موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة سبإ (34)

 

 


الآيات: 7-10 من سورة سبإ

وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (8) فَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9) وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10)


[إشارة : القلوب القاسية يلينها الزجر والوعيد ]

«وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلً

- الوجه الأول -لما كانت عطاياه تعالى للأنبياء والرسل عليهم السلام اختصاصا إلهيا ، فهي مواهب ليست جزاء ، ولا يطلب عليها منهم جزاء فإعطاؤه إياهم على طريق الإنعام والإفضال ، قال تعالى في حق داود «وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا» فلم يقرن به جزاء يطلبه منه ، ولا أخبر أنه أعطاه هذا الذي ذكره جزاء ،

- الوجه الثاني - «وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا» أي معرفة به سبحانه لا يقتضيها عمله ، فلو اقتضاها عمله لكانت جزاء ، ووهب له فضلا سليمان عليه السلام فقال (وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ) «يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ»

- لغة: لا يكون ما بعد النداء أبدا إلا منصوبا ، إما لفظا وإما معنى ، ولهذا عطف بالمنصوب على الموضع

في قوله تعالى : «وَالطَّيْرَ» بالنصب ، عطفا على موضع الجبال وإن كان مرفوعا في اللفظ في أوقات ، ولهذا قرئ أيضا والطير بالرفع ؛ قال تعالى في حق داود فيما أعطاه على طريق الإنعام عليه ترجيع الجبال معه بالتسبيح ، فتسبح لتسبيحه ليكون له عملها ، وكذلك الطير «وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ» - إشارة - «وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ» القلوب القاسية يلينها الزجر والوعيد تليين النار الحديد ، وإنما الصعب قلوب أشد قساوة من الحجارة ، فإن الحجارة تكسرها وتكلسها النار ولا تلينها ، وما ألان له الحديد إلا لعمل الدروع الواقية ، تنبيها من اللّه ، أي لا يتّقى الشيء إلا بنفسه ، لأن الدرع يتّقى بها السنان والسيف والسكين والنصل ، فاتقيت الحديد بالحديد ، فجاء الشرع المحمدي ب [ أعوذ بك منك ] فهذا روح تليين الحديد ، فهو المنتقم الرحيم .

[ سورة سبإ (34) : الآيات 11 إلى 13 ]

أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ ( (13.


لما طلب الحق الشكر على العمل طلبه من آل داود ولم يتعرض لذكر داود ، ليشكر الآل على ما أنعم به على داود ، فهو في حق داود عطاء نعمة وإفضال ، وفي حق آله غير ذلك لطلب المعاوضة ، فقال تعالى : «اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً» هذا هو الشكر العملي ببذل ما عندهم من نعم اللّه على المحتاجين من عباده ، فإن الشكر منه لفظي وعلمي وعملي .

[ «وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ» الآية ]

«وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ»

يعني المبالغة في الشكر لجهلهم بالنعم أنها نعم يجب الشكر عليها ، والشكور من عباد اللّه ببنية المبالغة هم خاصة اللّه ، الذين يرون جميع ما يكون من اللّه في حقهم وفي حق عباده نعمة إلهية ، سواء سرّهم ذلك أم ساءهم فهم يشكرون على كل حال ، وهذا الصنف قليل بالوجود وبتعريف اللّه إيانا بقلتهم ، فإنهم يعملون ما تعيّن على جميع الأعضاء والقوى الظاهرة والباطنة في كل حال بما يليق به ، وفي كل زمان بما يليق به ، مما أمر به اللّه تعالى ، والمبالغة في الشكر هو أن يشكر اللّه حق الشكر ، وذلك بأن يرى النعمة منه ، ذكر ابن ماجة في سننه حديثا وهو

[ أن اللّه سبحانه وتعالى أوحى إلى موسى اشكرني حق الشكر ، فقال موسى عليه السلام : ومن يقدر على ذلك يا رب ؟

فقال له : إذا رأيت النعمة مني فقد شكرتني ]

فمن لا يرى النعمة إلا منه فقد شكره حق الشكر ، ألا تراها من الأسباب التي سدلها بينك وبينه عند إرداف النعم ، وهذا هو الشكر العلمي ، وأما الشكر اللفظي فهو الثناء على اللّه بما يكون منه ، وأما الشاكرون من العباد فهم الذين يشكرون اللّه على المسمى نعمة في العرف خاصة ، لما بشّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم بأن اللّه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر تنفل حتى تورمت قدماه ، فسئل في ذلك فقال : [ أفلا أكون عبدا شكورا ] وعبادة الشكر عبادة مغفول عنها ، ولهذا قال تعالى : «وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ» وما بأيدي الناس من عبادة الشكر على النعماء إلا قولهم : الحمد للّه والشكر للّه ، لفظ ما فيه كلفة ، وأهل اللّه يزيدون على مثل هذا اللفظ العمل بالأبدان والتوجه بالهمم ، قال تعالى : «اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً» ولم يقل قولوا ، والأمة المحمدية أولى بهذه الصفة من كل أمة ، إذ كانت خير أمة أخرجت للناس فقال تعالى : «وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ» ببنية المبالغة ، ليعم شكر التكليف وشكر التبرع ، فشكر التبرع [ أفلا أكون عبدا شكورا ] قول النبي صلّى اللّه عليه وسلم ، وشكر التكليف ما وقع به الأمر مثل (واشكروا اللّه) (واشكروا نعمة اللّه) وبين الشكرين ما بين الشكورين .


[سورة سبإ (34) : الآيات 14 إلى 19]

فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (14) لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (18) فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19)

«وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ» هم أهل سبأ ، وتفرقهم معلوم .


المراجع:

(10) كتاب فصوص الحكم فص 17 - كتاب نقش الفصوص - الفتوحات ج 2 / 593 - فصوص الحكم فص 17

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!