The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi
The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة فاطر (35)

 

 


الآيات: 4-6 من سورة فاطر

وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4) يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ (6)

[ إشارة : حكمة من أحد عقلاء المجانين ]

-إشارة -وقفت على واحد من عقلاء المجانين ، والناس قد اجتمعوا عليه وهو ينظر


إليهم ، وهو يقول لهم : أطيعوا اللّه يا مساكين ، فإنكم من طين خلقتم ، وأخاف أن تطبخ النار هذه الأواني فتردها فخّارا ، فهل رأيتم قط آنية من طين تكون فخارا من غير أن تطبخها نار ؟ يا مساكين لا يغرنكم إبليس بكونه يدخل النار معكم ،

وتقولون : اللّه يقول (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) إبليس خلقه اللّه من نار ، فهو يرجع إلى أصله ، وأنتم من طين تتحكم النار في مفاصلكم ، يا مساكين انظروا إلى إشارة الحق في خطابه إبليس بقوله : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ) وهنا وقف ، ولا تقرأ ما بعدها ،

فقال له : (جَهَنَّمَ مِنْكَ) وهو قوله : (خَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ) فمن دخل بيته وجاء إلى داره واجتمع بأهله ما هو مثل الغريب الوارد عليه ، فهو راجع إلى ما به افتخر ، قال : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ) *فسروره رجوعه إلى أصله ، وأنتم يا مناحيس تفتخر بالنار طينتكم ، فلا تسمعوا من إبليس ، ولا تطيعوا واهربوا إلى محل النور تسعدوا ، يا مساكين أنتم عمي ما تبصرون الذي أبصره أن .

[سورة فاطر (35) : الآيات 7 إلى 8]

الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7) فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (8)

قال تعالى موعدا ومبينا «فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً» الآية - الحد الضابط للإحسان في العمل أن تعبد اللّه كأنك تراه ، وما عدا هذا فهو سوء عمل فيراه حسنا ، إما ببذل الوسع في الاجتهاد فيكون وفّى الأمر حقه ولكنه أخطأ ، وهو صاحب عمل ، فيكون رؤية سوء العمل حسنا بعد الاجتهاد ، وإما أن يكون في المشيئة فلا يدري بما يختم له ، إذا لم يكن عن استيفاء الاجتهاد بقدر الوسع ورآه حسنا عن غير اجتهاد ، وهذه الآية موطن حيرة ، فقد قال تعالى : «فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً» ببنية ما لم يسم فاعله ، فلا يدري من زيّنه ؟ هل هو تزيين اللّه ؟ أو تزيين الشيطان ؟ أو تزيين الحياة الدنيا ؟ ولكن من قوله تعالى : «سُوءُ عَمَلِهِ» عرفت من زينه وإن لم يذكره ، ومع هذا فالاحتمال لا يرتفع عنه تعالى ، فإن اللّه يقول في مثل هذا (زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ) فجاء بنون الكناية


عن نفسه ، ولذا قال تعالى : «فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ» أي يحيره في مثل هذا ، حيث وصفه بالسيّئ والحسن ، فإن سوء العمل ما كان يتصف بالحسن بالرؤية حتى قبل العمل صفة الحسن في وجه من الوجوه الوجودية ،

فهو سوء بالخبر حسن بالرؤية ، فكأن الرؤية لا تصدق الخبر ، وشاهد الرؤية أقطع ، والناس يطلبون أن يصدّق الخبر الخبر والخبر الرؤية ، ولم نر أحدا يطلب أن يصدق الخبر الرؤية كما يصدق الخبر الخبر ، وهنا كان موطن الحيرة ،

فإنه من المكر الإلهي الذي يعطي الحسن في السوء ، فقال تعالى : «وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ» أي يوفق للإصابة في معنى السوء والحسن لهذا العمل ما معناه ، وكيف ينبغي أن يأخذه ، فإذا جاءت الزينة مهملة غير منسوبة فإنك لا تدري من زينها لك ، فانظر ذلك في موضع آخر واتخذه دليلا على ما انبهم عليك ،

مثل قوله : (زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ)

ومثل قوله : «فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ» ولم يذكر من زينه ، فتستدل على من زينه من نفس العمل ، فزينة اللّه غير محرمة ، وزينة الشيطان محرمة ،

وزينة الدنيا ذات وجهين:

وجه إلى الإباحة والندب ووجه إلى التحريم، فمن أراد أن يعتصم من التزيين فليقف عند ظاهر الكتاب والسنة ، لا يزيد على الظاهر شيئا ، فإن التأويل قد يكون من التزيين ، فما أعطاه الظاهر جرى عليه ، وما تشابه وكل علمه إلى اللّه وآمن به ، فهذا متبع ليس للتزيين عليه سبيل ، ولا يقوم عليه حجة عند اللّه «فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ»

فهو الذي يرزق الإصابة في النظر والذي يرزق الخطأ «فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ» أي فلا تكترث لهم حسرة عليهم ، فهي بشرى من اللّه بسعادة الجميع ،

