موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة ص (38)

 

 


الآيات: 66-69 من سورة ص

رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66) قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69)

الخلاف فيما علا عن رتبة المولد من الأركان أقل وإن كان لا يخلو ، ألا ترى إلى الملأ الأعلى كيف يختصمون ؟

وما كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون حتى أعلمه اللّه بذلك ، فقال تعالى مخبرا عن نبيه صلّى اللّه عليه وسلم «ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ»

وقال النبي صلّى اللّه عليه وسلم : [ إن اختصام الملأ الأعلى في الكفارات ، ونقل الأقدام إلى


الصلاة في الجماعات ، وإسباغ الوضوء في المكاره ، والتعقيب «1» في المساجد إثر الصلوات ] فمعنى ذلك أي هذه الأعمال أفضل ؟

ومعنى أفضل على وجهين :

الواحدأي الأعمال أحب إلى اللّه من هذه الأعمال ،

والوجه الآخرأي الأعمال أعظم درجة في الجنة للعامل بها ، فنزاع الملائكة هنا في الأولى ؛ وقد ورد اختصام ملائكة الرحمة وملائكة العذاب في الشخص الذي مات بين القريتين ؛

ومن اختصام الملأ الأعلى أن ملائكة التوحيد والوحدات - وهم من ملائكة العرش الذين لا يرون إلا الكلمة الواحدة وهي الرحمة العامة - إذا جمعهم مع المقسمات - وهم من ملائكة الكرسي أي المقسمات أمرا الذين لا يشهدون إلا انقسام الكلمة إلى رحمة وغضب - إذا جمعهم مجلس واحد وجرت بينهما مفاوضات في الأمر اختصما ،

لأنهما على النقيض ، وهذا من جملة ما يختصم فيه الملأ الأعلى ، فيقول الصنف الواحد بالوحدة ، ويقول الآخر بالانقسام والثنوية.

فالخصام من حكم الملائكة لأنها تحت حكم الطبيعة ، ولولا أن الملأ الأعلى له جزء من الطبيعة ، ومدخل من حيث هيكله النوري ، ما وصفهم الحق بالخصام ، ولا يختصم الملأ الأعلى إلا من حيث المظهر الطبيعي الذي يظهر فيه ، كظهور جبريل في صورة دحية ، وكذلك ظهورهم في الهياكل النورية المادية ، وهي هذه الأنوار التي تدركها الحواس ، فإنها لا تدركها إلا في مواد طبيعية عنصرية ، وأما إذا تجردت عن هذه الهياكل فلا خصام ولا نزاع ، إذ لا تركيب .

ولنبين أولا سبب الاختصام فنقول : هذه الآية مما يدل على أن الملائكة من عالم الطبيعة مخلوقون ، مثل الأناسي غير أنهم ألطف ، كما أن الجن ألطف من الإنسان مع كونهم من نار من مارجها ، والنار من عالم الطبيعة ، فكذلك الملائكة عليهم السلام من عالم الطبيعة ، وهم عمّار الأفلاك والسماوات ، فإنهم يختصمون ، والخصام من الطبيعة لأنها مجموع أضداد ، والمنازعة والمخالفة هي عين الخصام ، ولا يكون إلا بين ضدين ، فلو لا أن الملائكة في نشأتها على صورة نشأتنا ، أي أن نشأتها عنصرية ، ما ذكر اللّه عنهم أنهم يختصمون ، والخصام لا يكون إلا مع الأضداد ، فالملائكة عليهم السلام لو لم تكن الأنوار التي خلقت منها موجودة من الطبيعة ، مثل السماوات التي عمرتها هؤلاء الملائكة ، فإنها كانت دخانا ، فكانت السماوات أجساما شفافة ، لأن كمية الحرارة واليبس فيه أكثر من الرطوبة ، وخلق اللّه عمّار كل فلك من طبيعة فلكه ، فلذلك


(1) التعقيب هو الجلوس في المسجد بعد الفراغ من الصلاة لذكر اللّه .


