The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi
The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة العنكبوت (29)

 

 


الآيات: 53-56 من سورة العنكبوت

وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (53) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (54) يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55) يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56)


[تفسير من باب الإشارة : «إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ" ]

" إِنَّ أَرْضِي " فأضافها إليه أشد إضافة من قوله : (لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ) فهي إضافة خاصة ، ثم قال : «واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ» يعني فيها ، ومما تعطيه هذه الآية من وجه من الوجوه لطبقة خاصة من المؤمنين أنهم نظروا ما هي أرض اللّه ؟

فقالوا : كل أرض موات لا يكون عليها ملك لغير اللّه ، فتلك أرضه الخاصة به ، المضافة إليه ، البرئة من الشركة فيها ، البعيدة عن المعمور ، فإن الأرض الميتة القريبة من العمران يمكن أن يصل إليها بعض الناس فيحييها فيملكها بإحيائها ، والبعيدة من العمران سالمة من هذا التخيل ، فقالوا ما أمرنا اللّه بالعبادة فيها إلا ولها خصوص وصف ،

وليس فيها من خصوص الأوصاف إلا كونها ليس فيها نفس لغير اللّه ، ففيها نفس الرحمن ،

فإذا عبد الإنسان ربه في مثل هذه الأرض وجد أنسا من تلك الوحشة التي كانت له في العمران ، ووجد لذة وطيبا في قلبه وانفراده ، وذلك كله من أثر نفس الرحمن الذي نفّس اللّه به عنه ما كان يجده من الغم والضيق والحرج في الأرض المشتركة ،

وهذا ما أدى بعض العباد إلى السياحة ، فرأوا في هذه الأرض من الآيات والعجائب والاعتبارات ما دعاهم إلى النظر فيما ينبغي لمالك هذه الأرض ،

فأنار اللّه قلوبهم بأنوار العلوم ، وفتح لهم في النظر في الآيات ، وهي العلامات الدالة على عظمة من انقطعوا إليه وهو اللّه تعالى

- تفسير من باب الإشارة -ثم لتعلم أيها الأخ الولي أن أرض بدنك هي الأرض الحقيقية الواسعة التي أمرك الحق أن تعبده فيها ، وذلك لأنه ما أمرك أن تعبده في أرضه إلا ما دام روحك يسكن أرض بدنك ، فإذا فارقها أسقط عنك التكليف مع وجود بدنك في الأرض مدفونا فيها ، فتعلم أن الأرض ليست سوى بدنك ، وجعلها واسعة لما وسعته من القوى والمعاني التي لا توجد إلا في هذه الأرض البدنية الإنسانية ، وأما قوله : (فَتُهاجِرُوا فِيها)

[إشارة: قلبك هو الكعبة في أرض بدنك ]

فإنها محل للهوى ومحل للعقل ، فتهاجروا من أرض الهوى منها إلى أرض العقل منها ، وأنت في هذا كله فيها ما خرجت عنها ، فإن استعملك هواك أرداك وهلكت ،


وإن استعملك العقل الذي بيده سراج الشرع نجوت وأنجاك اللّه به ؛ فإن العقل السليم المبرأ من صفات النقص والشبه هو الذي فتح اللّه عين بصيرته لإدراك الأمور على ما هي عليه ، فعاملها بطريق الاستحقاق ، فأعطى كل ذي حق حقه ، ومن لم يعبد اللّه في أرض بدنه الواسعة فما عبد اللّه في أرضه التي خلقه منها وما دمت في أرض بدنك الواسعة مع وجود عقلك وسراج شرعك فأنت مأمور بعبادة ربك ، فهذه الأرض البدنية لك على الحقيقة أرض اللّه الواسعة التي أمرك أن تعبده فيها إلى حين موتك ،

وهو قوله تعالى : " قليا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ "

-إشارة -لما خلق اللّه أرض بدنك جعل فيها كعبة وهو قلبك ، وجعل هذا البيت القلبي أشرف البيوت في المؤمن ، فأخبر أن السماوات وفيها البيت المعمور ، والأرض وفيها الكعبة ،

ما وسعته وضاقت عنه ، ووسعه هذا القلب من هذه النشأة المؤمنة ،

والمراد هنا بالسعة العلم باللّه سبحانه ، فهذا يدلك على أنها الأرض الواسعة ، وأنها أرض عبادتك ، فتعبده كأنك تراه من حيث بصرك ، لأن قلبك محجوب أن يدركه بصرك ، فإنه في الباطن منك ، فتعبد اللّه كأنك تراه في ذاتك كما يليق بجلاله ،

وعين بصيرتك تشهده ، فإنه ظاهر لها ظهور علم ، فتراه بعين بصيرتك ، وكأنك تراه من حيث بصرك ، فتجمع في عبادتك بين الصورتين ، بين ما يستحقه تعالى من العبادة في الخيال ، وبين ما يستحقه من العبادة في غير موطن الخيال ، فتعبده مطلقا ومقيدا ، وليس ذلك لغير هذه النشأة ، فلهذا جعل هذه النشأة المؤمنة حرمه المحرّم ، وبيته المعظم المكرم ، فكل من في الوجود يعبد اللّه على الغيب إلا الإنسان الكامل المؤمن ، فإنه يعبده على المشاهدة ، ولا يكمل العبد إلا بالإيمان ، فله النور الساطع ، بل هو النور الساطع الذي يزيل كل ظلمة ، فإذا عبده على الشهادة رآه جميع قواه ، فما قام بعبادته غيره ، ولا ينبغي أن يقوم بها سواه ، فما ثمّ من حصل له هذا المقام إلا المؤمن الإنساني ، فإنه ما كان مؤمنا إلا بربه ، فإنه سبحانه المؤمن .

