موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة الرحمن (55)

 

 


الآية: 9 من سورة الرحمن

وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (9)

" وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ» فإن اللّه وضع لنا في العالم الموازين الشرعية لنقيم بها الوزن بالقسط ، وهو الاعتدال ، مثل لسان الميزان والكفتين ومثل اعتدال الإنسان ،

إذ الإنسان لسان الميزان ، فلا بد فيه من الميل إلى جانب داعي الحق ، فالواجب إقامة الوزن بالقسط ، فإن رجحت الوزن في القضاء فهو أفضل ، فإنك امتثلت أمر اللّه ، فإنه ما رجح الميزان حتى اتصف بالإقامة التي هي حد الواجب ثم رجح ،

والذي يخسر الميزان ما بلغ بالوزن حد الإقامة حتى يحصل الواجب ، مثل ما فعل المرجح ، فما حمدنا المرجح إلا لحصول إقامة الوزن لا للترجيح ، ثم أثنينا عليه ثناء آخر بالترجيح ، فالمرجح محمود من وجهين ، وحمده من جهة الإقامة أعلى لأنه الحمد الوجوبي «وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ» وهو الموزون من الأعيان ، فلا تفرطوا بترجيح إحدى الكفتين إلا بالفضل ، فإنه إذا أقيمت موازين الشرع الإلهي في العالم سرى العدل في العالم .

واعلم أنه ما من صنعة ولا مرتبة ولا حال ولا مقام إلا والوزن حاكم عليه علما وعملا ،

فللمعاني ميزان بيد العقل يسمى المنطق ، يحوي على كفتين تسمى المقدمتين ،

وللكلام ميزان يسمى النحو ، يوزن به الألفاظ ، لتحقيق المعاني التي تدل عليه ألفاظ ذلك اللسان ، ولكل ذي لسان ميزان ، فالأمر محصور في علم وعمل ،

والعمل على قسمين :حسي وقلبي،

والعلم على قسمين :عقلي وشرعي،

وكل قسم على وزن معلوم عند اللّه في إعطائه ، وطلب من العبد لما كلفه أن يقيم الوزن بالقسط ، فلا يطغى فيه ولا يخسره ، وميزان العمل حسي وقلبي ، كل من جنسه ، فميزان العمل أن ينظر إلى


الشرع ، وكيف أقام صور الأعمال على أكمل غاياتها ، قلبيا كان ذلك العمل أو حسيا ، أو مركبا من حس وقلب ، كالنية والصلاة من الحركات الحسية ،

فقد أقام الشرع لها صورة روحانية يمسكها عقلك ،

فإذا شرعت في العمل فلتكن عينك في ذلك المثال الذي أخذته من الشارع ، واعمل ما أمرت بعمله في إقامة تلك الصورة ،

فإذا فرغت منها قابلها بتلك الصورة الروحانية ، المعبر عنها بالمثال الذي حصلته من الشارع ، عضوا عضوا ومفصلا مفصلا ظاهرا وباطنا ،

فإن جاءت الصورة فيها بحكم المطابقة من غير نقصان ولا زيادة ، فقد أقمت الوزن بالقسط ولم تطغ فيه ولم تخسره ، فإن الزيادة في الحد عين النقص في المحدود ،

وقد قال تعالى : (لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) وهو معنى (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ) (وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ) وهو قوله: «وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ»

فطلب العدل من عباده في معاملتهم مع اللّه ، ومع كل ما سوى اللّه من أنفسهم وغيرهم ، فإذا وفق اللّه العبد لإقامة الوزن ،

فما أبقى له خيرا إلا أعطاه إياه ، وترجيح الميزان في موطنه هو إقامته ، وخفة الميزان في موطنه إقامته ، فهو بحسب المقامات ، فالمحقق هو الذي يقيم الميزان في العلم والعمل ، على حسب ما يقتضيه الموطن ، من الرجحان والخفة في الموزون ، بالفضل في موضعه والاستحقاق ،

