موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة الذاريات (51)

 

 


الآية: 23 من سورة الذاريات

فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23)

أقسم اللّه جل ثناؤه بالربوبية على ضمان الرزق ، والضمير يعود على المذكور ، فأقسم سبحانه بنفسه من اسم الرب المضاف إلى السماء والأرض على نفسه ، أن الرزق قضاء وعد به أولياءه في السماء ، ومثّله بالنطق منا الذي لا يرتاب فيه ، ليتميز المؤمن الكامل من غيره ،


فقال تعالى : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) «فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ " ولما كان الرب هو السيد والمالك والمربي والمصلح والثابت ، أثبت الحق افتقار العالم إليه في هذا القسم بهذا الاسم ،

فالكل صنعه وخلقه وفعله ، فالسّماوات والأرض إشارة إلى العالم العلوي والسفلي ، ولما أقسم اللّه بهذا القسم ضجّت الملائكة في السماء ، حيث أقسم لهم اللّه بنفسه لكونهم لم يثقوا بالضمان دون اليمين ،

ولكن لما كان اللّه عليما بنا ، لهذا أقسم لنا ، فإن نشأتنا تعطي ذلك ، فلا بد من إيقاع هذا القسم لنا ، لما تقتضيه مرتبتنا من التهمة وعدم الثقة التي هي أوصاف أسافل نشئنا ، وبضدها أوصاف علية ، فمن يعرفنا يعرف لمن أقسم منا ،

فيستريح ولا ينكر ، فإنه ما خرج عن حقيقته ، فأقسم اللّه لمن غلب حال ظلمته وأسفله ، والدليل على ما قلناه أنه مع هذا القسم لم تصح الطمأنينة ، بل بقي من أجل هذا القسم صاحب عقد على ذلك ، لا صاحب حال ،

فإن حاله يشهد عليه بذلك ، ولهذا نضطرب عند فقد الأسباب ، فصرف حقيقته بهذا الحال ، ولم يؤثر القسم في حاله ، واضطرابه في الرزق يشهد عليه بالتهمة مطلقا ، ولهذا وقع القسم ، ووقع بالسماء والأرض الذي هو وجود العالم بأسره ، من طريق ذاته لا من طريق حاله ووصفه ،

وسيأتي قسمه بحاله ووصفه في قوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) حتى يكمل شرف العالم كله من كونه مضافا إليه عموما ، وشرف محمد صلّى اللّه عليه وسلّم خصوصا في قوله تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ) فقد جمع له بين الخصوص والعموم بخلاف غيره من جنسه ، وبهذا القسم نفّس اللّه عن المؤمنين غير الموقنين ،

بقسمه على الرزق وما وعد به من الخير المطلق والمقيد بالشروط لمن وقعت منه ووجدت فيه «إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ» فنفّس اللّه عنهم بذلك وحصل لهم اليقين ،

وما بقي لهم بعد إلا الاضطراب الطبيعي ، فإن الآلام الطبيعية المحسوسة ما في وسع الإنسان رفعها إذا حصلت ، بخلاف الآلام النفسية فإنه في وسعه رفعها ،

فوقع التنفيس بالقسم أن الرزق من اللّه لا بد منه ، وبقي في قلب بعض الموقنين بذلك من الحرج تعيين وقت حصوله ، ما وقع به التعريف ، ولو وقع لم يرفع الاضطراب الطبيعي ، فلما علم الحق أنه لا ينفس في تعيين الأوقات ، لذلك لم يوقع بها التعريف ، وقال بعضهم موبخا لمن اضطرب إيمانه بالرزق مع صدق وعده تبارك وتعالى وقسمه : -

وترضى بصراف وإن كان مشركا *** ضمينا ولا ترضى بربك ضامن


وكأنه تعالى يقول لنا : إنكم لن تنالوا من الرزق مع جمعكم إياه وانكبابكم عليه إلا ما قدرته لكم ، وسواء عليكم تعرضتم لتحصيل ما ضمنته لكم أو أعرضتم عنه ، لا بد لي أن أوصله إليكم ، فإني أطلبكم به كما أطلبكم بآجالكم ، وما ذلك من كرامتكم علي ،

ولا من إهانتكم ، فإني أرزق البر والفاجر ، والمكلف وغير المكلف ، وأميت البر والفاجر والمكلف وغير المكلف ، فإنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها ،

كما أنه لن تموت نفس حتى يأتيها أجلها المسمى ، وسواء كان الرزق قليلا أو كثيرا ، وليس رزقك إلا ما تقوم به نشأتك ،

وتدوم به قوتك وحياتك ، وليس رزقك ما جمعت وادخرت ، فقد يكون ذلك لك ولغيرك ، لكن حسابه عليك إذا كنت جامعه وكاسبه ، فلا تكسب إلا ما يقوتك ويقوت من كلفك اللّه السعي عليه لا غير .


المراجع:

(23) كتاب القسم الإلهي - الفتوحات ج 2 / 477 - ج 1 / 521 - ج 4 / 114

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!