موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب شق الجيب بعلم الغيب

يسمى أيضاً: در الدرر فى معرفة العالم الأكبر

ينسب للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

يحوي هذا الكتاب الكثير من أقوال الشيخ الأكبر وأشعاره، ولكن لا يمكن تأكيد صحة نسبة هذا الكتاب بكامله إلى الشيخ محي الدين ابن العربي. أغلب الظنّ أنه لكاتب لاحق وقد نقل من كتب الشيخ الأكبر.

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


فصل ومن ذلك حضرة موسوية ثم رجعنا نبتغي سماء الكلام

ومن ذلك :

حضرة موسوية ثم رجعنا نبتغي سماء الكلام ، لنقف على ما ورثناه من موسى عليه الصلاة والسلام ، فلما دخلنا عليه ، وخضعنا بين يديه ، سلّمنا وخدمنا ، فأكرمنا واحترمنا ، وجمع لنا بين إقبال الأخوّة والأبوّة ، إثبات الشرف مقام النبي محمد عليه الصلاة والسلام ووفى بمقام النبوة .

فقلنا له : ما حظّنا منك لنخبر به عنك ، وأوقفنا على ما لديك ، وما صرف الرحمن فيه النظر إليك .

فشال الحجاب ، وانفتح الباب من خلفه جنتان ،ذَواتا أَفْنانٍ،فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ،فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ،فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ،كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ.

فقال : هذا لمن حرم في دنياه الأمان .

ثم شال عن يساره الحجاب فانفتح الباب من خلفه جنّتان ،مُدْهامَّتانِ،فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ،فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌفِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ،حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ،لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ،مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ.

 

فقال : هنا لمن عاش بالأمانة وبقيت الأعيان ، فاطلب الأعيان بالعيان ، فشاهدنا ما أخبر اللّه به في السورة التي يذكر فيها :الرَّحْمنُ ( 1 ) عَلَّمَ الْقُرْآنَ ( 2 ) خَلَقَ الْإِنْسانَ ( 3 ) عَلَّمَهُ الْبَيانَ ( 4 )[ الرحمن : 1 - 4 ] غير أن جنى الجنتين ليس بدان ، فلما قصرت أيدينا عن تناول شيء منها ، سألته ما السبب الذي قصر بنا عنها .

 

فقال : يا ولي تناولها موقوف على التركيب الثاني ، إن فهمت بتعظيم معرفته الثاني وأنت في التركيب الأول فاصبر حتى تتحول .

فإذا سرت روحانيتك في جسمك ، ووسمت وسمك وعرفت سعادتك ، وتقف على سر حجرها وأحجارها ، فهنا يبدو لك شرف الاعتدال ، وصورة التمام والكمال ، ويظهر لعينك استواء المنحرف الميّال ، ويبقى العلم ويذهب الخيال ، وتتضح المعاني ويزول الإشكال ، وينحفظ التركيب باعتدال التركيب ، وتبرز حقيقة الأبد ، ويدوم البقاء بالديمومة الإلهية ، من غير أمد ، وتلوح كيفية التولد ، وماهية التعبد ، والتحاق الأجانب بالأقارب ، وتنوع المراتب باختلاف المذاهب ، وسرور الروح والنفس ، بتحصيل الجمال والأنس ، وتقف على سر إجابة دعوة المضطر ، وإن كان كافرا ، وهدى الطالب وإن كان جائرا ، وتعلم أن اللّه لا يضره معصية عاص ، ولا تنفعه طاعة طائع ، ولم يسم بالمانع ، والجوادّ ليس بالمانع .

 

ثم قال : نادى يا حنّان يا منّان ، يا رؤوف يا قديم الإحسان ، يا من جعل معدن النبوّة أشرف المعادن ، وموطن الأحكام أرفع المواطن ، أنت الذي سوّيت فعدّلت ، وفي أي صورة ما شئت ركّبت ما سويت .

يا واهب إذ لا واهب ، ويا مانح المثوبات لأهل المكاسب ، أنت الذي وهبت التوفيق ، وأخذت عبدك ومشيت به على الطريق ، وخلفت فيه الأعمال المرضيّة ، والأقوال الزكية ، وأنطقته بالتوحيد والشهادة ، ويسّرت له أسباب السعادة ، ثم أدخلته دارك ، ومنحته جوارك ،

وقلت له : هذا بعملك ولك ما انتهى إليه خاطر أملك ، فناديته كما أمرتني فأجاب ، وقرعت بابه بهذه الكلمات ففتح ورفع الحجاب . فلما تجلى ذلك الجبل الراسي ، وخررت على رأسي ، فانصرف الإدراك إلى القلب فأبصر ،

وقال : أين هذا من مقام اللّه أكبر .

