موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب شق الجيب بعلم الغيب

يسمى أيضاً: در الدرر فى معرفة العالم الأكبر

ينسب للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

يحوي هذا الكتاب الكثير من أقوال الشيخ الأكبر وأشعاره، ولكن لا يمكن تأكيد صحة نسبة هذا الكتاب بكامله إلى الشيخ محي الدين ابن العربي. أغلب الظنّ أنه لكاتب لاحق وقد نقل من كتب الشيخ الأكبر.

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


فصل ومن ذلك قال : فلمّا قام بنفس الملك خاطر السعادة

ومن ذلك قال :

فلمّا قام بنفس الملك خاطر السعادة ، والتوجه إلى طريق الاستفادة ، والبحث عن الأمر الذي به دوام الملك فقام بعض حكمائه ، وأخصّاء علمائه

وقال :

أيها الملك مطلبك في قدرتي ، وحاجتك تحت قوّتي ، ولكن قد لا تعرف قدرها فيحرمك اللّه خيرها .

فأنا أنبهك أولا عن كيفية إيجادها ، وحسن إسعادها ، بأنها من اللّه بمكان ، وكأنها شاركت القدرة في إيجاد الأعيان ، فهي حكمة علوية ، مدرجة في صناعة علمية ، لتعلم أيها الملك أن اللّه هو الحكيم الخبير ، وأنه على كل شيء قدير ، وأنه قبل كل شيء ، وأنه أوجد الأشياء لا من شيء ، ولكن مع اتصافه بهذه القدرة المحققة ، النافذة المطلقة ، لم يوجد لهذي المعادن ابتداء ، حتى خلق الأفلاك ، العلوية والروحانية السماوية ، واللمحات الأفقية ، وأودع كل فلك روحانية كوكبية تحتوي على خاصية بها ، وعند وجودها خلق الأرض والسماء والهواء والأثير .

ثم أوجد فيها منها دائرة الزمهرير ، ثم أجرى الشمس والقمر ، والنجوم مسخرات بأمره ، وخصّ كل متكون من هذه الأجرام بسرّ من مكنون سرّه ، تظهر المعادن في أعيانها ، وتخلصت بكرور أزمانها .

فإذا كان اللّه مع قدرته ونفوذ إرادته ، وقوة علمه لم يوجد شيئا من المعادن إلا بعد خلق هذه الأدوات ، وأجرى هذه المسخرات . فكيف تطمع أنت أيها الملك أن تكون فعالا لهذه الحكمة مع عدم هذه الأدوات وتحصيل هذه الآلات .

فإن قدرتك قاصرة ، وصفقتك إن لم تحصّل هذه الآلات خاسرة ، وما فعل اللّه شيئا من هذه الأدوات ، وقدم هذه الآلات مع غنائه عنها إلّا لحكمة علمها من علمها ، وجهلها من جهلها .

قال الملك : فكيف السبيل إلى تحصيل هذه الأدوات ، وتركيب هذه المقامات .

فقال الحكيم : أيها الملك ألست ساكنا تحت خطّ الاستواء ، وإنّك من أهل السواء ؟

فقال الملك : نعم .

فقال الحكيم : من أراد أن يعلم أصل نشأة العالم ، وترتيب هيئتي من خط الاستواء نعرّفه .

فقال الملك : كيف أصنع ؟

فإني لا أجد في نفسي قوة تصور هذه الأسباب والمقدمات ، وإيجاد هذه التأليفات والمركبات .

فقال الحكيم : إن اللّه تعالى قد منحني للقوة على نبأ ما يماثلها ، وإقامة ما يشاكلها ، ووهبني أسرار كيفياتها وكمياتها ولي أصحاب من الحكماء أهل الفطنة والذكاء أشدّ بهم أزري ، وأحكم بمشاورتهم أمري ، ليقضي غرضي المولى وتقوم له هذه الروحانية العلى .

فسرّ الملك بما قاله الحكيم ، وزال عنه ما كان أحاط به من الهموم .

فقال الحكيم : فاخترق مخاريق هذا الجبل العظيم ، ينظر فيه ؛ أين نقطة دائرة المركز الذي تقوم النشأة به ، وترتب عليه نظام الهيئة فرأى الرياح والنجورات التي تنحل من مسام ذلك الجبل تصير كالدائرة تتحرك في موضعها ، ولا تتعدى إلى غير مهيّئها ، فعمل الحيلة حتى روح ذاته فالتحق بالأطيار ، وسوّى جناحيه وطار ، واخترق معظم تلك الرياح محلقا في جوهرها ينزل بنزولها ويسمو بسموّها إلى أن انتهى إلى موضع لا يتعدى النازل فيه على الصاعد ولا الصاعد على النازل .

فقال الحكيم : اللّه أكبر . قام الملك ؛ وظهر .

فأراد بذلك المركز المعتدل أرضا ذات أشجار وبقول ، وأدار عليها الماء فدار ، وأدار عليها الهوى فصفق النسر بجناحيه وطار ، وأدار به دائرة الزمهرير وخلق به الفلك الأسير .

