The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi
The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة آل عمران (3)

 

 


الآية: 18 من سورة آل عمران

شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)

توحيد الالهويه والشهادة على الاسم المسقط

«شَهِدَ اللَّهُ» ،فبدأ بنفسه في الشهادة بتوحيده ، ثم ذكر الملائكة ، ثم ذكر بعد الملائكة أولي العلم ، وهم الأناسي ، وهكذا كان أمر الوجود ، فالأولية للحق ، ثم أوجد الملك ثم أوجد الإنسان وأعطاه الخلافة ، فكانت شهادته تعالى لنفسه بالتوحيد ، ثم عطف سبحانه «الْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ» على نفسه بالواو ، ولم يعطف اللّه تعالى هنا بذكر الشهادة تشريفا للملائكة وأولي العلم ، وإن كان قد فصلهم عن شهادته لنفسه بذكره «لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» والواو حرف يعطي الاشتراك ، ولا اشتراك هنا إلا في الشهادة قطعا ، وفصل شهادة الحق لنفسه لتتميز من شهادة من سواه ، بما شهد به لنفسه ، والضمير في «أَنَّهُ» يعود على اللّه من «شَهِدَ اللَّهُ» فعطف بالواو ، وقال «وَالْمَلائِكَةُ» فقدم الملائكة للمجاورة ، والملائكة كلهم علماء باللّه ليس فيهم من يجهل بخلاف الناس ، ثم قال في حق الناس «وَأُولُوا الْعِلْمِ» يعني من الجن والإنس ، وما أطلق مثل ما أطلق الملائكة ، فجعلهم جيران الملائكة لتصح الشفاعة من الملائكة فينا لحق الجوار ، والعلم هنا علم التوحيد لا علم الوجود ، فإن العالم كله عالم بالوجود لا بالتوحيد ، لا في الذات ولا في المرتبة ، فالموحدون بأي وجه كان أولياء للّه تعالى ، فإنهم حازوا أشرف المراتب التي شرك اللّه أصحابها من أجلها مع اللّه فيها ، وشهادة الملائكة وأولي العلم بتوحيده على قدر مراتبهم في ذلك ، فلذلك فصل بين شهادته لنفسه وشهادة



العلماء له ، فأخبر سبحانه وتعالى عباده بشرف العلم حيث وصف به نفسه ، وأخبر تعالى أن العلماء هم الموحدون على الحقيقة ، والتوحيد أشرف مقام ينتهى إليه ، وليس وراءه مقام إلا التثنية ، فمن زلت قدمه عن صراط التوحيد رسما أو حالا وقع في الشرك ، فمن زلت قدمه في الرسم فهو مؤبد الشقاء لا يخرج من النار أبدا لا بشفاعة ولا بغيرها ، ومن زلت قدمه في الحال فهو صاحب غفلة ، يمحوها الذكر وما شاكله ، فإن الأصل باق يرجى أن يجبر فرعه بمنّ اللّه تعالى وعنايته ، والموحد للّه في ألوهته إن كان عن شهود لا عن نظر وفكر ، فهو من أولي العلم الذين ذكرهم اللّه في هذه الآية ، لأن الشهادة إن لم تكن عن شهود وإلا فلا ، فإن الشهود لا يدخله الريب ولا الشكوك ، وإن وحّده بالدليل الذي أعطاه النظر ، فما هو من هذه الطائفة المذكورة ، فإنه ما من صاحب فكر ، وإن أنتج له علما إلا وقد يخطر له دخل في دليله وشبهة في برهانه ، يؤديه ذلك إلى التحيّر والنظر في ردّ تلك الشبهة ، فلذلك لا يقوى صاحب النظر في علم ما يعطيه النظر قوة صاحب الشهود ، لذلك كان أرباب الفيض الإلهي الذين قال تعالى فيهم : (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) والذين ورثوا العلم وأخذوه بالمجاهدة والأعمال ، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم [ من عمل بما علم أورثه اللّه علم ما لا يعلم ]

