The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi
The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة فاطر (35)

 

 


الآيات: 31-32 من سورة فاطر

وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)

" ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ"هو القرآن المحفوظ من التحريف والزيادة «الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِن

"المصطفى من عباد اللّه لا يتقدم له نظر عقلي في العلم باللّه ، فإنه ما تقدم لنبي قط قبل نبوته نظر عقلي في العلم باللّه ، ولا ينبغي له ذلك ، وكذلك كل ولي مصطفى ، وسبب ذلك أن النظر يقيده في اللّه بأمر ما يميزه به عن سائر الأمور ، ولا يقدر على نسبة عموم


الوجود للّه ، فما عنده سوى تنزيه مجرد ، فإذا عقد عليه ، فكل ما أتاه من ربه فخالف عقده ، فإنه يرده ويقدح في الدلالة التي تعضد ما جاءه من عند ربه ، فمن اعتنى اللّه به عصمه قبل اصطفائه من علوم النظر ، واصطنعه لنفسه وحال بينه وبين طلب العلوم النظرية ، ورزقه الإيمان باللّه وبما جاء من عند اللّه على لسان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، هذا في هذه الأمة التي عمت دعوة رسولها ، وإن سعد صاحب النظر العقلي فإنه لا يكون أبدا في مرتبة الساذج الذي لم يكن عنده علم باللّه إلا من حيث إيمانه وتقواه ، وهذا هو وارث الأنبياء في هذه الصفة ، فهو معهم وفي درجتهم هذه ، فالمصطفى هو الولي ،

ثم قال في المصطفين : «فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ» ومن ظلم لنفسه حمل الأمانة «فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ»

وهو آدم ومن كان بهذه المثابة . واعلم أن للنفس حقا فإذا جني عليها وعفوت فأنت الظالم المصطفى ،

وهو الأول من الثلاثة ، لم يأخذ لها حقها ممن ظلمها ، وعاد أجرها على اللّه ، ومنهم ظالم لنفسه ، وهو أن يمنعها حقها من أجلها ، أي الحق الذي لك يا نفسي عليّ في الدنيا نؤخره لك إلى الآخرة ، وبادر هنا إلى الكد والاجتهاد وأخذ بالعزائم ، واجتنب الميل إلى الرخص ، وهذا كله حق لها ، فهو ظالم لنفسه نفسه من أجل نفسه ،

ولهذا قال فيمن اصطفاهم «فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ» أي من أجل نفسه ليسعدها ، فما ظلمها إلا لها ، فمن ورثة الكتاب الظالم لنفسه بما يجهدها عليه ، فهو يظلم نفسه فيما لها من الحق لنفسه ، فهو في الوقت صاحب عذاب وألم لا يريد دفعه عنه ، لأنه استعذبه وهان عليه حمله في جنب ما يطلبه ، فإنه يطلب سعادته ، وهو ظالم لنفسه أي من أجل نفسه بأنه لا يوفيها حقها ، لنزوله في العلم عن رتبة من يعلم أن حقائقه التي هو عليها لا تتداخل ،

ولا تتعدى كل حقيقة مرتبتها ، ولا تقبل إلا ما يليق بها ، فإن الإنسان مجموع أمور أنشأه اللّه عليها ، طبيعية وروحانية وإلهية ، فلا تقبل العين إلا السهر والنوم وما يختص بها ، ولا تقبل من الثواب إلا المشاهدة والرؤية ، والأذن لا تقبل في الثواب إلا الخطاب ، إذ ليس الشهود للسمع ،

والكامل يسعى لقواه على قدر ما تطلبه ، وهو إمام ناصح لرعيته ليس بغاش لها ،

فإن ظلمها فإنما يظلمها لها في زعمه ،

وذلك لجهله بما علم غيره من ذلك ، كسلمان الفارسي وأخيه في اللّه أبي الدرداء في حالهما ،

