موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة ق (50)

 

 


الآيات: 36-37 من سورة ق

وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36) إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)

" إِنَّ فِي ذلِكَ»

[ «إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ . . .» الآية : ]

يشير إلى العلم باللّه من حيث المشاهدة «لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ» يتقلب فيفهم قول اللّه ، ويعقل به عن اللّه ، ولم يقل تعالى غير ذلك ، فإن القلب معلوم بالتقليب في الأحوال دائما ، فهو لا يبقى على حالة واحدة ، وكذلك التجليات الإلهية ، فمن لم يشهد التجليات بقلبه ينكرها ، فإن العقل يقيده ، وغيره من القوى ، إلا القلب فإنه لا يتقيد ، وهو سريع التقلب في كل حال ، ولذا قال الشارع : [ إن القلب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء ]

فهو يتقلب بتقلب التجليات ، والعقل ليس كذلك ، فإن العقل تقييد من العقال ، فالقلب هو القوة التي وراء طور العقل ، فلو أراد الحق في هذه الآية بالقلب أنه العقل ما قال لمن كان له قلب ، فإن كل إنسان له عقل ،

وما كل إنسان يعطى هذه القوة التي وراء طور العقل ، المسماة قلبا في هذه الآية ، فلا معنى للحس هاهنا ، فإن استفاضة النور من عين البصيرة على ساحة القلب كانعكاس الشعاع من العين على المبصرات ،

فينظر إلى عجائب الملكوت ، وتتصل الأنوار وتنفتح عند ذلك العين الثانية في القلب ، وهو عين اليقين ، فإن للّه في القلب عينين ، عين بصيرة وهو علم اليقين ، والعين الأخرى عين اليقين ، فعين البصيرة تنظر بالنور الذي يهدي به ،

وعين اليقين تنظر بالنور الذي يهدي إليه ، قال تعالى : (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ)

وهو نور اليقين ، وقال في النور الآخر : (وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ)

فإذا اتصل النور الذي يهدي به بالنور الذي يهدي إليه عاين الإنسان ملكوت السماوات والأرض ، فلا تكون معرفة الحق من الحق إلا بالقلب لا بالعقل ، ثم يقبلها العقل من القلب ، فإن القلب له التقليب من حال إلى حال ، وبه سمي قلبا ، فمن فسر القلب بالعقل فلا معرفة له بالحقائق ، فالحق تعالى هو المقيد بما قيد به نفسه من صفات الجلال ، وهو المطلق بما سمى به نفسه من أسماء الكمال ، وهو الواحد الحق ،


الجلي الخفي ، لا إله إلا هو العلي العظيم «أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ»

- الوجه الأول -لخطاب اللّه الحق فألقى السمع لما قيل له وعرّف به

- الوجه الثاني" أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ» هم أهل الإيمان المقلدة ، الذين قلدوا الأنبياء والرسل فيما أخبروا به عن الحق لا من قلد أصحاب الأفكار والمتأولين الأخبار الواردة بحملها على أدلتهم العقلية ، فهؤلاء الذين قلدوا الرسل صلوات اللّه وسلامه عليهم هم المرادون بقوله : «أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ» فالذي ينبغي للعبد أن يصغي إلى الحق ويخلي سمعه لكلامه ، حتى يكون الحق هو الذي يتلوه بلسانه ويسمعه ، ويتولى شرح كلامه ويترجم للعبد عن معناه ، فيأخذ العلم منه لا من فكره واعتباره ، وإنما ألقى السمع لما يقوله الحق له ،

فيقول له : يا عبدي أردت بهذه الآية كذا وكذا ، وبهذه الآية الأخرى كذا وكذا .

- الوجه الثالث - «أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ» فسمع باللّه «وَهُوَ شَهِيدٌ»

- الوجه الأول - «وَهُوَ شَهِيدٌ» فأبصر باللّه .

- الوجه الثاني–" وَهُوَ شَهِيدٌ» أي حاضر معه فيما يلقى إليه المخبر ، فيمثله نصب عينيه ، فكأنه يشاهده ، فإنه خبر صدق جاء به صادق أمين فهو تنبيه على حضرة الخيال واستعمالها ، وهو قوله عليه السلام في الإحسان [ أن تعبد اللّه كأنك تراه ] و [ اللّه في قبلة المصلي ] فلذلك هو شهيد .

