موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة الحج (22)

 

 


الآية: 26 من سورة الحج

وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)

يا كعبة طاف بها المرسلون *** من بعد ما طاف بها المكرمون

ثم أتى من بعدهم عالم *** طافوا بها من بين عال ودون

أنزلها مثلا إلى عرشه *** ونحن حافون لها مكرمون

فإن يقل أعظم حاف به *** إني أنا خير فهل تسمعون

واللّه ما جاء بنص ولا *** أتى لنا إلا بما لا يبين

هل ذاك إلا النور حفت به ***أنوارهم ونحن ماء مهين

فانجذب الشيء إلى مثله *** وكلنا عبد لديه مكين

هلا رأوا ما لم يروا أنهم *** طافوا بما طفنا وليسوا بطين

لو جرد الألطف منا استوى ***على الذي حفوا به طائفين


قدّسهمو أن يجهلوا حق من *** قد سخر اللّه له العالمين

لما نسب اللّه تعالى البيت إليه بالإضافة في قوله : «وَطَهِّرْ بَيْتِيَ» جعله نظيرا ومثالا لعرشه ، وجعل الطائفين به من البشر كالملائكة الحافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم ، أي بالثناء على ربهم تبارك وتعالى .

قلت عند الطواف كيف أطوف *** وهو عن درك سرنا مكفوف

جلمد غير عاقل حركاتي *** قيل أنت المحير المتلوف

انظر إلى البيت نوره يتلألأ *** لقلوب تطهرت مكشوف

نظرته باللّه دون حجاب *** فبدا سره العلي المنيف

وتجلى لها من أفق جلالي *** قمر الصدق ما اعتراه خسوف

لو رأيت الولي حين يراه *** قلت فيه مدله ملهوف

يلثم السر في سواد يميني *** أي سر لو أنه معروف

جهلت ذاته فقيل كثيف *** عند قوم وعند قوم لطيف

قال لي حين قلت لم جهلوه *** إنما يعرف الشريف الشريف

عرفوه فلازموه زمانا *** فتولاهم الرحيم الرؤوف

واستقاموا فما يرى قط فيهم *** عن طواف بذاته تحريف

قم فبشر عني مجاور بيتي *** بأمان ما عنده تخويف

إن أمتهم فرحتهم بلقائي *** أو يعيشوا فالثوب منهم نظيف

ولنا أيضا :

أرى البيت يزهو بالمطيفين حوله *** وما الزهو إلا من حكيم له صنع

وهذا جماد لا يحس ولا يرى *** وليس له عقل وليس له سمع

فقال شخيص هذه طاعة لنا *** قد أثبتها طول الحياة لنا الشرع

فقلت له هذا بلاغك فاستمع *** مقالة من أبدى له الحكمة الوضع

رأيت جمادا لا حياة بذاته *** وليس له ضر وليس له نفع

ولكن لعين القلب فيه مناظر *** إذا لم يكن بالعين ضعف ولا صدع


يراه عزيزا إن تجلى بذاته *** فليس لمخلوق على حمله وسع

فكنت أبا حفص وكنت عليّن ***فمني العطاء الجزل والقبض والمنع

- إشارة لا تفسير -لما جعل اللّه قلب عبده بيتا كريما وحرما عظيما ، ذكر أنه وسعه حين لم يسعه سماء ولا أرض ، علمنا قطعا أن قلب المؤمن أشرف من هذا البيت ، وجعل الخواطر تمر عليه كالطائفين ولما كان في الطائفين من يعرف حرمة البيت فيعامله في الطواف به بما يستحقه من التعظيم والجلال ، ومن الطائفين من لا يعرف ذلك فيطوفون به بقلوب غافلة لاهية وألسنة بغير ذكر اللّه ناطقة ، بل ربّما يطوفون بفضول من القول وزور ، كذلك الخواطر التي تمر على قلب المؤمن منها مذموم ومنها محمود ، وكما كتب اللّه طواف كل طائف للطائف بالبيت على أي حالة كان ، وعفا عنه فيما كان منه ،

