موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة مريم (19)

 

 


الآيات: 65-67 من سورة مريم

رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65) وَيَقُولُ الْإِنْسانُ إِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) وَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً (67)

«وَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ»

[ أودع اللّه في الإنسان علم كل شيء ]

الإنسان عالم بالذات إلا أنه ينسى ، فكل علم يحصل له إنما هو تذكّر ، ولا يشعر به أنه تذكر إلا أهل اللّه ، فإن اللّه أودع في الإنسان علم كل شيء ، ثم حال بينه وبين أن يدرك ما عنده مما أودع اللّه فيه ، ولقد خاطب الحق الإنسان وحده في هذه الآية لأنه المعتبر الذي وجد العالم من أجله ، وإلا فكل ممكن بهذه المثابة ، فما هو الإنسان مخصوص بهذا وحده بل العالم كله على هذا ، وهو من الأسرار الإلهية التي ينكرها العقل ويحيلها جملة واحدة ، وقربها من الذوات الجاهلة في حال علمها قرب الحق من العبد ، وهو قرب لا يدرك ولا يعرف إلا تقليدا ، ولولا إخباره ما دل عليه عقل ،

فكل ما يعلمه الإنسان دائما - وكل موجود - فإنما هو تذكر على الحقيقة وتجديد ما نسيه ، وليس المحال تعلق العلم بما لا يتناهى ، وإنما المحال دخول ما لا يتناهى في الوجود لا تعلق العلم به ، فإن الخلق أنساهم اللّه ذلك كما أنساهم شهادتهم بالربوبية في أخذ الميثاق مع كونه قد وقع ، وعرفنا ذلك بالإخبار الإلهي ،

فعلم الإنسان دائما إنما هو تذكّر ، فمنّا من إذا ذكرته تذكّر أنه قد كان علم ذلك المعلوم ونسيه ، ومنا من لا يتذكر ذلك مع إيمانه به أنه قد كان يشهد بذلك ، ويكون في حقه ابتداء علم ، ولولا أنه عنده ما قبله من الذي أعلمه ، ولكن لا شعور له بذلك ،

ولا يعلمه إلا من نور اللّه بصيرته «أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً» وكل ممكن بهذه المثابة ، ولكن الإنسان هو المعتبر الذي وجد العالم من أجله .

ومن وجه آخر أنه ما ادعى أحد الألوهية سواه من جميع المخلوقات ، وأعصى الخلائق إبليس ، وغاية جهله أنه رأى نفسه خيرا من آدم لكونه من نار ، لاعتقاده أنه أفضل العناصر ، وغاية معصيته أنه أمر بالسجود لآدم فتكبر في نفسه عن السجود لآدم لما ذكرناه وأبى ، فعصى اللّه في أمره فسماه اللّه كافرا ، فإنه جمع بين المعصية والجهل ، والإنسان ادعى أنه الرب الأعلى ، فلهذ


خص بالخطاب في قوله «وَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ» أي قدّرناه في حال شيئيته المتوجه عليها أمرنا إلى شيئية أخرى ، لقوله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ)

يعني في حال عدمه (أن نقول له كن فيكون) وكن كلمة وجودية من التكوين ،

فسماه شيئا في حال لم تكن فيه الشيئية المنفية بقوله «وَلَمْ يَكُ شَيْئاً» نبهه على أصله ،

فأنعم عليه بشيئية الوجود ، فأحاله على هذه الصفة أن يكون مستحضرا لها ، فإن اللّه لما امتن علينا بالاسم الرحمن ، وتولانا منه سبحانه ابتداء الرحمة ، أخرجنا من الشر الذي هو العدم إلى الخير الذي هو الوجود ، ولهذا امتن اللّه تعالى بنعمة الوجود

فقال «وَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً» يريد منك في شيئيتك أن تكون معه كما كنت وأنت لا هذه الشيئية ،

فالمراد من كل ما سوى اللّه أن يعبد اللّه ، فإن الإنسان لما قال منكرا (إِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا)

أحاله اللّه تعالى على نشأته الأولى ،

فقال «وَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً» وهذا فيه وجهان :

الوجه الواحد ،أن هذا الذي يقال له الإنسان لم يك قبل ذلك إنسانا ، فشيئا هنا معناه إنسانا ، كما تقول في جسد الإنسان إذا مات إنه إنسان بحكم المجاز ، أي قد كان إنسانا ، فإنه لا يتغذى ولا يحس ولا ينطق ، ومتى بطلت الأوصاف الذاتية بطل الموصوف ، فقد كان الإنسان قبل أن يطلق عليه اسم إنسان ترابا وماء وهواء ونارا وروحا قدسيا إلهيا ،

وقد كان دما ثم انتقل نطفة وهي نشأة الأين ، وقد كان ذلك الدم برّا ولحما وشحما وفاكهة وغير ذلك من المطعومات ، فقد كان الإنسان أشياء لكن لم يكن إنسانا .

والوجه الآخر، أن يكون قد أحاله على حقيقته الأولى التي هو فيها الإنسان بالقوة ، وهو أول البدء ، وهو شيء من لا شيء ولا كان شيئا ، وأحاله في هذه الآية على النظر الفكري الذي يستدل به على معرفة الفاعل

- نصيحة –

اعلم أنه ما يكون منك ولا تمتحن وتختبر حتى تمكّن من نفسك وتجعل قواك لك ، ويسدل الحجاب بينك وبين ما هي الأمور عليه ، حتى ترى ما يستخرج منك ، هذه هي الفتنة ، فإذا أراد الرجل التخلص من هذه الورطة ،

فلينظر إلى الأصل الذي كان عليه قبل الفتنة ،

وقد أحالك اللّه عليك إن تفطنت بقوله «وَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً» فانظر إلى حالك مع اللّه إذ لم تكن شيئا وجوديا ، ما كنت عليه مع الحق ؟

فلتكن مع اللّه في شيئية وجودك على ذلك الحكم ، لا تزد على ذلك شيئا إلا ما اقتضاه الخطاب فقف عنده ، فإنه من بقي في حال وجوده مع


اللّه كما كان في حال عدمه فذلك الذي أعطى اللّه حقه ، ومن ادعى مع اللّه في نعته وزاحمه في صفاته أحاله من دائه العضال على استعمال دواء «وَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً» يقول له : كن معي في شيئية وجودك كما كنت إذ لم تكن موجودا ، فأكون أنا على ما أنا عليه ، وأنت على ما أنت عليه .


المراجع:

(67) الفتوحات ج 3 / 415 - ج 2 / 686 ، 95 ، 686 ، 95 ، 62 ، 95 ، 13 -كتاب القسم الإلهي - الفتوحات ج 4 / 433 - ج 1 / 736

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!