فلما أكمل هذه الأركان لإنشاء ما يريده من المعادن والنبات والحيوان ، لم ينفصل عنها ما أراد لأنها أشباح بلا أرواح وإناث بلا ذكور .

فاحتاج إلى إقامة النجوم الثابتة ، والبروج الحاكمة ، والكواكب السيّارة ، وحركة أفلاكها ، وفتح مسالك أملاكها فأقامها فكانت الآباد العلويات ، وهذه الأمهات السفليات فتناكح بالحقائق الروحانيات ، والرقائق السماويات ، فتولد بينهما أبناء الحكيم ؛ المعدنيات ، والنباتيات ، والحيوانيات ، ولم تبلغ قوة هذا الحكيم فوق هذا الحد ، ولكنه وفّى بالقصد .

فلما استوت هذه البنية على حسب ما أعطته الرؤية ، وحسن النيّة ، وجرت الأقلام ، وأعطت قواها الروحانيات ، وظهرت التكوينات والانفعالات ، وأشرف الملك الكريم ، على ما فعله الحكيم ، وعاين تكوين الحكمة في هذه الأجزاء ، وعرف أن الأمر لا يقوم إلّا بوجود الأرض والسماء ، فأعجبه ما رأى من حسن الرأي ، فأدركه الطيش والوله .

فخاف عليه الحكيم التأله فأعمل الحيلة والنظر حتى لاح له ما أراد ،

فظهر وشرع في إنشاء بستان ذي أفنان ، ففيه من كل وليد وقهرمان ، ومن الحور الحسان ، والنخيل والرمان ضروب وألوان ، ينساب فيها الجداول انسياب الشعابين بين تلك الأزهار والبساتين ، وأنشأ فيها قصورا من الذهب والفضة البيضاء ، وأسكنها من كل جارية غضاء ، وفرشها بالحرير من السندس والإستبرق والعبقري المرفود .

وجعل حصباءها الياقوت والمرجان ، والزمرد ، والجوهر وترابها المسك ، فثبت الملك . وآكامها العنبر .

ثم شرع في بناء دار أخرى ذات لهب وسعير ، وبرد وزمهرير ، وقيود وأغلال ، وسرابيل من قطران وأفاعي كأنها النحت ، وأساور عظيمة السحت ، وعقارب مكنونة من الشحت ، وبيوت مظلمة ومسالك ضيقة ، وكروب ، وغموم ، ومصائب ، وهموم .

ثم أشرف الملك على الدّارين فقال : انظر ما بين المنزلتين فرأى ما رآه ، وسأله ما السبب الذي دعاه ؟

فقال الحكيم : جعلت لك هذه الدار دار الرضا ، تنعم بها من أطاعك وأولاك ، وجعلت هذه الأخرى دار الغضب تعذب بها من عصاك وعاداك .

واعلم :

أن اللّه تعالى ما أسكنك في هذه الدّار إلّا لتجعلها دار اعتبار ، فتتفكر وتعتبر ، وتتذكر وتزدجر ، وتعظم من سوّاك وعدلك ، وصوّرك فجمّلك ، وأولاك وملكك وعلمك ، وإن كنت طائعا لربك عادلا لرعيتك فتصير إلى النعيم عند اللّه تعالى ، كما تصير أنت ومن أطاعك إلى هذا النعيم . وإن كنت عاصيا جائرا ، في حكمك ظالما ، فستصير إلى ضيق وعذاب أليم ، فخف ربك ودينك وأصلح مع اللّه قلبك ، وأنذر قومك ، وطهر ثوبك ، ولا يحجبك سلطان عادتك ، عن تحصيل أسباب سعادتك ، فإن الدنيا لمحة بارق ، وخيال طارق . كم ملك مثلك قد ملكها ، ثم رحل عنها وتركها ، ولا بد لك من الرحلة عنها إلى الأخرى . فإمّا أن يعمر درجها وإمّا أن يعمر دركها .

واعلم :

أن اللّه تعالى قد جعلك ملكا على خلقه ، وأقامك بين الحق والباطل في مقام حقّه ، لا لقصور قدرته عن صلاح الخلق وتدبيره ، وتصريفه في إظهار الملك وتسخيره ، وإنما ضرب لك بك مثالا في عالم الفناء ، لتستدل به على ترتيب الملك الإلهي في دار البقاء ، ولهذا جعل في هذه الدنيا ظلا زائلا ، وغرضا مائلا ، وجعلك عنها راحلا ، فهي جسر منصوب على بحر الهلاك ، قد أبادت من القرون الماضية ،

والأمم الخالية ، والجبابرة الطاغية ، والفضلاء ، والحكماء ، والأدباء ، والعقلاء ، والأولياء ، والأنبياء فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ( 8 ) [ الحاقة : 8 ] .

وأنت أيها الملك على قاعدة مذهبهم ، وعن قريب تلحق بهم ، فإمّا إلى النعيم في دار الخلود بجوار الصمد ، وإمّا إلى عذاب الأبد . فاجهد في تحصيل أدوات النجاة ، والبقاء فإن الدنيا متاع ، والآخرة خير لمن اتقى .

 



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!