موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة الزمر (39)

 

 


الآية: 53 من سورة الزمر

قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)

ثبت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فيما رواه عن ربه أنه عزّ وجل يقول [ أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي خيرا ] فاجعل ظنك باللّه علما بأنه يعفو ويغفر ويتجاوز ، وليكن داعيك الإلهي إلى هذا الظن قوله تعالى : «قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً» فهذه الآية إشارة إلى عموم الرحمة الإلهية ، وأن المآل إليها ، فإنه تعالى قالها للمسرفين على أنفسهم ، ولم يخص مسرفا من مسرف ، فقال تعالى لنبيه «قُلْ يا عِبادِيَ» فأضافهم إلى نفسه كما أضاف إلى نفسه نفوسهم في خلقها ، فهم عبيد العموم ،


لأنه أضافهم إليه مع كونهم مسرفين ، على الإطلاق في الإسراف ، ونهاهم أن يقنطوا من رحمة اللّه ، فهؤلاء العبيد المذكورون ذكرهم اللّه بالإضافة إليه ، والإضافة إليه تشريف «الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ» وما ذكر سرفا من سرف ، فعمّ جميع حالات المسرفين في السرف ، والإسراف خروج عن الحد والمقدار ، فأسرفوا على أنفسهم وتجاوزوا حدود سيدهم ، وجاء بالاسم الناقص الذي يعم كل مسرف مع إضافة العباد إليه ، لأنهم عباده ، وكفى شرفا شرف الإضافة إلى اللّه تعالى «لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ» فإن الذي أزاغكم إصبع الرحمن ، فإن قلب العبد بين إصبعي الرحمن يقلبه كيف يشاء ، فإن اللّه للرحمة خلقكم ولهذا تسمى بالرحمن ، واستوى به على العرش ، وأرسل أكمل الرسل وأجلهم قدرا وأعمهم رسالة رحمة للعالمين ، ورحمة اللّه وسعت كل شيء ، وأنتم من الأشياء ، فنهاك عن القنوط ، وما نهاك عنه يجب عليك الانتهاء عنه ، ثم أخبر وخبره صدق لا يدخله نسخ ، فإنه لو دخله نسخ لكان كذبا ، والكذب على اللّه محال ، فقال : «إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً» وصف اللّه الذنوب بالمغفرة وهي الستر ، وما وصفها بذهاب العين ليظهر فضل اللّه وكرمه على عبيده ، فهو يسترها بثوب الحسن الذي يكسوها به ، لأنه تعالى لا يرد ما أوجده إلى عدم ، بل يوجد على الدوام ولا يعدم ، فالقدرة فعالة دائما ، فهو لا يمحو الذنوب بل يبدلها بالحسنى ، فيكسو الذنب حلة الحسن ، وهو هو بعينه ، واعلم أن الذنوب من حكم الاسم الآخر ، لأن ذلك الأمر بمنزلة الذنب من الرأس ، متأخرة عنه ، لأن أصله طاعة ، فإنه ممتثل للتكوين إذ قيل له كن ، فما وجد إلا مطيعا ، ثم عرض له بعد ذلك مخالفة الأمر المسمى ذنبا ، فأشبه الذنب في التأخر ، والعرض لا بقاء له ، وإن كان له حكم في حال وجوده ولكن يزول ، فهذا يدلك على أن المآل إلى السعادة إن شاء اللّه ، ولو بعد حين ، ثم إن للذنب من معنى الذنب صفتين شريفتين ، إذا علمها الإنسان عرف منزلة الذنب عند اللّه ، وذلك أن ذنب الدابة له صفتان شريفتان : ستر عورتها ، وبه تطرد الذباب عنها بتحريكها إياه ، وكذلك الذنب فيه عفو اللّه ومغفرته ، وشبه ذلك مما لا يشعر به ، ممّا يتضمنه من الأسماء الإلهية يطرد عن صاحبه أذى الانتقام والمؤاخذة ، وهما بمنزلة الذباب الذي يؤذي الدابة ،

قال تعالى في الحديث القدسي [ لو لم تذنبوا لجاء اللّه بقوم يذنبون فيغفر لهم ] ولم يقل فيعاقبهم ، فغلّب المغفرة وجعل لها الحكم ، فقال : «إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً» وما خص


ذنبا من ذنب ، كما لم يخص إسرافا من إسراف ، كما لم يخص في إرسال محمد صلّى اللّه عليه وسلم عالما من عالم ، فكما جاء بالمغفرة والرحمة في حق التائب وصاحب العمل الصالح ، جاء بهما في حق المسرفين الذين لم يتوبوا ، ونهاهم عن القنوط ، وما قرن اللّه تعالى مغفرته هنا حين أطلقها بتوبة ولا عمل صالح ، وأكد ذلك بقوله «جَمِيعاً» مع ارتفاع القنوط أو مع وجوده ، فما أبقى شيئا من الذنوب ، فلا يتسرمد العذاب ، وهذا عموم رحمة وعفو ومغفرة ، وهو خبر لا يدخله النسخ ، فيجمع بين قوله هذا وبين قوله (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) *فيؤاخذ على الشرك ما شاء اللّه ، ثم يحكم عليه إصبع الرحمن فيئول إلى الرحمن ، وأمور أخر من الزيغ مما دون الشرك يغفر منها ما يغفر بعد العقوبة ، وهم أهل الكبائر الذين يخرجون من النار بالشفاعة بعد ما رجعوا حمما ، مع كونهم ليسوا بمشركين ، والإيمان بذلك واجب ، ومنها ما يغفر ابتداء من غير عقوبة ، فلا بد من المآل إلى الرحمة ، ولو قال تعالى هنا : إن الرحمن لم يعذب أحدا من المسرفين . فلما جاء بالاسم اللّه قد تكون المغفرة قبل الأخذ وقد تكون بعد الأخذ ، ولذلك ختم اللّه بقوله «إِنَّهُ هُوَ» فجاء بالضمير الذي يعود عليه «الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»