فإن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ندب في قضاء الدين وقبض الثمن إلى الترجيح ، فقال :[ أرجح له ] حين وزن له ، فما أعطاه خارجا عن استحقاقه بعين الميزان ،

فهو فضل لا يدخل الميزان ، إذ الوزن في أصل وضعه إنما وضع للعدل لا للترجيح ، وكل رجحان يدخله فإنما هو من باب الفضل ، وإن اللّه لم يشرع قط الترجيح في الشر جملة واحدة ، وإنما قال : (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ)

وقال : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) ولم يقل : أرجح منها ،

وقال : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) ولم يقل : بأرجح (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)

فرجح في الإنعام[ تنبيه وإشارة : خلق اللّه آدم على صورته : ]

-تنبيه وإشارة -جمع اللّه تعالى في هذه السورة قوله تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ) وقوله تعالى : (وَوَضَعَ الْمِيزانَ) فقد خلق الإنسان على صورة الميزان ، وجعل كفتيه يمينه وشماله ، وجعل لسانه قائمة ذاته ، فهو لأي جانب مال ، وقرن اللّه السعادة باليمين وقرن الشقاء بالشّمال ، وأمرنا تعالى في قوله : (وَوَضَعَ الْمِيزانَ) أن نقيمه من غير طغيان ولا خسران ، ومن إقامته أن تعلم أن قول اللّه تعالى : [ خلق اللّه آدم على صورته ] فوازن بصورته حضرة موجده ذاتا وصفة وفعلا ، ولا يلزم من الوزن

الاشتراك في حقيقة الموزونين ، فإن الذي يوزن به الذهب المسكوك هو صنجة حديد ، فليس يشبهه في ذاته ولا صفته ولا عدده ، فيعلم أنه لا يوزن بالصورة الإنسانية إلا ما تطلبه الصورة ، بجميع ما تحوي عليه ، بالأسماء الإلهية التي توجهت على إيجاده وأظهرت آثارها فيه ، وكما لم تكن صنجة الذهب توازن الذهب في حد ولا حقيقة ولا صورة عين ، كذلك العبد وإن خلقه اللّه على صورته ، فلا يجتمع معه في حد ولا حقيقة ، إذ لا حد لذاته ، والإنسان محدود بحد ذاتي لا رسمي ولا لفظي ، وكل مخلوق على هذا الحد ، والإنسان أكمل المخلوقات وأجمعها من حيث نشأته ومرتبته ، فإذا وقفت على حقيقة هذا الميزان زال عنك ما توهمته في الصورة ، من أنه ذات وأنت ذات ، وأنك موصوف بالحي العالم وسائر الصفات وهو كذلك ، وتبين لك بهذا الميزان أن الصورة ليس المراد بها هذا ، ولهذا جمع في سورة واحدة (خَلَقَ الْإِنْسانَ) (وَوَضَعَ الْمِيزانَ) وأمرك أن تقيمه من غير طغيان ولا خسران ، وما له إقامة إلا على هذا الحد ، فإن اللّه الخالق وأنت العبد المخلوق ، وكيف للصنعة أن تعلم صانعها ؟ وإنما تطلب الصنعة من الصانع صورة علمه بها لا صورة ذاته ، وأنت صنعة خالقك ، فصورتك مطابقة لصورة علمه بك ، فاعلم بأي ميزان تزن نفسك مع ربك ، ولا تعجب بنفسك ، واعلم أنك صنجة حديد وزن بها ياقوتة يتيمة لا أخت لها ، وإن اجتمعت معها في المقدار فما اجتمعت معها في القدر ولا في الذات ولا في الخاصية ، تعالى اللّه ، فالزم عبوديتك والزم قدرك .


المراجع:

(9) الفتوحات ج 3 / 529 - ج 4 / 362">60 - ج 1 / 62">614">62">614 ، 404 - ج 3 / 62">6 -ح 4 / 362">60 - ج 3 / 529 - ج 3 / 62">6 ، 9 ، 62">6 ، 8

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!