فرجح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم سلمان ، فإنه كان يعطي كل ذي حق حقه ، فيصوم ويفطر ، ويقوم وينام ، وكان أبو الدرداء مع كونه مصطفى ظالما لنفسه ، يصوم فلا يفطر ، ويقوم فلا ينام ، هذا هو


ظلم المصطفين من عباد اللّه ، لا ظلم يتعدى الحدود الإلهية ، فإن من يتعدى حدود اللّه فقد ظلم نفسه ، وأما الظالم لنفسه فلعلمه بقدرها عند اللّه ، فهو يظلم لها لا يظلمها ، فيعطى كل ذي حق حقه إلا الحق ، فإنه لا يعطيه كل حقه ، بل يعطيه من حقه تعالى ما يسمى به أديبا ، وما لا يسمى به أديبا يظلمه فيه من أجل نفسه ، حتى يلحق برتبة الأنبياء ، فمثل هذا الظلم من الفضل الإلهي على عبده ، فمن كان مشهده هذا سمي ظالما لنفسه مع أنه مصطفى ، وما أوقفه على ذلك إلا علمه بالكتاب ، فهو يحكم به ، «وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ» وهو الذي اقتصد في كل موطن على ما يقتضيه حكم الموطن لا بحكم نفسه ، وهم أهل اللّه السابقون إلى الخيرات على طريق الاقتصاد من إعطاء كل ذي حق حقه ، فمشهد الظالم ما يجب للحق فلا ينسبه إليه ، ومشهد المقتصد المواطن وما تستحق ، فالظالم يدخل في حكم المقتصد ، ولهذا كان المقتصد وسطا ، لأنه على حقيقة ليست للطرفين ، وفيه حكم الطرفين ، ما يحتاج إليه أو يندرج فيه «وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ» وأما السابق بالخيرات فهو الذي يتهيأ لحكم المواطن قبل قدومها عليه ، وتجتمع هذه الأحوال في الشخص الواحد ، فيكون ظالما مقتصدا سابقا بالخيرات «بِإِذْنِ اللَّهِ» أي كل ذلك بأمر اللّه «ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ» الضمير من «هُوَ» يعود على السبق الذي يدل عليه اسم الفاعل ، فالمصطفون عند أولي الألباب ، ثلاثة بنص الكتاب ، ظالم لنفسه في أبناء جنسه ، والثاني مقتصد وعليه المعتمد ، فإنه حكيم الوقت بعيد عن المقت ، والثالث سابق بالخيرات إلى الخيرات ، وهو الساعي صاحب السمع الواعي ، وأما المقتصد فما زاد على زاده على قدر اجتهاده ، وأما الظالم فهو المحكوم عليه للحاكم ، فمن ظلم ما حكم ، ومن اقتصد ما اعتضد ، وقنع واكتفى ، ومن سبق حاز الأمر وظفر ، والكتاب قد شمل الجميع ، وإن كان فيهم الأرفع والرفيع ، فالكل وارث فإنه حارث ، وأصحاب السهام متفاضلون ، فمنهم المقلون ومنهم المكثرون ، فما تميز الرجال إلا بالأحوال في الأعمال ، فكن من شئت من هؤلاء ، وهؤلاء الثلاثة هم الورثة الذين قال فيهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم [ العلماء ورثة الأنبياء ] والوارث الكامل من ورث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم علما وعملا وحالا ، فقوله تعالى في الوارث المصطفى إنه ظالم لنفسه يريد حال أبي الدرداء وأمثاله من الرجال ، الذين ظلموا أنفسهم لأنفسهم ، أي من أجل أنفسهم حتى يسعدوها في الآخرة ، وذلك أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال : [ إن لنفسك عليك حقا ، ولعينك عليك حقا ]


