موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة الصافات (37)

 

 


الآيات: 178-180 من سورة الصافات

وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179) سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180)

[ تنزيه الحق عن وصف الواصفين ]

-الوجه الأول -الخطاب لمحمد صلّى اللّه عليه وسلم في حق كل ناظر في صفات اللّه ، فيقول له «سُبْحانَ رَبِّكَ» لمحمد صلّى اللّه عليه وسلم ضمير هذا الكاف ، أي ربك الذي أرسلك إليهم ، لتعرفهم بما أرسلك به إليهم وأنزله بوساطتك عليهم «رَبِّ الْعِزَّةِ» العزة الامتناع ، والتسبيح تنزيه ، والتنزيه بعد عما نسب إليه من الصاحبة والولد ،

فذكر سبحانه أنّه امتنعت ذاته أن تكون محلا لما وصفه به الملحدون ، فإن العزة المنع ، فالحق منزه الذات لنفسه ، ما تنزه بتنزيه عبده إياه ، وتنزيه الخلق الحق إنما هو علم لا عمل ، إذ لو كان التنزيه من الخلق إلههم عملا لكان اللّه الذي هو المنزّه سبحانه محلا لأثر هذا العمل ،

فكان قوله تعالى : «سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ» أي هو الممتنع لنفسه أن يقبل ما وصفوه به في نظرهم وحكموا عليه بعقولهم ، وأن الحق لا يحكم عليه الخلق ، والعقل والعاقل خلق ، وإنما يعرف الحق من الحق بما أنزله إلينا أو أطلعنا عليه كشفا وشهودا ، بوحي إلهي ، أو برسالة رسول ثبت صدقه وعصمته فيما يبلغه عن اللّه ،

فدخل تحت قوله تعالى في تنزيه نفسه «عَمَّا يَصِفُونَ» العياذ برب العزة عما يصفون ، يريد مما يطلق عليه مما لا ينبغي لجلاله من الصاحبة والولد والأنداد ، وعما يصفه به عباده مما تعطيهم أدلتهم في زعمهم بالنظر الفكري ،

فالفيلسوف نفى عن الحق العلم بمفردات العالم الواقعة في الحس ، لأن حصول هذا العلم على التعيين إنما هو للحس واللّه منزه عن الحواس ، وأما المتكلم الأشعري فانتقل من تنزيهه عن التشبيه بالمحدث إلى التشبيه بالمحدث ،

فقال مثلا في استوائه على العرش : إنه يستحيل عليه أن يكون استواؤه استواء الأجسام لأنه ليس بجسم ، لما في ذلك من الحد والمقدار وطلب المخصص المرجح للمقادير ، فيثبت له الافتقار ، بل استواؤه كاستواء الملك على ملكه ، وأنشدوا في ذلك استشهادا على ما ذهبوا إليه من الاستواء .


قد استوى بشر على العراق *** من غير سيف ودم مهراقف

شبهوا استواء الحق على العرش باستواء بشر على العراق ، واستواء بشر محدث ، فشبهوه بالمحدث ، والقديم لا يشبه المحدث ، فقال تعالى تنزيها «عَمَّا يَصِفُونَ» من حيث نظرهم ، واستدلوا بعقولهم أن العلم باللّه لا يقبل التحول إلى الجهل ولا الدخول عليه ، وما من دليل عقلي إلا ويقبل الدخل والشبهة ، ولهذا اختلف العقلاء ،

فكل واحد من المخالفين عنده دليل مخالفه شبهة لمخالفه ، لكونه خالف دليل هذا الآخر ، فعين أدلتهم هي عين شبهاتهم ، فأين الحق ؟ وأين الثقة ؟

وأصل الفساد إنما وقع من حيث حكّموا الخلق على الحق الذي أوجدهم ، فمن وصف الحق إنما وصف نفسه ، ولا يعرف منه إلا نفسه ، لأن رب العزة لا يعيّنه وصف ، ولا يقيده نعت ، ولا يدل على حقيقته اسم خاص ،

وإن لم يكن الحكم ما ذكرناه فما هو رب العزة ، فإن العزيز هو المنيع الحمى ، ومن يوصل إليه بوجه ما من وصف أو نعت أو علم أو معرفة فليس بمنيع الحمى ،