كذلك الخواطر المذمومة عفا اللّه عنها ، ما لم يظهر على ظاهر الجوارح إلى الحس ، فقلب العبد المؤمن أعظم علما وأكثر إحاطة من كل مخلوق ، فإنه محل لجميع الصفات ، وارتفاعه بالمكانة عند اللّه لما أودع اللّه فيه من المعرفة به ،

ولما كان للبيت أربعة أركان ، فللقلب خواطر أربعة ، خاطر إلهي وهو ركن الحجر ، وخاطر ملكي وهو الركن اليمني ، وخاطر نفسي وهو الركن الشامي ، وهذه الثلاثة الأركان هي الأركان الحقيقية للبيت من حيث أنه مكعب الشكل ،

وعلى هذا الشكل قلوب الأنبياء مثلثة الشكل ، ليس للخاطر الشيطاني فيها محل ، ولما أراد اللّه ما أراد من إظهار الركن الرابع جعله للخاطر الشيطاني ، وهو الركن العراقي ،

وإنما جعلنا الخاطر الشيطاني للركن العراقي ، لأن الشارع شرع أن يقال عنده : أعوذ باللّه من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق،

وبالذكر المشروع عند كل ركن تعرف مراتب الأركان ، وعلى هذا الشكل المربع قلوب المؤمنين ، وما عدا الرسل والأنبياء المعصومين ، ليميز اللّه رسله وأنبياءه من سائر المؤمنين بالعصمة التي أعطاهم وألبسهم إياها ،

فليس لنبي إلا ثلاثة خواطر ،إلهي وملكي ونفسي، وكما أن اللّه تعالى أودع في الكعبة كنزا كذلك جعل اللّه في قلب العارف كنز العلم باللّه ، فشهد للّه بما شهد به الحق لنفسه من أنه لا إله إلا اللّه ، ونفى هذه المرتبة عن كل ما سواه ، فقال تعالى : (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ)

فجعلها كنزا في قلوب العلماء باللّه:

فاللّه بيته قلب عبده المؤمن ،

والبيت بيت اسمه تعالى ،

والعرش مستوى الرحمن ،

فبين القلب والعرش في المنزلة ما بين الاسم اللّه والاسم الرحمن ، فإن مشهد الألوهية أعم ، لإقرار


الجميع ، فما أنكر أحد اللّه ، وأنكر الرحمن ، فإنهم قالوا : [ وما الرحمن ؟ ]

ولما كان الحج لبيت اللّه الحرام تكرار القصد في زمان مخصوص ، كذلك القلب تقصده الأسماء الإلهية في حال مخصوص ، إذ كل اسم له حال خاص يطلبه ، فمهما ظهر ذلك الحال من العبد طلب الاسم الذي يخصه ، فيقصده ذلك الاسم ، فلهذا تحج الأسماء الإلهية بيت القلب ، وقد تحج إليه من حيث أن القلب وسع الحق ، والأسماء تطلب مسماها ، فلا بد لها أن تقصد مسماها ، فتقصد البيت الذي ذكر أنه وسعه السعة التي يعلمها سبحانه ، والعمرة التي هي الزيارة بمنزلة الزور الذي يخص كل إنسان ، فعلى قدر اعتماره تكون زيارته لربه . فالطائفون بالكعبة كالحافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم ، فيلزم الطائف التسبيح في طوافه والتحميد والتهليل وقول : [ لا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم ]

جسم يطوف وقلب ليس بالطائف *** ذات تصدّ وذات ما لها صارف

يدعى وإن كان هذا الحال حليته *** هذا الإمام الهمام ألهمهم العارف

هيهات هيهات ما اسم الزور يعجبني *** قلبي له من خفايا مكره خائف

ولما كان الحج تكرار القصد سمي تكرار الخواطر حج .


المراجع:

(26) الفتوحات ج 1 / 50 ، 665 ، 47 ، 48 ، 666 ، 699 ، 702

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!