- الوجه الثالث - «وَهُوَ شَهِيدٌ» لمواقع الخطاب الإلهي على الشهود والكشف .

- الوجه الرابع" –وَهُوَ شَهِيدٌ» لتقلبه في نفسه ، فيعلم أن الأمر كذلك - الوجه الخامس- «وَهُوَ شَهِيدٌ» لما يحدث اللّه في كونه من الشأن ،

فإنه قال : «إِنَّ فِي ذلِكَ» إشارة إلى قوله تعالى : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) مع غير ذلك «لَذِكْرى» لعبرة «لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ» أي لمن له فطنة بالتقلب في الأحوال ، أو تقلب الأحوال عليه ، فيعلم من ذلك شؤون الحق وحقائق الأيام التي الحق فيها في شأن ، فالشأن واحد العين والقوابل مختلفة كثيرة ، يتنوع فيها هذا الشأن بتنوعها واختلافها ، فهو من اللّه واحدة ، وفي صور العالم كثيرة ، «أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ»

لما يتلى عليه من قوله : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) وأمثاله «وَهُوَ شَهِيدٌ» من نفسه تقلب أحواله ، فيكون على بصيرة في ذلك من اللّه ، فحصرت الآيات في السمع والبصر ، فإما شهود وإما خبر ، فإن المراد من جميع التكليف سلامة القلب ، ومن لم يكن له قلب سليم فلا أقل من الحضور لفهم المسموع أو التفهيم ، فإن من السمع الفهم عن اللّه سبحانه ،

قال تعالى : (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) فمن ألقى السمع وهو شهيد فهو عارف ، وحظه السماع من التنزيل


العزيز والبكاء ، وإياه أراد بقوله : (وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ) الآية ، فمن كان سمعه كذلك فعليه التخلق بما يسمع ، والمبادرة إلى الانقياد للتكليفات في جميع الأعضاء والقوابل في ظاهره وباطنه ، وفعل ما قدر عليه من المندوبات ، واجتناب ما سمع النهي عنه من المحرمات ، والتعفف عن المكروهات ، وترك فضلات المباحات بجميعه ، فقد خوطب بذلك على التفصيل ، فأما من له قلب فإنه بجميعه سمع ،

كما أنه بجميعه يد ، كما أنه بجميعه رجل ، كما أنه بجميعه فرج ، كما أنه بجميعه قلب ، ولا يكون شهيدا ، إلا أن يقطع بأن ما سمعه حق ، لا من جوّز سواه ، ومن جوّز ذلك فعليه تعلم الإيمان بالمبادرة إلى امتثال ما سمع ، فإن من عمل على الشك صادقا في طلبه أورثه اليقين ،

واللّه يقول : (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ) فلو سمعوا لاستجابوا ، فبادر أيها السالك إلى مفهومك ، مما سمعت ، ولا تقف على البواطن ، فالذي يلزمك مفهومك ، ومن عمل بما علم ورثه اللّه علم ما لا يعلم (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) فإن أدركت زائدا على الظاهر موافقا مراد الآمر فبفضل اللّه على عقلك ، وإلا فلا حكم لعقلك على سمعك ، سيما بعد الشهادة ، فاتهم عقلك مبادرا إلى ما فهمت من ظاهره ، ومن لم يكن له قلب ولا ألقى السمع وهو شهيد فليس من أهل الذكرى .


المراجع:

(37) الفتوحات ج 1 / 287">287">287">287">287">287">287">287 - ج 3 / 471 - ج 4 / 85 - ج 3 / 198 - ج 1 / 287">287">287">287">287">287">287">287 - كتاب التدبيرات الإلهية - الفتوحات ج 1 / 287">287">287">287">287">287">287">287 - ج 3 / 198 - ج 1 / 287">287">287">287">287">287">287">287 - ج 4 / 85 - كتاب فصوص الحكم فص 12 - الفتوحات ج 3 / 484 ، 471 - ج 1 / 239">239 - ج 4 / 221 - ج 1 / 239">239 ، 627 - كتاب فصوص الحكم فص 12 - الفتوحات ج 3 / 484 ، 471 - ج 4 / 85 - ج 3 / 564 ، 351 - كتاب تلقيح الأذهان

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!