موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة ص (38)

 

 


الآية: 26 من سورة ص

يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ (26)

[ داود عليه السلام نص على خلافته بالاسم ومع ذلك نهي عن اتباع الهوى .]

" يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ» لمن تقدمك أو نيابة عنا ؛ وصرح الحق بالخلافتين على التعيين في حق آدم وداود عليهما السلام ،

فقال تعالى في خلافة آدم : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) يريد آدم وبنيه ،

وقال تعالى في داود عليه السلام «يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ» وسبب ذلك لما لم يجعل في حروف اسم داود حرفا من حروف الاتصال جملة واحدة ،

فما في اسمه حرف يتصل بحرف آخر من حروف اسمه ، فكان داود عليه السلام في دلالة اسمه عليه ، أشبه بني آدم بآدم في دلالة اسمه عليه ، فصرح اللّه بخلافته في القرآن في الأرض كما صرح بخلافة آدم في الأرض ، فإن حروف آدم غير متصلة بعضها ببعض ، وحروف داود كذلك ، إلا أن آدم فرق بينه وبين داود بحرف الميم الذي يقبل الاتصال القبلي والبعدي ، فأتى اللّه به آخرا حتى لا يتصل به حرف سواه ،

وجعل قبله واحدا من الحروف الستة التي لا تقبل الاتصال البعدي ، فأخذ داود من آدم ثلثي مرتبة الأسماء (الألف والدال) ،

وأخذ محمد صلّى اللّه عليه وسلم ثلثيه أيضا ، وهو الميم والدال . وشرف اللّه داود في هذه الآية بتعيينه باسمه في الخلافة في الأرض ، وجمع له بين أداة المخاطب وبين ما شرفه به ، وهذا شرف لم يجمع لأبيه آدم لا في تعيينه بالاسم ،

ولا جمع له بين أداة المخاطب وبين ما شرفه به كما حصل لداود عليه السلام في هذه الآية ، وذلك جبرا لقلب داود عليه السلام بعد أن جحد آدم الستين سنة التي أعطاها له ،

ورغم ذلك فإن اللّه أراد تأديب داود عليه السلام لما يعطيه الذكر الذي سماه اللّه به من النفاسة على أبيه ، ولا سيما وقد تقدم من أبيه في حقه ما تقدم من الجحد لما امتن اللّه به عليه ،

فلما جبره اللّه بذكر اسمه في الخلافة ، قال له من أجل ما ذكرناه من تطرق النفاسة التي في طبع هذه النشأة «فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ» الذي أوحيت به إليك وأنزلته عليك ،

أي احكم بما يقتضيه أمر الحق المشروع ، وهو تمشية أوامر اللّه وإنفاذ كلماته لا غير «وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى» وهو ما خالف شرعك ، وهو إرادة النفوس التي يخالفها حكم الحق ، فيحتمل قوله تعالى «وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى» يعني هوى نفسه ، أي لا تحكم بكل ما يخطر لك ، ويحتمل لا تتبع هوى أحد يشير عليك بخلاف ما أوحى اللّه به إليك ،

فإنه تعالى قال «وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى» ولم يقل تعالى: هواك ، أي لا تحكم بما يهوى