قال : فأستره فيسترني فيبدو   ....   لذي السّترين آيات جسام

فمنها العين والتّحكيم فيها   ....   ومنها الانزعاج والاصطلام

أكاسير تردّ الميت حيّا   ....   ويمطر عند رؤيتها الجهام

فهذا للقرآن قد فكّرت فيه   ....   وجدت الحقّ حقّا يا غلام

 

ثم قال : إنّا نظمنا لك الدرر والجواهر في المسلك الواحد ، وأبرزنا لك القول في حضرة الفرق المتباعد ، ولهذا ترى الواقف عليها لا يكاد يعثر على سرّ النسبة التي أودعها لديك .

قال :

حمدت إلهي والمقام عظيم   ....   فأبدى سرورا والفؤاد كظيم

وما عجبي من فرحتي كيف قورنت   ....   بترحة قلب جلّ فيه عظيم

وما ناله الصّدّيق في وقت كونه   ....   وشمس سماء الغرب منه عديم

مذاق ولكن الفؤاد مشاهد   ....   إلى كلّ ما يبديه وهو كتوم

فأشخاصنا خمس وخمس وخمسة   ....   عليهم ترى أمر الوجود يقوم

ومن قال إنّ الأربعين نهاية   ....   لهم فهو قول يرتضيه كليم

وإن شئت أخبر عن ثمان ولا تزد   ....   طريقهم فرد إليه قويم

فسبعتهم في الأرض لا يجهلونها   ....   وثامنهم عند النّجوم لزيم

فعند فنا حاء الزّمان ودالها   ....   على فاء مدلول الكرور يقوم

مع السّبعة الأعلام والنّاس غفّل   ....   عليم بتدبير الأمور حكيم

وفي الرّوضة الخضراء اسم عداته   ....   وصاحبها بالمؤمنين رحيم

ويختصّ بالتّدبير من دون غيره   ....   إذا فاح زهر أو يهبّ نسيم

تراه إذ ناوأه في الأمر جاهل   ....   كثير الدّعاوى أو يكيد زنيم

فظاهره الإعراض عنه وقلبه   ....   غيور على الأمر العزيز زعيم

إذا ما بقي من يومه نصف ساعة   ....   إلى ساعة أخرى وحلّ صريم

فيهتزّ غصن العدل بعد سكونه   ....   ويحيى نبات الأرض وهو هشيم

ويظهر عدل اللّه شرقا ومغربا   ....   وشخص إمام المؤمنين رحيم

وقال :

تدبّر أيّها الحبر اللّبيب   ....   أمورا قالها الفطن المصيب

وحقّق ما رمى لك من معان   ....   حواها لفظه العذب العجيب

ولا تنظر إلى الأكوان تشقى   ....   ويتعب جسمك الفذّ الغريب

 

أمّا بعد حمد اللّه الذي تقدم ، والصلاة التي ختم بها الحمد وتمم .

ثم قال :

وكنت نويت أن أجعل في هذا الكتاب ما أوضحته تارة وأخفيه أخرى .

فأوّله أين يكون من هذه النسخة الإنسانية مقام الأنبياء ،

وثانيه مقام الإمام المهدي المنسوب إلى بيت النبي مقام الطيبين ، وأين يكون ختم الأولياء وطائفة الأصفياء إذ الحاجة إلى معرفة المقامين ، والإنسان آكد من كل مضاهاتها الأكوان الحدثان .

لكنني خفت نزعة العدوّ الشيطان ، أن يصرخ بي في حضرة السلطان .

فيقول على ما لا أنويه ، وأحصل من أجله في بيت التنويه فسترت الشاة بالقززان صيانة لهذا الجسمان .

ثم رأيت ما أودع الحق من الأسرار لديه ، وتوكلت في إبرازه عليه .

فجعلت هذا الكتاب لمعرفة هذين المقامين ومتى تكلمت على مثل هذا فأنا أذكر العالمين ، ليتبين الأمر للسامع في العالم الكبير الذي يعرفه ويعقله ، ثم أضاهيه بسرّه المودع في الإنسان الذي ينكره ويجهله ، فليس غرضي في كل ما أصنّف في هذا الفن معرفة كل ما ظهر في الكون ، وإنما الغرض تنبيه الغافل على ما وجد في هذا العين الإنساني ، والشخص الآدمي . ثم أبين لك ما يجهله من الشيء الذي تعقله وتعرفه بأولى الإشارات في أصداف العبارات .

