The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi
The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة الروم (30)

 

 


الآيات: 42-47 من سورة الروم

قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (43) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (45) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46)

وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)


[ " وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ» الآية وكيف يظهر الكافرون على المؤمنين ؟ ]

" وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ» لم يقيد الحق مؤمنا من مؤمن ، بل أوجب على نفسه نصر المؤمنين ، ولم يقل بمن ، بل أرسلها مطلقة وجلاها محققة ، فالمؤمنون في كلام اللّه نوعان وهم الكافرون ، فنوع آمن باللّه وكفر بالطاغوت وهو الباطل فهم أهل الجنة المعبر عنهم بالسعداء ، والنوع الآخر آمن بالباطل وكفر باللّه وهو الحق فهم أهل النار المعبر عنهم بالأشقياء ،

فقال عزّ وجل في حق السعداء (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) وهؤلاء هم الذين حق على اللّه نصرهم ، والألف واللام للعهد والتعريف ، وقال تعالى في حق الأشقياء (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ)

فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ، ولكن قد أطلق الحق نصرته هنا للمؤمنين ولم يخصص ، وهنا سر من أسرار اللّه تعالى في ظهور المشركين على المؤمنين في أوقات ، فتدبره تعثر عليه إن شاء اللّه ، فما ورد حتى نؤمن به ، إلا أن الإيمان إذا قوي في صاحبه بما كان ، فله النصر على الأضعف ، والميزان يخرج ذلك ، وقولي هذا ما كان لقوله (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ) فسماهم مؤمنين ، ولكن تحقق في إيمانهم بالباطل أنهم ما آمنوا به من كونه باطلا ، وإنما من كونهم اعتقدوا فيه ما اعتقد أهل الحق في الحق ، فمن هنا نسب الإيمان إليهم ، وبما هو في نفس الأمر على غير ما اعتقدوه سماه الحق لنا باطلا ، لا من حيث ما توهموه ، فالنصر أجر الإيمان لذاته ، ولكن يقتضيه المؤمن وهو الذي صفته الإيمان ، وهو سبحانه وفيّ ، فلا بد من نصر الإيمان ، ولا يظهر ذلك إلا في المؤمن ، والمؤمن لا يتبعض فيه الإيمان ، فاعلم ذلك ، وكل من تبعض فيه الإيمان لأجل تعداد الأمور التي يؤمن بها ، فآمن المؤمن ببعضها وكفر ببعضها فليس بمؤمن ، فما خذل إلا من ليس بمؤمن ، فإن الإيمان حكمه أن يعم ولا يخص ، فلما لم يكن له وجود عين في الشخص لم يجب نصره على اللّه ، فإذا ظهر الكافر على المؤمن في صورة الحكم الظاهر ، فليس ذلك بنصر الكافر عليه ، وإنما الذي يقابله لما ولّى ، وأخلى له موضعه ، ظهر فيه الكافر ، وهذا ليس بنصر ، وإذا جعلت الألف واللام في نصر المؤمنين للجنس ، فمن اتصف بالإيمان فهو منصور ، ومن هنا يظهر المؤمنون بالباطل في أوقات على الكافرين بالطاغوت ، فيجعلون ذلك الظهور نصرا ، لأن النصر عبارة عمّن ظهر على خصمه ، فمن جعل الألف واللام للجنس جعل إيمان أهل الباطل بالباطل أقوى من إيمان أهل الحق بالحق ، فالمؤمن من لا يولي الدبر ويتقدم ويثبت حتى يظفر أو يقتل ، ولهذا م


انهزم نبي قط لقوة إيمانه بالحق ، وقد توعد اللّه المؤمن إذا ولّى دبره في القتال لغير قتال أو انحياز إلى فئة تعضده ،

فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ ، وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ) فخاطب أهل الإيمان ، وبقرائن الأحوال علمنا أنه تعالى أراد المؤمنين بالحق ، وأرسل الآية في اللفظ دون تقييد بمن وقع الإيمان به ، لكن قرائن الأحوال تخصص وتعطي العلم المقصود من ذلك ،

غير أن الحق ما أرسلها مطلقة إلا ليقيم الحجة على الذين آمنوا بالباطل إذا هزمهم الكافرون بالطاغوت لما دخلهم من خلل في إيمانهم بالباطل ،

وهو عندنا ليس بنصر ذلك الظهور الذي للمؤمنين بالباطل على الكافرين بالطاغوت ،

وإنما المؤمنون بالحق لما تراءى الجمعان ، كان في إيمانهم خلل ، فأثر فيه الجبن الطبيعي ،

فزلزل أقدامهم فانهزموا في حال حجاب عن إيمانهم بالحق ،

ولا شك أن الخصم إذا رأى خصمه انهزم أمامه وفر وأخلى له مكانه ، لا بد أن يظهر عليه ويتبعه ، فإن شئت سميت ذلك نصرا من اللّه لهم ، فما انتصروا على المؤمنين بالحق وإنما انتصروا على وجه الخلل الذي دخل في إيمانهم واستتر عنهم بالخوف الطبيعي ، فكانوا كفارا من ذلك الوجه ،

