موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة غافر (40)

 

 


الآيات: 13-15 من سورة غافر

هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ (13) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (14) رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (15)

«رَفِيعُ الدَّرَجاتِ»

[ «رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ . . .» الآية ]

فالرفعة له سبحانه بالذات ، وهي للعبد بالعرض ، وجعل له سبحانه درجات يظهر فيها لعباده ، فإن لكل اسم من الأسماء الإلهية مرتبة ليست للآخر ، والمراتب لا تتناهى وهي الدرجات ، وفيها رفيع وأرفع ، وما ثمّ رتبة إلا رفيعة ، وتقع المفاضلة في الرفعة ، ودرجات الحق ليست لها نهاية ، لأن التجلي فيها وليس له نهاية ، ومن جهة أخرى


فإن قوله «رَفِيعُ الدَّرَجاتِ» إنما ذلك على خلقه ، فبالرتبة علم الفاضل والمفضول ، وبها ميز بين اللّه والعالم ، وبها ظهرت حقائق ما هي عليه الأسماء الإلهية من عموم التعلق وخصوصه «ذُو الْعَرْشِ»

- الوجه الأول-ومن هذه المنزلة تنزل النبوة ، ينزلها رفيع الدرجات ذو العرش على العبد ، بأخلاق صالحة ، وأعمال مشكورة حسنة في العامة ، تعرفها القلوب ، ولا تنكرها النفوس ، وتدل عليها العقول ، وتوافق الأغراض ، وتزيل الأمراض ، فإذا حصل العبد في تلك المنزلة من رفيع الدرجات ذي العرش ،

ونظر الحق من هذا الواصل إلى تلك المنزلة نظر استنابة وخلافة ، ألقى الروح بالإنباء من أمره على قلب ذلك الخليفة المعتنى به ، فتلك نبوة التشريع ،

وهي قوله تعالى : «يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ» فالإنذار أبدا مقرون بنبوة التشريع

- الوجه الثاني - «رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ» لما كان العلم تحيا به القلوب ، كما تحيا بالأرواح أعيان الأجسام كلها ، سمى العلم روحا ، تنزل به الملائكة على قلوب عباد اللّه وتلقيه وتوحي به ،

مثل قوله تعالى : (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) فهذا نزول للروح بالواسطة ، وللّه إلقاء للروح من غير واسطة في حق عباده أيضا ، فأما إلقاؤه ووحيه به فقوله : «يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ»

وقوله : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا)

وأما قوله تعالى : «عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ» جاء بمن وهي نكرة ، فالروح بينه تعالى وبين من شاء من عباده بالبشارة والنذارة ، فإذا نزل هذا الروح في قلب العبد بتنزيل الملك أو بإلقاء اللّه ووحيه ، حيي به قلب المنزل عليه ، فكان صاحب شهود ووجود ، لا صاحب فكر وتردد ، ولا علم يقبل عليه دخلا فينتقل صاحبه من درجة القطع إلى حال النظر ، فالعبد المجتبى إما يعرج فيرى ، أو ينزل عليه في موضعه «لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ» فجاء بما ليس بشرع ولا حكم ، بل بإنذار ، فقد يكون الولي بشيرا ونذيرا ، ولكن لا يكون مشرعا ، فإن الرسالة والنبوة بالتشريع قد انقطعت ، فلا رسول بعده صلّى اللّه عليه وسلّم ولا نبي ، أي لا مشرع ولا شريعة ؛ واعلم أن الأرواح النورية المسخرة - لا المدبرة - تنزل على قلوب العارفين بالأوامر والشؤون الإلهية والخيرات بحسب ما يريده الحق بهذا العبد ، فترقيه بما نزلت به إليه ترقية وتخليصا إلى الحجاب الأقرب من الحجب البعيدة ، إلى أن يتولاه اللّه بارتفاع الوسائط ،

وهو قوله تعالى في هذه الآية «يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ»

أما قوله تعالى في سورة النحل) : يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ


بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ) ولم يقل هو ، فكان الروح هو الملقى من عند اللّه إلى قلوب عباده ، ويكون أمر اللّه هو الذي ألقاه ،