واعلم أنك إذا لم تكن بهذه المنزلة ، وما لك قدم في هذه الدرجة ، فأنا أدلك على ما يحصل لك به الدرجة العليا ، وهو أن تعلم أن اللّه ما خلق الخلق على مزاج واحد ، بل جعله متفاوت المزاج ، وهذا مشهود بالبديهة والضرورة ، لما بين الناس من التفاوت في النظر العقلي والإيمان ، وقد حصل لك من طريق الحق أن الإنسان مرآة أخيه ، فيرى منه ما لا يراه الشخص من نفسه إلا بواسطة مثله ،

واعلم أن المرائي مختلفة الأشكال ،


وأنها تصير المرئي عند الرائي بحسب شكلها من طول وعرض واستواء وعوج واستدارة ، ونقص وزيادة وتعدد ، وكل شيء يعطيه شكل تلك المرآة ، وقد علمت أن الرسل أعدل الناس مزاجا لقبولهم رسالات ربهم ، وكل شخص منهم قبل من الرسالة قدر ما أعطاه اللّه في مزاجه من التركيب ، فما من نبي إلا بعث خاصة إلى قوم معينين ، لأنه على مزاج خاص مقصور ، وأن محمدا صلّى اللّه عليه وسلم ما بعثه اللّه إلا برسالة عامة إلى جميع الناس كافة ، ولا قبل هو مثل هذه الرسالة إلا لكونه على مزاج عام يحوي على مزاج كل نبي ورسول ، فهو أعدل الأمزجة وأكملها ، وأقوم النشآت ، فإذا علمت هذا وأردت أن ترى الحق على أكمل ما ينبغي أن يظهر به لهذه النشأة الإنسانية ، فاعلم أنك ليس لك ، ولا أنت على مثل هذا المزاج الذي لمحمد صلّى اللّه عليه وسلم ، وأن الحق مهما تجلى لك في مرآة قلبك ، فإنما تظهره لك مرآتك على قدر مزاجها وصورة شكلها ،

وقد علمت نزولك عن الدرجة التي صحت لمحمد صلّى اللّه عليه وسلم في العلم بربه في نشأته ، فالزم الإيمان والاتباع ، واجعله أمامك مثل المرآة التي تنظر فيها صورتك وصورة غيرك ، فإذا فعلت هذا ، علمت أن اللّه تعالى لا بد أن يتجلى لمحمد صلّى اللّه عليه وسلم في مرآته ، وقد أعلمتك أن المرآة لها أثر في ناظر الرائي في المرئي ، فيكون ظهور الحق في مرآة محمد صلّى اللّه عليه وسلم أكمل ظهور وأعدله وأحسنه ، لما هي مرآته عليه ،

فإذا أدركته في مرآة محمد صلّى اللّه عليه وسلم فقد أدركت منه كمالا لم تدركه من حيث نظرك في مرآتك ، ألا ترى في باب الإيمان وما جاء في الرسالة من الأمور التي نسب الحق لنفسه بلسان الشرع مما تحيله العقول ، ولولا الشرع والإيمان ما قبلنا من ذلك من حيث نظرنا العقلي شيئا البتة ، بل نرده ابتداء ونجهّل القائل به ، فكما أعطاه بالرسالة والإيمان ما قصرت العقول التي لا إيمان لها عن إدراكها ذلك من جانب الحق ،

كذلك قصرت أمزجتنا ومرائي عقولنا عند المشاهدة عن إدراك ما تجلى في مرآة محمد صلّى اللّه عليه وسلم أن تدركه في مرآتها ،

وكما آمنت به في الرسالة غيبا ، شهدته في هذا التجلي النبوي عينا ،

فقد نصحتك وأبلغت لك النصيحة، فلا تطلب مشاهدة الحق إلا في مرآة نبيك صلّى اللّه عليه وسلم ، واحذر أن تشهده في مرآتك ، أو تشهد النبي وما تجلى في مرآته في مرآتك ، فإنه ينزل بك عن الدرجة العالية ،فالزم الاقتداء والاتباع، ولا تطأ مكانا لا ترى فيه قدم نبيك ، فضع قدمك على قدمه ، إن أردت أن تكون من أهل الدرجات العلى ، والشهود الكامل في المكانة الزلفى ،وقد أبلغت لك النصيحة كما أمرت.



المراجع:

(56) الفتوحات ج 3 / 247 ، 224 ، 249 ، 250

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



Please note that some contents are translated Semi-Automatically!