فكان نصرهم نصر الكفار بعضهم على بعض وهم المؤمنون بالباطل ، لأن هؤلاء المؤمنين بالحق آمنوا بما خوفهم به الطبع من القتل وهو باطل ، فآمنوا بالباطل لخوفهم من الموت ؛ والشهيد ليس بميت فإنه حيّ يرزق ، فلمّا آمنوا به أنه موت آمنوا بالباطل ، فهزم أهل الباطل أهل الباطل ، وهذا يسمى ظهورا لا نصرا ،

إلا إذا جعلت الألف واللام للجنس فتشمل كل مؤمن بأمر ما من غير تعيين ، وليس المؤمن إلا من لم يدخل إيمانه بأمر ما خلل يقدح في إيمانه ،

ومن ذلك يعلم أن الصدق سيف اللّه في الأرض ، ما قام بأحد ولا اتصف به إلا نصره اللّه ، لأن الصدق نعته والصادق اسمه ، فينصر اللّه المؤمن الذي لم يدخله خلل في إيمانه على من دخله خلل في إيمانه ، فإن اللّه يخذله على قدر ما دخله من الخلل ، أي مؤمن كان من المؤمنين ، فالمؤمن الكامل منصور أبدا ، ولهذا ما انهزم نبي قط ولا ولي ، ألا ترى يوم حنين لما ادعت الصحابة رضي اللّه عنهم توحيد اللّه ، ثم رأوا كثرتهم فأعجبتهم كثرتهم فنسوا اللّه عند ذلك فلم تغن عنهم كثرتهم شيئا ، مع كون الصحابة مؤمنين بلا شك ، ولكن دخلهم الخلل باعتمادهم على الكثرة ، ونسوا قول اللّه (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ) فما أذن اللّه هنا إلا للغلبة ، فأوجده


فغلبتهم الفئة القليلة بها عن إذن اللّه ، ومن هنا نكون في راحة مع اللّه إذا كانت الغلبة للكافرين على المسلمين ، فتعلم أن إيمانهم تزلزل ودخله الخلل ، وأن الكافرين فيما آمنوا به من الباطل والمشركين لم يتخلخل إيمانهم ولا تزلزلوا فيه ، فالنصر أخو الصدق حيث كان تبعه ، ولو كان خلاف هذا ما انهزم المسلمون قط ، كما أنه لم ينهزم نبي قط ، وأنت تشاهد غلبة الكفار ونصرتهم في وقت ، وغلبة المسلمين ونصرتهم في وقت ، والصادق من الفريقين لا ينهزم جملة واحدة ، بل لا يزال ثابتا حتى يقتل أو ينصرف من غير هزيمة ، ومن تفسير هذه الآية بوجه عام أن الموحد إذا أخلص في إيمانه وثبت نصر على قرنه بلا شك ، فإذا طرأ عليه خلل ولم يكن مصمت الإيمان وتزلزل خذله الحق ، وما وجد في نفسه قوة يقف بها لعدوه من أجل ذلك الخلل فانهزم ، فلما رآه عدوه منهزما تبعه وظهرت الغلبة للعدو على المؤمن ، فما نصر اللّه العدو وإنما خذل المؤمن لذلك الخلل الذي داخله ، فلما خذله لم يجد مؤيدا فانهزم بالضرورة يتبعه عدوه ، فما هو نصر للعدو وإنما هو خذلان للمؤمن لما ذكرناه . وأما من جهة التحقيق في هذه الآية فإنه لما تقرر في نفس المشرك أن الحجر أو الكوكب أو ما كان من المخلوقات أنه إله ، وهو مقام محترم لذاته ، تعيّن على المشرك احترام ذلك المنسوب إليه ، لكون المشرك يعتقد أن تلك النسبة إليه صحيحة ولها وجه ، ولما علم سبحانه أن المشرك ما احترم ذلك المخلوق إلا لكونه إلها في زعمه ، نظر الحق إليه لأنه مطلوبه ، فإذا وفّى بما يجب لتلك النسبة من الحق والحرمة ، وكان أشد احتراما لها من الموحد ، وتراءى الجمعان كانت الغلبة للمشرك على الموحد ، إذ كان معه النصر الإلهي لقيامه بما يجب عليه من الاحترام للّه وإن أخطأ النسبة ، وقامت الغفلة والتفريط في حق الموحد فخذل ، ولم تتعلق به الولاية لأنه غير مشاهد لإيمانه ، إذ يقول تعالى : (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) وإنما قاتل ليقال ، فما قاتل للّه ، فأي شخص صدق في احترام الألوهية واستحضرها وإن أخطأ في نسبتها ولكن هي مشهوده كان النصر الإلهي معه ، فما جعل اللّه نصره واجبا عليه للموحد ، وإنما جعله للمؤمنين بما ينبغي للألوهية من الحرمة ووفّى بها ، فالمؤمن منصور بلا شك غير مخذول ، فمن خذل فلينظر من أين خذل ، فسيعدم من ذلك الأين الإيمان فإن قوله تعالى : «وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ» قول صدق .



المراجع:

(47) الفتوحات ج 3 / 328 - ج 4 / 283 ، 325 - ج 3 / 167 - ج 4 / 283 - ج 3 / 328 - ج 2 / 247 - كتاب التراجم

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



Please note that some contents are translated Semi-Automatically!