كل أحد منك ، فإنه لو كان هوى غيره نهي أن يتبعه ، فاتبعه ، فما يتبعه إلا بهوى نفسه ، فطاوع نفسه في ذلك ، فلذلك تعين أنه أراد بالهوى نفسه لا غيره ، وهو أن يأمره بمخالفة ما أمره اللّه به أن يفعله أو ينهاه عنه ، فقوله تعالى : «وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى» يعني محابك ، بل اتبع محابي وهو الحكم بما رسمته لك ، فشغله ذلك الحذر عن الفرح بما حصل له من تعيين اللّه له باسمه ، ولكن حصل له الفرح وأخذ حظه منه قبل أن يصل إليه زمان «وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» لا عن اللّه ، فأمره بمراقبة سبيل اللّه ، وهو ما شرعه لدار القرار التي هي محل سعادتك ، فكان قوله تعالى لخليفته داود عليه السلام : «فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» وهو ما شرعه اللّه لك على الخصوص ، فإن اللّه تعالى يقول : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) والهوى يحيرك ويتلفك ، ويعمّي عليك السبيل الذي شرعته لك وطلبت منك المشي عليه ، وهو الحكم به ، فالهوى هنا محاب الإنسان ، فأمره الحق بترك محابه إذا وافق غير الطريق المشروعة له ، لأن الهوى يهوي بمتبعه عن درجة الخلافة التي أهّلت لها وأهّلت لك ، فالرجل هو الذي رأى الحق حقا فاتبعه ، وحكم الهوى وقمعه ، «إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» وهو ما شرعه لعباده في كتبه وعلى ألسنة رسله ، والضلال عن سبيل اللّه اتباع الهوى «لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ» يحتمل واللّه أعلم يوم الدنيا ، حيث لم يحاسبوا نفوسهم فيه ، فإن النسيان الترك ، يقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: [ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ] فإن يوم الدنيا أيضا هو يوم الدين ، أي يوم الجزاء لما فيه من إقامة الحدود ، ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ، ولم يقل تعالى لداود عليه السلام : فإنك إن ضللت عن سبيل اللّه لك عذاب شديد ؛ فتلطف به في الخطاب ثانيا .

[ سورة ص (38) : آية 27 ]

وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) «وَما خَلَقْنَا» أي قدّرنا «السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلً» فما هي عبث فإن الخالق حكيم ، فإذا قدرها فما تكون عبثا ولا باطلا ، فإن ذلك لحكمة فيها يعلمها من علّمه اللّه ، لذلك قال : «ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ» .


[سورة ص (38) : الآيات 28 إلى 29]

أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (29)

يقول اللّه في حق ما أنزل من القرآن إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يخاطب به ثلاث طبقات من الناس ، فهو في حق طائفة (بلاغ) يسمعون حروفه إيمانا بها أنها من عند اللّه لا يعرفون غير ذلك - سورة إبراهيم آية 52-

وطائفة تلاه عليها «لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ» أي يتفكروا فيها وفي معاني القرآن ، حتى يعلموا أن الآتي بها لم يأت بها من نفسه ، بل هي من عند مرسله سبحانه ،

وتدبر القرآن من كونه قرآنا وفرقانا ، فللقرآن موطن ، وللفرقان موطن ، فقم في كل موطن باستحقاقه تحمدك المواطن ، والمواطن شهداء عدل عند اللّه ، فإنها لا تشهد إلا بصدق ، وطائفة ثالثة قال فيها «وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ» أرباب العقول ما كانوا قد علموه قبل ،

فإن التذكر لا يكون إلا عن علم غفل عنه أو نسيان من عاقل ، أي ما جاءوا بما تحيله الأدلة الغامض إدراكها ، فإنها لب الدلالات ، فينتبهون من نوم غفلتهم ويتذكرون بعقولهم ما كانوا قد نسوه ،

وهذا يدلك على أنهم كانوا على علم متقدم في شيئية الثبوت وأخذ العهد ، فمن باب الإشارة سمي هذا الجنس بالناس ، اسم فاعل من النسيان معرفا بالألف واللام ، لأنه نسي أن الحق سمعه وبصره وجميع قواه في حال كونه كله نورا ، وهو المقام الذي سأله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم من ربه أن يقيم فيه أبدا ،

فقال : [ واجعلني نورا ] فإن اللّه من أسمائه النور ، بل هو النور ، للحديث الثابت [ نور أنّى أراه ] فلما لم يتذكر الناسي هذه الحال ، وهو في نفسه عليها غافل عنها ، خاطبه الحق مذكرا له بها في القرآن الذي تعبده بتلاوته «لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ» ما كانوا قد نسوه .


المراجع:

(26) الفتوحات ج 2 / 96 - الفتوحات ج 4 / 155 - ج 3 / 191 - ج 4 / 155 ، 107 - ج 2 / 96 - ج 3 / 138 ، 364 ، 138 -ح 2 / 336 - ج 3 / 191 - ج 4 / 48 ، 107 - ج 2 / 336 ، 308 ، 404 - ج 4 / 476 - ج 3 / 191

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!