافر ٧: ٩)

هنا نجد حملة العرش ومن حوله يدعون للذين آمنوا ومازال دعائهم حيث أتى سبحانه وتعالى بلفظ (يسبحون- يؤمنون-يستغفرون) بصيغة المضارع المستمر ولذلك دعائهم مستمر ومستجاب بفضل الله تعالى للمؤمنين

وإذا كانوا يدعون للذين آمنوا فمن سيد المؤمنين؟ أليس هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولذلك فإن دعاءهم يشمله بل هو أول من ينال ثواب هذا الدعاء فكيف يكون هذا الأجر ومضاعفاته التي لا حصر لها وإذا كانت الملائكة حول العرش يدعون للذين آمنوا أليس في ذلك دليل على جواز الدعاء للحي والميت ووصول الثواب والأجر لهم على اعتبار أن الدعاء من قبل الملائكة حملة العرش ومن حوله للمؤمنين والمؤمنين منهم الحي والميت وهذا الدعاء دائم إلى قيام الساعة فيعد هذا دليلا أكيدا على وصول الأجر والثواب للحي والميت على السواء في الدعاء والإستغفار والرحمة والمغفرة. انتهى



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!