موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة البقرة (2)

 

 


الآية: 15 من سورة البقرة

اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)

فأخبر اللّه تعالى أنه يستهزئ بهم بذلك الفعل الذي يفعلونه مع المؤمنين ، وهم لا يشعرون ، فهذا من مكر اللّه بهم ، فما أخذهم بقولهم «إِنَّا مَعَكُمْ» وإنما أخذهم بما زادوا به على النفاق وهو قولهم : «إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ» وما عرفك اللّه بالجزاء الذي جازى به المنافق إلا لتعلم من أين أخذ من أخذ ، حتى تكون أنت تجتنب موارد الهلاك «وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ» حيث تمادوا على غيهم بعد ما عرفوا من بيده الاقتدار ، وعدلوا عنه ، وعملوا

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:كرها ، لظهور أهل الإيمان بالسيف عليهم «وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ» إلى هنا بمعنى مع ، يقول : وإذا خلوا مع شياطينهم من الإنس الباقين على كفرهم ، أو خلا بعضهم مع بعض يقولون ذلك ، فإنهم كلهم شياطين قال تعالى (شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) وهو قدحهم في أهل الإيمان من حيث إيمانهم ، وتزيين ما هم عليه من الباطل ، قال تعالى في اليهود والنصارى (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) أي ينصر بعضهم بعضا «قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ» أي على الذي أنتم عليه ، ما غيّرنا ولا بدلنا «إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ» بهم وتقيّة لما ينجر في ذلك إلينا من المصالح في أنفسنا وأموالنا وذرارينا ، يقولون : نسخر بهم ، فقال اللّه تعالى (16)

«اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ» أي يسخر بهم ، وذلك على وجهين : الوجه الواحد أن استهزاءهم بالمؤمنين هو عين استهزاء اللّه تعالى بهم من حيث لا يشعرون ، ومنه (وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أن عين ما اعتقدوه أنه مكرهم هو مكري بهم ، ومن هذا الباب (إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ) وقوله تعالى (يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) ،والوجه الآخر ينقسم إلى وجهين: وجه يقتضيه العدل فيكون جزاء ، ووجه يقتضيه الاستهزاء ، جزاء أيضا في عمل واحد ، وذلك أنه إذا كان يوم القيامة وهو قوله تعالى (كَما تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) فخلصه للاستقبال ، وهو يوم القيامة ، يحشر اللّه هذه الأمة وفيها منافقوها ، فإذا اتبعت كل أمة ما كانت تعبد ، ودخلت الأمم النار ، ونصب الصراط على جسر جهنم ، أتي بهؤلاء المنافقين الذين أظهروا الإيمان بألسنتهم ، وصلوا وصاموا وقاموا بفروع الشريعة في الصورة الظاهرة كما قام المؤمنون ، أتى بهم اللّه تعالى حتى [ انفهقت ] «*» لهم الجنة بما تحويه من الخير والسرور ، فتنعموا برؤيتها

(*) [ . . . ] جاءت في الأصل وفي الفتوحات المكية في الباب الأخير ، باب الوصايا ، الوصية رقم 58 (انفقهت) والصواب (انفهقت) .

لغيره مما نصبوه بأيديهم وأيدي من هو من جنسهم إلها ، وظهر لهم عجزه مما يزيد في شقاوتهم.
[ تنبيه في الذكر ]

-نبيه : إذا ذكرت فاعلم بلسان من تذكر ، وإذا تلوت فاعلم بلسان من تتلو ، وما تتلو ، وعمن تترجم .

مثال ذلك قوله تعالى : «وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا» إلى هنا قول اللّه «آمَنَّا» حكاية عن المنافقين «وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا» إلى هنا قول اللّه «إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ» حكاية فهكذا فلتعرف الأمور إذا وردت ، حتى يعلم قول اللّه من قول ما يحكيه لفظا أو معنى كل إنسان بما هو عليه ، فإن اللّه قد ترجم لنا قول أقوام مثل فرعون وغيره باللسان العربي والمعنى واحد ، فهذه الحكاية على المعنى .

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:وظنوا أنهم داخلوها ، فكانت تلك النظرة والفرح الذي قام لهم بالطمع بدخلوها جزاء لما جاءوا به من الأعمال الظاهرة ، ظاهرا بظاهر ، عدلا منه سبحانه ، فإذا طابق الجزاء أعمالهم وأخذوا حقهم ، وهم لا يعلمون أنهم يصرفون عنها ، ضرب اللّه بينهم وبين الجنة سورا باطنه الجنة ، وظاهره من قبله العذاب ، فيؤمر بهم إلى النار ، فهذا هو استهزاء اللّه بهم وسخرية اللّه بهم ، فجمع سبحانه في هذا الفعل الواحد بين العدل والاستهزاء ، كما جمعوا بين الإسلام والكفر ، وليس للمنافقين من النار إلا الدرك الأسفل ، وهي النار التي تطلع على الأفئدة ، قال تعالى (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) وليس لهم في أعلاها مكان إلا على قدر معاصيهم الظاهرة ، والكافر يتعذب في النار علوا وسفلا ، بخلاف المنافق ، وكلهم في جهنم جميعا ، وهذا من عدل اللّه ، فإنه ليس في الجنة موضع ولا في النار موضع إلا وله عمل يطلبه من فعل وترك ، إلا ما في الجنة من أمكنة الاختصاص ، وليس في النار ذلك ، ولهذا ما ورد في القرآن يختص بنقمته من يشاء ، وورد يختص برحمته من يشاء ، فالنار ينزل فيها بالأعمال ، والجنة ينزل فيها بالأعمال والاختصاص الإلهي ، ولذا قال (سبقت رحمتي غضبي) إلى الاختصاص ، واللّه واسع الرحمة كما قال ، ولم يقل ذلك في النقمة ، فتحقق ما ذكرناه ، ثم قال «وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ» يقول : يملي لهم مما هم فيه ، قال تعالى (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) (وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ) وقوله «فِي طُغْيانِهِمْ» أي في تغاليهم ، أي فيما ارتفعوا فيه من الضلالة في بواطنهم إذا كانوا مع المؤمنين ، وفي ظواهرهم إذا كانوا مع أشكالهم من شياطينهم ، من طغى الماء إذا ارتفع وزاد على حده (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ) أي ارتفع ، وقوله تعالى «يَعْمَهُونَ» أي يحارون ، والعمة الحيرة والضلال ،


المراجع:

(15) كتاب الإسفار - الفتوحات ج 3 / 472 - ج 2 / 634 ، 414

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!