موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة الحج (22)

 

 


الآية: 31 من سورة الحج

حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)

" حُنَفاءَ لِلَّهِ» فيكون العبد من المخلصين ويكون الدين مستخلصا من الشيطان ، أو من الباعث عليه من خوف ورغبة وجنة ونار ، فيميل العبد به عن الشريك ولهذا قال فيه : «حُنَفاءَ لِلَّهِ» أي مائلين إلى جانب الحق- الذي شرعه وأخذه على المكلفين - من جانب الباطل «وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ» وهو مثل قوة حكم النفس «فِي مَكانٍ سَحِيقٍ» .


[سورة الحج (22) : آية 32]

ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)

[ شعائر اللّه أعلامه ]

شعائر اللّه أعلامه ، وأعلامه الدلائل الموصلة إليه ، وكل شعيرة منها دليل على اللّه من حيث أمر ما خاص أراده اللّه وأبانه لأهل الفهم من عباده ، فيتفاضلون في ذلك على قدر فهمهم ، والشعائر ما دق وخفي من الدلائل ، وأخفاها وأدقها في الدلالة الآيات المعتادة ، فهي المشهودة المفقودة ، والمعلومة المجهولة ، فإذا رأيت ما يقال فيه إنه من شعائر اللّه وتجهل أنت صورته من الشعائر ، ولا تعلم ما تدل عليه هذه الشعيرة فاعلم أن تلك الشعيرة ما خاطبك الحق بها ولا وضعها لك ، وإنما وضعها لمن يفهمها عنه ، ولك أنت شعيرة أيضا غيرها ، وهي كل ما تعرف أنها دلالة لك عليه ، فقف عندها وقل رب زدني علما ، فيقوى فهمك فيما أنزله ويعلمك ما لم تكن تعلم ، فليس في العالم عين إلا وهو من شعائر اللّه من حيث ما وضعه الحق دليلا عليه ، ولما كان الشرف للموجودات إنما هو من حيث دلالتها على اللّه وجب تعظيمها ، فوصف من يعظم شعائر اللّه بقوله : «وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها» أي الشعائر عينها ، وهي الأعلام والدلالات والأسباب التي وضعها اللّه تعالى في العالم شعائر وأعلاما لما يريد تكوينه وخلقه من الأشياء ، لما سبق في علمه أن يربط الوجود بعضه ببعضه ، ودل الدليل على توقف وجود بعضه على بعضه ، فالتعظيم لها ضرب من العلم به تعالى ، «مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ» فمن عظمها فهو تقي في جميع تقلباته ، فإن القلوب من التقليب ، لأنه لما كان الدليل يشرف بشرف المدلول ، والعالم دليل على وجود اللّه ، فالعالم شريف كله ، فلا يحتقر شيء منه ولا يستهان ، فإن اللّه ما حقره لما علق القدرة بإيجاده ، فما ثم تافه ولا حقير ، فإن الكل شعائر اللّه ، فإن احتقار شيء من العالم لا يصدر من تقي يتقي اللّه .

- الوجه الثاني- «فَإِنَّها» يعني العظمة ، والعظمة راجعة لحال المعظم بكسر الظاء اسم فاعل ، لذلك فهي حالة القلب فقال : «مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ» أي فإن عظمتها من تقوى القلوب ، فإن كل شيء من العالم إذا نظرته بتعظيم اللّه لا بعظمته فهو عظيم وهو الأدب ، فإنه لا ينبغي أن ينسب إلى العظيم إلا ما يستعظم ، فإنه تعظم عظمته في نفس من نظره بهذا النظر ، وما قال سبحانه إن ذلك من تقوى النفوس ، ولا من تقوى الأرواح ، ولكن قال من تقوى القلوب ، لأن الإنسان يتقلب في الحالات مع الأنفاس ، ومن يتق اللّه في كل


تقلب يتقلب فيه فهو غاية ما طلب اللّه من الإنسان ، ولا يناله إلا الأقوياء الكمل من الخلق ، لأن الشعور بهذا التقليب عزيز ، ولهذا قال شعائر اللّه أي هي تشعر بما تدل عليه ، وما تكون شعائر إلا في حق من يشعر بها ، ومن لا يشعر بها وهم أكثر الخلق فلا يعظمها ، فإذا لا يعظمها إلا من قصد اللّه في جميع توجهاته وتصرفاته كلها ، ولهذا ما ذكرها اللّه إلا في الحج الذي هو تكرار القصد ، ولما كان القصد لا يخلو عنه إنسان كان ذكر الشعائر في آية الحج وذكر المناسك ، وهي متعددة أي في كل قصد ، ثم إن كل شعائر اللّه في دار التكليف قد حد لها للمكلف في جميع حركاته الظاهرة والباطنة حدودا عمت جميع ما يتصرف فيه روحا وحسا بالحكم ، وجعلها حرمات له عند هذا المكلّف ، فقال : «وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ» وتعظيمها أي يبقيها حرمات كما خلقها اللّه في الحكم ، وهذا لا يكون إلا من تقوى القلوب ، فكل شيء في العالم أوجده اللّه لا بد أن يكون مستندا في وجوده إلى حقيقة إلهية ، فمن حقره واستهان به فإنما حقر خالقه واستهان به ، لأن كل ما في الوجود حكمة أوجدها اللّه ، لأنه صنعة حكيم ، فلا يظهر إلا ما ينبغي لما ينبغي كما ينبغي ، فمن عمي عن حكمة الأشياء فقد جهل ذلك الشيء ، ومن جهل كون ذلك الأمر حكمة فقد جهل الحكيم الواضع له ، ولا شيء أقبح من الجهل ، ولا تكون التقوى من جاهل ، والشعائر وإن كانت عظيمة في نفسها بما تدل عليه وعظيمة من حيث إن اللّه أمر بتعظيمها ، فموجدها وخالقها الآمر بتعظيمها أكبر منها وأعظم ، وما يقوم بحق التعظيم إلا من عظمه باستمرار الصحبة ، لا من عظمه عندما فجأه ، ذلك تعظيم الجاهل ، فمن عاين الخلق الجديد لم يزل معظما للشعائر الإلهية .


المراجع:

(31) الفتوحات ج 4 / 57 - ج 3 / 485

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!