فإنه ما حيل بينه صلّى اللّه عليه وسلم وبين إنسانيته ، فهو إنسان في كل حال ،

ولا تزول الحسرات عنه- وهو إنسان كامل -إلا باطلاعه على سعادتهم في المآل ، فلا يبالي من العوارض ، فإن السوء للعمل عارض بلا شك والحسن له ذاتي ، وكل عارض زائل وكل ذاتي باق لا يبرح «إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ»

أي خبير عن ابتلاء «بِما يَصْنَعُونَ» من كل ما يظهر فيكم من الأعمال وعنكم ، وفي هذه الآية لطيفة وسر خفي من لطف اللّه ، يلقن اللّه فيها عبده المؤمن الحجة إذا كان فطنا ، فإن المحب ما أحب إلا ما هو جمال عنده ، لا بد من حكم ذلك ،

ففي هذه الآية ما رأى العبد سوء عمله حسنا ، وإنما رأى الزينة التي زين له بها ، فإذا كان يوم القيامة ورأى قبح العمل فر منه ،

فيقال له : هذا الذي كنت تحبه وتتعشق به وتهواه ،

فيقول المؤمن: لم يكن حين أحببته بهذه الصورة ولا بهذه الحلية ، أين


الزينة التي كانت عليه وحببته إليّ ؟

ترد عليه ، فإني ما تعلقت إلا بالزينة لا به ، لكن لما كان محلها كان حبي له بحكم التبع ، فيقول اللّه : صدق عبدي لولا الزينة ما استحسنه ، فردوا عليه زينته ، فيبدل اللّه سوءه حسنا ، فيرجع حبه فيه إليه ويتعلق به (أولئك الذين يبدل اللّه سيئاتهم حسنات)

فلا ينبغي للمؤمن الكيس أن يهمل شيئا من كلام اللّه ولا كلام المبلغ عن اللّه ، فإن اللّه تعالى يقول فيه (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى)

فإن كلام المبلغ عن اللّه ما جاء به إلا رحمة بالسامع ، وهو إن كان فطنا كان له ، وإن كان حمارا كان عليه

- نصيحة -إن الإنسان إذا كان في شيء لم ير حقيقته ومعناه ، وإذا صار عنه أجنبيا رآه ، والنفس إذا التبست بشهوتها وغرضها ، وتعشقت بعلّتها ومرضها ، لا ترى سوى ما هي فيه ، ولهذا تصطنعه وتصطفيه ، فانظر إلى ما يستقبحه الشرع فاجتنبه ، وإلى ما يستحسنه فبادر إليه وامتثله ، ولا يغرنك غدّار ، مدخول النصيحة غرار ، فعليك باتباع العلم ، والاستسلام للشيخ فيما وجّه عليك من الحكم ، وطهارة النفس ، ومحاسن الأخلاق ، وجميل الوفاق

[سورة فاطر (35) : الآيات 9 إلى 10]

وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ (9) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)

«إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ»

- الوجه الأول - «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ» وهو عين شكل الكلمة من حيث ما هو شكل مسبح للّه تعالى ، ولو كانت كلمة كفر ، فإن ذلك يعود وباله على المتكلم بها لا عليها ،

فإن الحروف اللفظية تتشكل في الهواء ، فإذا تشكلت قامت بها أرواحها ، فيكون شغلها تسبيح ربها ، وتصعد علوا إليه ، فقوله تعالى : «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ»

أي الأرواح الطيبة فإنها كلمات اللّه مطهرة ، هذا كلام اللّه سبحانه يعظّم ويمجّد ويقدّس - المكتوب في المصاحف- ويقرأ على جهة


القربة إلى اللّه ، وفيه جميع ما قالت اليهود والنصارى في حق اللّه من الكفر والسب ، وهي كلمات كفر عاد وبالها على قائلها ، وبقيت الكلمات على بابها تتولى يوم القيامة عذاب أصحابها أو نعيمهم

- الوجه الثاني -إن الكلمة إذا خرجت تجسدت في صورة ما هي عليه من طيب وخبث ، فالخبيث يبقى فيما تجسد فيه ما له من صعود ، والطيب من الكلم إذا ظهرت صورته وتشكلت ، فإن كانت الكلمة الطيبة تقتضي عملا وعمل صاحبها بذلك العمل ، أنشأ اللّه من عمله براقا - أي مركوبا - لهذه الكلمة ، فيصعد به هذا العمل إلى اللّه صعود رفعة يتميز بها عن الكلم الخبيث ، فقوله تعالى : «وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ» أي الأعمال تظهر في صورة مراكب للأرواح الطيبة ، فهو براق الكلم الطيب الذي يسري به إليه تعالى وينزل به عليه ، فإن كانت الأعمال صالحة صعدت ورفعت الروح الطيبة إلى درجاتها حيث كانت من عليين - إشارة - ما ثمّ إلا عبد ورب ، فإليه تصعد وإليك ينزل كما قال :" إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ "

وقال : [ ينزل ربنا إلى السماء الدنيا ] .


المراجع:

(6) الفتوحات ج 1 / 249

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



Please note that some contents are translated Semi-Automatically!