موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة الأحزاب (33)

 

 


الآيات: 14-21 من سورة الأحزاب

وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلاَّ يَسِيراً (14) وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلاً (15) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (16) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (17) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً (18)

أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (19) يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاً (20) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21)

[ «لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» الآية ]

«لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» لمن سمع القول فاتبع أحسنه ، وبهذه الآية ثبتت وتأيّدت عصمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، فإنه لو لم يكن معصوما ما صح التأسي به ، فنحن نتأسّى برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في جميع حركاته وسكناته وأفعاله وأحواله وأقواله ، ما لم ينه عن شيء من ذلك على التعيين في كتاب أو سنّة ، فإن اللّه جعله أسوة يتأسى به ، فلو لم يقمه اللّه في مقام العصمة للزمنا التأسي به فيما يقع منه من الذنوب إن لم ينص عليها ، كما نصّ


على نكاح الهبة أن ذلك خالص له مشروع ، وهو حرام علينا ، وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم [ خذوا عني مناسككم ] فإن اللّه تعالى يقول : «لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»

وقال : [ من رغب عن سنتي فليس مني ] فأبان بفعله صلّى اللّه عليه وسلم عن مراد اللّه منا في العبادات ،

وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : [ العلماء ورثة الأنبياء ]

فاعلم أن الورث على نوعين :معنوي ومحسوس ،

فالمحسوس منه ما يتعلق بالألفاظ والأفعال وما يظهر من الأحوال ، فأما الأفعال فإن ينظر الوارث إلى ما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يفعله مما أبيح للوارث أن يفعله اقتداء به - لا مما هو مختص به عليه السلام مخلص له في نفسه ومع ربه - وفي عشرته لأهله وولده وقرابته وأصحابه وجميع العالم ،

ويتبع الوارث ذلك كله في الأخبار المروية عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، الموضحة لما كان عليه في أفعاله من صحيحها وسقيمها ، فيأتيها كلها على حدّ ما وردت لا يزيد عليها ولا ينقص منها ، وإن اختلفت فيها الروايات فليعمل بكل رواية ، وقتا بهذه ووقتا بهذه ولو مرة واحدة ، ويدوم على الرواية التي ثبتت ، ولا يخلّ بما روي من ذلك وإن لم يثبت من جهة الطريق فلا يبالي ، إلا أن يتعلق بتحليل أو تحريم فيغلب الحرمة في حق نفسه فهو أولى به ، فإنه من أولي العزم ، وما عدا التحليل أو التحريم فليفعل بكل رواية ، وإذا أفتى - إن كان من أهل الفتيا - وتتعارض الأدلة السمعية بالحكم من كل وجه ، ويجهل التاريخ ولا يقدر على الجمع ، فيفتي بما هو أقرب لرفع الحرج ، ويعمل هو في حق نفسه بالأشد فإنه في حقه الأسدّ ، وهذا من الورث اللفظي فإنه المفتى به ، فيصلي صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في ليله ونهاره ، وعلى كيفيتها في أحوالها وكمياتها في أعدادها ، ويصوم كذلك ، ويعامل أهله من مزاح وجدّ كذلك ، ويكون على أخلاقه في مأكله ومشربه وما يأكل وما يشرب ، كأحمد بن حنبل فإنه كان بهذه المثابة ، روينا عنه أنه ما أكل البطيخ حتى مات ، وكان يقال له في ذلك فيقول :

ما بلغني كيف كان يأكله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، وكلّ ما كان من فعل لم يجد فيه حديثا يبين فيه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فعله بكيفية خاصة ، وإن كان من الكميات بكمية خاصة ولكن ورد فيه حديث فاعمل به ، كصومه صلّى اللّه عليه وسلم ، كان يصوم حتى نقول : إنه لا يفطر ، ويفطر حتى نقول : إنه لا يصوم ، ولم يوقت الراوي فيه توقيتا ، فصم أنت كذلك وأفطر كذلك ، وأكثر من صوم شعبان ولا تتمّ صوم شهر قط بوجه من الوجوه إلا شهر رمضان ، وكل صوم أو فعل مأمور به وإن لم يرو فيه فعله فاعمل به لأمره ، وهذا معنى قول اللّه :


(إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)

فلتتبعه في كل شيء لأن اللّه يقول : «لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» ما لم يخصص شيئا من ذلك بنهي عن فعله ،

وقال صلّى اللّه عليه وسلم: [ صلوا كما رأيتموني أصلي ] وقال في الحج [ خذوا عني مناسككم ] وإن حججت فإن قدرت على الهدي فادخل به محرما بالحج أو العمرة ، وإن حججت مرة أخرى فادخل أيضا إن قدرت على الهدي محرما بالحج ، وإن لم تجد هديا فاحذر أن تدخل محرما بالحج ،

ولكن ادخل متمتعا بعمرة مفردة ، فإذا طفت وسعيت فحل من إحرامك الحل كله ، ثم بعد ذلك أحرم بالحج وانسك نسيكة كما أمرت ،

واعزم على أن لا تخلّ بشيء من أفعاله وما ظهر من أحواله مما أبيح لك من ذلك ، والتزم آدابه كلها جهد الاستطاعة ، لا تترك شيئا من ذلك إذا ورد مما أنت مستطيع عليه ، فإن اللّه ما كلفك إلا وسعك ، فابذله ولا تترك منه شيئا ، فإن النتيجة لذلك عظيمة لا يقدر قدرها ، وهي محبة اللّه إياك ، وقد علمت حكم الحب من المحب - الحديث –

وأما الورث المعنوي فما يتعلق بباطن الأحوال من تطهير النفس من مذام الأخلاق وتحليتها بمكارم الأخلاق ، وما كان عليه صلّى اللّه عليه وسلم من ذكر ربه على كل أحيانه ، وليس إلا الحضور والمراقبة لآثاره سبحانه في قلبك وفي العالم ، فلا يقع في عينك ولا يحصل في سمعك ولا يتعلق بشيء قوة من قواك ، إلا ولك في ذلك نظر واعتبار إلهي ، تعلم موقع الحكمة الإلهية في ذلك ، فهكذا كان حال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فيما روت عنه عائشة ، وكذلك إن كنت من أهل الاجتهاد في الاستنباط للأحكام الشرعية ، فأنت وارث نبوة شرعية ، فإنه تعالى قد شرع لك في تقرير ما أدى إليه اجتهادك ودليلك من الحكم ، أن تشرعه لنفسك وتفتي به غيرك إذا سئلت ، وإن لم تسأل فلا ، فإن ذلك أيضا من الشرع الذي أذن اللّه لك فيه ، ما هو من الشرع الذي لم يأذن به اللّه ، ومن الورث المعنوي ما يفتح عليك به من الفهم في الكتاب وفي حركات العالم كله ، فالرسول صلّى اللّه عليه وسلم ما بعثه اللّه تعالى إلا ليتمم مكارم الأخلاق ، فأحواله كلها مكارم أخلاق ، فهو مبين لها بالحال وهو أتم وأعدل وأمضى في الحكم من القول : .


المراجع:

(21) الفتوحات ج 4 / 397 ، 456 - ج 3 / 153 - ج 1 / 711 - ج 3 / 501 - ج 4 / 181

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!