موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة الأنبياء (21)

 

 


الآية: 30 من سورة الأنبياء

وَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ فَلا يُؤْمِنُونَ (30)

«كانَتا رَتْقاً»

- الوجه الأول -أي غير متميزة «فَفَتَقْناهُما» أي ميزنا بعضها عن بعض ليميز أعيانها ففتق الأرض بما أخرج فيها من معدن ونبات وحيوان ، فكان إيجادا عند دوران الأفلاك بعد تقدير-الوجه الثاني -اعلم أن اللّه تعالى قد جعل هذه الأرض بعد ما كانت رتقا كالجسم الواحد كما كانت السماء ، ففتق رتقها وجعلها سبعة أطباق كما فعل بالسماوات ،

فقوله تعالى : «كانَتا رَتْقاً» أي كل واحدة منهما مرتوقة ، «فَفَتَقْناهُما» يعني فصل بعضها من بعض حتى تميزت كل واحدة عن صاحبتها ،

كما قال : «خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ» أي فصل كل سماء على حدة بعد ما كانت رتقا ، إذ كانت دخانا فإن الحق استوى إلى السماء وكانت واحدة ، ففتقها وسواها سبع سماوات طباقا ، فدارت بأفلاكها وفتق الأرض إلى سبع أرضين ، سماء أولى لأرض أولى ، وثانية لثانية إلى سبع ،

ولما كان الأصل في وجودها الماء لهذا قال : «وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ» تنسب عندنا الحياة لكل حي بحسب حقيقة المنعوت بها ، وما في العالم إلا حي ، لا كمن لا يرى الحياة إلا في غير الجماد والنامي ، فالجماد في نظرك هو حي في نفس الأمر ، وأما الموت فهو مفارقة حي مدبّر لحي مدبّر ، فالمدبر والمدبر حي ، والمفارقة نسبة عدمية لا وجودية ، إنما هو عزل عن ولاية ، فكل شيء حي ، فإن كل شيء مسبح للّه بحمده ، وهذا الماء هو الماء الذي هو أصل في وجود كل شيء وبه حياته ، ولحياته وصف بالتسبيح ، وهو غير هذا الماء المركب البسيط المعهود ، فالماء أصل الحياة في الأشياء ، فهو سر الحياة ، حتى العرش لما خلقه اللّه ما كان إلا على الماء ، فسرت الحياة فيه منه ، ومن هذا الماء كانت حياة الجان وهم لا يشعرون ، وحياة العرش وما حوى عليه من المخلوقات ،

فإن اللّه يقول : «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ» فجاء بالنكرة ، ولا يسبح إلا حي ، وأما الماء العنصري فأصله من نهر الحياة الطبيعية الذي فوق الأركان ، وهو الذي ينغمس فيه جبريل كل يوم غمسة ، وينغمس فيه أهل النار إذا خرجوا منها بالشفاعة ، فهو الماء الذي قال تعالى فيه : «وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ» ثم سرت منه الحياة في الماء العنصري ، وأما في عالم الاستحالة فاعلم أن العرش الملك ، وما تم الملك وكمل إلا في عالم الاستحالة ، وهو عالم الأركان الذي أصله