ولذلك عمم بقوله «عَمَّا يَصِفُونَ» فالعلم بالسلب هو العلم باللّه سبحانه ،

وللّه الأسماء ما له الصفات ، فإنه تنزه عن الصفة لا عن الاسم ، فالحق سبحانه لا يعرف في ليس كمثله شيء ، وفيما ذكره في سورة الإخلاص ،

وفي عموم قوله بالتسبيح الذي هو التنزيه «رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ»

والعزة تقتضي المنع أن يوصل إلى معرفته ، وإن كان تعبدنا بما وصف به نفسه شرعا ، فنقرره في موضعه ونقوله كما أمرنا به على جهة القربة إليه ،

وما ظفر بالأمر إلا من جمع بين التنزيه والتشبيه ، فقال بالتنزيه من وجه عقلا وشرعا ، وقال بالتشبيه من وجه شرعا لا عقلا ،

والشهود يقضي بما جاءت به الرسل إلى أممها في اللّه ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، فكل واصف فإنما هو واقف مع نعت مخصوص ،

فينزه اللّه نفسه عن ذلك النعت من حيث تخصيصه ، لا من حيث أنه له ، فإن له أحدية المجموع لا أحدية كل واحد من المجموع ،

والواصف إنما يصفه بأحدية كل واحد من المجموع ، فهو المخاطب أعني من نعته بذلك ، بقوله «سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ» لذلك ما ورد خبر بالصفات ، لما فيها من الآفات ، ألا ترى من جعله موصوفا ،

كيف يقول : إن لم يكن كذلك كان مئوفا ، وما علم أن الذات إذا قام كمالها على الوصف ، فإنه حكم عليها بالنقص الخالص الصرف ، من لم يكن كماله لذاته ، افتقر بالدليل في الكمال إلى صفاته ، وصفاته ما هي عينه ، فقد جهل


القائل: إن الصفة كونه ، فقال تعالى : «سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ» فأوقف العالم في مقام الجهل والعجز والحيرة ، ليعرف العارفون ما طلب منهم من العلم به ، وما لا يمكن أن يعلم ، فيتأدبون ولا يتجاوزون مقاديرهم ، كما قالت اليهود في الخبر النبوي المشهور : من كون الحق يضع الأرض يوم القيامة على إصبع والسماوات على إصبع - الحديث –

فقرأ النبي صلّى اللّه عليه وسلم (ما قدروا اللّه حق قدره)

فصاحب علم النظر الواقف مع عقله ، المتحكم على الحق بدليله ، هيهات أن يدرك الألوهية ، وأين الألوهية من الكون ؟ !

وأين المحدث من حضرة العين ؟ !

كيف يدرك من له شبه من لا شبه له ؟ للعقل عقل مثله ، وليس للحق حق مثله ، محال وجود ذاتين وإلهين ، لا يشبه شيئا ، ولا يتقيد بشيء ، ولا يحكم عليه شيء ، بل ما يضاف إليه إلا بقدر ما تمس حاجة الممكن المقيّد إليه ، فالعقل ما عرفه ، كيف يلتمس بأمر هو خلقه عاجزا فقيرا مستمدا ؟

تعالى اللّه عن إدراك المدركين علوا كبيرا «سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ» (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) فلا يطلب بالعقول ، ما لا يصح إليه الوصول

- الوجه الثاني -اعلم أن عين العبد لا تستحق شيئا من حيث عينه ، لأنه ليس بحق أصلا ، والحق هو الذي يستحق ما يستحق ، فجميع الأسماء التي في العالم ويتخيل أنها حق للعبد حق للّه ، فالاستحقاق بجميع الأسماء الواقعة في الكون الظاهرة الحكم إنما يستحقها الحق ، والعبد يتخلق بها ، وليس للعبد سوى عينه ،

ولا يقال في الشيء : إنه يستحق عينه ، فإن عينه هويته ، فلا حق ولا استحقاق ، وكل ما عرض أو وقع عليه اسم من الأسماء إنما وقع على الأعيان من كونها مظاهر ، فما وقع اسم إلا على وجود الحق في الأعيان ، والأعيان على أصلها لا استحقاق لها ،