كانت الملائكة من عالم الطبيعة ، وإن كانت أجسامهم نورية فمن نور الطبيعة ، كنور السراج ، فأثر فيهم حكم الطبيعة الخصام لما فيها من التقابل والتضاد ، والضد والمقابل منازع لمقابله ، فهذه هي الحقيقة التي أورثتهم الخصومة ، ونعتوا بأنهم يختصمون لأن الخصام لا يكون إلا فيمن ركب من الطبائع لما فيها من التضاد ، فلا بد فيمن يتكون عنها أن يكون على حكم الأصل ، فالنور الذي خلقت منه الملائكة نور طبيعي ، فكانت فيها الموافقة من وجه والمخالفة من وجه ، فهذا سبب اختلاف الملأ الأعلى فيما يختصمون فيه . ومما دعا الملأ الأعلى إلى الخصام التخيير في الكفارات ، والتخيير حيرة فإنه يطلب الأرجح أو الأيسر ، ولا يعرف ذلك إلا بالدليل ، فلو أن اللّه يعلمهم بما هو الأفضل عنده من هذه الأعمال والأحب إليه ما تنازعوا ، ولو أنهم يكشفون ارتباط درجات الجنان بهذه الأعمال لحكموا بالفضيلة للأعلى منها ، وإنما اللّه سبحانه غيّب عنهم ذلك ، فهم في هذه المسألة بمنزلة علماء البشر إذا قعدوا في مجلس مناظرة فيما بينهم في مسئلة من الحيض الذي لا نصيب لهم فيه ، بخلاف المسائل التي لهم فيها نصيب ، وإنما قلنا ذلك لأن الكفارات إنما هي لإحباط ما خالف فيه المكلف ربه من أوامره ونواهيه ، والملائكة قد شهد اللّه لهم بالعصمة أنهم لا يعصون اللّه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون به ، وما بلغنا أن عندهم نهي ، وإذا لم يعصوا وكانوا مطيعين فليس لهم في أعمال الكفارات قدم ، فهم يختصمون فيما لا قدم لهم فيه ، وكذلك ما بقي من الأعمال التي لا قدم لهم فيها ، فهم مطهرون فلا يتطهرون فلا يتصفون في طهارتهم بالإسباغ والإبلاغ في ذلك وغير الإسباغ ، وكذلك المشي إلى مساجد الجماعات لشهود الصلوات ليس لهم هذا العمل ، فإن قلت : فإنهم يسعون إلى مجالس الذكر ،

ويقول بعضهم لبعض : هلموا إلى بغيتكم .

فاعلم أن الذكر ما هو عين الصلاة ، ونحن إنما نتكلم في عمل خاص في الجماعة ليس لهم فيه دخول مثل ما لبني آدم ، فإنهم ليسوا على صور بني آدم بالذات ، وإنما لهم التشكل فيهم ، وقد علم جبريل عليه السلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم الصلوات بالفعل ، وتلك من جبريل حكاية يحكيها للتعليم والتعريف بالأوقات ؛ وأما التعقيب إثر الصلوات فإنما ذلك للمصلين على هذه الهيئة المخصوصة التي ليست للملائكة ، فما اختصموا في أمر هو صفتهم ، فلهذا ضربنا مسئلة الحيض مثلا ، وسبب ذلك أن الملائكة تدعو بني آدم في لماتها إلى العمل الصالح وترغبهم في الأفضل ، فلهذا اختصمت في الأفضل حتى تأمرهم به . وأم


قوله صلّى اللّه عليه وسلم كفارات جمع كفّارة ببنية المبالغة ، إنباء بذلك على أنه لصورة العمل الواحد أنواع كثيرة من البلاء ، وأن الكفارات إنما شرعت لتكون حجابا بين العبد وبين ما عرّض إليه نفسه من حلول البلايا بالمخالفات التي عملها ، مأمورا كان بذلك العمل أو منهيا عنه ، فكانت الكفارات عواصم من القواصم ، كما أن للشيء الواحد وإن لم يكن معصية كفارات مختلفة ، مثل الحاج يحلق رأسه لأذى يجده ، أو المتمتع أو المظاهر أو من حلف على يمين فرأى خيرا منها ، فإن مثل هذا له كفارات مختلفة ، أيّ عمل مكفر فعل سقط عنه الآخر ، فقام هذا العمل الواحد مقام ما بقي مما سقط عنه ، فيتصور خطاب الملائكة أي كفارات التخيير أولى بأن يفعل ، أو لما ذا تكون كفارة وما عمل شيئا تجب أن تتوجه فيه العقوبة حتى تكون هذه الكفارة تدفعه ، فالملأ الأعلى يختصمون في مثل هذا أيضا ، ولكي تخرج من الحيرة فإذا خيرك الحق في أمور فانظر إلى ما قدم منها بالذكر فاعمل به ، فإنه ما قدمه حتى تهمم به وبك ، فكأنه نبّهك على الأخذ به ، فما تزول الحيرة عن التخيير إلا بالأخذ بالمتقدم ، تلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم حين أراد السعي في حجة الوداع (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ) ثم قال : [ أبدأ بما بدأ اللّه به ] فبدأ بالصفا ، وهذا عين ما أمرتك به لإزالة حيرة التخيير ، لقد كان لكم في رسول اللّه أسوة حسنة ، والظاهر من هذه الآية في هذا الأمر أن الملائكة لهم نظر فكري يناسب خلقهم ، فإنه لما نبهت الشريعة باختصام الملأ الأعلى علمنا أنه من عالم الطبيعة ، وأن للطبيعة في الملائكة أثرا كما أن للأركان في أجسام المولدات أثرا ، فإن أردت أن ترفعه عنها ، وتنزله منزلتها منها ، فقل : لاختلاف الأسماء ، وهذا أوضح ما يكون من الإيماء .


المراجع:

(69) الفتوحات ج 2 / 251 - ج 3 / 26 - ج 4 / 391 - ج 1 / 586">586 - ج 3 / 432 - ج 1 / 586">586 - ج 2 / 93 - ج 3 / 26 - ج 2 / 651 - ج 4 / 447 - ج 3 / 26 - ج 2 / 472 - ج 3 / 26 - ج 4 / 408 - ج 3 / 26 - ج 4 / 408 - ج 3 / 26 - ج 4 / 391 - ج 3 / 137 - ج 4 / 391

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!