كان هؤلاء أولى باسم العالم من صاحب النظر والفكر ، لأن اللّه أعطاهم من الفيض الإلهي ما هو وراء طور العقل ، وهم على بصيرة فيما يعلمونه لا يدخلهم شبهة ؛ وصاحب النظر ما يخلو عن شبهة تدخل عليه في دليله وقال تعالى «وَأُولُوا الْعِلْمِ» ولم يقل (وأولو الإيمان) لأن أولي العلم شهدوا للّه بتوحيده قبل إيمانهم ، ومنهم الرسل قد وحدوه قبل أن يكونوا أنبياء ورسلا ، فإن الرسول ما أشرك قط ، فرتبة العلم فوق رتبة الإيمان بلا شك ، وهي صفة الملائكة والرسل ، وقد يكون حصول ذلك العلم عن نظر أو ضرورة كيفما كان ، فيسمى علما إذ لا قائل ولا مخبر يلزم التصديق بقوله ، فلما أضافهم إلى العلم لا إلى الإيمان علمنا أنه أراد من حصل له التوحيد من طريق العلم النظري أو الضروري لا من طريق الخبر ، كأنه يقول : وشهدت الملائكة بتوحيدي بالعلم الضروري من التجلي الذي أفادهم العلم ، وقام لهم مقام النظر الصحيح في الأدلة العقلية ، فشهدت لي بالتوحيد كما شهدت لنفسي «وَأُولُوا الْعِلْمِ» بالنظر العقلي الذي جعلته في عبادي ، ثم جاء الإيمان بعد ذلك في الرتبة الثانية من العلماء ، وهو الذي يعول عليه في السعادة ، فإن اللّه به أمر ، وسميناه

علما لكون المخبر هو اللّه ، فقال (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ) قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في الصحيح [من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا اللّه دخل الجنة] ولم يقل هنا يؤمن ، فإن الإيمان موقوف على الخبر ، وقد علمنا أن للّه عبادا كانوا في فترات ، وهم موحدون علما ، وما كانت دعوة الرسل قبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم عامة ، فيلزم أهل كل زمان الإيمان ، فعمّ بهذا الكلام جميع العلماء بتوحيد اللّه ، المؤمن منهم من حيث ما هو عالم به من جهة الخبر الصدق الذي يفيد العلم لا من جهة الإيمان ، وغير المؤمن ، فالإيمان لا يصح وجوده إلا بعد مجيء الرسول ، فإذا جاء الرسول صلّى اللّه عليه وسلم ، وبين يديه العلماء باللّه وغير العلماء باللّه ، وقال للجميع : قولوا لا إله إلا اللّه ، علمنا على القطع ، أنه صلّى اللّه عليه وسلم في ذلك القول معلم لمن لا علم له بتوحيد اللّه من المشركين ، وعلمنا أنه في ذلك القول أيضا معلم للعلماء باللّه ، وتوحيده أن التلفظ به واجب ، وأنه العاصم لهم من سفك دمائهم وأخذ أموالهم وسبي ذراريهم ، ولهذا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : [ أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللّه ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على اللّه ].

فالحكم هنا للقول لا للعلم ، والحكم يوم تبلى السرائر في هذا العلم لا للقول ، فأعلم العلماء باللّه بعد ملائكة اللّه رسل اللّه وأولياؤه ، ثمّ العلماء باللّه بالأدلة ومن دونهم . «قائِماً بِالْقِسْطِ» فوصف الحق نفسه في هذا التوحيد أنه قائم بالقسط ، أي بإقامة الوزن ، أي بالعدل فيما فصل به بين الشهادتين ، فشهد لنفسه بتوحيده وشهد لملائكته وأولي العلم أنهم شهدوا له بالتوحيد ، وهذا من باب قيامه بالقسط ، وهو من باب فضل من أتى بالشهادة قبل أن يسألها ، فإن اللّه شهد لعباده أنهم شهدوا بتوحيده قبل أن يسأل منه عباده ذلك ، وهذا هو التوحيد الخامس في القرآن ، وهو قوله تعالى «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» وهو توحيد الهوية ، والشهادة على الاسم المقسط ، وهو العدل في العالم بإعطاء كل شيء خلقه ، فوصف نفسه بإقامة الوزن في التوحيد ، أعني توحيد الشهادة بالقيام بالقسط ، وجعل ذلك للهوية ، وكان اللّه الشاهد على ذلك من حيث أسماؤه كلها ، فإنه عطف بالكثرة وهو قوله «وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ» ،فعلمنا حيث ذكر اللّه ، ولم يعين اسما خاصا أنه أراد جميع الأسماء الإلهية التي يطلبها العالم بالقسط ، إذ لا يزن على نفسه ، فلم يدخل تحت هذا إلا ما يدخل في الوزن ، فهذا توحيد القسط في إعطاء الحق في هذه الشهادة ، فإنه قال بعد قوله «قائِماً بِالْقِسْطِ» «لا إِلهَ إِلَّا

هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» ،وبيّن الحق في هذه الآية أن الشهادة لا تكون إلا عن علم لا عن غلبة ظن ، ولا تقليد إلا تقليد معصوم فيما يدعيه ، فتشهد له بأنك على علم ، كما نشهد نحن على الأمم أن أنبياءها بلّغتها دعوة الحق ، ونحن ما كنا في زمان التبليغ ، ولكن صدّقنا الحق فيما أخبر به في كتابه ، وكشهادة خزيمة ، وذلك لا يكون إلا لمن هو في إيمانه على علم بمن آمن به ، لا على تقليد وحسن ظن .

ثم قوله تعالى بنفسه «لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» نظير الشهادة الأولى التي له ، فحصلت شهادة العالم له بالتوحيد بين شهادتين إلهيتين أحاطتا بها ، حتى لا يكون للشقاء سبيل إلى القائل بها ، ثم تمّم بقوله «الْعَزِيزُ» ليعلم أن الشهادة الثانية له مثل الأولى لاقتران العزة بها ، أي لا ينالها إلا هو ، لأنها منيعة الحمى بالعزة ، ولو كانت هذه الشهادة من الخلق لم تكن منيعة الحمى عن اللّه ، فدلّ إضافة العزة لها على أنها شهادة اللّه لنفسه ، فهو تعالى العزيز فلا يصل أحد إلى العلم ولا إلى الظفر بحقيقته . وقوله «الْحَكِيمُ» لوجود هذا الترتيب في إعطاء السعادة لصاحب هذه الشهادة ، حيث جعلها بين شهادتين منسوبتين إلى اللّه ، من حيث الاسم الأول والآخر وشهادة الخلق بينهما ، فسبحان من قدّر الأشياء مقاديرها ، وعجز العالم عن أن يقدّروها حقّ قدرها ، فكيف أن يقدروا من خلقها ، وهو تعالى الحكيم الذي نزل لعباده في كلماته ، فقرّب البعيد في الخطاب لحكمة أرادها تعالى - فائدة - اعلم أن اللّه جعل في قلب العارف كنز العلم باللّه ، فشهد للّه بما شهد به الحق لنفسه من أنه لا إله إلا هو ، ونفى هذه المرتبة عن كل ما سواه ، فقال تعالى : «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ» فجعلها كنزا في قلوب العلماء باللّه ، ولما كانت كنزا لذلك لا تدخل الميزان يوم القيامة ، وما يظهر لها عين إلا إن كان في الكثيب الأبيض يوم الزور ، ويظهر جسمها وهو النطق بها عناية لصاحب السجلات لا غير ، فذلك الواحد يوضع له في ميزانه التلفظ بها ، إذ لم يكن له خير غيرها ، فما يزن ظاهرها شيء ، فأين أنت من روحها ومعناها ؟ فهي كنز مدّخر أبدا دنيا وآخرة ، وكل ما ظهر في الأكوان والأعيان من الخير فهو من أحكامها وحقه .

3 / 19


المراجع:

(18) الفتوحات ج 4 / 8 - ج 1 / 25">325 ، 431 ، 25">325 - ج 2 / 52 - ج 3 / 448 - ج 2 / 52 - ج 3 / 448 - ج 2 / 52 – مواقع النجوم - الفتوحات ج 2 / 559 - ج 1 / 324 ، 372 - ج 2 / 25 - ج 1 / 25">325 - ج 2 / 52، 407 ، 52 ، 310 ، 52 ، 310- ج 1 / 667

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



Please note that some contents are translated Semi-Automatically!