خلوته وكيف يحتاط لنفسه من الهلاك إذا لم تكن خلوته كاملة وكان لا يزال في قلبه تعلّق في الدنيا وأهلها؛ فيقول الشيخ رضي الله عنه أنه ليس المراد من الخلوة الابتعاد عن الناس وإنما الابتعاد عن التعلّق بهم، فإذا أغلق المريد باب بيته عن الناس وباب قلبه عن الدنيا واشتغل بذكر الله تعالى تنفتح في قلبه عيون الكشف وتبدأ أنوار التجليات تتوالى على قلبه ويطّلع على أسرار العالم السفلي والعلوي. ولكن الشيخ محي الدين يقول إن جُلّ ذلك إنما يكون ابتلاءً من الله تعالى، فلا يجوز الوقوف مع هذه الأنوار، فأول ما يُكشف للمريد أسرار الأحجار المعدنية وغيرها، فإن لم يقف معها يُكشف له عن عالم سريان الحياة السببية في الأحياء، فإن لم يقف معها يُرفع له عن اللوائح اللوحية، فإن لم يقف معها يُرفع له عن نور الطوالع... ثم عن مراتب العلوم ثم عن عالم الجمال ثم عن مراتب القطبية ثم عن عالم الغضب ثم عن عالم الحيرة ...، وهكذا.

ويضيف الشيخ محي الدين رضي الله عنه أنه إذا لم يكن للمريد تعلّقٌ في همّته إلا في الجنة خاصّة انكشفت له هذه الأنوار ولم يقف معها ولم تصبه منها أيّة آفة، أما إذا تعلّقت همّته بشيءٍ ما فإنه كالمريض تسقط قواه كلُّها ولم ينكشف له شيء.[1]

الأمر المحكم المربوط (قونية 602/1205)

وذكر الشيخ محي الدين في هذا الكتاب الأسس التي يجب على أهل الله الالتزام بها، وذكر أيضاً الصفات التي يجب أن يتميّز بها الشيخ المرشد؛ فكان عنوان الكتاب هو "الأمر المحكم المربوط فيما يلزم أهل الله من الشروط".

ولقد تُرجم هذا الكتاب إلى اللغة التركية عدة مرات،[2] وله أسماء أخرى عديدة منها: "شروط أهل الطريق"، و"أدب القوم"، و"أدب الشيخ والمريد"، ويوجد منه العديد من المخطوطات ولكن بعضها غير كامل، وقد تم طباعة هذا الكتاب ونشره اعتماداً على مخطوطات ناقصة ولم يتم عمل تحقيق جيّد له حتى الآن.

ولكنّ الشيخ محي الدين لم يكمل هذا الكتاب في قونية، حيث تدلّ بعض المخطوطات أنه أكمله في شهر جمادى الأولى في دمشق من نفس هذه السنة كما سنرى بعد قليل.

كتاب العظمة (قونية 602/1205)

ومن الكتب التي ألفها الشيخ محي الدين في قونية كتاب العظمة وهو كتاب يعالج موضوع أسرار الحروف وقد عالج الشيخ محي الدين هذا الموضوع أيضاً في الفتوحات المكية، وخاصة في

[1] ملخصة من رسالة الأنوار، مجموعة رسائل ابن عربي، طبعة حيدر آباد، 1948.

[2] مؤلفات ابن عربي: ص202-204.