- الوجه الأول- من كونه سبقت رحمته غضبه ، فبالغ وما خص إسرافا من إسراف ولا دارا من دار ، فلا بد من شمول الرحمة والمغفرة على من أسرف على نفسه ، فالذي غفر هو الغفور الرحيم لذاته ، فإنه جاء بالألف واللام للشمول في عمارة الدارين ، فلا بد من شمول الرحمة ، وجاء بالرحيم آخرا أي مآلهم وإن أخذوا إلى الرحمة ، فجمع الحق لهؤلاء العبيد الذين أسرفوا على أنفسهم ، الذين نهاهم سبحانه أن يقنطوا من رحمة اللّه ، بين شرف الإضافة إليه وبشرهم أنه يغفر الذنوب جميعا ، ولم يعين وقتا ، فقد تكون المغفرة سابقة لبعض العبيد ، لاحقة لبعض العبيد ، هذا إذا قصد العبد فعل الذنب معتقدا أنه ذنب ، فكيف حال من لم يتعمد إتيان الذنب ؟ ومن حكم الرحمة اجترأ من اجترأ على مخالفة أوامر اللّه من المؤمنين ، فإنهم لا يقنطون من رحمة اللّه

- الوجه الثاني - «إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» لما كان عذر العالم مقبولا في نفس الأمر ، لكونهم مجبورين في اختيارهم ، لذلك جعل اللّه مآل الجميع إلى الرحمة ، فهو الغفور لما ستر من ذلك عن قلوب من لم يعلمه بصورة الأمر ، رحمة به لأنه الرحيم في غفرانه ، لعلمه بأن مزاجه لا يقبل

[ تحقيق : طمع إبليس في شموله بالرحمة]

-تحقيق -هذا وأمثاله أطمع إبليس في رحمة اللّه من عين المنة ، ولو قنط من رحمة اللّه لزاد عصيانه عصيانا ، وإن كانت


دار النار مسكنه لأنه من أهلها ، وإن حارت عليه أوزار من اتبعه ممن هو من أهل النار ، فما حمل إلا ما هو منقطع بالغ إلى أجل ، وفضل اللّه لا انقطاع له ، لأنه خارج عن الجزاء الوفاق ، ورحمة اللّه لا تخص محلا من محل ولا دارا من دار ، بل وسعت كل شيء ، وأكثر من هذا الإفصاح الإلهي في مآل عباده إلى الرحمة ما يكون ، مع عمارة الدارين الجنة وجهنم ، وأن لكل واحد منهما ملأها ، لا يخرجون منها ، فعطاء اللّه لا مانع له ، وإنما الاسم المانع إنما متعلقه أن نعيم زيد ممنوع عن عمرو ، كما أن نعيم عمرو ممنوع عن زيد ، فهذا حكم المانع لا أنه يمنع شمول الرحمة ، والإيمان يقطع بصدق هذا القول الذي جاء في هذه الآية ، ولكن لا يظهر حكمه مشاهدة عين إلا في المسرفين وهم المذنبون ، فكأنه تعالى قال لهم:

اعصوا حتى تعرفوا ذوقا صدق قولي في مغفرتي ؛ وإذا كان أمير المؤمنين المأمون يقول :

لو علم الناس حبي في العفو لتقربوا إلي بالجرائم ، وهو مخلوق ، فما ظنك بالكريم المطلق الكرم ؟ فثمّ قوم يغفر اللّه لهم من غير توبة ، وثمّ قوم يعطيهم اللّه التوبة ، وإياك والدعوى ، فحيث كانت الدعوى كان الاختبار ، ومن وصف نفسه بأمر توجه عليه الاختبار ، وإذا ادعيت فليكن دعواك بحق ، وانتظر البلاء أي الاختبار ، وإن لم تدع فهو أولى بك .

عم بالغفران أصحاب الذنوب *** بعد أخذ وابتداء للعموم

غير أن الأمر قد قسمه *** بين سكنى في جنان وجحيم

وكلا الصنفين في رحمته *** في التذاذ دائم فيه مقيم

زمهرير عند محرور جدى «1» *** وحرور عند مقرور نعيم

ليكون الكل في رحمته *** إنه قال هو البر الرحيم

فقد يكون غفرانه ابتداء ، وبعد أخذ ، وهذا يجب الإيمان به .


المراجع:

(53) الفتوحات ج 4 / 470">446 - ج 3 / 4">148 ، 183 - ج 4 / 4 - ج 2 / 4">4">4">171 - ج 3 / 183 ، 567 - ج 4 / 470">446 - ج 2 / 4">4">4">171 - ج 3 / 567 ، 183 - ج 4 / 470">446 ، 240 - ج 1 / 734 - ج 3 / 567 ، 393 - ج 4 / 304 - ج 3 / 44">388 ، 353 ، 183 - ج 2 / 4">4">4">171 - ج 3 / 4">148 - ج 4 / 470">446 ، 304 - ج 3 / 183 ، 567 ، 4">148 - ج 4 / 4 - ج 3 / 309 - إيجاز البيان الفاتحة 3 - الفتوحات ج 3 / 433 - ج 4 / 4 - ج 3 / 353 - ج 4 / 239 - الديوان / 152

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!