موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة ق (50)

 

 


الآيات: 24-29 من سورة ق

أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (26) قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (27) قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28)

ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (29)

[ «ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ . . .» الآية : ]

-الوجه الأول - «ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ» فما يكون منه إلا ما سبق به العلم ، وهذا إخبار من اللّه تعالى ، أزال الاختيار بإزالة الإمكان من العالم ، وانتفى الإمكان بالنسبة إلى اللّه ، فما ثمّ إلا أن يكون أو لا يكون ، فليس في الكون واقع إلا أمر واحد ، علمه من علمه وجهله من جهله ، وليس في الأصل إلا أمر واحد عند اللّه ، وهكذا يكون اللّه علمه في الأشياء سابق لا يحدث له علم «وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ» لتصرفي في ملكي ، فلم يتصرف في ملك غيره فينسب إلى الجور والحيف

- الوجه الثاني - «ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ» لأنه خلاف المعلوم فوقوعه محال ، فما حكم به العلم سبق به الكتاب ، وذلك لحكم الكتاب على الجميع ،

وفي ذلك قال صلّى اللّه عليه وسلّم : [ إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس ، حتى ما يبقى بينه وبين الجنة إلا شبر ، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار ] وكذلك قال في أهل الجنة ،

ثم قال : [ وإنما الأعمال بالخواتيم ] وهي على حكم السوابق ، فلا يقضي اللّه قضاء إلا بما سبق الكتاب به أن يقضي ، فعلمه تعالى في الأشياء عين قوله في تكوينه ، فما يبدل القول لديه ، فما حكم وسبق به العلم لا يتبدل عقلا ولا شرعا ،

لذلك قال تعالى: «ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ» ولرائحة الجبر في ذلك أعقبه تعالى بقوله :" وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ " لئلا يتوهم متوهم ذلك ، إذ كان الحكم للعلم فيه ، فما نجري عليهم إلا ما سبق به العلم ، ولا أحكم فيهم إلا بما سبق به ؛ وما كتب تعالى إلا ما علم ،

ولا علم إلا ما شهد من صور المعلومات على ما هي عليه في أنفسها ، ما يتغير منها وما لا يتغير ، فيشهدها كلها في حال عدمها على تنوعات تغييراتها إلى ما لا يتناهى ، فلا يوجدها إلا كم


هي عليه في أنفسها ، فإنه ما علم تعالى إلا ما أعطته المعلومات ، فالعلم يتبع المعلوم ، ولا يظهر في الوجود إلا ما هو المعلوم عليه ، فلله الحجة البالغة ، لذلك قال : «وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ» أي ما قدرت عليهم الكفر الذي يشقيهم ، ثم طلبتهم بما ليس في وسعهم أن يأتوا به ، بل ما عاملناهم إلا بحسب ما علمناهم ، وما علمناهم إلا بما أعطونا من نفوسهم مما هم عليه ، فإن كان ظلم فهم الظالمون ، ومن لم يعرف الأمر هكذا فما عنده خبر بما هو الأمر عليه ، فالإنسان جاهل بما يكون منه قبل كونه ، فإذا وقع منه ما وقع فما وقع إلا بعلم اللّه فيه ، وما علم إلا ما كان المعلوم عليه ،

فصح قوله (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) والرضا إرادة فلا تناقض بين الأمر والإرادة ، وإنما النقض بين الأمر وما أعطاه العلم التابع للمعلوم ، فهو فعال لما يريد ، وما يريد إلا ما هو عليه العلم ، وهذا هو عين سر القدر لمن فهمه ، وكم منع الناس من كشفه لما يطرأ على النفوس الضعيفة الإيمان من ذلك ، فليس سر القدر الذي يخفى عن العالم عينه إلا اتباع العلم المعلوم ، فلا شيء أبين منه ولا أقرب مع هذا البعد ،

وسبق الكتاب هو إضافة الكتاب إلى ما يظهر به ذلك الشيء في الوجود ، على ما شهده الحق في حال عدمه ، فالكتاب سبق وجود ذلك الشيء ، والحكم للقول ،

وذلك ليس إلا للّه ، ومن هنا تعلم ما هو النسخ ، فإن مفهوم النسخ في القائلين به رفع الحكم بحكم آخر كان ما كان من أحكام الشرع ، فإن السكوت من الشارع في أمر ما حكم على ذلك المسكوت عنه ، فما ثمّ إلا حكم فهو تبديل ،

