موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة محمد (47)

 

 


الآية: 15 من سورة محمد

مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (15)

[ العلوم التي تعطيها أنهار الجنة : ]

«فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ» يقال أسن الماء وأجن إذا تغير ، وهو الماء المخزون في الصهاريج ، وكل ماء مخزون يتغير بطول المكث ، وهذا وصف الطهارة «وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ "بعقده أو مخضه أو ترييبه"

وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ» تعطي الطرب والالتذاذ ، فإن الخمر ليست الدار الدنيا بمحل لإباحته في شرع محمد صلّى اللّه عليه وسلّم الذي مات عليه ، وخص الخمر بالجنة دون الدنيا وقرن به اللذة للشاربين ، ولم يقل ذلك في غيره من المشروبات ، وذلك لأنه ما في المشروبات ما يعطي الطرب والسرور التام والابتهاج إلا شرب الخمر ، فيلتذ به شاربه وتسري اللذة في أعضائه ، وتحكم على قواه الظاهرة والباطنة ، وما في المشروبات من له سلطان وتحكم على العقل سوى الخمر ، لذلك حرمت في الدنيا لعظم شأنها وقوة سلطانها ، وهي لذة للشاربين حيث كانت ، ولهذا عزت وما هانت ، في الدنيا محرمة وفي الآخرة مكرمة ، هي ألذ أنهار الجنان ، ولها مقام الإحسان ، وعطاؤها أجزل العطا «وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى»

واعلم أن الشرب يختلف باختلاف المشروب فإن كان الشرب


نوعا واحدا فإنه يختلف باختلاف أمزجة الشاربين ، وهو استعدادهم ، فمن الناس من يكون مشروبه عسلا بحسب الصورة التي يتجلى فيها العلم ، فإن هذه الأصناف صور علوم مختلفة ، ودليلنا على ما قلناه إنها علوم ،

رؤيا النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فإنه قال : [ أريت كأني أوتيت بقدح لبن فشربت منه ، حتى رأيت الري يخرج من أظفاري ، ثم أعطيت فضلي عمر ، قالوا : فما أولته يا رسول اللّه ؟ قال : العلم ]

فهذا علم تجلى في صورة لبن ، كذلك تتجلى العلوم في صور المشروبات ، ولما كانت الجنة دار الرؤية والتجلي ، وما ذكر اللّه فيها سوى أربعة أنهار :

أنهار من ماء غير آسن ،

وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ،

وأنهار من خمر لذة للشاربين ،

وأنهار من عسل مصفى ،

علمنا قطعا أن التجلي العلمي لا يقع إلا في أربع صور :ماء ولبن وخمر وعسل ،

ولكل تجل صنف مخصوص من الناس ، وأحوال مخصوصة في الشخص الواحد ، فنهر الماء الذي غير آسن أي غير متغير يعطي علم الحياة قال تعالى : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)

وكذلك هذا العلم الذي يعطيه هذا الماء تحيا به القلوب ، ونهر الخمر هو علم الأحوال ، وهو صورة للعلم الإلهي الذوقي الذي تمجه العقول من جهة أفكارها ، ولا يقبله إلا الإيمان ، فأنهار الخمر تعطي معارف عنها السرور والابتهاج والفرح وإزالة الغموم ، والتجريد من الكم والكيف والهياكل الظلمانية ، والتنزه عن ملاحظة الأكوان الجسمية والجسمانية ، فهو سرور بالعلم بالكمال ، ونهر العسل هو علم الوحي على ضروبه ، ونهر اللبن هو علم الأسرار والفطرة واللب الذي تنتجه الرياضات والمجاهدات والتقوى ، فيحصل للإنسان من العلوم في كل جنة من جنات الاختصاص والإرث والعمل بحسب حقيقة تلك الجنة ، وبحسب مأخذ النشآت منه ، فإنها تختلف مآخذها وتختلف العلوم وتختلف الجنات ، فتختلف الأذواق .


المراجع:

(15) الفتوحات ج 1 / 350 - ج 2 / 544 ، 550 - ج 4 / 381 - ج 2 / 550 - كتاب النجاة - الفتوحات ج 2 / 550 - ج 2 / 441 - كتاب الأعلاق - الفتوحات ج 2 / 441

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!