موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة الشورى (42)

 

 


الآيات: 39-40 من سورة الشورى

وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)

السوء على نوعين : سوء شرعي وسوء ما يسوؤك ، وإن حمده الشرع ولم يذمه ، فقد يكون هذا السوء من كونه يسوؤك ، لا أن السوء فيه حكم اللّه ، كما قال تعالى : «وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها» فالسيئة الأولى شرعية صاحبها مأثوم عند اللّه ، لأنه تعدى ، والسيئة


الأخرى ما يسوء المجازى عليها ، فهي ليست بسيئة شرعا وإنما هي سيئة من حيث إنها تسوء المجازى بها كالقصاص ،[ سبب تسمية الجزاء سيئة : ]

فسمى اللّه الجزاء سيئة بالمثلية ، وليس الجزاء بسيئة مشروعة ، لأن اللّه لا يشرع السوء ، فنبه تعالى بقوله : «وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ» على الزهد والترك للأخذ عليها بتسمية الجزاء سيئة ، فأنزل المسئ منزلة السيئة وسمي بها ، فلم يقل وجزاء المسئ ، فإن المسئ هو الذي يجازى بما أساء لا السيئة ، فإن السيئة قد ذهب عينها ، وهي لا تقبل الجزاء ، وأضيف الجزاء إلى السيئة ، فللمسيء حكم السيئة ، ولذلك نبه تعالى بقوله «مِثْلُها» فأطلق على الجزاء اسم سيئة ، ومن اتصف بشيء من ذلك فيقال فيه : إنه مسيء ، فحث تعالى على اختيار العفو على الجزاء بالمثل نفاسة وتقديس نفس ، من أن توصف بأنها محل للسيئة والسوء ، فقال فيمن لم يفعلها «فَمَنْ عَفا» فنبه على أن ترك الجزاء على السيئة من مكارم الأخلاق ، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في الرجل الذي طلب القصاص من قاتل من هو وليه ، فطلب منه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يعفو عنه أو يقبل الدية فأبى ، فقال : خذه ؛ فأخذه ، فلما قفى قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : [ أما إنه إن قتله كان مثله ] يريد قوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُه) فسمي قاتلا ، فبلغ ذلك القول الرجل فرجع إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وخلّى عن قتله وتركه وعفا ، «فَمَنْ عَفا» ولم يجاز بالسيئة على السيئة ، أي عفا المظلوم عمن ظلمه ولم يؤاخذه بما استحق عليه فهو أولى «وَأَصْلَحَ» أي عفا عمن أساء إليه وأصلح ، يعني حال من أساء إليه بالإحسان ، فأصلح منه ما كان أوجب الإساءة إليه منه ، فما أراد بأصلح إلا هذا ، ولا يحصل في هذا المقام إلا من له همة عالية ، فإن اللّه قد أباح له أن يجازي المسئ بإساءته على وزنها ، فأنف على نفسه أن يكون محلا للاتصاف بما سماه الحق سيئة ، ولهذا النوع أجر على اللّه من وجهين : أجر العفو - وأجر العفو من اللّه كثير فإنه من الأضداد - وأجر الإصلاح ، وهو الإحسان إليه ، المزيل لما قام به من الموجب للإساءة إليه ، واللّه يحب المحسنين ، ولو لم يكن في إحسانه المعبر عنه بالإصلاح إلا حصول حب اللّه إياه الذي لا يعدله شيء لكان عظيما فيكون أجر من هذا صفته على اللّه أجر محب لمحبوب ، وكفى بما تعطيه منزلة الحب ، فما يقدر أحد أن يقدر أجر ما يعطيه المحب لمحبوبه ، فقال تعالى : «فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ» وكان ينبغي أن يكون أجره على من تركت مطالبته بجنايته ، فتحمل اللّه ذلك الأجر عنه إبقاء على المسئ ورحمة به ، فلا يبقى للمظلوم عليه حق يطالبه


به ، فشرع اللّه لنا في بعض الحقوق أنا إذا تركناها كان أعظم لنا ، وجعل ذلك من مكارم الأخلاق فقال : «فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ» أي هذه صفة الحق فيمن عفى عنه ، فيما هو حق له معرى عن حق الغير ، فإقامة العدل إنما هو في حق الغير ، وما كان اللّه ليأمر بمكارم الأخلاق ولا يكون الجناب الإلهي موصوفا به ، فكذلك يفعل مع عباده فيما ضيعوه من حقه وحقوقه ، يعفو ويصفح ويصلح ، فيكون المآل إلى رحمة اللّه في الدارين ، فتعمهم الرحمة حيث كانوا ولا يستوون ، فما أمرك بالعفو عمن جنى عليك إلا ليعفو عنك إذا جنيت عليه في ظنك ، ولو علم الناس قدر ما نبهنا عليه في هذه المسألة ما جازى أحد من أساء إليه بإساءة ، فما كنت ترى في العالم إلا عفوّا مصلحا ، فإن المسئ في حقنا ، الذي خيرنا اللّه بين جزائه بما أساء وبين العفو عنه لما أساء ، أعطانا من خير الآخرة ما نحن محتاجون إليه ، حتى لو كشف اللّه الغطاء بيننا وبين ما لنا من الخير في الآخرة في تلك المساءة حتى نراها عيانا ، لقلنا إنه ما أحسن أحد في حقنا أحسن من هذا الذي قلنا إنه أساء في حقنا ، فلا يكون جزاؤه عندنا الحرمان ، فنعفو عنه فلا نجازيه ، ونحسن إليه مما عندنا من الفضل على قدر ما تسمح به نفوسنا ، فإنه ليس في وسعنا ولا يملك مخلوق في الدنيا ما يجازي به من الخير من أساء إليه ، ولا يجد ذلك الخير ممن أحسن إليه في الدنيا ، فمن كان هذا عقده ونظره كيف يجازي المسئ بإساءته إذا كان مخيرا فيها ، ولو لم يكن ثم إخبار من اللّه بالخير الأخروي لمن أسيء إليه إذا صبر ولم يجاز لكان المقرر في العرف كافيا فيما في التجاوز والعفو والصفح عن المسئ ، فإن ذلك من مكارم الأخلاق ، ولولا إساءة المسئ إليّ ما اتصفت أنا ولا ظهرت مني هذه المكارم من الأخلاق ، كما أني لو عاقبته انتفت عني هذه الصفات في حقه ، وكنت إلى الذم أقرب مني إلى أن أحمد علي العقاب ، فكيف والشرع قد جاء في ذلك بأن أجر من يعفو ويتجاوز ولا يجازي أنه على اللّه ؟ .

[سورة الشورى (42) : آية 41]

وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)

من طلب حقه واستقصاه فلا يلام .


المراجع:

(40) الفتوحات ج 4 / 104 ، 171 ، 104 ، 171 - ج 1 / 379">379">379">379 - ج 4 / 104 ، 171 - ج 1 / 379">379">379">379 - ج 4 / 171 - ج 1 / 379">379">379">379 - ج 3 / 407 ، 168 - ج 4/ 24 - ج 3 / 168 ، 478 ، 407 ، 478 - ج 4 / 68 ، 24 ، 47

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!