موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة الحج (22)

 

 


الآيات: 42-43 من سورة الحج

وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43)


[سورة الحج (22) : الآيات 44 إلى 46]

وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (44) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45) فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)

[ عماء البصر والقلب ]

«فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها» ما جعلها عقلا إلا ليعقل عنه العبد بها ما يخاطبه بها ، فاعلم أيدك اللّه أن العلم تحصيل القلب أمرا ما على حد ما هو عليه ذلك في نفسه ، معدوما كان ذلك الأمر أو موجودا ، فالعلم هو الصفة التي توجب التحصيل من القلب ، والعالم هو القلب والمعلوم هو ذلك الأمر المحصل ، فالقلب مرآة مصقولة كلها وجه لا تصدأ أبدا ، فإن أطلق يوما عليها أنها صدئت كما قال عليه السلام إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد - الحديث - وفيه أن جلاءها ذكر اللّه وتلاوة القرآن ، فليس المراد بهذا الصدأ أنه طخاء طلع على وجه القلب ، ولكنه لما تعلق واشتغل بعلم الأسباب عن العلم باللّه كان تعلقه بغير اللّه صدأ على وجه القلب لأنه المانع من تجلي الحق إلى هذا القلب ، لأن الحضرة الإلهية متجلية على الدوام لا يتصور في حقها حجاب عنا ، فلما لم يقبلها هذا القلب من جهة الخطاب الشرعي المحمود لأنه قبل غيرها ، عبر عن قبول ذلك الغير بالصدإ والكن والقفل والعمى والران وغير ذلك ، فالقلوب أبدا لم تزل مفطورة على الجلاء مصقولة صافية ، فكل قلب تجلت فيه الحضرة الإلهية فذلك قلب المشاهد المكمل العالم ، ومن لم تتجل له من كونها من الحضرة الإلهية فذلك هو القلب الغافل عن اللّه تعالى المطرود من قرب اللّه تعالى - تحقيق - اعلم أن اللّه تعالى ابتلى الإنسان ببلاء ما ابتلى به أحدا من خلقه ، إما لأن يسعده أو يشقيه ، على حسب ما يوفقه إلى استعماله ، فكان البلاء الذي ابتلاه به أن خلق فيه قوة تسمى الفكر ، وجعل هذه القوة خادمة لقوة أخرى تسمى العقل ، وجبر العقل مع سيادته على الفكر أن يأخذ منه ما يعطيه ، ولم يجعل للفكر مجالا إلا في القوة الخيالية وجعل سبحانه القوة الخيالية محلا جامعا لما تعطيه القوة الحساسة ، وجعل له قوة يقال لها المصورة ، فلا يحصل في القوة الخيالية إلا ما أعطاه الحس ، أو أعطته القوة المصورة من المحسوسات ،