ويكون ذلك الروح صورة قوله (لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ)

فارتفعت الوساطة إذ كان عين الوحي المنزل هو عين الروح ، وكان الملقي هو اللّه لا غيره ، فهذا الروح ليس عين الملك ، وإنما هو عين المألكة ،

ومثل هذا الروح لا تعرفه الملائكة لأنه ليس من جنسها ، فإنه روح غير محمول ، ليس نورانيا والملك روح في نور ، وأما الملائكة فقد يكونون ممن اختص بهم الرسل

وهو قوله تعالى : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ) فهو رسول الرسول ، وأما تنزل الأرواح الملكية على قلوب العباد ، فإنهم لا ينزلون إلا بأمر اللّه الرب ، وليس معنى ذلك أن اللّه يأمرهم من حضرة الخطاب بالإنزال ، وإنما يلقي إليهم ما لا يليق بمقامهم في صورة من ينزلون عليه بذلك ، فيعرفون أن اللّه قد أراد منهم الإنزال والنزول بما وجدوه في نفوسهم من الوحي الذي لا يليق بهم ، وأن ذلك الوحي من خصائص البشر ، ويشاهدون صورة المنزل عليه في الصور التي عندهم تسبيحها [ يا من أظهر الجميل وستر القبيح ]

للستور التي تسدل وترفع ، فيعرفون من تلك الصور من هو صاحبها في الأرض ، فينزلون عليه ويلقون إليه ما ألقي إليهم ؛ فعلوم الغيب تنزل بها الأرواح على قلوب العباد ، فمن عرفهم تلقاهم بالأدب وأخذ منهم بالأدب ، ومن لم يعرفهم أخذ علم الغيب ولا يدري ممن ، كالكهنة وأهل الزجر وأصحاب الخواطر وأهل الإلهام ، يجدون العلم بذلك في قلوبهم ولا يعرفون من جاءهم به ، وأهل اللّه يشاهدون تنزل الأرواح على قلوبهم ، ولا يرون الملك النازل إلا أن يكون المنزل عليه نبيا أو رسولا ،

قال تعالى : (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ)

فالولي يشهد الملائكة ولكن لا يشهدها ملقية عليه أو يشهدون الإلقاء ويعلمون أنه من الملك من غير شهود ، فلا يجمع بين رؤية الملك والإلقاء منه إلا نبي أو رسول ، وبهذا يفترق ويتميز النبي من الولي ، أعني النبي صاحب الشرع المنزل ،

وقد أغلق اللّه باب التنزل بالأحكام المشروعة ، وما أغلق باب التنزل بالعلم بها على قلوب أوليائه ، وأبقى لهم التنزل الروحاني بالعلم بها ، ليكونوا على بصيرة في دعائهم ، إلى اللّه بها ، كما كان من اتبعوه وهو الرسول ،

ولذلك قال : (أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) فهو أخذ لا يتطرق إليه تهمة عندهم.

وأما كيفية الإلقاء فموقوفة على الذوق وهو الحال ، ولا بد أن يكون قلب الملقى


إليه مستعدا لما يلقى إليه ، ولولاه ما كان القبول ، وليس الاستعداد في القبول ، وإنما ذلك اختصاص إلهي ،

يقول صلّى اللّه عليه وسلّم فيمن حفظ القرآن : [ إن النبوة قد أدرجت بين جنبيه ] وهو من استظهر القرآن ، فله ذوق الإنزال على قلبه من تنزل الروح به وهو استظهار القرآن ، أي أخذه عن ظهر ، فهذا التنزل مستمر فيمن شاء اللّه من عباده ، وهو تنزل القرآن على قلوب الأولياء ، ما انقطع مع كونه محفوظا لهم ولكن لهم ذوق الإنزال .


المراجع:

(15) الفتوحات ج 4 / 227 - ج 2 / 469 - ج 3 / 178 - ج 4 / 227 - ج 2 / 469 ، 90 - ج 3 / 356 - ج 2 / 376 ، 253 - ج 3 / 356 - ج 2 / 376 ، 637 ، 569 ، 258

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!