الماء ، والماء هو الركن الأعظم من العناصر الأربعة وهي الماء والهواء والنار والتراب ، ولولا عالم الاستحالة ما كان اللّه يصف نفسه بأنه كل يوم في شأن ، فالعالم يستحيل والحق في شأن حفظ وجود أعيانه يمده بما به بقاء عينه من الإيجاد ، فهو الشأن الذي هو الحق عليه ، فلما كان الماء أصلا لكل حي قال تعالى : «وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ» فالماء أصل العناصر والاسطقسات «1» ، وهو أصل لكل حياة عرضية لا ذاتية ، فبالماء حياة الأحياء لما فيه من سر الإحياء ، فإن اللّه جعل الماء رزقا لكل حي لأنه بارد رطب ، والعالم في عينه غلبت عليه الحرارة واليبوسة ، وسبب ذلك أن العالم مقبوض عليه قبضا لا يتمكن له الانفكاك عنه ، لأنه قبض إلهي واجب على كل ممكن ، فلا يكون إلا هكذا ، والانقباض في المقبوض يبس بلا شك ، فغلب عليه اليبس ، فهو يطلب بذاته لغلبة اليبس ما يلين به ويرطب ، فتراه محتاجا من حيث يبسه إلى الرطوبة ، وأما احتياجه إلى البرودة لأن العالم ممكن لا يصح له أن يكون مطلق الوجود يفعل ما يريد ، وهو يريد هذه المرتبة ولا ينال مطلوبه ، فيدركه الغبن فيحمى ، فتغلب الحرارة عليه فيتأذى ، فيخاف الانعدام فيجنح إلى طلب البرودة ليسكن بها ما يجده من ألم الحرارة ويحيي بها نفسه ، ويبس القبض الذي هو عليه يطلب الرطوبة ، فنظر الاسم الرزاق في غذاء يحيا به يكون باردا ، ليقابل الحرارة وسلطانها ويكون رطبا فيقابل به سلطان اليبس ، فوجد الماء باردا رطبا فجعل منه كل شيء حي في كل صنف صنف بما يليق به ، فكل شيء من الماء عينه ومن الهواء حياته ، حتى حيوان البحر الذي يموت إذا فارق الماء ما حياته إلا بالهواء الذي في الماء ، لأنه مركب ، فيقبل الهواء بنسبة خاصة ، وهو أن يمتزج بالماء امتزاجا لا يسمى به هواء ، كما أن الهواء المركب فيه الماء وبه يكون مركبا ، لكن امتزاج الماء به امتزاجا خاصا لا يسمى به ماء ، فإذا كانت حياة الحيوان بهواء الماء مات عند فقده ذلك الهواء الخاص ، وكذلك حيوان البر إذا غرق في الماء مات لأن حياته بالهواء الذي مازجه الماء ، لا بالماء الذي مازجه الهواء ، وثم حيوان بري بحري ، وهو حيوان شامل برزخي ، له نسبة إلى قبول الهواءين ، فيحيى بالهواء كما يحيى البري


(1) الأسطقس هو الأصل بلغة اليونان وكذان العنصر بلغة العرب إلا أن إطلاق الاسطقسات عليها باعتبار أن المركبات تتألف منها وإطلاق العناصر باعتبار أنها تنحل إليها فلوحظ في إطلاق لفظ الأسطقس معنى الكون وفي إطلاق لفظ العنصر معنى الفساد (كتاب التعريفات للجرجاني) ويقال إن الاسطقسات الطبائع الأربعة .


ويحيى في الماء كما يحيى البحري ، وبالهواء تكون حياته في الموضعين ، والماء أصله من كونه حيا ، ثم قال تعالى : «فَلا يُؤْمِنُونَ» أي يصدقون بذلك وبما يرونه من حياة الأرض بالمطر ، وحياة الأشجار بالسقي ، حتى الهواء إن لم يكن فيه مائية وإلا أحرق ، وإنما قرن به الإيمان لجواز خلافه عقلا ، الذي هو ضد الواقع «فَلا يُؤْمِنُونَ» وينظرون في قولنا : (مِنَ الْماءِ) *فيعلمون طبع الماء وأثره ، وفيمن يؤثر وما يدفع به ، فيعلم أن العالم موصوف بنقيض ما يقتضيه الماء فيحكم عليه به ، فإن الواقع في العالم غلبة الحرارة واليبوسة عليه لما ذكرناه ، فثار عليه سلطان الحرارة واليبس ، فلم تكن حياة إلا ببارد رطب فكان الماء .


المراجع:

(30) الفتوحات ج 1 / 293">293 - إيجاز البيان - الفتوحات ج 2 / 455 - ج 1 / 140 - إيجاز البيان - الفتوحات ج 1 / 293">293 - ج 3 / 324 ، 1 / 293">293، 332 - ج 2 / 174 - ج 1 / 133 - ج 2 / 452 ، 219 ، 174 ، 219 - ج 4 / 356 - ج 2 / 462 - ج 4 / 219 - ج 2 / 436

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!