اعلم أنّ العدد سرّ من أسرار اللّه تعالى في الوجود وكلّ عدد مذكور في القرآن وفي الشرع فلمعني وهكذا خلق اللّه الموجودات متعدّدة من اثنين إلى اثني عشر وهي نهاية مراتب العدد.

فإنّ مراتب العدد أربع آحاد وعشرات ومائون وآلاف والأربعة أكمل العدد ونهاية كلّ واحد منها إلى تسعة ويأخذ في التكرار .

وإنّما قلنا أنّ الاثني عشر هي النهاية فإنّ العالم الإنسانيّ نهاية تركيبه بوجه م من اثني عشر فإنّه مركّب من أمّهات أربع ومولّدات أربع ونفس وعقل والإنسان والمرتبة وقد تولّع قوم بهذه الأعداد واستخرجوا منها علوما كثيرة ودلّوا بها على التوحيد وشرح ذلك يطول في هذا المختصر .

فلنرجع ونقول : إنّ الواحد إذا حملته على مثله بواسطة الواو لا بواسطة في فيظهر وجود الاثنين والواحد ليس بعدد ومنه ينشأ العدد وبعدمه يفني فتركّبه على الاثنين فيظهر وجود الثلاثة وعلى الثلاثة فيظهر وجود الأربعة وتنقصه من الألف فيزول الألف فهو أصل .

فأوّل الأعداد الشفعيّة الاثنان وأوّل الأعداد الفرديّة الثلاثة فالاثنان أصل لكلّ شفع أو زوج والثلاثة أصل لكلّ فرد أو وتر فالزوج مقدّم على الفرد تقدّما طبيعيّا ل يمكن خلافه فإنّ تقدّمه تقدّم طبيعيّ لا يمكن أبدا أن توجد الأربعة قبل الثلاثة ول الخمسة قبل الأربعة.

فإذا تقرّر هذا العدد محصورا في زوج وفرد فثمّ مواطن يغلب الزوج فيها الفرد وثمّ مواطن يغلب الفرد فيها الزوج وعلى الإنسان أن يحارب هواه وهوى غيره وإذا حاربه فل يخلو أن يحاربه في مباح أو في معصية .

فإذا حارب هواه فليغلّب الزوج على الفرد في معصية كان أو في مباح وإن حارب هوى غيره فليغلّب الفرد على الزوج إلّا إن كان في معصية فإنّه يغلّب الزوج على الفرد ،

فإنّ التوحيد توحيدان توحيد الأحديّة وهو توحيد العصاة من الأمّة الإسلاميّة وهو توحيد صحيح مركّب على أصل فاسد وتوحيد الفردانيّة وهو توحيد محمّد وموسى عم والعارفين العلماء من الأمّة الإسلاميّة وهو توحيد صحيح مركّب على أصل صحيح .

فتوحيد الأحديّة يغلب كلّ شيء في كلّ موطن فتحفّظ منه أن يصرفه عليك عدوّك وتوحيد الفردانيّة يغلب في مواطن ويغلب في مواطن فالتزمه في مواطن غلبته وإذا غلب فالتزم توحيد الأحديّة .

وهذا الباب يحتوي على أسرار عظيمة تركناها طلبا للاختصار فإنّها متشعّبة يتعلّق بعضها ببعض .

ويتوقّف فهم بعضها على فهم بعض فيكتفى هذه الإشارة للعارف