 

تنبيه : ولما لم يتمكن القاصد للبيت العتيق

ولما لم يتمكن القاصد للبيت العتيق ، أن يصل إليه حتى يقطع كل فج عميق ، ويترك الإلف والوطن ، ويهجر الخلد والفطن ، ويفارق الأهل والولد ، ويستوحش في سيره من كل أحد ، حتى إذا وصل الميقات ، خرج من رقّ الأوقات ، وتجرد عن مخيطه ، وخرج من مركزه إلى بسيطه ، وأخذ يلبي من دعاه ، بشيء ما كان قبل ذلك وعاه فصعد وقد لاح له على علم الهدى ، ودخل الحرم ولثم الحجر .

فإن الطريق الذي سلكت عليه ، والمقام الذي طلبته وانفردت إليه ، هو مقام فردانية الأحد ، ونفي الكثرة والعدد ، لا يصح معه التعريج على كون ، ولا يقبل إلّا ما تحققه عين .

ولما لم تعلم بحوادث الكون همتي ، وتشوقت إليه كلمتي ، كان الحق سبحانه وتعالى وجهتي ، ونزهتي ، عن ملاحظة جهتي ، وكنت لا أشهد أينا ، ولا أبصر كونا .

 

ومن ذلك أقول :

أقول وروح القدس تنفث في النّفس   ....   بأنّ وجود الحقّ في العدد الخمس

ولكنّني أدعى على القرب والنّوى   ....   بلا كيف بالبعل الكريم وبالعرس

 

فقال :

فالجسم فلك بحر الجود يزعجه   ....   ريح من الغرب بالأسحار مشحون

وراكب الفلك ما دامت تسيّره   ....   ريح الشّريعة محفوظ وميمون

فلا تزال كموج الملّقيات به   ....   يقول للكائنات في الورى كونوا

فكلّ قلب سها عن سرّ حكمته   ....   في كلّ كون فذاك القلب مغبون

فافهم فديتك سرّ اللّه فيك ولا   ....   تظهره فهو عن الأغيار مكنون

وغر عليه وصنه ما حييت به   ....   فالسّرّ ميت بقلب الحرّ مدفون

ثم عطف عليّ عطف النشوان يغازلني مغازلة الهيمان ،

ويقول :

« ردّني برداء الكتم ، فإني أنا الختم . بفقدي تذهب الدول وتلحق الأواخر بالأول » .

قد كان ما كان ممّا لست أذكره   ....   فظنّ خيرا ، ولا تسأل عن الخبر

ثم قال :

فمن كان ذا كشف علوي ، وعزم قوي ، شقّ على قلبي حتى يرى شمس ربي .

فمن امتطى عنق الأشياء طلب ولحق ، ومن نزل إلى زلول الكتم نجا والتحق ، إلّا إن كان كما فعله وفعله من قبلي خفي رمز ، ودرج معنى في معمى ، ومن دون ذلك البحر المذكور أرخينا الستور .

ولمّا صحّ أن الختم متقدم الجماعة يوم قيام الساعة ، ثبت أن له حشرين ، وأنه صاحب حكمين . وصاحب هذا السرّ هو رهن بيدك وقد علق فلا تيأس ، وأمسك عليه فتنكس ، ووجه الأمر عند ذلك في إفشاء هذا السر المكتوم ، والكتاب المختوم إفشاء تعريض لا تصريح وإعلام وتنبيه وتنويه .

 

ولمّا تلقيت منه الأمر على هذا الحدّ ، دخلت تحت هذا العقد ، فلزمني الوفاء بالعهد ، فأنا الآن أبدي وأعرض ، وإيّاك أعني واسمعي يا جارة .

وكيف أبوح بسرّي ، وأبدي مكنون أمري ، وأنا الموصي به غيري ، فيما يوضح نظمي ونثري .

ثم قال :

نبّه على السّرّ ولا تفشه   ....   فالبوح بالسّرّ له مقت

على الّذي تبديه فاصبر   ....   واكتمه حتّى يصل الوقت

 

فمن كان له قلب وفطنة ، شغله طلب الحكمة عن البطنة ، ووقف على ما رمزناه ، وفك المعمى الذي لغزناه ، ولولا خوف إفشاء السرّ الإلهي لشافهنا به الوارد والصادر ، وجعلناه قوت المقيم وزاد المسافر .

واللّه الكفيل بالهداية إلى سواء السبيل .

ولو شاء لهداكم أجمعين .

 



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!