وذلك


لأن العقل خلق ساذجا ليس عنده من العلوم النظرية شيء ، وقيل للفكر ميز بين الحق والباطل الذي في هذه القوة الخيالية ، فينظر بحسب ما يقع له ، فقد يحصل في شبهة ، وقد يحصل في دليل عن غير علم منه بذلك ، ولكن في زعمه أنه عالم بصور الشبه من الأدلة ، وأنه قد حصل على علم ، ولم ينظر إلى قصور المواد التي استند إليها في اقتناء العلوم فيقبلها العقل منه ويحكم بها ، فيكون جهله أكثر من علمه بما لا يتقارب ، ثم إن اللّه كلّف هذا العقل معرفته سبحانه ليرجع إليه فيها لا إلى غيره ، ففهم العقل نقيض ما أراد به الحق ، فاستند إلى الفكر وجعله إماما يقتدى به ، وغفل عن الحق في مراده بالتفكر ، أنه خاطبه أن يتفكر فيرى أن علمه باللّه لا سبيل إليه إلا بتعريف اللّه ، فيكشف له عن الأمر على ما هو عليه ، فلم يفهم كل عقل هذا الفهم ، إلا عقول خاصة اللّه من أنبيائه ، وأوليائه ، فالذي ينبغي للعاقل أن يدين اللّه به في نفسه أن يعلم أن اللّه على كل شيء قدير ، نافذ الاقتدار ، واسع العطاء ، ليس لإيجاده تكرار ، بل أمثال تحدث في جوهر أوجده ، وشاء بقاءه ، ولو شاء أفناه مع الأنفاس «أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ» فإنها أدركت بلا شك ، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : لولا تزييد في حديثكم وتمريج في قلوبكم لرأيتم ما أرى ولسمعتم ما أسمع «وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ» وهي أعين البصائر ، تعمى عن النظر في مقدمات الأدلة وترتيبها «وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ» فبين مكان القلوب ، وهذا يؤيد ما ذهبنا إليه ، من أن مركز الروح وهو الخليفة المستخلف على الجسم إنما هو القلب ، فليست الإشارة للقلب النباتي فإن الأنعام يشاركوننا في ذلك ، لكن للسر المودع فيه وهو الخليفة ، والقلب النباتي قصره ، قال صلّى اللّه عليه وسلم: إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد وإذا فسدت فسد سائر الجسد ألا وهي القلب ، فالقلب النباتي لا فائدة له إلا من حيث هو مكان لهذا السر المطلوب ، المتوجه عليه الخطاب ، والمجيب إذا ورد السؤال ، والباقي إذا فني الجسم والقلب النباتي ، فنقول كذلك إذا صلح الإمام صلحت الرعية وإذا فسد فسدت ، بذا جرت العادة وارتبطت الحكمة الإلهية ، فالقلب ما دام في الصدور فهو أعمى لأن الصدر حجاب عليه ، فإذا أراد اللّه أن يجعله بصيرا خرج عن صدره فرأى ، فالأسباب صدور الموجودات ، والموجودات كالقلوب ، فما دام الموجود ناظرا إلى السبب الذي صدر عنه كان أعمى عن شهود اللّه الذي أوجده ، فإذا أراد اللّه أن يجعله بصيرا ترك النظر إلى السبب الذي أوجده


اللّه عنده ، ونظر من الوجه الخاص الذي من ربه إليه في إيجاده جعله اللّه بصيرا ، فالأسباب كلها ظلمات على عيون المسببات ، وفيها هلك من هلك من الناس ، فالعارفون يثبتونها ولا يشهدونها ، ويعطونها حقها ولا يعبدونها ، وما سوى العارفين يعاملونها بالعكس ، يعبدونها ولا يعطونها حقها ، بل يغصبونها فيما تستحقه من العبودية التي هي حقها ويشهدونها ولا يثبتونها ، والعالم لم يزل في المعنى تحت تأثير الأسباب ، فإن الأسباب محال رفعها ، وكيف يرفع العبد ما أثبته اللّه ليس له ذلك ، ولكن الجهل عم الناس فأعماهم وحيرهم وما هداهم ، واللّه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ، بالروح الموحى من أمر اللّه ، فيهدي به من يشاء من عباده ، فقد أثبت الهداية بالروح ، وهذا وضع السبب في العالم ، فالوقوف عند الأسباب لا ينافي الاعتماد على اللّه ، ولهذا جعل سبحانه الأسباب مسببات لأسباب غيرها من الأدنى حتى ينته فيها إلى اللّه سبحانه ، فهو السبب الأول لا عن سبب كان به ، فالقلب في الصدور هو الرجوع لا واحد الصدور ، فإنا عن الحق صدرنا من كوننا عنده في الخزائن ، كما أعلمنا فعلمنا ، فهو صدور لم يتقدّمه ورود ، فالحق المعتقد في القلب هو إشارة إلى القلب ، فاقلب تجد ما ثبت في المعتقد ،

فقوله تعالى : «وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ»

على الوجهين الواحد من الوجهين للحصروهي الصدور المعلومة والثاني للرجوع إلى الحق ، ومن وجه آخر تعمى القلوب التي في الصدور عن الحق والأخذ به ، فلو كانت غير معرضة عن الحق مقبلة عليه لأبصرت الحق فأقرت له بالربوبية في كل شيء ، فلما صدرت عن الحق بكونها ولم تشهده في عينها عميت في صدورها عمن أوجدها ، فإن عمى القلوب أشد من عمى الأبصار ، فإن عمى القلوب يحول بينك وبين الحق ، وعمى البصر الذي لم يرقط صاحبه ليس يحول إلا بينك وبين الألوان خاصة ، ليس له إلا ذلك ، وهذا العمى من الحجب التي احتجب بها الخلق عن اللّه ، وكذلك الصمم والقفل والكن .


المراجع:


 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!