فإذا صام الإنسان دائما وسهر ليله ولم ينم ، فقد ظلم نفسه في حقها وعينه في حقها ،

وذلك الظلم لها من أجلها ، ولهذا قال :" ظالِمٌ لِنَفْسِهِ " فإنه أراد بها العزائم وارتكاب الأشد ، لما عرف منها ومن جنوحها إلى الرخص والبطالة ، وجاءت السّنة بالأمرين لأجل الضعفاء ، فلم يرد اللّه تعالى بقوله : «ظالِمٌ لِنَفْسِهِ» الظلم المذموم في الشرع ، فإن ذلك ليس بمصطفى ، وأما الصنف الثاني من ورثة الكتاب فهو المقتصد ، وهو الذي يعطي نفسه حقها من راحة الدنيا ، ليستعين بذلك على ما يحملها عليه من خدمة ربها ، في قيامه بين الراحة وأعمال البر ، وهو حال بين حالين ، بين العزيمة والرخصة ، ففي قيام الليل يسمى المقتصد متهجدا ، لأنه يقوم وينام ، وعلى مثل هذا تجري أفعاله ، وأما السابق بالخيرات وهو المبادر إلى الأمر قبل دخول وقته ليكون على أهبة واستعداد ، وإذا دخل الوقت كان متهيأ لأداء فرض الوقت ، لا يمنعه من ذلك مانع ، كالمتوضئ قبل دخول الوقت ، والجالس في المسجد قبل دخول وقت الصلاة ، فإذا دخل الوقت كان على طهارة وفي المسجد ، فيسابق إلى أداء فرضه وهي الصلاة ، وكذلك إن كان له مال أخرج زكاته وعيّنها ليلة فراغ الحول ، ودفعها لربها في أول ساعة من الحول الثاني للعامل الذي يكون عليها ، وكذلك في جميع أفعال البر كلها يبادر إليها ، كما قال النبي صلّى اللّه عليه وسلم لبلال : [ بم سبقتني إلى الجنة ؟ ] فقال : بلال ما أحدثت قط إلا توضأت ، ولا توضأت إلا صليت ركعتين ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : بهما ] فهذا وأمثاله من السابق بالخيرات ، وهو كان حال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم بين المشركين في شبابه وحداثة سنه ، ولم يكن مكلّفا بشرع ، فانقطع إلى ربه وتحنث وسابق إلى الخيرات ومكارم الأخلاق ، حتى أعطاه اللّه الرسالة .

القلب بيت وإن العلم يسكنه *** بالعلم يحيى فلا تطلب سوى العلم

ما ثم علم يكون الحق يمنحه *** إلا الكتاب لمن قد خص بالفهم

فيه فتبدو علوم كلها عجب *** لكل قلب سليم حائز الحكم

أو سابق أو إمام ظل مقتصد ***يرجو النجاة فما ينفك عن وهم

إن النجاة لتأتي القوم طائعة *** وتأت قوما إذا جاءت على الرغم

[ إشارة : صح لنا ورث الكتاب لأنه أعطاه لنا من غير اكتساب ]

-إشارة -قال النبي صلّى اللّه عليه وسلم [ العلماء ورثة الأنبياء ]

وقال [ علماء هذه الأمة أنبياء سائر


الأمم ] .

الولي يخرج بصورة النبي ، لا ينسخ شريعة ، ولا يثبت أخرى ، ولا يسأل على تعليمه أجرا ، وإنما صح لنا ورث الكتاب، لكونه أعطاه لنا من غير اكتساب ، وكل وارث مصطفى ، ومن سواه على شفا ، وإنما ألحق الوارث منا بالنبي السالف ، لأنه للإلقاء النبوي ذائق ولمقامه العلي كاشف ، فهي موهوبة ومكسوبة ، وطالبة ومطلوبة .


المراجع:

(32) الفتوحات ج 4 / 417 - ج 3 / 402 - ج 2 / 136 ، 360 ، 9 - ج 4 / 417 - ج 2 / 136 - ج 4 / 424 - ج 2 / 532 ، 160 - ج 4 / 73 - ج 3 / 104 - ج 4 / 73 ، 164 ، 354 ، 395 ، 417 ، 395 - ج 2 / 22 - ج 4 / 352 - كتاب التنزلات الموصلية

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



Please note that some contents are translated Semi-Automatically!