فالوجود للّه وما يوصف به من أية صفة كانت إنما المسمى بها هو مسمى اللّه ، فهو المسمى بكل اسم والموصوف بكل صفة والمنعوت بكل نعت ،

ولذلك قال : «سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ» من أن يكون له شريك في الأسماء كلها ، فالكل أسماء اللّه ، أسماء أفعاله أو صفاته أو ذاته ، فما في الوجود إلا اللّه ،

والأعيان معدومة في عين ما ظهر فيها ، فالصفات للّه حقيقة جهلنا معناها بالنسبة إليه ،

وعرفنا معناها بالنسبة إلينا ، من وجه معرفتنا بمعناها إذا نسبت إلينا ،

ومن كون الباري اتصف بها على طريقة مجهولة عندنا ، فلا نعرف كيف ننسبها إليه لجهلنا بذاته ، فتكون أصلا فيه عارضة فينا ، فلا نستحق شيئا ل


من أسمائه ولا مما نعتقد فيها أنها أسماؤنا ، وهذا موضع حيرة ومزلة قدم ، إلا لمن كشف اللّه عن بصيرته ،

فقوله تعالى فيما وصف به نفسه مما هو عند النظار صفة للخلق حقيقة وأخذوه في اللّه تجوزا ، من جوع وظمأ ومرض وغضب ورضى وسخط وتعجب وفرح وتبشبش ، إلى قدم ويد وعين وذراع ،

وأمثال ذلك ، مما وردت به الأخبار عن اللّه على ألسنة الرسل ، وما ورد من ذلك في الكلام المنسوب إلى اللّه المعبر عنه بصحيفة وقرآن وفرقان وتوراة وإنجيل وزبور ،

فالأمر عند المحققين أن هذه كلها صفات حق لا صفات خلق ،

وأن الخلق اتصف بها مزاحمة للحق ، كما اتصف العالم أيضا بجميع الأسماء الإلهية الحسنى ، فالكل أسماؤه من غير تخصيص ، هذا مذهب المحققين فيه فإنه صادق ،

ولهذا نحن في ذلك على التوقيف ، فلا نصفه إلا بما وصف به نفسه ، ولا نسميه إلا بما سمى به نفسه ، لا نخترع له اسما ، ولا نحدث له حكما ، ولا نقيم به صفة

- الوجه الثالث - «سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ» هي حضرة لا تقبل التنزيه ولا التشبيه ، فيتنزه عن الحد بنفي التنزيه الذي كان يتخيله المنزه ، فإن التنزيه يحدّه ويشير إليه ويقيده ، ويتنزه عن المقدار بنفي التشبيه

- الوجه الرابع -التسبيح تنزيه ما هو ثناء بأمر ثبوتي ، لأنه لا يثنى عليه إلا بما هو أهل له ، وما هو له لا يقع فيه المشاركة ، وما أثني عليه إلا بأسمائه ،

وما من اسم له سبحانه عندنا معلوم إلا وللعبد التخلق به والاتصاف به على قدر ما ينبغي له ،

فلما لم يتمكن في العالم أن يثنى عليه بما هو أهله ، جعل الثناء عليه تسبيحا من كل شيء ،

ولهذا أضاف الحمد إليه فقال (يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) أي بالثناء الذي يستحقه وهو أهله ،

وليس إلا التسبيح ، فإنه سبحانه يقول «سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ»

والعزة المنع من الوصول إليه بشيء من الثناء عليه الذي لا يكون إلا له ، عما يصفون ، وكل مثن واصف ، فذكر سبحانه تسبيحه على كل حال ومن كل عين .


المراجع:

(180) الفتوحات ج 3 / 536 - ج 1 / 697 ، 344 - ج 3 / 536 - ج 2 / 401 - ج 3 / 536 - ج 2 / 542 - ج 1 / 93 - ج 4 / 412 - ج 2 / 580 - ج 4 / 132 ، 372 - كتاب الأعلاق - الفتوحات ج 4 / 372 - ج 2 / 53 - ج 3 / 538 - ج 2 / 283 - ج 3 / 148

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!