وقد قال تعالى : «ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ» فما ثمّ نسخ على هذا القول ، ولو كان ثمّ نسخ لكان من الحكمة وصورته أن الزمان إذا اختلف اختلف الحكم بلا شك ، فالنسخ ثابت أبدا لأن الاختلاف واقع أبدا ، فالحكمة تثبت النسخ والحكمة ترفع النسخ ،

والفرق بين الحكمة والعلم أن الحكمة لها الجعل ، والعلم ليس كذلك ، لأن العلم يتبع المعلوم ، والحكمة تحكم في الأمر أن يكون هكذا ، فيثبت الترتيب في أعيان الممكنات في حال ثبوتها بحكمة الحكيم ،

لأنه ما من ممكن إلا ويمكن إضافته إلى ممكن آخر لنفسه ، لكن الحكمة اقتضت بحكمها أن ترتبه كما هو ، بزمانه وحاله في حال ثبوته ،

وهذا هو العلم الذي انفرد به الحق تعالى وجهل منه ، وظهر به الحكم في ترتيب أعيان الممكنات في حال ثبوتها قبل وجودها ، فتعلق بها العلم الإلهي بحسب ما رتبها الحكيم عليه ، فالحكمة أفادت الممكن ما هو عليه من الترتيب الذي يجوز خلافه ، والترتيب أعطى


العالم العلم بأن الأمر كذا هو ، فلا يوجد إلا بحسب ما هو عليه في الثبوت الذي هو ترتيب الحكيم عن حكم الحكمة ، فما يبدل القول لديه ، فإنه ما يقول إلا ما رتبته الحكمة ، كما أنه ما علم إلا ما رتبته الحكمة

- الوجه الثالث -القول الإلهي منه ما يقبل التبديل ومنه ما لا يقبل التبديل ، وهو إذا حق القول منه ، فالقول الواجب لا يبدل ، والقول المعروض يقبل التبديل ، فقد تقدم القول من الحق لمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم بالتكثير في الصلاة وبدله بالتخفيف والتقليل ، وقال له في آخر رجعة «ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ "

-الوجه الرابع - «ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ» وهو الأمر الذي لا يعصيه مخلوق ،

وهو قوله (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ) هذا الأمر الذي لا يمكن للممكن المأمور به مخالفته.

[سورة ق (50) : آية 30]

يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30)

يقول اللّه تعالى لجهنم «هَلِ امْتَلَأْتِ» فتقول : «هَلْ مِنْ مَزِيدٍ» ، فإذا وضع الجبار فيها قدمه قالت : قطني قطني ، وفي رواية قط قط ، أي قد امتلأت ، فقد ملأها بقدمه على ما شاء سبحانه من علم ذلك ، فيخلق اللّه فيها خلقا يعمرونها ، ورد في الخبر الصحيح:

[ إن اللّه لما خلق الجنة والنار قال لكل واحدة منها : لها علي ملؤها ] أي أملؤها سكانا ، إذ كان عمارة الدار بساكنها ، والنار موجودة من العظمة ، والجنة موجودة من الكرم ، فلهذا اختص اسم الجبار بالقدم للنار وأضافه إليه ، لأن هذا الاسم للعظمة ، وقدم الجبار ليست إلا غضب اللّه ، فإذا وضعه فيها امتلأت ، فإن المخلوق الذي من حقيقته أن يفني لا يملؤه مخلوق ، فإنه كل ما حصل منه فيه أفناه ، فلا يملأ مخلوقا إلا الحق ، وغضب اللّه حق ، فأنعم به على جهنم فوضعه فيها فامتلأت بحق .


المراجع:

(29) الفتوحات ج 1 / 591">591 - ج 4 / 103 - ج 1 / 591">591 - ج 2 / 411 - ج 3 / 37 - ج 2 / 334 - ج 3 / 1821">365 - ج 4 / 15 - ج 3 / 1504">48 - ج 4 / 15 - كتاب فصوص الحكم فص 13 - الفتوحات ج 4 / 182 ، 15 ، 258 - الفتوحات ج 3 / 156 ، 217

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!